أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - الفصام ( الشيزوفرينيا ) ( 3 4 )















المزيد.....



الفصام ( الشيزوفرينيا ) ( 3 4 )


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 2004 - 2007 / 8 / 11 - 11:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


توطئة
استعرضنا في القسمين السابقين أعراض الفصام والزَوَر (البارانويا). ولكننا لم نتطرق الى الأسباب التي تجعل بعض الأفراد يتصرفون بطرائق غريبة يختلفون بها عن الناس العاديين (الأسوياء) في التفكير والكلام والادراك والتصور والسلوك الحركي ، وما يعتريهم من اوهام وهلاوس ، وهو ما سنتناوله في هذين القسمين المكرسين لتفحص الاسباب المرضية لهذا السلوك وطرائق علاجه.
وبما أن اضطراب الفصام قد نال من البحوث اكثر مما ناله اضطراب الزَور، فان مناقشتنا ستتركز حول المنطلقات النظرية للفصام.
- مشكلات في دراسة الفصام
يمكن القول بأن البحث في الفصام مسالة زلقِة . لأن مشكلة البحث فيه يكتنفها الكثير من الغموض . فما يزال الباحثون لا يعرفون الى الآن ما اذا كان الفصام اضطراباً واحداً مفرداً او مجموعة من الاضطرابات . فضلاً عن أن أعراضه كثيرة ومتنوعة ، ولا تظهر جميعها في مريض واحد بعينه. وبالرغم من ان الباحثين هاجموا هذه المشكلة في اتجاهات مختلفة ، فأنهم لم يصلوا الى استنتاجات ثابتة إلا في السنوات الأخيرة ، وان هذه الاستنتاجات ما تزال قليلة ، ولها أسبابها كما سنرى .
ما الذي ينبغي أن يدرس ؟
إن المشكلة التي رافقت اضطراب الفصام ، وما تزال قائمة ، تتعلق أساسا بعدم الاتفاق على التشخيص . فما هو سائد بين الباحثين هو أن كل باحث يتعلم من الآخر، وانه ينطلق في بحثه من النتائج التي توصل إليها من سبقه . غير أن هذا لم يحصل دائماً في دراسة الفصام . ففي عدد من الدراسات التي أجريت في الستينيات من القرن الماضي (انظر مثلاً Beck واخرين، 1962، Sandife واخرون 1964). فأن نسبة الاتفاق بين الاختصاصيين في التشخيص العام للفصام تراوحت بين 53% الى 74% فقط . ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون التشخيص اكثر دقة ، بتحديد أصناف الفصام الفرعية (Subcategory) . إذ تنخفض نسبة الاتفاق بين الاختصاصين الى ما بين 35% و 50% . ففي تجربة أجراها (Cooper واخرون، 1972) على مجموعتين من المعالجين النفسانيين الأولى في نيويورك والثانية في لندن ، عرض عليهم أشرطة فيلمية (فيديوتيب) لمقابلات بين أطباء ومرضى ، وطلب الى المعالجين النفسانيين الاميركان والإنكليز تشخيص حالات هؤلاء المرضى على أساس ما شاهدوه على هذه الأشرطة. وكانت النتيجة أن المعالجين النفسانيين في لندن شخصوا اضطرابات الفصام والاضطرابات الوجدانية بتكرارات متساوية تقريباً . أما المعالجون النفسانيون في نيويورك فقد شخصوا اضطراب الفصام بتسعة أضعاف حالات الاضطرابات الوجدانية . وكان هناك عدم اتفاق بين الاختصاصيين في البلدين حول الاختلاف بين هذين الاضطرابين ، الفصام والاضطرابات الوجدانية . ويعزو الباحثون هذه الاختلافات في النتائج الى المعايير عبر الحضارية في توكيداتها المتباينة التي تضعها وتصف بها اضطرابات الفكر والمزاج . ففي التجربة السابقة يبدو منها ان المعالجين النفسانيين الاميركان نظروا الى اضطرابات الفكر على أنها العرض الأساسي والجوهري ، بينما أعطى المعالجون النفسانيون البريطانيون وزناً اكبر الى اضطرابات المزاج. ولقد قدم ستيفنس (Stephens، 1978) تفسيراً حاذقاً بقوله : إن النزعة أو الاتجاه لدى الأميركي يميل الى تشخيص كل الذهانات غير العضوية على انها فصام . ومهما يكن السبب فأن هناك اختلافات وعدم اتفاق واضح عبر الحضارات فيما يخص هذا الصنف من الاضطرابات . وبالرغم من ذلك فهناك اتفاق على (جوهر Core) أعراض هذا الاضطراب ، إذ تفيد الأدلة الحديثة على أن الفصام يحدث في العالم كله بنسب متقاربة تقريباً وان التباينات عبر الحضاريه راجعة أساسا الى الاختلافات في أساليب التشخيص (Carpantar واخرون، 1973) .
