أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مازن كم الماز - الأصولية , القومية و العسكريتاريا في تركيا















المزيد.....



الأصولية , القومية و العسكريتاريا في تركيا


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 2023 - 2007 / 8 / 30 - 11:22
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تستعد الحكومة و الجيش التركيان للاحتفال بالذكرى السنوية ال 75 للجمهورية التركية . ارتباطا بهذه الحادثة التي تسمى بالمجيدة تخطط الحكومة لتقديم قانون عفو عن السجناء أما السجناء السياسيين , مثلا سجناء الضمير , اليساريين الراديكاليين , المقاومين الأكراد , و الإسلاميين فهم بالطبع غير مشمولين . رغم أن بعض يساريينا راغبون جدا بالانضمام لهذا "البطر المفرط الديني" فإن الجمهورية التركية في الواقع أقامت نفسها على دماء و دموع المضطًهدين .
أسس كمال أتاتورك ( 1881 – 1938 ) الجمهورية التركية عام 1923 على ستة مبادئ : الجمهورية , فصل الدين عن الدولة , الإصلاحية , القومية , الشعبية و الدولانية . تحت النظام الكمالي جرى تحرير الدولة من سيطرة الدين و وضع الدين تحت سيطرة الدولة . استخدمت أفكار الجمهورية خاصة و العلمانية و الإصلاحية من جانب النخبة الكمالية لقمع معتنقي الإيمان الإسلامي . تتألف العلاقة بين المضٍطهد و المضًطهد من القمع و المقاومة . لكن العلاقة بين الكماليين و الإسلاميين في تركيا كما سنرى لا تتألف فقط من ذلك : إنهما يسعيان لاستغلال بعضهما البعض لتحقيق أهدافهما .
ردة الفعل الإسلامية في تركيا أظهرت نفسها عبر طريقين : ثورة الجماهير الإسلامية المحافظة و الحركة السياسية الإسلامية . إن استياء الشعب في العقود الأولى من الجمهورية أخذ عادة شكل انفجارات غاضبة عفوية من جانب الجماهير الإسلامية المحافظة التي كانت أساسا أمية و خاضعة بدرجة كبيرة لتأثير الأفكار الدينية . إن تمرد الشيخ سعيد عام 1925 الذي مثل تمرد الأكراد السنيين في جنوب شرق تركيا هو مثال جيد . قام الجيش بقمع دموي للثورات الصغيرة و الكبيرة بما في ذلك تمرد الشيخ سعيد . حكم على مئات الأشخاص الذين ثاروا في معارضة أو مقاومة مسلحة ضد النظام الاجتماعي و السياسي السائد بالموت في محاكمات استبدادية و متسرعة .
الحركة السياسية الإسلامية من جانبها بدلا من أن تدخل في صراع مع الدولة بحثت عن حلفاء من داخل النخبة الحاكمة بتبنيها خطا معتدلا . بعد الحرب العالمية الثانية سمح التحول من نظام الحزب الواحد إلى نظام متعدد الأحزاب ( هذا التحول البرلماني أدى إلى انشقاق في النخبة الحاكمة : من طرف حزب الشعب الجمهوري الذي كان الحزب الحاكم و من جهة أخرى الحزب الديمقراطي الذي نشأ من انشقاق في حزب الشعب الجمهوري ) للحركة الإسلامية بالحصول على حليف في الحزب الديمقراطي . بهدف كسب أغلب أصوات الناس في المناطق الريفية سعى الحزب الديمقراطي لوضع الحركة الإسلامية تحت رعايته و فاز بالتالي بانتخابات 1950 بفارق كبير . لكن بعد إسقاط الحزب الديمقراطي بانقلاب عسكري في 27 أيار مايو 1960 فاز حزب العدالة الذي ورث سياسات الحزب الديمقراطي المحظور من جديد بانتخابات 1965 العامة . استخدم حزب العدالة كلا من الجماهير الإسلامية المحافظة و الحركة السياسية الإسلامية كقوى في الشارع ضد حركات العمال و الشباب الصاعدة . شجع تجار المقاطعات الذين أصبحوا أثرياء تحت رعاية الحزب الديمقراطي و مولوا الأفعال العدوانية لهؤلاء ( الحرفيين , صغار التجار و سكان المناطق الريفية الذين فقدوا كل أمل في المستقبل ) الذين كانوا يزدادون فقرا و غضبا بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة و الذين كملجأ أخير ألقوا مراسيهم إلى الدين .
