سلام عبود
الحوار المتمدن-العدد: 2016 - 2007 / 8 / 23 - 11:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتساءل كثيرون عن سر متانة التحالف بين القوى الكردية الحاكمة ومسيّسي الطائفة الشيعيّة ومدى صلاحيّة هذا التحالف وموعد نهايته. ويقع ضمن التساؤل لغز تخلي الأكراد السّنة عن سّنيّتهم, على الرغم من أن الطائفيّة ورقة سياسيّة رابحة لمن يريد أن يلعب سياسيا في زمن تسييس الطوائف. فالأكراد السّنة, هم الفئة الوحيدة في العراق التي لا تصنّف دينيّا, رغم أنهم , في الغالب, سنّة كباقي أخوانهم السنّة. فلماذا يتحالفون مع غيرهم؟ ألا يستطيعون أن يدعموا خصوصيتهم القومية, بمزيّة دينيّة - سّنيّتهم- وبذلك يحصلون على أوراق لعب, طويلة الأمد, أكثر فاعليّة وثباتا؟
الجواب: نعم, يستطيعون, لكنهم لا يرغبون في ذلك, في الوقت الراهن. هكذا يجيب كثيرون, والأسباب عديدة, منها أن الأحزاب الكردية علمانية وليست دينيّة, كما يدّعون. ولكن هذه العلمانية المزعومة لم تمنعهم من التحالف مع طائفة دينيّة هي الشيعة, فلماذا يُشهرون العلمانية عند الحديث عن التحالف مع السنّة فحسب, أليسوا أهلهم في المذهب؟
هناك من يقول إن هذا التحالف تأسس على قاعدة "المظلوميات" في عهد النظام السابق. وهذا الرأي صحيح الى حد كبير. ولكن تأسيس تحالف لإسقاط نظام أمر, والتحالف من أجل بناء وطن ومؤسسات عقب إسقاط سلطة ما أمر آخر, وهذه بديهيّة سياسيّة لا يجهلها حتى الحمقى.
إذن, ما سرهذا التحالف؟
يقول بعض المرتابين إن طريقة تقسيم المواقع الحكوميّة تشير, بسفور تام, الى أن أغلب السياسيين نغلت نيّاتهم عند تعاملهم مع وحدة العراق كوطن وشعب. فالأكراد مثلا فضّلوا وأصرّوا وتشبثوا بالمواقع التالية: رئاسة الجمهورية, وزارة الخارجية, وزارة الموارد المائيّة, البلديات, أركان الجيش, وهي مواقع هرمية, تهدف الى تأسيس كيان جغرافي, ماديا ومعنويا. وإذا ألحقنا هذا بالإصرار على تنفيذ قوانين الأقاليم والنفط والفيدرالية والمادة 140 وطريقة تمويل المشاريع والصلات الإقليميّة والدوليّة والمعاهدات والاتفاقيات السريّة والعلنيّة, وإسناد عملية حل الجيش العراقي, وإلغاء وظائف الدولة ذات الطابع الوطني, وتبديد ترسانة أسلحته "ذات الدمار الشامل!", وفرهدة مراكز إحصائه وكنوزه الأثرية والتاريخية وغيرها نصل الى نتيجة واحدة: وجود خطط متكاملة ومترابطة تهدف الى وضع الأسس النهائيّة لصناعة دول.
هناك من يعترض على أجزاء من هذه الأفكار, خاصة تأويلها العرقي, وأنا واحد منهم. فللشعب الكري حق طبيعي في إعادة بناء ذاته على الأساس الذي يراه ملائما ونافعا. أما إستغلال الظرف العصيب الراهن لغرض انتزاع حقوق مستلبة فهو أمر لا يخلو من الصواب أيضا سياسيّا, رغم قبحه أخلاقيا. ففي أزمان المحن يتقاسم الأخوة خبزهم بالتساوي. ولكن, ألم يقل الناس إن السياسة تجارة, والتجارة شطارة! فلماذا نجرد القيادة الكردية الحاكمة من شطارة استغلال الظرف لصالحهم؟
يعترض البعض قائلا: إن هذا الاستغلال الشاطر يتم على حساب المواطن العراقي. وكما لا يحق للعربي استغلال الكردي, لا يحق للكردي أن يفعل الشيء ذاته مع المكونات الوطنية الأخرى. فمبدأ العدالة قانون وطني مقدس, من يخرقه لا يدخل ضمن قائمة الشطّار , وإنما يدخل ضمن قائمة اللصوص وقطّاع الطرق.
لا أعرف مقدار سلامة هذا الحكم, لكن نظرية استغلال الظروف العصيبة والشطارة لغرض "تشليح" العراق والعراقيين, كما أرى, تتعارض تماما مع المصالح الوطنية والأخلاقية, وتتضمن فكرة وجود مؤامرة قائمة على لعبة نفاق مكشوفة, ملطخة بدماء الأبرياء من الضعفاء, الذين لا حول لهم في مواجهة الكواسر النهمة. لذلك يتساءل المغلوبون على أمرهم قائلين: هل هذه المؤامرة لا أكثر من تهمة, أي فكرة نظرية مجردة مزروعة في عقول حامليها, أم أنها فعل حقيقي, له جذوره الواقعية, الأرضية؟
إذا أردنا التحقق من هذا الأمر, علينا أن نرى ماذا تربح الأطراف المتحالفة من نظرية المؤامرة في ثوبيها الافتراضي أو الواقعي.
