|
عصر العمالقة
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2011 - 2007 / 8 / 18 - 04:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اليوم لا نجد على خشبة المسرح عمالقة مثل:جورج أبيض ولا نجد ملحنين للعمال والشغيلة مثل سيد درويش , ولا أدباء مثل :طه حسين وأحمد أمين وسلامة موسى , ولانجد شعراء بحجم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والجواهري ولا مطربة بحجم أم كلثوم أو مطرب بحجم عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب.
واليوم لا نجد الجمهور الغنائي ينصت سامعا كما كان جمهور أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش . واليوم لانجد جمهورا يهز برأ سه وهو يتذوق الغناء وكأنه يتذوق الحلوى بل على العكس من ذلك نجد جمهورا يهز برجليه وهو يستمع للغناء. واليوم تخلص الإنسان من عقده القديمة وإستبدلها بعقد جديدة , فالإنسان يكاد أن يكون فارغا من الداخل والخارج بلا محتوى وبلا رسالة مهذبة . كان الناس قديما يشعرون وهم داخلون على المسرح وكأنهم داخلون على بيت للعبادة .
ولكل ذلك خصوصية فالجماهير القديمة لها خصوصيتها وكان الفن في زمن أم كلثوم وسيد درويش يعتبر عملا مشبوها أخلاقيا وعيب على الرجل أن يدخل إلى مسرج غنائي أو تمثيلي وكانت عائلات المغنيين يهددون أفرادعائلتهم بقطع العلاقات معهم إذا ما إتجهوا للفن لأن الفن تهمة أخلاقية ولم تكن هنالك دور سينما رسمية للغناء والتمثيل ولهذا السبب كان المغنيون يغنون بالشوارع والمقاهي وبيوت الدعارة وكان الهدف الأسمى من الفن ترفيهيا يرفه به الإقطاعيون عن أنفسهم جنسيا فكانت جميع
المطربات يبدأن عملهن الرسمي بمزاولة مهنة الدعارة والقودنه ومن ثم يصبجن فنانات .
ولهذه الأسباب كانت أم كلثوم أيضا تمارس فنا هابطا في المستوى مثل أغنيتها :تيجي نلعب كوتشينا. وكلماتها اليوم تستحي منها نانسي عجرم ,وهيفا وهبي, وروبي . ولكثرة الضغوط الجماهيرية على أم كلثوم إعتلت بإسلوب غنائها كي توصل للجمهور رسالة أدبية شديدة الحياء ولهذه الأسباب تجد أن معظم أغاني أم كلثوم تبعث في النفس العادات القديمة وتذكرنا بالخطوط الحمراء لدرجة أننا أضفنا هرما مصريا جديدا لأم كلثوم وكأنها طالعة من قبل الميلاد ب 1500عام . وكانت حياة الناس القديمة بطيئة جدا وهادئة جدا وكان أجدادنا قبل 100عام تقريبا يقطعون مسافة 100كيلو متر بيوم كامل أو يومين وكانت جميع التحركات الإجتماعية تمتاز ببطء الحركة والنمو حتى الموسيقى كانت بطيئة جدا وتعتمد على حركات المد اللغوي في القصيدة الملحنة لذلك كانت أيضا الألحان بطيئة جدا وهذا الشيء رافقه جمهور هادىء الأعصاب يجلس على خشبة المسرح ساعة أو ثلاث ساعات وهو يستمع إلى أغنية أو سهرة غنائية .
وكانت الحياة العامة في الأردن وفلسطين وكافة أرجاء بلاد الشام تمتاز بالكسل الحركي وهذا الكسل ينطبق أيضا على نوعية الغناء القديم وكانت معظم الأغاني تنتشر عبر الإحتفالات بالأعياد النبوية لهذا السبب تأثر الفن الغنائي العربي يشطحات صوفية مهذبة حتى أن أم كلثوم بدأت حياتها الفنية وهي تغني بالأعياد والمناسبات الدينية .
