|
أحلام الجسد البهيجة .. قراءة في مأوى الروح لمحمد عبد السلام العمري
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2017 - 2007 / 8 / 24 - 05:16
المحور:
الادب والفن
في نصه الروائي " مأوى الروح " – الصادر عن دار الهلال بمصر 2007 – يجمع محمد عبد السلام العمري بين أحلام البهجة الجسدية في الوعي ، و اللا وعي ، و إمكانية تجاوز حدود الجسد الآلية ، و آلامه عندما يتداخل السياق الواقعي للذات بالفاعلية الأدائية ، للكوني ، و الثقافي ، و الحلمي حين تتبلور في الوعي ، و تكون الذات المدركة جزءا منها دون انفصال ، أو إعلاء من الحدود المهددة بالآلية ، أو الفناء . تنكسر – إذا – شمولية السياق الواقعي للسرد الروائي ، و تصير لعبة الأداء الجسدي / التمثيلي بديلا لها ، يدفعها باتجاه إبداع خلاق تتولد فيه البهجة من الحياة ، و الموت معا دون انفصال ، و تشارك العناصر الكونية في اللعبة مثل الماء ، و الحيوان ، و الثقافية مثل أساطير الكهوف و مصر ، و الهند و غيرها في استكمال حلم البهجة المقاوم للوصف ، و التحديد ، و الأحادية . عمرو الشرنوبي / البطل يطارد حدوده المعرفية بالجسد ؛ في اتجاه بهجة لا سياق لها ، فهي فراغ للحلم المستمر بالأداء الجسدي في صورته الكونية / الثقافية دون تحقق أبدا ، إنه يطارد التحقق النهائي من داخل البحث عنه في شخصيتي ليلى ، و آمال . و يبدو أن انفصام عواطفه يدفعه أن يتجاوز تجسده من خلال بحثه عنه ، فعندما أوشكت علاقته بليلى أن تتم فر من مصر إلى باكستان ثم الهند بحثا عن آمال ، و في رحلة البحث مارس الحب في صور أخرى يعلو فيها الأداء الاندماجي اللعبي غير المحدد ، و عند عودته لآمال بمصر عاين الالتحام الجسدي ممزوجا بقوة الماء ، و بهجة الأثر الجسدي في امتداده الأسطوري دون حضور للفاعل / عمرو ، فقد صارت الحركة الغريزية ممتدة وحدها كالهواء ، مستبدلة أعراف الواقع الذي بناه السارد منذ البداية . تبدأ الرواية بمجموعة من اللقاءات بين عمرو ، و ليلى بمصر يستنفد فيها عمرو حدوده الشخصية ، و تعارضاته الفكرية مع ليلى من خلال ازدواج حدة الاختلاف بتذكر آمال التي تطارد عوالمه الداخلية لطرد ليلى ، أو بروز الرغبة الجامحة بداخله كالثيران الهائجة المرحة باتجاه ليلى في ذروة التحدي ، و تعارضات النقاش ، هل هو الأداء خارج الفاعلية ؟ خارج الحدود ؟ هل هو انفصام مزاجي بدائي يحول عمرو إلى لاعب لاستعادة مركزية الجسد في الحضارات القديمة ؟ لقد تحولت لغة الوصف في وعي عمرو ، إلى العناصر الطبيعية في هيئة ظاهراتية غير معروفة سلفا ، فهو يدرك ليلى كريح ، أو صواعق ، أو براكين ، لا يمكن توقع رد فعلها أبدا ، و لهذا قرر خطبتها ، أما هي فترى أنه غرس فيها سلوكا عدوانيا ، و رغبة في المبادأة مما جعلها لغزا . لقد ازدوج عبث الاختلاف ، برغبة في التفاعل الداخلى المتجاوز لحدود الإدراك و الذاتية ، لكن وهج هذا التجاوز نفسه يستبق وجود العلاقة ، و يحول الرغبة في