|
المثقفون الكبار ... وتضخّم الأنا
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2015 - 2007 / 8 / 22 - 10:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لدي شك يتاخم اليقين بأن معظم المثقفين العراقيين الكبار مصابون بـ " تضخّم الأنا " وأنه " متورّم " لدى عدد منهم . ومع أن هذه العلة موجودة على مستوى النخب : سياسيون، أكاديميون ، فنانون ، ورؤساء عشائر ... لكنها تعلن عن نفسها بوضوح أكثر لدى المثقفين الكبار ( وسنفرد مقالة خاصة عن الفنانين ) . واعتقد أن هذه العلة " تضخّم الأنا " مرض العراقيين المزمن ، وأنها شائعة لدى العامّة منهم ، والا لما ضربوا على أنفسهم المثل القائل : (( إذا أنت أمير وأنا أمير فمن يسوق الحمير )). و " تضخّم الأنا " غير " قوة الأنا " ، فالثانية حالة صحية نابعة من الثقة بالنفس والتقدير الموضوعي ـ الواقعي لقدرات وقابليات صاحبها ، ومعبّرة عن الاعتزاز الايجابي بالنفس واحترام الذات . أما " تضخّم الأنا " فهو حالة عصابية " مرضيه " لها أسباب متعددة أهمها تراكم الشعور بالاضطهاد والاغتراب . ولكن العوامل المؤثرة والخفية في شخصية " الأنا المتضخم " أنها تجمع صفات في " توليفة " من ثلاث شخصيات مختلفة هي : النرجسية والتسلطية والاحتوائية . فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب .. أي أنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها ، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء . فحالها في الإعجاب كحال جهنم ، يسألونها : هل امتلئت ؟ تقول : هل من مزيد !. وتأخذ أيضا منها شعار النرجسي : " أنا مميز " ، وخاصيتها الأساسية المتمثلة في الإحساس بتفخيم أهمية الذات ، والتظاهر بامتلاك قدرات فريدة ، وأن على الآخرين أن يتعاملوا معه على أساس أنه مميز ، وأن تقديمه على أنفسهم هو استحقاق لا يستوجب حتى الشكر منه !. وتأخذ شخصية " الأنا المتضخّم " من الشخصية التسلطية : انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها ، وتصنيفها الناس بثنائيات ، وفي مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء ،أي من كان معي فهو صديقي وما عداه فهو عدّوي ، وتصرفها بالتعالي والعجرفة نحو من هم أقل منه منزلة ( والمفارقة أنها تتصرف بتواضع شديد وانصياع وتملّق لأصحاب القوة والمال ! ). وتأخذ من الشخصية الاحتوائية : السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم ، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية . و " الأنا " يمارس ــ لدى كل إنسان ــ ما نسميه الآليات أو الحيل الدفاعية ، التي تعني : استراتيجيات لا شعورية مشوهة للواقع يعتمدها الأنا لحمايته من القلق أو خفض القلق لديه عندما يرفض الاعتراف بواقع سواء كان خارجيا" آم داخليا". وعددها يزيد على أربعين آلية أو " تكنيك نفسي " مصنفة في سبعة أنواع لا مجال لذكرها هنا . إننا جميعا" نمارس الآليات النفسية ، والفرق الرئيسي بين الإنسان السوي والمصاب بتضخم الانا ، أن الأول يمارسها جميعها بمرونة في المواقف التي تستدعيها ، فيما المصاب بتضخم الانا ، يمارس بتصلّب عددا محدودا نذكر منها ثلاثة : الإسقاط : ويعني ترحيل عيوب الأنا ورمي " ذنوبه " على شخص أو موضوع أخر . فإذا كانت "س" – مثلا - حسودة فإنها تنفي عن نفسها ذلك وتتهم زميلتها "ص" بممارسة الحسد . وتشيع آلية "الإسقاط " كثيرا بين المثقفين الكبار المصابين بتضخم الأنا ، منها مثلا ما حصل مؤخرا بين الشاعر الكبير سعدي يوسف ومثقفين كبار عندما تم تأسيس " المجلس العراقي للثقافة ". والواقع