وينبغي أن يبقى في الذهن انه ما دام لا توجد هناك اختبارات تجريبية للفصام ، فأن الاتفاق على التشخيص يبقى مسألة بعيدة المنال . فالمعايير التشخيصية ما تزال متباينة من قطر الى آخر. والمشكلة الأكثر خطورة في الوقت الحاضر تكمن في عدم الاتفاق على الاسباب المرضيه للفصام، فالجدل ما يزال محتدماً بخصوص السبب والنتيجة . فهل الانسحاب الاجتماعي- على سبيل المثال- هو السبب الأساسي في حدوث الفصام ، كما يرى بعض المنظرين ، أم أن انسحاب الفصاميين ناجم ، ببساطة عن الاضطرابات في التفكير التي تجعل من الصعوبة عليهم التواصل مع الآخرين؟ وهل الأوهام هي العَرض الرئيسي أم أنها مجرد أسلوب أو طريقة يعتمدها الفصامي في تفسير التشوش والاختلاطات الفكرية ؟ .
إن الإجابة على مثل هذه التساؤلات تشكل مسألة حاسمة في بحوث الفصام. والى ان نعرف أساسيات هذا الاضطراب ، فأن الفرصة تبقى ضعيفة في الكشف عن أسبابه . ويمكن تحديد المشكلات التي تواجه دراسة الفصام ، بأربعة أنواع أساسية .
أ- مشكلة التجريب
إن الإجراء العلمي الشائع في تحديد التأثير او النتيجة effect لظرف او حالة معينة هو اعتماد تصميم المجموعات العشوائية . وابسط طريقة في هذا الإجراء هي تحديد مجموعتين عشوائيتين من المفحوصين، إحداهما تجريبية يتم تعريضها الى ظرف تجريبي معين ، والأخرى ضابطة لا تتعرض لذلك الظرف التجريبي . ثم تقارن النتائج لتحديد الأثر effect الذي احدثه الظرف التجريبي .
ولأسباب واضحة ، فأنه ليس بالإمكان استعمال هذه الطريقة في البحث عن الاسباب المرضية etiology للفصام . فليس بالمستطاع بطبيعة الحال ، اختيار مجموعة من الناس ، عشوائيا، ليكونوا فصاميين . كما انه لا يمكن تعريضهم الى ظروف تجريبية لإحداث الفصام فيهم . وليس في ذلك حق بتعريض أي إنسان لظرف تجريبي من هذا القبيل . وهذا يعني أن البديل الوحيد المتوافر أمام الباحثين هو مقارنة مجموعات من الناس المصابين بالفصام فعلاً مع مجموعات من الأفراد العاديين او الأسوياء ، بغض النظر عن متغيرات كثيرة من قبيل الخلفية الاجتماعية الاقتصادية والتحصيل الدراسي وما الى ذلك . وواضح ان هذه الطريقة تثير مشكلتين في صعوبة التحديد الواضح في أيهما هو السبب وأيهما هو النتيجة في هذا العلاقة .