في عام 1969 أحس قادة الحركة الإسلامية الذين كانوا حتى اليوم يتنظمون تحت مظلة حزب العدالة أنهم أقوياء بما فيه الكفاية لتشكيل حزبهم الخاص الذي سموه حزب النظام الوطني . لكن في 12 آذار مارس 1971 قام الجيش بانقلاب جديد فسحق الحركة الثورية و قمع حزب النظام الوطني : الجيش الذي كان يتعامى عندما كانت الحركة الإسلامية تستخدم من قبل الدولة ضد الحركة الثورية رأى في هدف هذه الحركة الإسلامية في كسب الأكثرية في البرلمان كتهديد .
في السبعينيات من القرن الماضي واصلت الدولة سياستها في استخدام القطاعات الإسلامية المتعصبة من المجتمع ضد الحركة الثورية . خاصة في البلدات ريفية حرضت الدولة عن عمد الجماهير السنية لتنظيم مجازر تحت قيادة أعضاء القمصان الرمادية من الحزب الفاشي : "حزب الحركة القومية" ضد طائفة هرطقية معينة في الدين الإسلامي تعرف باسم "العلويين" . نظمت ما سمي بالحركة الإسلامية "غير المعتدلة" قواها في الثمانينات عندما قام الجيش الكمالي الذي سمي ب" المضاد للأصولية" بانقلاب آخر في 12 أيلول سبتمبر 1982 . دعم الجيش الحركة الإسلامية على الرغم من خطابه "المعتدل" و هكذا استفاد من قوة هذه الحركة الإيديولوجية للسيطرة و إخضاع الشعب . الحركة الإسلامية لم تتردد من جهتها في استغلال كل فرصة وفرتها الدولة لخدمة غرضها بتسلق سلم السلطة .
لسوء الحظ أنه حتى بعض المفكرين الماركسيين و اليساريين في تركيا فشلوا في فهم الأساس الفعلي للنزاع بين الإسلام و العلمانية في العمق – و هي قضية هامة تهيمن اليوم على الأجندة الإيديولوجية و السياسية في تركيا – و واظبوا على أخذ جانب الجيش في هذا الصراع . تبقى الحقيقة أن هذا الصراع هو أساسا صراع على السلطة بين قوتين أكثر منه صراع بين منظومتين . الجيش المعتدل هو محافظ كما هي الحركة الإسلامية و الحركة الإسلامية من جهتها معتدلة كما هو الجيش . بكلمات أخرى هو صراع سلطة بين قوتين سياسيتين كلاهما محافظ و معتدل .
لهذا السبب قيل أن الحركة الإسلامية في تركيا مختلفة عن مثيلتها من الحركات الأصولية في الجزائر و إيران . إن عددا معتبرا من الأشخاص البارزين في الحركة الإسلامية هم من رجال الأعمال . و بعضهم ما يزال يعمل في مؤسسات الدولة . إن العناصر الأصولية في الحركة مهمشة . على خلاف قادة الحركة الأصولية في الجزائر ليس القادة الإسلاميون في تركيا في موقف القتال حتى الموت لأن أدوارهم الاجتماعية و السياسية لا تسمح لهم بمواجهة الدولة . أكثر من ذلك فلديهم علاقات وثيقة مع السعودية الأكثر اندماجا بين كل الدول الإسلامية في النظام العالمي الرأسمالي . واحدة من أكثر خصائص الحركة الإسلامية في تركيا أهمية هي أن الإسلاميين الذين يتمثل هدفهم بعيد المدى بإقامة دولة دينية كالدولة الإيرانية و بدلا من أن يدخلوا في صدام مع الدولة يعملون لكي تندمج الإيديولوجية و نمط الحياة الإسلامي في كل مناحي المجتمع – من التعليم إلى الموضة , من الحياة الثقافية إلى الرياضة , من الإعلام إلى الحياة الجنسية – بتعديل القيم الإسلامية لتتكيف مع عملية العصرنة . إنهم بهذه المحاولات يحاولون إقامة هيمنتهم الإيديولوجية في المجتمع و بعدها أن يخضعوا الدولة , على عكس الكماليين-اليعاقبة الذين يريدون إقامة هيمنتهم الإيديولوجية بواسطة الدولة . بهذا المعنى فالصراع الطويل و المرير بين الكماليين و الإسلاميين , و كلاهما قوة جائرة و احتكارية , هو صراع في سبيل الهيمنة الإيديولوجية و السلطة السياسية . يبدو اليوم أن الكماليين قد ظفروا بالصدارة في الصراع من أجل الهيمنة الإيديولوجية بفضل الإعلام , الجيش و نظام التعليم . على سبيل المثال يحاول الإعلام خلق موجة من الهستيريا الوطنية العلمانية في المجتمع مشابهة لهستيريا معاداة الشيوعية في الخمسينيات في أمريكا ماكارثي . في الثمانينات تمكنت الحركة الإسلامية من جهة من تقوية مواقعها بين الناس ذوي الإيمان الديني الذي كانوا يردون على الديكتاتورية الكمالية و من جهة أخرى كسبت كثيرا من الحماية و الفرص التالية التي وفرتها لها ذات الديكتاتورية . منذ منتصف التسعينيات تنظمت الحركة الإسلامية تحت حزب الرفاه الذي حقق أكثر من 30 % من الأصوات ليصبح أكبر حزب يميني ( أن يكون أكبر حزب يميني يعني أنه يشكل الأغلبية في البرلمان ) . لذلك قررت أن تتخلى عن القاعدة التي اتبعتها طوال ال 44 سنة الماضية بأن تكون أداة بيد النخبة الحاكمة و طالبوا بنصيبهم الخاص من السلطة . اعتاد جنرالات الجيش على تقاسم السلطة طوال خمسين عاما مع قيادة الحزب الديمقراطي ثم حزب العدالة , التي لم يكن أعضائها من الإسلاميين لكنهم كانوا يغازلونهم على الدوام . في الثمانينات بعد أن حل المجلس العسكري حزب العدالة انقسم هذا الاتجاه إلى قسمين : حزب الوطن الأم و حزب الطريق القويم . بسبب هذا التغير الهام استولى الرعب على الجنرالات و شعروا أن موقعهم في هيكل السلطة أصبح مهددا . في هذا الوضع بدأت الزمرة العسكرية تعزيز الديكتاتورية ساعية وراء الدعم الضمني للعلويين الذين كانوا هدف الهجمات الأصولية و بعض أقسام اليسار و الطبقات الوسطى . أكثر من ذلك بدفعها الدبابات إلى الشوارع و استخدام سلطة مجلس الأمن القومي , و هي هيئة تشرع تدخل الجيش في عمل الحكومة , قامت الزمرة العسكرية بانقلاب "بعد حداثي" في شباط فبراير 1997 قامعين حزب الرفاه باستخدام دعاية صارمة معادية للأصولية تذكر بالفترة المبكرة من - العشرينيات إلى الثلاثينيات - من الديكتاتورية الكمالية . لكن حزب الرفاه الذي كان تكتيكه الأساسي دوما هو إطاعة الجنرالات اختار أن يهدأ أتباعه و مناصريه , و يبدأ بانتظار أزمنة قادمة عندما تبدأ الديكتاتورية العلمانية بتخفيف قبضتها و ربما تحتاج حزب الرفاه مرة أخرى .
القومية , الشعبية و الدولانية , المبادئ الثلاثة الأخرى التي قامت عليها الجمهورية هي تعبير واضح عن الاضطهاد ضد قوميات و مجموعات أثنية مختلفة , خاصة الأكراد الذين يعيشون داخل الحدود القومية لتركيا و ضد القبارصة الأتراك الذين يقطنون شمال قبرص المحتلة منذ 1974 من الجيش التركي . كانت اللجنة الحاكمة من الاتحاد و الترقي أول من وضع سياسة الدولة الوطنية العنصرية موضع التنفيذ خلال الحرب العالمية الأولى – الفترة الأخيرة من حياة الدولة العثمانية – بإبادة الشعب الأرمني عام 1915 الذي تواجد بأعداد كبيرة في الشرق و الشمال الشرقي . "الإحصائيات عن عدد القتلى الأرمن خلال عمليات النفي و المجازر في عامي 1915 – 1916 يتراوح بين عدة مئات من الآلاف و 1,5 مليون " . عندما تأسست الجمهورية ورثت النخبة الكمالية الحاكمة ذات السياسات العنصرية و كانت هناك عدة انتفاضات و ثورات في كردستان أكثرها أهمية كان تمرد الشيخ سعيد عام 1925 و تمرد درسيم 1938 .
