أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - وفي قلوبهم للطغاة عروش















المزيد.....

وفي قلوبهم للطغاة عروش


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 618 - 2003 / 10 / 11 - 07:27
المحور: الادب والفن
    


« إن يكن مبتغاكم أن تنزلوا طاغية عن عرشه ، فاعملوا أولا على تحطيم ذلك العرش الذي أقمتموه له في قلوبكم »

- جبران خليل جبران-  

يقول فيديريكو غارسيا  لوركا ( 1898 – 1936)  في قصيدة:
«لقد أوصدت نافذة القمر،
لا أريد سماع الصراخ ،
لكن خلال جدران الرماد لا اسمع سوي الصراخ .
 الملائكة  الذين  يصدحون بالأغاني لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين،
وقلة من الكلاب تطرب،
فيداي تعزفان ألف لحن ،
لكن الصراخ كلب كبير،
صراخ ملاك هائل ،
فالصراخ يجرح الرياح بالرماح ،
وليس ثمة سوى  الصراخ ما يتناهى إلى الأسماع .»
 
                                       


لقد استشهد لوركا الشاعر الغرناطي الإنسان ،  والمناضل الشريف  قبل بلوغه الأربعين على يد جلاوزة  النظام الفرانكوي الحاكم في بلاده ، لذا فإدراك وفهم  معاني قصائد لوركا،  و تبين  صورها يتطلب  الاطلاع جيدا على أوضاع إسبانيا المأساوية في تلك الفترة التي عاشها لوركا .
ففي القصيدة أعلاه يصور الشاعر البيئة التي  يعيش فيها حقولا لعذاب و تعذيب رهيبة ، ولا يصل منها الأسماع، رغم انه قد أوصد نافذة القمر،  سوى صراخ  الآلام والأنين  عبر الأسوار الرمادية والسوداء للمدينة . أي لا يمكنه تجنب السماع فتلك الأصوات من الشدة بمكان بحيث  باتت تخترق الجدران العصية على الاختراق . و لعل الملائكة رمز الشعراء  المنشدين أو مطربين يصدحون،  فلوركا لا ينكر وجودهم ، و ربما هم عادة أفراد يطربون الطغاة و يكيلون لهم ما يمكنهم من المديح لآثامهم و يطربونهم و يرقصون على أشلاء مواطنيهم إرضاء لهم .
ثمة أناس على تلك الشاكلة كان لهم وجود أيضا في موطن لوركا .  فالكلاب النباحة أيضا قليلة العدد و قد نست النباح لان الصراخ والأنين قد طغيا عليه . فالنباح و العواء يرمزان لوجود حياة ما في القفر المتصور في تلك الديار .
يقول الشاعر انه يمكنني عزف و إنشاد ألف نغمة سعيدة و أستطيع أن أتحول شاعرا للغزل و الأفراح لكن يا لقلة حيلتي فالأنين كلب ضخم الجثة أفقدَ عويله و نباحه عودي رونقه و قد خيّم على هذه الديار . انه ملاك كبير أيضا يحمل رسالة الموت و اليأس إلى هذه الأمة . و لعله بالعكس تماما فالشاعر يصور هنا الصراخ والأنين بملاك لأنه يؤمن انهما يتحولان يوما إلى أصوات ثورة و رؤوس رماح تمزق العواصف السوداء العابرة ،  و ستتحول الصرخات إلى أنشودة نصر  للمظلومين .
هذه القصيدة تذكرني بقصائد أخرى منها تائية الشاعر المعارض من العصر العباسي دعبل الخز اعي و الذي يسمع صرخات المظلومين .أنينهم  في مجتمعه المحكوم باستبداد العباسيين وكم يتألم لمأساتهم،  فيصورها في قصيدته الرائعة -:
تجاوبن بالأرنان والزفرات                     نوائح  عجم اللفظ   و النقطات
ألم تر للأيام ما جر جورها                     على الناس من نقص وطول شتات
مدارس آيات خلت من تلاوة                  ومنزل وحي مقفر العرصات
وما الناس إلا  غاصب و مكذب               و مضطغن ذو احنة و ترات