ب- مشكلة البيضة ام الدجاجة
أوضحنا فيما سبق حقيقة أن ارتباط متغيرين ببعضهما لا يعني أن أحدهما هو السبب والآخر هو النتيجة . وهذه المشكلة التي يمكن أن نطلق عليها مشكلة البيضة أم الدجاجة تنطبق على الفصام . تأمل ذلك الافتراض القائل بوجود علاقة بين الخلفية الاجتماعية الاقتصادية والفصام . فمن جهة يمكن ان تسهم صعوبة الحياة في الطبقة الاجتماعية الاقتصادية الدنيا في تطور الفصام . ومن جهة ثانية ان السبب قد يكون في أن تكيّف الفصاميين للحياة يكون ضعيفا مما يجذبهم نحو الطبقة الاجتماعية الاقتصادية الدنيا . وهذا يعني أننا ما نزال لا نمتلك إشارة أو تلميحاً يبين لنا اتجاه العلاقة السببية بين هذين المتغيرين .
جـ- مشكلة المتغير الثالث
بالرغم من أننا لا نعرف فيما اذا كانت هناك علاقة سببية بين متغيرين ارتباطيين ، فأن هناك احتمالاً آخر من أن كلا المتغيرين هما نتيجة سبب آخر غير محدّد ، يمكن أن نطلق عليه ؛ المتغير الثالث . فقد يبدو مقنعاً أن المستوى الاجتماعي الاقتصادي الواطئ والفصام هما نتيجة متغير عضوي غير معروف . وبالمثل فأن الارتباط القائم بين سوء التكيف النفسي والفصام قد لا تجمع بينهما علاقة سببيه واضحة ، ما دام كلا العاملين يمكن ان يكونا ناتجين عن ضغوط نفسية أو خلل بيولوجي .
د- مشكلة التوقعات
هناك حقيقة معروفة من ان توقعات الباحثين ومساعديهم يمكن ان تؤثر في نتائج بحوثهم (Rosenthal، 1967) . وتأثير التوقعات تشكل صعوبة في السيطرة على الدراسات الهادفة الى قياس فاعلية أساليب العلاج المختلفة . فضلاً عن أن المرضى أنفسهم يستجيبون على وفق ما يتوقعه الباحثون والأطباء الذين يعالجونهم .
أسبــاب الفصـــام
هنالك ثلاث مدارس فكرية أساسية تناولت الاسباب المرضية etiology للفصام . الأولى تعزو الاسباب الى ضغوط بيئية ، والثانية تعزوها الى شذوذ في الانتقال الوراثي ، فيما تعزوها الثالثة الى تفاعل بين هاتين القوتين. وسنناقش وجهات النظر هذه على التوالي ، مبتدئين بالنظريات البيئية.

- المنظور النفسي الدينامي
الفصام كنكوص :
مع أن فرويد كان قد انشغل أساسا بالقلق واضطرابات التفكك والاضطرابات الجسميةَ النفسيةً ، فأنه كتب في الكثير من أنواع الذهان. وكانت الفكرة الأكثر تأثيراً التي قدمها فرويد بخصوص الفصام تتمثل في انه نظر الى هذا الاضطراب على انه حالة او شكل من أشكال النكوص . إذ يرى أن الناس الفصاميين هم أولئك الذين يكون الأنا (ego) عندهم ليس قوياً بما يكفي لأن يتعامل بفاعلية مع دوافع الهو (id) غير المقبولة . ولأن القلق يكون قد استحوذ عليهم ، فأنهم يتخلون عن المجابهة وينكصون الى المرحلة الفموية المبكرة ، حيث لا يكون في تلك الفترة انفصال بين (الأنا) و (الهو) . وبالتبعية فأنه لا يكون هناك صراع او كفاح بينهما . وهذا النكوص الى المرحلة التي ينعدم فيها (الأنا) هو الذي يفسر لنا انفصال الفصامي عن الواقع . لأن (الأنا) هو الذي يتوسط بين الذات والواقع . وما دام الفصامي لا يمتلك (أناego ) فأنه يفتقد الى الوسيط بينه وبين واقعه الخارجي ، وينقطع الاتصال به.