المعرفة إلى لعبة أدائية حرة خارج سياق الخطبة ، فيقرر عمرو السفر إلى آمال . و قد لاحظت أن شخصية آمال أقل بروزا من الناحية الشخصية ، و أقرب إلى الحلم الأمومي / الجسدي القديم / البهيج ، و لهذا كان عمرو أقرب إليها ، و من جهة أخرى كان الفراغ الذي تركته في باكستان ، و الهند سياقا حرا لتحقق النشاط الجسدي المقدس لعمرو في رحلته ، و إيذانا بخروجه المستمر من آليته و حدوده ، و مخاوفه من الموت . هكذا كانت آمال نقطة تغييب ، و مركزا لقوة خلاقة لتأويل التراث الحضاري للجسد في وعي عمرو . يقيم سارد محمد عبد السلام العمري تداعيات نصية تقع في بنية الحدث الواقعي ، فتكشف عن ذوبان المتكلم في المادة الكونية ، و أخيلتها التي تدفع الحدث إلى تجاوز نفسه في تكراره الحلمي الاستقبالي مما يحول وحداته إلى الغياب في أساطير الماء ، و أحلامه المختلطة بجسد قيد التكوين ، و التجدد دون توقف ، أو ألم ، أو انقطاع ؛ فقد تداعى استمتاع عمرو بالماء ، و الذوبان فيه بباكستان أثناء نوبة الحمام ، المملوءة بالعطور ، و الإعلاء من حالة عضوية أسطورية يتضخم فيها الإحساس بالجسد ، مع احتفالية دعاه عامل الفندق إليها ، تتحرر فيها الممارسات الجسدية ، و الغرائز حيث العويل ، و الصراخ ، و المرح في مكان تتوسطه بحيرة ، و فيه نافورة يكتمل فيها الصخب الجسدي الحر . لقد تلاشى الجسد في أنوثة الماء ، و اتساعه الكوني ، و تحولت الاحتفالية إلى حلم يفصم الجسد عن الذات ، و خصوصيتها باتجاه معاينة النشأة ، الصرخة الأولى كأثر كوني بهيج لا يتم أبدا ، و تبدو واقعيته مضادة لأصل السياق الإنساني المنتج للحدث . يرى جاستون باشلار أن المياه النائمة تدمج كل شيء حيث لا يشعر الحالم بأي تعارض ذاتي ضمن حضور الماء ، و يتسع نطاق الروح في كل مكان ( راجع / باشلار / شاعرية أحلام اليقظة / ت : جورج سعد / المؤسسة الجامعية ببيروت سنة 1991 ص 170 ) . لقد اتسع الحلم بالجسد أفقيا ضمن سياق الماء ، و محاكاته في الاحتفالية الاندماجية ، و بدا السكون إكمالا للذة الخدر الأنثوية في حمام الفندق ، أما النافورة فجسدت مرح التناثر المتعالي لإبداع تجسد جديد يحمل صرخة البداية . عند زيارة البطل لمقابر الوثنيين وجدهم يدهنون الميت بدماء الحيوان المباح ، ثم يلتفون حوله رجالا و نساء ، و يمارسون الجنس حوله كنوع من التعويض ، ثم يستحمون في النهر . يعاين البطل هنا الموت في صورة صاخبة ، تجمع بين الفراغ / الميت ، و تكرار عصابي لعناصر الحياة انطلاقا من طاقة الموت ، مما يجعل الفراغ مستبدلا بصخب أحمر عنيف ، يعلى من قيمة الجسد الذي كان هنا ، و يحتمل تكرارا أبديا مرحا ، و متجددا من خلال الماء . و في الهند أقام علاقة مع فتاة تدعى ساندي تؤمن بتماثيل الجنس الشهواني ، و يمارس عمرو هنا حالة التناقض بين مركزية الجسد ، و سرعة تلاشيه ، أو محوه ؛ ففي وادي المطلقات للقضيب حضور مركزي يحقق أخيلة النشوة ، و تجددها ، و عند وفاة أحد الأزواج في