و خزعل الدعابي  لاقى في حياته كثيرا من الاضطهاد والمطاردة وكان يردد قوله دائما" حملت خشبتي على كتفي ثلاثين سنة لا أجد من يصلبني عليها" هكذا يتبين لنا أن دعبل مثله مثل لوركا لا يسمع سوى الصراخ و الأنين الأليمين بحيث يحولان دون سماعه نشدان العندليب و شدوه و إيقاعات قدوم الربيع  وان الظلم و الاستبداد قد ملآ الأرض ظلاما دامسا . فهذان الشاعران يفصل بينهما ما يقرب من 12 قرنا ولكنهما متوائمان في احتجاجهما ضد الظلم و الطغيان كأنهما قد نسقا معا أو انهما الصوت والصدى  و ما اقرب ترجمتيهما للحادثة التاريخية لزمانيهما إلى حادثه شعرية .
و لكنهما ذكراني بقصيده لنزار قباني وهي اقرب إلى تقرير سياسي منه إلى شعر  حين يقول :
 وخريطة الوطن الكبير فضيحة
فحواجز .. و مخافر.. وكلاب
و العالم العربي .. إما نعجة
مذبوحة .. أو حاكم قصاب
ولكن شاعرتا المرحوم  قد غالط نفسه حين كان مقبولا عند الحكام القصابين و مدح أكثرهم دموية أي طاغية العراق – المقبور لاحقا-  حين  تمني أن يعود  طفلا رضيعا فيفتديه بروحه لكي يعيش الطاغية أطول ما يمكن أو يبقي  أبدا !!!كما هناك بعض كرسوا جل عمرهم يتصنعون الهروب من مستبد  ليعيشوا في أحضان مستبدين آخرين ، و لا ينفك  ينسجون أساطير حول تاريخهم و ماضيهم غير المشرف والتي ما عادت  تنطلي حتى على طفل,  و إنهم بأكاذيبهم ونفاقهم و شعريتهم و ملكتهم الوضيعتين و حتى التعاون و التآمر الجبان في الخفاء مع الطغاة ، قد قدموا أكبر خدمة لجلادي شعبهم وجعلوا من أنفسهم شركاء في الجرائم التي ارتكبت بحق الأبرياء ،
و مظفر النواب مثال فاقع لهذه النماذج    ولكن هيهات أن يخدعونا بدجلهم  !
فمأساتنا أن عروش الطغاة قائمة  في قلوب البعض وما اصدق جبران فيما قاله !
فاستشهادي بشعر لوركا  ومقارنته بقصيدة دعبل يحمل مغزى آخر أيضا ألا و هو أن قصائد الأول مشحونة بروح  التصوف الشرقي و الرقة الشعرية العربية ، فديوانه" تاماريت" الصادر 1936 تموج فيه أجواء عربية إسلامية  و صوفية شرقية صريحة .. وربما الكثيرون قد شاهدوا صورة للوركا بالزي العربي ..  وكم تشبه قصائده في وصف الحقول والبساتين قصائد شاعر الوصف الشهير ابن المعتز  والى حد ما بعض الشعراء الكرد الكلاسيكيين مثل "وفائي" .
أتلمس في قصيده لوركا أعلاه حين يشف الأنين خلال الأشياء  شيئا من السريالية حيث أن الخيال المتسامي تيار نهر دافق في شعره  فحتى قصائده السياسية الهادفة ينشدها في سريالية رائعة دون أن ينجر إلى تقريرية و مباشرة تخدش جمالها .

                                                  حميد كشكولي
                                             مالمو/ السويد ‏
   




#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمواج الأحلام
- قصائد للشاعرة الفنلاند سويدية أديث سودرغران
- بؤساء- -هوغو- و بؤس الثقافة العراقية
- قصائد للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست
- العنصرية البليدة في فكر صباح ديبس
- اربع قصائد
- يجب أن يكتمل الأمل ، وتحية إلى حركة العاطلين عن العمل
- همسات داكنة
- حجارة الوند
- أزرق الهجيع الأخير
- سحر الشعر
- الشعر يوصل الإنسان إلى التخوم القصية للحياة


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - وفي قلوبهم للطغاة عروش