ويبدو أن هذا النكوص المدفوع بالقلق النفسي ، ما يزال يشكل الفكرة الأساسية في كتابات المنظور النفسي الدينامي Psychodynamic بخصوص الفصام . ومع ذلك فأن المنظّرين الجدد من هذا الاتجاه شددوا على دور العوامل الشخصية المتبادلة interpersonal بشكل اكثر قوة مما كان قد فعله فرويد . ويعد سوليفان (Sullivom، 1962) مثالاً جيداً على ذلك ، حيث خصص الكثير من كتاباته النظرية لموضوع الفصام . وطبقاً لما يراه سوليفان فأن سبب قلق الفصامي هو ليس دوافع (الهو) وانما راجع الى ما أصاب علاقة الطفل بأمه من ضرر او أذى . ويرى سوليفان، وكثير من المنظرين الذين جاءوا بعد فرويد ، ان الفصام يمثل انسحاباً تدريجياً من الناس الآخرين وان هذه العملية تبدأ من الطفولة المبكرة ، حيث يكون هناك تفاعل مصحوب بالقلق والعداء بين الطفل ووالديه . وبسبب عدم وجود علاقة مودّه بينه والآخرين ، فأنه يهرب الى عالم خاص به من الخيالات . وهذا يضعه في دائرة مغلقة . فكلما زاد انسحاب الطفل كلما قلت فرصته في تأسيس علاقات وثيقة بالآخرين قائمة على الثقة وتطوير المهارات الضرورية للاتصال بالواقع ، مما يقود بالتالي الى المزيد من القلق . وعندما يستمر الطفل في هذه الدائرة فأنه يواجه في مرحلة الرشد المبكرة أوضاعا جديدة من المتطلبات الاجتماعية المتمثلة بالعمل والزواج وما الى ذلك . ويصبح الفرد مغموراً بالقلق في مواجهة هذه التحديات ، فينتهي به الأمر الى الانسحاب التام، وتتعطل لديه كل إمكاناته العقلية المتعلقة بالاتصال والادراك والتفكير المنطقي ، التي تشكل جسور الاتصال بالآخرين والواقع الخارجي .
إن هذه المرحلة الأخيرة من الانسحاب التام هي ما نسميه بالفصام الناتج أساسا من التراكم التدريجي للانفصال عن العلاقات الإنسانية .
- التحليل النفسي للفصام
اعترف فرويد نفسه بأن التحليل النفسي لم يقدم الكثير بخصوص الفصام لانه انشغل أساسا بالعصاب . أشار في مناسبات قليلة الى منشأ الفصام مستعملاً بعض مفاهيم التحليل النفسي التي طبقها على جميع الاضطرابات الشخصية . وكما أشرنا في أعلاه فأن فكرته الأساسية عن الفصام ، انه حالة نكوص الى المرحلة الفمية النرجسية حيث لا يتمايز فيها (الأنا) عن (الهو) فيفقد الفرد الاتصال بالواقع.
والواقع أن سولفيان يعد الرائد في العلاج النفسي الدينامي للفصام. وهو يختلف في منظوره عن التحليل النفسي التقليدي ، اذ يرى بأن التغلب على انفصال المريض عن واقعه يتطلب ان تكون هناك علاقة بين الطبيب والمريض قائمة على الدفء والمودّة . وان يقوم المعالج بدور فاعل ونشط يساعد المريض الفصامي على حل مشكلاته العملية . وان يشعره بالتقدير لكي يخرجه من حالة الانسحاب واعادته الى العالم الواقعي .
- نظريات الأسرة
هنالك اتفاق عام حول أن الأسرة لها الدور الأكبر في التطور النفسي الاجتماعي للفرد ، بالمقارنة مع أي عنصر آخر في المجتمع . وقد يبدو الأمر منطقياً هنا عندما نقول بأن أسباب الفصام تعود الى عوامل نفسية ، وان الأسرة يمكن أن تكون هي السبب الأول . وكما رأينا فأن سولفيان يحمّل الأسرة المسؤولية الكبرى ، يشاركه في ذلك منظّرون آخرون من تيارات مختلفة .