أن شيوع " الإسقاط " بين المثقفين الكبار لا يقل سوءا عن شيوعه بين قادتنا السياسيين . الحذلقة الفكرية : وتعني التلاعب بالأفكار والغموض السريالي والتمويه وإجادة صناعة الكلام وقلّة "الأثمار " الطازجة . فالمثقف الكبير المصاب بتضخم الأنا حين يتحدث في موضوع معين فأنه " يبدع " في صناعة الكلام ، ولكن بحال يشبه لاعب كرة السلة المحترف .. يبهر الجمهور بلعبه في الساحة غير أن معظم كراته تكون خارج الحلقة . العدوان : لدى المثقف الكبير المصاب بتضخم الأنا نزعة عدوانية صريحة أو ضمنية . فهو إذا انتقده أحد في أفكاره أو سلوكه بحق أو بدونه فأنه يشهر بوجهه كل أسلحته ، حتى لو كان ناقده صديقا" له . وغالبا" ما تشيع بين المثقفين الكبار تهم " العمالة " لدولة أو مخابرات معينة ، وقد تتعداها إلى النيل من السمعة والشرف. ولدى شخصية " الأنا المتضخّم " حاجة قسرية إلى المبالغة والاستعراضية . فهو يطرح نفسه كما لو كان انسكلوبيديا عارفا" بكل شيء . فإذا كان اختصاصه النقد الأدبي مثلا" ، تحدث في السيكولوجيا كما لو أنه فرويد . وهو لديه عطش دائم إلى التفخيم ، وانتقاء رموز وأوصاف دالة عليه ، منها مثلا" ، إذا كان أكاديميا يحمل مرتبة " الأستاذية " فهو لا يقبل منك أن تخاطبه بمفردة " أستاذ " إنما " بروفيسور " ، وكأن لقب " أستاذ " يقلل من شأنه ، فيما " بروفيسور " تعني عنده التميّز والاعتبار وعلّو الشأن ، فضلا" عن أن في بروفيسور إشباع حاجة نفسية لديه " للتماهي " بالأجنبي . وشخصية " الأنا المتضخّم " لديها حساسية شديدة نابعة من الشعور بالنقص . يذكر لي صديق " على ذمته " أن صدام حسين * طلب إحضار خبراء اقتصاديين لمناقشة مشروع صناعي وكان بين الحاضرين حامل دكتوراه في الاقتصاد . وبعد أن شرح لهم فكرة المشروع وجاء الدور إلى الدكتور ، قال في سياق كلامه " لا " عن فكرة طرحها صدام . ولما انفضّ الاجتماع طلب منه صدام البقاء في مكانه و " أندار " عليه فمسك به من "ياخة " سترته ورفعه إلى الأعلى وقال له : الذي يقول لصدام حسين " لا " لم تلده أمه بعد ، وضربه بحذائه على مؤخرته باتجاه الباب . وشبيه بهذا الموقف يحدث كثيرا" بين المثقفين الكبار المصابين بتضخم الأنا في الندوات ومجالس الشرب . ففي جلسة في نادي اتحاد الأدباء العراقيين ضمت الكاتب الكبير عزيز السيد جاسم ، وجّه أحد الجالسين نقدا"له لمقالة كتبها ، فغضب المرحوم عزيز و "هفّه " بالبطل الذي أمامه !. * يوجد تحليل لشخصية صدام حسين في كتابنا " بانوراما نفسية " .
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة النهب والسلب والفرهود في مدينة بغداد بعد سقوط النظام
-
ظاهرة النهب والسلب في مدينة بغداد بعد سقوط نظام الحكم في الع
...
-
الفصام ( الشيزوفرينيا )( 4 4 )
-
سيكولوجيا البحث عن الخلاص ..بزيارة الأئمة والأولياء القسم ال
...
-
سيكولوجيا البحث عن الخلاص ..بزيارة الأئمة والأولياء...القسم
...
-
الفصام ( الشيزوفرينيا ) ( 3 4 )
-
الفصام ( الشيزوفرينيا )( 2 4 )
-
الفصام ( الشيزوفرينيا )( 1 4 )
-
سيكولوجيا فوز الفريق العراقي
-
المجتمع العراقي.. والكارثة الخفية
-
تصنيف الأكتئاب وعلاجه
-
أنا أنافق ..إذن أنا موجود!
-
التوحّد- القسم الثاني -د
-
التوحّد- القسم الاول
-
لماذا يحصل هذا للعراق والعراقيين ؟!
-
أستاذ ( مجنون ) يحصل على جائزة نوبل !
-
العراقيون ..وسيكولوجية الاحتماء
-
الرهاب ( الخوف المرضي )
-
الاضطرابات النفسية الجسمية ( السيكوسوماتك )
-
لسيكولوجية الفتنه...قوانين !
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|