على خلاف الحركة الإسلامية فإن الحركة السياسية الكردية التي كان روادها من المثقفين الأكراد لم تتمكن من إيجاد أي حلفاء داخل النخبة الحاكمة و كان عليها أن تتحمل الاضطهاد لسنوات كثيرة . فقط في الستينيات عندما بدأ اليسار التركي بالنهوض أمكن لها أن تنفتح و تعبر عن نفسها إلى حد ما . في السبعينيات انشقت عدة مجموعات كردية قومية من اتجاهات مختلفة , لم تجد في حركة اليسار التركي برنامجا يمكنها إعلان مطالبها القومية و الثقافية استنادا إليه , عن اليسار و دخلت مرحلة تنظيمية تحضيرية لتأكيد حقوق الأكراد في الاستقلال أو الحكم الذاتي . إحدى هذه المجموعات , حزب العمال الكردستاني , عوضا عن مهاجمة الدولة التركية بدأت بالتخلص من منافسيها , المنظمات الكردية و التركية من اليسار , و بذلك تؤسس لقاعدة قوتها في المنطقة و تسيطر عليها بالقوة . من الممتع الإشارة إلى أن الدولة تجاهلت نشاطات حزب العمال الكردستاني و اتبعت سياسة عدم التدخل . الحقيقة أن اقتتال حزب العمال الكردستاني و المجموعات الأخرى و تدمير بعضها البعض لم يكن يعني الدولة كثيرا .
مع الانقلاب العسكري في 12 أيلول سبتمبر 1980 حاول الجنرالات عسكرة كامل المجتمع . هدف هذا الانقلاب على النمط الأمريكي الجنوبي , و الذي جاء متأخرا في تركيا عنها في بعض دول أمريكا الجنوبية حيث بدأت الجيوش تعود أدراجها إلى ثكناتها , إلى إسكات الشعب . هل تمكنوا من تحقيق ذلك ؟ لا . على العكس فهذا الجو المرعب من القمع ولد عند الناس رغبة محمومة بالحرية و الديمقراطية . لذلك فالسبب وراء انهيار اليسار التركي بعد الثمانينات الذي كانت تسيطر عليه الستالينية يجب إرجاعه إلى هذا التوق للحرية و الديمقراطية أكثر منه هجمات الجيش على اليسار . كان حتميا أن تفقد المنظمات اليسارية "بريقها" خاصة في عيون الجماهير اليسارية آخذين بعين الاعتبار أن هذه المنظمات تجاهلت و ازدرت أفكار الحرية , المبادرة الفردية و الديمقراطية المؤسساتية فيما امتدحت "ديكتاتورية البروليتاريا" و "حزب الطليعة" . هذا أدى إلى انبثاق الفوضوية ( الأناركية ) , النسوية و تيارات أخرى كالاشتراكية التحررية . عدد المتعاطفين مع هذه التيارات ازداد في الثمانينيات خاصة في المراكز الثقافية الكبرى كإستانبول و أنقرة و أزمير . أفكار كهذه لقيت تعاطفا أكثر من سواها لأن أفكار الحرية و المبادرة الفردية كانت تزداد أهمية . بالطبع كانت هناك اختلافات بين المدن الكبرى في غربي تركيا و المناطق الريفية في كردستان فيما شعر به الناس و سمعوه و في أشكال الوجود التي مارسوها . إن الجو السائد من القمع و الإرهاب سوية مع الممارسات العنصرية للدولة التركية جعلت حياة الشعب الكردي لا تطاق إلى أبعد حد . في هذه الظروف حيث لا بديل سوى تأييد حزب العمال الكردستاني فإن توق الشعب الكردي للحرية حصر في هذه المنظمة حيث لا يمكن العثور على أثر لهذه الحرية .