وربما يُثار التساؤل هنا بالشكل الآتي : هل هناك نمط معين من الأسرة تنشأ فيها حالات من الفصام ؟
ينظر الكثير من المنظّرين الى العلاقات الأسرية، لا سيما العلاقة بين الام وابنها، على أنها حاسمة في تطور الفصام. وقد سادت نظرة عامة بين اغلب المنظرين اتخذت مصطلح (الأم الموّرثه للفصام Schizophrenngenic Mother ( Davison و Neale 1982) . وافترض في هذا ألام أنها تتصف بالبرودة والسيطرة ، وإنها كانت قد عاشت في أسرة تتصف بالصراع بين الوالدين . كما أن هذا النوع من الأمهات يتصف بالرفض Rejecting ، والحماية الزائدة Overprotecting ، والتضحية بالذات Self- Sacrificing، وغير متفتحة او متقبلة لمشاعر الآخرين، وصارمة ومتزمته بخصوص الجنس ، وممتلئة خوفاً من الألفة والصداقات الحميمة Intimacy .
كما أن الأب يكون في الوقت نفسه مخطئا ً، في كونه يتخذ موقفاً سلبياً من هذه العلاقة بين الام والطفل ولا يتدخل في تصحيحها. ويرى عدد من الباحثين (Caputo، 1968 مثلاً) إن الآباء مسؤولون مسؤولية الأمهات من حيث الجو العدائي والعدواني في البيت الذي يبدو انه يسود الكثير من الأسر التي تظهر فيها حالات الفصام. ويرى لدز (Lidz، 1973) ان عدداً كبيراً من الأطفال الفصاميين يأتون من أُسر يمكن وضعها في صنفين، الأول: (الأسرة المنشقة Schismatic family) حيث الصراعات فيها بين الوالدين تشق الأسرة وتقسمها الى جبهات . والثاني: (الأسرة المتخالفة Skewed family) التي تكون هادئة الى حد ما ، غير أن أحد الوالدين فيها يكون مسيطراً عليه بشكل تام من قبل الواحد الآخر. وفي كلا هذين النمطين من الأسر يتعرض الطفل الى موقف يشعر فيه بعدم الإحساس بالأمان وضعف الشعور بقيمة ذاته Self-worth. فضلاً عن ذلك ؛ فأن دور النمذجة يصبح مشكلة معقدة وبخاصة في نمط الأسرة المنشقة . فأذا ما توحد الطفل بأحد والديه فأن ذلك يسبب له عداءً كبيراً من الوالد الآخر.
ويطرح باحثون آخرون مسألة أخرى يطلقون عليها (الاتصال المزدوج القيد او الرابطة Double- Bind Communication (Bateson، 1956) يرون فيها أنها قد تشكل سبباً قوياً في نشوء الفصام . ففي هذا الموقف المزدوج القيد تصدر الامُ الى طفلها رسائل أو طلبات متناقضة تتضمن ، على سبيل المثال ، قبول الطفل والعطف عليه ، والرفض له أيضاً. ولا تسمح له في الوقت نفسه ان يعبر او يفصح عن رأيه ومشاعره بخصوص هذا التناقض . ويفترض باتيسون وزملاؤه ان نمط الام هذا يمثل حالة من الاتصال المزدوج القيد . حيث تجد الام فيه انه يجعلها قريبة من طفلها الذي لا يطاق ، غير أنها تجد أيضا أنها لا تطيق الاعتراف الى نفسها بخطأ هذه الطريقة من الاتصال مع طفلها. وهكذا فأنها تدفع بالطفل بعيداً عنها، وعندما ينسحب الطفل فأنها تتهمه في انه لا يحبها (Lahey,2000).
غير انه بالرغم من وجود أمثلة كثيرة عن الاتصال المزدوج القيد ، فأنه توجد بينات قليلة بخصوص دور هذا النوع من الاتصال في أسباب نشوء الفصام . ولأجل التحقق من ذلك فقد جرى التركيز في السنوات الأخيرة على مدى من الاتصال الذي يشمل أفراد الأسرة بكاملها ، ولا يقتصر على الاتصال بين الام والطفل . وصار معروفاً الآن من أن أسر الفصاميين تميل الى أن يسود أفرادها أنماط متباينة ومتعارضة من الاتصال فيما بين أفرادها (Wynne واخرون، 1975). فالتبادل اللفظي بينهم يمكن وصفه بالضبابية واللاوضوح والتشوش او (اللخبطه) ، والغموض والإبهام والتشظي Fragmented أو عدم الاكتمال (Fridman , Friedman، 1970 ؛ Hassan، 1974 ؛ Lewis واخرون، 1981 ( Weiten , 2004 , .