فوفق نظرية المؤامرة يحقق التحالف الشيعي الكردي الحاكم, للأطراف المتحالفة, ما يلي:
للقيادات الشيعيّة: الاستفراد بالحكم أو بحصة الأسد منه, باسم العرب والعراقيين, كأغلبيّة.
للقادة الأكراد: استثمار الاستفراد الشيعي لغرض تحقيق مكاسب أرضية, تتعارض في جوهرها مع تكوين ومصالح السنّة العرب, لأسباب جغرافية واقتصادية وليست دينية أو عقائدية: الإدارة, السكان, الثروات. فماذا سيبقى للسنّة لو أنهم جُرّدوا من كركوك وسهل نينوى؟ حينذاك سيفقدون حتى إمكانية تكوين دويلة طائفية بائسة.
الحليف الأميركي: الضغط على السنة حتى يعاد تأهيلهم كقوات مقاتلة بـ "الروح والدم" في صف المارينز, وفي صف المشروع الأميركي, كخيار سياسي وعسكري مؤهل للزحف شرقا وغربا.
وطنيا: الضغط على المجتمع العراقي من طريق هدم وبناء الحياة على قاعدة إعادة تأسيس ثوابت المجتمع الرئيسيّة من جديد (مشروع مكّيّة, الجلبي, علاوي, القيادة الكردية, والمجلس الأعلى) وذلك بإعادة الحياة السياسية الى صيغتها الأكثر بدائيّة: تسييس الطوائف والأعراق والبنى القبليّة والميليشيات, إعادة نظام الحكم الى صيغته الأكثر تخلفا ولا وطنية: المحاصصة والتقاسم, إعادة الجدل الاجتماعي الى صيغته الأكثر بربريّة: العنف المطلق, إعادة مشروع الحرية الى صيغته الاستعباديّة الكبرى: الاحتلال متعدد الجنسيّات, وتصعيد التناقض الايديولوجي الداخلي الى حدوده القصوى: ديموقراطية ليبرالية مزيفة من جهة, يمثلها مكّيّة- الجلبي - علاوي, وصيغ بدائيّة دينيّة و قبليّة وعرقيّة يمثلها تحالف الحكيم والدعوة والقيادات الكردية من جهة أخرى, تتعايش في الجسد الحاكم نفسه!
تلك هي الأفكار التي يعلنها أنصار نظرية المؤامرة, ومثلهم أنصار المؤامرة كحقيقة.
فالطرفان يتفقان على أمر واحد, خلاصته أن الشراكة القائمة بين القيادات السياسيّة الشيعيّة والكردية تحالف مؤقت, أي زواج متعة, سيتم فسخه بعد يوم واحد من ابتلاع الأرض والثروات والسكان والحصول على الاعتراف الخارجي.
كثيرون منّا يعتقدون أنهم يعرفون هذه الحقيقة, ويتساءلون: إذا كان هذا التحالف زواج متعة بحق, فأي "نغل", فاسد النسب, سينجبه هذا التلاقح السياسي؟
# # #
فكرة زواج المتعة السياسيّة, والنغل, تذكرنا بأولئك الذين رأوا في "مشروع الشرق الأوسط الجديد" عملية "تنغيل" سياسي للمنطقة بأسرها, من المغرب الى كوريا مرورا بلبنان. وهي التسمية ذاتها التي أرادها لينين حينما تحدث عن "إعادة التقاسم الاستعماري", كظاهرة ملازمة لعمليات التحول التاريخي تختص بها قيادة المنظومات السياسية الدولية.
ربما سيقول كثيرون, بمن فيهم الذين لا يؤمنون بطروحات لينين عن الاستعمار: هذا كلام بديهي وعتيق, يعرفه الجميع.
نعم, هذا كلام بديهي يعرفه الجميع. ولكن لماذا لا يستطيع "هذا الجميع" الوقوف أو التحرك ضد هذه البديهيات القاتلة, التي تقضم الشعب " الجميع" قضما مميتا كل ساعة؟
الجواب الوحيد الذي لا أجد جوابا غيره هو أن الجميع مشغول بالحرب على الجميع.
وأن الجميع اتخذ من الجميع عدوا له.
والجميع يتعامل مع جرح الوطن كتعامل ذباب المزابل مع جرح مفتوح.
وأن كل فرد من هذا "الجميع" يشعر, في قرارة نفسه, بأنه جزء من زواج المتعة التاريخي, فهو "نغل" حقيقيّ أنتجته عقود نكاح المتعة السياسيّة, الملكيّة, والجمهوريّة, والعارفيّة, والبعثيّة, والأميركيّة, سواء أدرك ذلك أم لم يدرك.
ولهذه الأسباب كلها فإن معضلتنا الكبرى تكمن في أمر واحد: من منّا يرضى أن يكون نغلا وابن زانية, حتى لو كان نغلا مجازيّا, وابن زانية مقدسة, اسمها السلطة!
#سلام_عبود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