لذلك حين بدأ الوطن العربي ينتشر به الفن الحديث كانت نعظم كلمات الأغاني مؤدبة جدا ومهذبة وكان الجمهور وهو يستمع للمغنيين يشعر وكأنه في حرم دينيحتى أن سيد درويش حين غنى أغنيته الشهيرة : زوروني كل سنه مره حرام تنسوني بالمره . كان يقال عن هذه الأغنية أن كلماتها ولحنها يعودان إلى :عثمان الموصلي بهذا الشكل : نفسي أزور قبر إالنبي مره على مره .
وكان المطرب يغني في المقاهي والحارات والشوارع وبيوت الدعارة وكانت بيوت الغناء العربي تبدأ فنا رفيعا ثم تتحول إلى بيت لممارسة الدعارة به ولم يكن يسمح في مصر للغوازي والعوالم بدخول الدار للغناء لهذا السبب كانت الغوازي يغنين في فناء الدار وقاعات المنازل الترابية .
وحين بدأ الفن يرتفع من مستواه الهابط حافظ بنفس الوقت والمستوى على أدبيات دينية وتعاليم أخلاقية وهذا ما كان يجعل جمهور أم كلثوم يقف مؤدبا جدا وهو يستمع لغنائها وأم كلثوم تعد في الحقيقة والواقع أول من شطب التأوهات الجنسية من غنائها وكانت المطربات قبل أم كلثوم يغنين وهن يتفوهن بعبارات جنسية شهوانية مثل :يا ولد ,.أيوه يا ولد , وصوت ضحكات وغنجات عالية تلهب مشاعر الجمهور جنسيا وليس عاطفيا .
لقد شطبت أم كلثوم من غنائها التأوهات الجنسية وأطفأت نار الشهوة الجنسية وأشعلت بنفس الوقت للعشاق المغرمين ببعضهم نارا من الأحاسيس والمشاعر الجياشة والفياظة وفتحت باب العشق على مصراعيه وغنت بعذرية ساذجة وبسيطة كانت وما زالت حتى اليوم يستمع لها كل من يريد أن يخلوا بنفسه ساعة للتأمل مع الذات .
وكان اللحن بطيء جدا وحركات المد التي تمدها أم كلثوم بصوتها تبعث في النفس نوعا من الإسترخاء وما زالت الناس إلى اليوم تمارس فن لياقة اليوغا وهم يستمعون لها مسترخين الأعصاب . وتطورت الحياة شيئا فشيئا وأصبحت المرأة تمارس حياة مختلفة في الظروف والمسافات كانت بسبب تقدم المجتمعات الرأسمالية وظهور المصانع التجارية وتعمق وإزداد الإنتاج وبدل أن تتحسن ظروف الناس تراجعت إلى الخلف وتفتت العائلات الكبيرة والقديمة بسبب تغير ظروف الإنتاج وأصاب الناس إنحلال أخلاقي في المبادىء والشعارات وحلت العملة النقدية محل العمل بالسخرة وتحرر بذلك العبيد من قبضة الإقطاع وحلت محل العبادات القديمة عبادات مادية تعبد الدرهم والدينار والذهب والفضة ولهذه الأسباب نزل مجتمع الرجال عن عنجهيتهم وسمحوا لزوجاتهم بالعمل خارج المنازل طبعا منازلهم حيث كانت المرأة تعمل في المجتمعات الزراعية داخل أسوار المنزل الخاص بهن .
وبدأ رجال يبحثون عن المرأة المنتجة والموظفة وبالتالي حلت قيم أخلاقية جديدة وتخلت الناس عن مفهوم العيب وثقافة العيب بسبب الضغوطات المادية وقسوة الحياة . وكل هذه الظروف أوجدت مجتمعا مدنيا أو شبه مدني ورافق ذلك الفنون والمعتقدات وبدأ الفن يمارس بإعتباره فنا وليس بإعتباره دعارة وتعرت النساء أمام كاميرات المخرجين وأصبح المجتمع المدني ينقل مفاهيم جديدة عن المرأة كما يقول آرنولد توينبي: أصبحت المرأة مثل الإعلان تجدد حياتها بالتكرار.