غير أن باحثين آخرين شككوا بوجود علاقة سببية بين الاتصال اللفظي بالشكل الموصوف في أعلاه وبين الفصام . أشاروا الى انه حتى على افتراض وجود مثل هذه العلاقة السببية بين هذين العاملين فإننا نصطدم بمشكلة البيضة أم الدجاجة. ذلك انه اذا كان الاتصال الأسري المضطرب قد غذّى او عزز الاضطراب لدى الطفل، فأن الاحتمال قائم أيضا في أن يكون اضطرب الطفل نفسه قد سبب هذا الاتصال المضطرب (Waxle,Mishier، 1968).

وهناك مشكلة أخرى إضافية . فأذا كان الوضع الأسرى بكامله ذا أهمية بالغة في نشوء الفصام ، فلماذا يظهر في هذه الأسرة طفل فصامي ويظهر فيها أيضا طفل سوّي طبيعي ؟. ولقد حلَّ الباحثون هذه الإشكالية بافتراض مفاده أن الطفل الذي يصيبه الفصام في هذه الأسرة ، هو ذلك الذي ينتقى من بين اخوته ليكون (الطفل المحوري) بسبب ضعفه او قلة ذكائه ، او ذلك الذي يكون سهل الانجراح والعطب (Mosher، واخرون 1971) . غير أن الباحثين ما يزالوان غير متأكدين تماماً من هذه المسألة . فالدراسات الأسرية على الفصاميين تواجه صعوبة كبيرة في إجرائها وتفسيراتها بسبب عدم القدرة في السيطرة المستمرة على المتغيرات . فضلاً عن مشكلات أخلاقية تتعلق بالخصوصيات الاسريه . وواضح أن هذه الصعوبات في البحث ، ليست لصالح نظريات الأسرة التي أثارت حماسة الباحثين في أواخر الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والتي قلّت شعبيتها في الوقت الحاضر (Nolen , 2001).
ومع ذلك فأن الباحثين المعاصرين لا ينفون فكرة أن تكون الأسرة سبباً في نشوء الفصام ، ولكن ليس بالصيغة التي تنظر الى الأسرة على أنها السبب الوحيد الذي يقدح زناد الفصام، بل ينظرون إليها على أن الجو الانفعالي للأسرة يمكن أن يؤثر في نشوء الفصام لدى ذلك الطفل الذي يملك استعداداً للإصابة بهذا الاضطراب (Helgin & Whitbourne , 2003 ).
- المنظور السلوكي
هناك مبدآن مركزيان في المنظور السلوكي للفصام الأول ، انه يوجد تنوع كبير في المتغيرات المسببة للسلوك البشري . فبالرغم من ان بعض الناس غالباً ما يواجهون درجات متباينة من الإثارة النفسية ، والمعلومات المتدفقة بغزارة ، واضطرابات فكرية ، فأنه ما من أحد تواجهه مثل هذه المشكلات بصورة مستمرة وثابته (Liberman، 1982) . فكل واحد تمر عليه لحظات من الكدر، ولكنها تتباين في حدتها، فاحيانا تكون حادة ، وأخرى تكون خفيفة. والمبدأ الثاني يتمثل في ان التفاعل بين سلوك الفرد وبيئته يؤثر في تطور ومسار الاضطراب ، وان تأثير الضغوط البيئية يتوقف على مدى كفاءة او قدرة الفرد وضعفه او عجزه . فالشخص الذي يكون مهدداً بأعراض الفصام هو ذلك الذي تنخفض كفاءته في التصرف بفاعلية في عدد من الميادين الحياتية المهمة . وان هدف التوجه السلوكي هو زيادة قدرات الفرد وتعزيز كفاءته الوظيفية وليس بتقديم علاج لاضطراب محدد .