بدأ حزب العمال الكردستاني حرب عصابات في منتصف الثمانينات عندما كان الجيش ما يزال في السلطة و حين كان النظام يبدو قويا و سليما كما في الماضي . استجابت الجماهير الكردية بايجابية و منحت حزب العمال دعما فعالا . وجد حزب العمال أكثر أتباعه و مناصريه نشاطا بين الأهالي الشبان في المناطق الريفية الذين كانوا محرومين من أية فرصة للعمل و فاقدين أي أمل في المستقبل . وصلت حرب العصابات و عدد القتلى من كلا الطرفين ذروتها في بداية التسعينيات عندما قررت الدولة التركية كبح مقاتلي حرب العصابات و مؤيديهم و أتباعهم باستخدام أساليب الحرب المضادة للعصابات . نظمت الدولة عصاباتها السرية الخاصة المدعومة من الجيش , شرطتها السرية الخاصة و الدرك لقتل آلاف الأكراد . بين عامي 1990 و 1996 دمرت آلاف القرى في الجنوب الشرقي أو أحرقت . "اختفى" الكثيرون و منح قتلتهم – أعضاء عصابات الدولة السرية – الملجأ و الحماية من قبل الدولة نفسها . على الرغم من كل هذا لم تتوقف حرب العصابات بل على العكس أخذت بالنمو .
لكن بعد فضيحة سوسورلوك عام 1996 بدا أن قيادة حزب العمال الكردستاني التي كانت تحت تأثير يالش كوسوك ( كاتب ستاليني و مؤيد للكمالية , سبق له العمل كخبير في معهد الدولة للتخطيط في الستينيات ) أنها تصدق أن الجيش قد غير سياساته و أنه راغب الآن بتقديم بعض التنازلات لحركة العصابات الكردية . لذلك أخذ حزب العمال يبحث عن تسوية .
حتى فضيحة سوسورلوك كان الجيش يتعاون على نحو وثيق مع الحزب الحاكم يومها ( حزب الطريق القويم ) و مع الشرطة بقصد تدمير حركة العصابات الكردية . و لكن بعد الانتخابات العامة لعام 1995 تحول هذا التعاون إلى نزاع بين الجنرالات الذين يقودون الجيش و بين حزب الطريق القويم الحاكم , لأن هذا الأخير دخل عندها في تحالف مع حزب الرفاه الإسلامي . أثار هذا غضب الجنرالات . فألقوا باللوم على حزب الطريق القويم بكل الفشل في حربهم الدموية على الأكراد و المجازر التي ارتكبتها عصابات الدولة السرية . وفرت فضيحة سورولوك الجيش فرصة لا تفوت للإطاحة بتحالف حزب الطريق القويم مع حزب الرفاه . ( لقد سبق أن ذكرنا هذا الانقلاب "بعد الحداثي" فيما سبق ) .
واصل حزب العمال الكردستاني سياسته في البحث عن مساومة . لكن عمليات الجيش في المناطق الكردية قرب و داخل الحدود العراقية ازدادت و هذا ساعد قيادة حزب العمال على التخلص من أوهامها رغم أنها لم تغير فكرتها عن التوصل إلى اتفاق . الجيش من جهة أخرى بدا و كأنه لا يريد لهذه الحرب أن تتوقف . كان من الواضح أن إطالة الحرب عند مستوى معين تخدم الجيش لدفع ديونه الضخمة و لكن أكثر أهمية لتحدد الحياة السياسية في البلد . كان الشباب و الفقراء و المضطًهدين في تركيا و كردستان الذين سقطوا كل يوم هم من دفعوا ثمن هذه الحرب الدموية . الواقع أن الجيش التركي كان ينزع ليجد مجندين جدد من بين الفقراء . تجنب الأثرياء دوما الانخراط في الجيش بطرق "مشروعة" و أولئك الذين انضموا إلى الجيش وجدوا طرقهم الخاصة ( عبر علاقاتهم الشخصية مع بيروقراطيي النخبة ) كيلا يتوجهوا إلى الجبهة . كثير من الناس الفقراء رفضوا أن يشاركوا في هذه الوحشية الظالمة و الهمجية . كان هناك أكثر من 300000 فار من الخدمة في تركيا و يبدو أن العدد في ازدياد .