مكان آخر تحرق الأرملة و يتعالى صوت المنشدين للتغطية على استغاثتها . و في المشهدين السابقين يشكل الجسد هاجسا قويا كمعادل للوجود ، و العدم في آن ، و لكن المحو الممزوج بالنار ينقل الجسد من حدوده إلى مستوى الاندماج الكوني ، رغم التلاشي مما يجعل سياق المحو متداخلا مع نشوة اللمس ، في وادي المطلقات ، فالاندماج ، و تجاوز الحدود أساسان لتشكيل الرؤية . و قد يستعيد اختلاط العناصر الكونية قوة الحيوان في بهائها الحلمي الأول ، في الوعي الجمعي ، ممزوجة بطاقة الأم ، و خصوبتها ؛ ففي مصر انتفض الحصان عندما ركبته آمال ، و ازداد عرقه ، و أراد أن يجامع أية مهرة ، فاستنكر أبو الخير المشهد . هل امتد الحصان من الآثار المخيلة لقوته المقدسة ؟ هل امتد بنحت الماضي إلى مستقبل أسطوري تصير فيه الطوطمية ذات بعد كوني ؟ إن آمال نقطة إبداعية لا واعية ، ينتفض الحصان من مجالها مقاوما خضوعه للضرورة الأرضية باتجاه جماليات الحالة العضوية وحدها مقطوعة السياق عن مجال العمل . يرصد جيمس فريزر في الغصن الذهبي ضمن حديثه عن مواكب الحيوانات المقدسة في الطقوس الدينية القديمة Types of Animal Sacrament ، التجول بالدب مثلا من بيت إلى بيت في القرية لاكتساب قوته ، و تأثيره قبل أن يذبح . لقد أتى اكتساب القوة هنا في مجال مفتوح من البهجة الجسدية تستعيد أخيلة الدب المرحة في سياق جماعي يعارض حالة الانقطاع / الذبح . يمتد – إذا – الحيوان في حلم متكرر ، ذي تداعيات لا تنتهي بسعادة ما قبل الانقطاع ، فيبدو الأخير مؤجلا . و تتحول ذروة لقاء عمرو بآمال ، إلى سيمفونية ينتفض السمك لسماعها ، و يمرح ، و يتجزأ في لغة تجمع الكوني ، و الثقافي ، و حركة الأعضاء الحرة في نشوة إبداع جسدي قوامه قوة الحيوان ، و مجاله أنوثة الماء ، و ذكرى صخب دموي ثقافي يقاوم العدم .
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعادة إبداع الإنسانية
-
عبث ما بعد الحرب ... قراءة في رواية بلا دماء
-
طيف الأنوثة المستعادة .. قراءة في هيكل الزهر ل فاطمة ناعوت
-
دالي .. حلم النص و أسطورة الفوتوغرافيا
-
جماليات الاختفاء عند مكسويل كوتزي
-
لذة الكشف في رواية نوافذ النوافذ ل..جمال الغيطاني
-
الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل
-
معرفة كونفوشيوس
-
توهج النهايات عند صمويل بيكيت
-
المحظور و التمثيلي و العوالم الافتراضية .. عن الأنوثة في قصص
...
-
العمل ، و إبداع العالم
-
الغياب في فضاء المحاكاة .. قراءة في فكر جان بودريار
-
العبث ، و أحلام التجدد
-
أحلام الأم المقدسة عند نوال السعداوي
-
الأسئلة الارتدادية للفن
-
القصيدة التفاعلية ، أو الامتداد الكوني للقصيدة - قراءة في لو
...
-
صخور السماء .. أنشودة الجسد
-
الأنا و تمثيل الآخر / الثقافي
-
نشوة التجزؤ .. قراءة في حالات الروح
-
كتابة أورهان باموك .. و خروج الهامشي من هامشيته
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|