ولهذه الأسباب إزدادت شعبية الفنون الغنائية بسبب : إنتشار عوامل الرخاء وحاجو المجتمع إلى المرأة العاملة : ورب سائل يسأل وما دخل المرأة بذلك فأقول : هل يصلح الفن بدون عنصر نسائي ؟طبعا لا ولنتخيل فلما تلفزيونيا بدون نساء جميلات كيف سيكون شكل الجمهور؟سيكون شكله مثل شكل المرضى النفسيين بالإكتئاب. ومع دخول الإنسان عصر السرعو تبدلت أنواع الفنون فلا أحد منا يستطيع أن يجلس ربع وثلث أو نصف ساعة وهو يستمع لمقدمة موسيقية قبل بدأ الأغنية رسميا . لقد إمتازت حياتنا بالسرعة وأنا شخصيا إنتقل من محطة إلى محطة فضائية إذا إنتظرت المغني دقيقة واحدة يستعرض مقدمة موسيقية لأغنيته في دقيقة وفعلا يصيبني القلق والإكتئاب من مجرد إنتظار دقيقة واحدة . السرعة غيرت حياتنا وغيرت حياة المرأة والمرأة هي من طور الفن الإذاعي والدعاية !. لنتخيل جميعا شكل دعاية بدون نساء كيف هو حال البضاعة المروجة لها إذا كان الرجال سيأدون الإعلان لوحدهم ؟. أكيذ مخزي وقبيح وكأنه فلم رعب .
وبسبب ضغوطات الحياة تخلت الناس عن ثقافة العيب لتحل محلها ثقافة الحرية والديمقراطية بإسم التعاون بين الرجل والمرأة وأجبرت الظروف القاسية في المعيشة بأن يتنازل الرجال عن إحتكارهم الإجتماعي للمرأة فلموظف البسيط لا يستطيع أن يتزوج ويفتح بيت وإمرأه براتبه البسيط,لا بد أن يبحث عن إمرأة عاملة كي تساعده في النفقات اليومية . واليوم لا نرى فعلا عمالقة مثل عمالقة الماضي فالمجتمع القديم له ظروفه وإمكانياته وله ثقافته بكافة عناصرها القاسية والمرعبة فلا نجد مطربة بحجم أم كلثوم تقف على المسرح وهي تستحي من إظهار كاحلها . وبما أن الظروف القاسية أجبرت الرجل في أن يقبل المرأة العاملة فقد إستتب أمن هذا الموقف وبدأ الفن يأخذ موقفا آخرا وأصبح علما له أساتذة ومنظرون فنيون وأصبح اليوم الفن يمارس من أجل الفن والمرأة التي ذاقت طعم الحرية بخروجها من منزل أبيها وزوجها لم تستطع أن تنسى طعم الحرية حتى وإن إكتفت ماديا فالعمل أصبح حرية ومساواة عادلة ولن يكون بعد اليوم عملا مشبوها أخلاقيا . إننا نلاحظ ان كثيرا من فئات المجتمعات ذات الدخل العالي والمتوسط تذهب به المرأة للعمل لأن العمل والحرية أصبح ليس غاية من أجل لقمة الخبز بل من أجل الحرية والمساواة. ومن أجل مصطلح الفن للفن
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحلامي جريئة
-
ب 99 دينار أردني!
-
كلب إلباشا باشا
-
الكلمة الحرة والكلمة المستبدة
-
القادة العرب
-
أدب الطغاة
-
الديمقراطية للإنتهازيين وحياتنا جافة
-
مجتمع الماركسيين
-
رسالة إلى كتاب الحوار المتمدن
-
المجتمع المدني العراقي 1
-
الديموقراطية الأردنية على ضوء الإنتخابات النيابية القادمة 20
...
-
موجز تاريخ البشرية حتى عصر العملة الذهبية
-
مستقبل الإنتخابات النيابية في الأردن 2007م
-
مشاهد كوميدية على خشبة الإنتخابات البلدية في الأردن2007
-
لماذا الله؟
-
السرعة والجمود في المجتمعات العربية
-
إلقاء القبض على مثقف أردني بتهمة تعاطي الديمو قراطية
-
مستقبل العلاقة بين الحكام العرب والشعب مع توضيح شكل العلاقة
...
-
رسالة من يساري عربي إلى بعض العرب
-
الإثارة والنقد في المجتمع العربي
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|