إن الحروب هي حفارة قبور الثورات و تؤدي إلى قيام أنظمة أكثر استبدادا في الطرفين . حتى لو قادت الحروب إلى ثورات فإنها في المحصلة الأخيرة تدمرها . ( أدت الحرب العالمية الأولى إلى الثورة الروسية لكن الحرب الأهلية دمرتها ) . لم تؤد الحرب في كردستان إلى عسكرة كل خلية في المجتمع فحسب بل أدت على المدى البعيد إلى شلل تام في المجتمع فيما يتعلق بالعنف . ليس فقط أنها تولد و تغذي المشاعر الشوفينية بين الشعبين التركي و الكردي بل إنها تساعد في صعود الأفكار التسلطية و تضر بقضية الحرية . كل هذا يجعل من الضروري بالنسبة لنا أن نكون أكثر نشاطا في النضال لإيقاف الحرب . يجب على الجيش التركي أن يوقف كل عملياته في كردستان . لقد كنا على الدوام مناصرين لنضال الشعب الكردي ضد الدولة الوطنية . لكن هذا لا يعني أننا نؤيد المشاعر القومية و الوطنية للجماهير المضطًهدة و لا يعني هذا أننا ندعم حزب العمال الكردستاني الذي يريد بناء دولته الخاصة .
كأناركيين أتراك و أكراد نحن نعارض السياسة الكولونيالية للدولة التركية كما نعارض سياسة الاستيعاب و الاستيطان و التهجير القسري ضد القبارصة الأتراك في شمالي قبرص . إننا نعتقد أن القبارصة الأتراك و اليونانيين قادرين على حل خلافاتهم بدون تدخل خارجي و بدون أي استغلال لهذه الحكومة القبرصية أو تلك . إن مفهوم الأمة مفهوم خيالي تستخدمه النخب الحاكمة كأساس لبنية سلطتها إضافة إلى الزمر الطامحة لتخدع الأقليات المضطًهدة . لهذا السبب نحن لا نؤمن بما يسمى بحق تقرير المصير "لأمة" خيالية و لكن بالحكم الذاتي لأفراد متطوعين , للمجموعات و المجتمعات , للجماهير العاملة و غير المأجورة , الخ .
من الحيوي للجماهير الكردية و التركية و اليونانية أن تتضامن مع بعضها البعض ضد السياسات التوسعية و الشوفينية للدولتين التركية و اليونانية . لذا من الضروري تقوية العلاقات بين الأناركيين الأتراك و الأكراد و اليونانيين .
الشعب الذي يعيش داخل حدود تركيا كان خاضعا لديكتاتورية النخبة الكمالية لمدة 75 سنة . المبدأ الأساسي لهذه الديكتاتورية المسمى بالدولانية و الذي يعني الهيمنة أكثر منه مجرد شكل اقتصادي للحكم بواسطة الدولة . تتدخل الدولة باستمرار في حرياتنا : من جهة تقول أنه يجب على النساء ألا تضعن الحجاب , و من جهة أخرى تحاول أن تتحقق ما إذا كانت طالبات المدارس الثانوية الفتيات عذراوات أم لا . كل شيء خاضع للدولة بما في ذلك الإعلام , نقابات العمال , و بعض أقسام اليسار . يشكل الإعلام الوسيلة الأكثر أهمية و فعالية للنظام القائم لغسيل العقول عند الجماهير لتتقبل دوره التقليدي . الجماهير , سواء أكانت سياسية أم لا , تتعرض لتعذيب منهجي في الكثير من مراكز الشرطة و السجون . تبرر الدولة البطريركية العنف المحلي ضد النساء و الأطفال . سيستمر اضطهاد و استغلال العمال و الفلاحين طالما استمرت الدولة بالوجود . الناس الفقراء الذين يهاجرون يوما بعد يوم إلى المدن الكبيرة هربا من الحرب في كردستان هم في وضع بائس .
إن قسما من اليسار كحزب العمال أصبح أجهزة تابعة للسلطة . يحمل أعضاء حزب العمال اليوم الأعلام التركية في التظاهرات و يهاجمون منظمات اليسار الأخرى المعارضة لهم . لدى حزب العمال أيضا علاقات مع بعض فصائل الذئاب الرمادية الفاشية . حزب آخر هو حزب العدالة و التضامن عبارة عن تحالف بين بعض الفصائل اليسارية . رغم أنها تناضل ضد الدولة للدفاع عن الحريات الديمقراطية لكنها لا تذهب أبعد من حدود الديمقراطية الغربية . من جهة أخرى فاليسار الراديكالي الذي يعادي الدولة الكمالية فهو لسوء الحظ ضيق الأفق و لا يستطيع أن ينقذ نفسه من التراث الستاليني . حسب كل منظمة من منظمات اليسار الراديكالي فإن الثورة ستقوم فقط إذا ازداد "حزب البروليتاريا" قوة بعد قوة . ( لا يوجد أي اختلاف بينهم حول هذه النقطة ) . من السخرية وجود الكثير مما يسمى "بأحزاب البروليتاريا" و هم أعداء ألداء لبعضهم البعض يتنافسون مع بعضهم البعض على السلطة . لكن فقط ثورة تقوم على المبادرة الذاتية للجماهير و الأفراد و بدون هذه الأحزاب المنغمسة في نفسها هي التي ستنجح بالفعل .
لقد انتهى عصر الأحزاب . حتى أعضائها و مناصريها يقرون بحقيقة أن هذه الأحزاب ما هي إلا تمثيل مصغر للدول المستبدة و بيروقراطيات المستقبل . في هذا الصدد ليست الماركسية وحدها هي التي ماتت بل أيضا الليبرالية خالقة النظام الحزبي . هذا أيضا يفسر الاهتمام الجديد بالأفكار الأناركية .
حتى الآن رسمنا صورة سلبية عن تركيا . يجب أن يفهم مما قلناه أن المجتمع يعيش تحت السيطرة الكاملة للدولة . بغض النظر عن كل شيء يقاوم الشعب النظام القائم بأشكال و وسائل مختلفة , و البرلمان غطاء الديكتاتورية يفقد مصداقيته في عيون الناس . مثلا في عام 1995 ثار العلويون في منطقة غازي التابعة لإستانبول ضد السلطات المحلية بسبب جرائم القتل التي ارتكبتها الشرطة السرية . وقعت صدامات عنيفة بين الناس و الشرطة طوال ثلاثة أيام . قتل 22 شخصا و أصيب الكثيرون . أثناء هذه الانتفاضة نظم السكان العلويون شبكاتهم المستقلة لمحاربة السلطات . مثال آخر على التنظيم الذاتي هي حركة المقاومة البيئية لفلاحي برغاما و سكان المدينة في شكل تظاهرات خلاقة جدا و واسعة الخيال ضد مناجم الذهب التي تديرها شركة الذهب الأوروبية . نظم أهالي برغاما أنفسهم بمبادرتهم الخاصة و لم يعيروا انتباها لما قاله و فعله قادتهم .
لا أحد سوى فلاحي برغاما و عقولهم المبدعة استطاع التفكير في مظاهرة غير شرعية على جسر البوسفور حيث تظاهر مئات الرجال و النساء أنصاف عراة محتجين ضد الحكومة و شركة الذهب الأوروبية . واحدة من أكثر مظاهر هذا النضال أهمية هو أن القوة المعنوية المحركة كانت النساء اللواتي لا يعرفن لا الكتابة أو القراءة . مثال ثالث هو مؤسسة حقوق الإنسان التي تنشر أخبار التعذيب و "الاختفاء" على الرغم من كل تهجمات الشرطة و الإعلام . ( رئيسها أكون بيردال تعرض لإصابة بليغة أثناء محاولة اغتيال ) . أهمية هذه المنظمة تكمن في موقفها الشجاع و الذي لا يساوم ضد التغرضات السياسية و الهستيريا العامة القومية . هناك أيضا "أمهات السبت" اللواتي يجتمعن كل سبت في جادة غلطة ساراي ليسألن عن أبنائهن و أقاربهن "المختفين" . إن نضال عثمان مورات أولك المعارض حي الضمير و الناشط في مقاومة الحرب من أزمير هو أيضا مهم لأن مورات واجه الآلة العسكرية الضخمة كفرد و أظهر لكل فرد أن الفرد الذي قرر المقاومة أمضى من أي سلاح آخر .
عندما كنا نعد هذه الوثيقة للنشر وقعت فضيحة جديدة في تركيا : أحد أكثر زعماء المافيا التركية سمعة سيئة علاء الدين كاكيسي ألقي القبض عليه في باريس . عند إلقاء القبض عليه وجد معه جواز سفر أحمر – جوازات السفر الحمراء تمنح فقط للدبلوماسيين من المناصب العالية – أعطي إليه من هيئة الاستخبارات الوطنية . كما اكتشف أيضا أنه قبل الاعتقال أجرى عدة مكالمات مع وزيرين في الحكومة الحالية الخاضعة لسيطرة العسكر .
الدولة التركية متورطة في الأعمال القذرة بما في ذلك تهريب المخدرات التي بدونها قد ينهار الاقتصاد . يصبح أوضح مع كل يوم أن السياسيين , الاستخبارات , الشرطة و الجيش تعمل مع المافيا , و أن بعض زعماء المافيا هم أيضا أفراد في الاستخبارات . من المعروف أن محمود يلدريم ( اسمه الرمزي : الأخضر ) و هو قاتل جماعي "تبحث" الشرطة عنه لن يعتقل أبدا لأنه منذ البداية كان تحت حماية الدولة .
يمشي الفساد يدا بيد مع التوسعية . إن فساد الدولة يرتبط مع السياسات التوسعية للعسكرية التركية . الجنرالات المتعاونون مع أمريكا و إسرائيل يعلنون بكبرياء أن القوات المسلحة التركية تتمتع بالقوة اللازمة لاحتلال عدة مناطق من الشرق الأوسط , البلقان أو القوقاز .
سيكون من الأفضل دفن 75 سنة من الجمهورية القديمة حيث تنتمي إلى جانب قبر الدولة العثمانية , آمين !

ترجمة : مازن كم الماز



مجموعة 5 أيار التركية
نقلا عن : http://www.anarkismo.net/newswire.php?story_id=975



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصولية , القومية و العسكريتاريا في تركيا تحليل لمجموعة 5 أ ...
- خارجون على السائد...
- بين حماة و نهر البارد.. العنف و العنف المضاد و الديمقراطية.. ...
- عن الجدل بين النظامين السوري و السعودي
- عن الحركات الإسلامية المعاصرة...
- من أجل يسار ديمقراطي...
- في مواجهة التدجين و ثقافة الخوف
- أبعد من مجرد ديمقراطية تمثيلية...
- عن أزمة البرجوازية اللبنانية و العربية
- الدين و السياسة أيضا
- حول الهوية الطبقية لليسار السوري
- القمع كمصدر لإعادة إنتاج الاستبداد
- مقتطفات من خطاب القسم -الثاني- ...
- كلام سياسي جدا
- صورة الآخر في الصراعات الراهنة و دلالة الديمقراطية السائدة
- معنى الديمقراطية في الصراع اليوم و مكانة الجماهير في أطروحات ...
- كوميديا المقاومة و الديمقراطية
- أزمة البديل
- بين مدرسة النقل و العقل
- الإنسان و القوة


المزيد.....




- سوريا.. الشرع يوجه رسالة إلى محمد بن زايد بعد أول زيارة للإم ...
- القاتل الصامت للحيوانات المنوية.. أخصائي يكشف عن أخطاء يومية ...
- روسيا تطور منظومة اتصالات مميزة لمحطتها المدارية الواعدة
- إعلام: القبض على المشتبه به في إحراق منزل حاكم ولاية بنسلفان ...
- نائب وزير الخارجية الروسي يؤكد عدم وجود أي اتصالات بين روسيا ...
- 250 من قدامى الموساد بينهم 3 رؤساء سابقين ينضمون إلى طياري س ...
- الصين تقترح إنشاء نظام عالمي لإدارة الذكاء الاصطناعي
- -رعاة البقر المتوحشون- يقتحمون متجرا بقصد -المرح- والسلطات ا ...
- شراكة نووية بين الرياض وواشنطن
- الرئيس الإماراتي يؤكد دعم سوريا وشعبها


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مازن كم الماز - الأصولية , القومية و العسكريتاريا في تركيا