- قلة الانتباه المتَعلم
إن التفسير الأكثر شيوعاً للفصام في المنظور السلوكي التقليدي ، هو الذي قدمه اولمان وكراسنر (Krasner, Ullmon. 1975) . فهما ينظران الى الفصام على انه سلوك متعلَّم يتضمن مشكلات انتباهية. فالفصاميون هم ، ببساطة ، أولئك الأفراد الذين لم يتعلموا كيف يستجيبون من خلال التعزيز الى التنبيهات الاجتماعية بنفس الطريقة التي تستجيب غالبيتنا لها ، بسبب حياتهم الأسرية المضطربة او أية أسباب بيئية أخرى . او انهم ربما كانوا قد تعرضوا الى نماذج تستجيب للتنبيهات الاجتماعية بطريقة تختلف عن استجابات غالبية الناس ، فتعلموا ذلك منهم. ونتيجة لذلك فأنهم يميلون الى ان يصبحوا موضوعات لأفعال انضباطية صارمة ورفض اجتماعي تؤدي بالتالي الى مشاعر إضافية من الاغتراب Alienation واعتقاد يتولد لديهم بأنهم اصبحوا (خارج) الجماعة ، وعندها يصبح سلوكهم اكثر شذوذاً وغرابة . وعندما يكافئون او تتعزز لديهم هذه الاستجابات الغريبة ، من خلال الانتباه اليهم والتعاطف معهم وتحريرهم من المسؤولية ، وهذا ما يحصل عادة ، فأن استجاباتهم الشاذة هذه تميل الى ان تصبح تعوديه (Habitual) .
وهناك بعض الإسناد لهذه الافتراضات . فقد تبين ، على سبيل المثال ، أن السلوك غير العقلاني (crazy) لدى الفصاميين يمكن إحداثه بنفس السلوك المتعلَّم لدى الناس الأسوياء عندما يتعرضون الى مواقف تقدم فيها مكافآت على استجابات معينة.
كما انه وجد ان الفصاميين قادرون على إظهار انطباعات جيده (Look Good) وأخرى غير جيده (Look Bad) تبعاً لمتطلبات الموقف الذي يتعرضون إليه . ومع أن هناك اعترافاً بحقيقة ان سلوك الفصاميين يمكن تغييره من خلال التعزيز، إلا أن الإسناد العلمي ما يزال ضعيفاً بخصوص الفكرة القائلة بأن التباين في التعزيز يسبب الفصام . فمعظم السلوكيين يتوسلون بنظرية التعلم للإفادة منها في علاج الفصام وليس في البحث عن أسبابه المرضية (Santrock , 2000 .)

- إعادة تعلم السلوك السّوي
مهما يكن جذر سبب السلوك الفصامي ، فأن ما يحصل للفرد الذي يصاب بالفصام ، ان التعزيزات التي كان قد تلقاها في مجرى حياته حدثت، وربما بشكل غير مقصود ، لتلك الاستجابات الشاذة وغير العقلانية (Crazy). ولم يحصل على تعزيزات لاستجاباته التكيفية . فأذا كانت الحالة كذلك ، فأنه يجب قلب نمط ذلك التعزيز الذي يؤدي بالتالي الى تحسين استجاباته . وهذا هو هدف استراتيجيات العلاج السلوكي في السنوات الأخيرة .
- التعزيز المباشر
يعتمد الكثير من المعالجين السلوكيين على التطبيقات المباشرة لمبادئ الاشراط الإجرائي . فهم يحاولون تغيير السلوك من خلال نتائج هذا السلوك، حيث لا يحدث الانتباه الاجتماعي لتلك الاستجابات السلوكية غير المناسبة التي يقدمها المريض . فيما يتم الانتباه الاجتماعي ، المصحوب بتقديم السجائر مثلاً، لتلك الاستجابات السلوكية المناسبة التي يقدمها المريض في حضور الآخرين .
- أسلوب التعامل بالعملات الرمزية
استعمل بعض المعالجين مع المرضى الراقدين في المستشفيات أسلوب التعامل بالعملات الرمزية (الماركات) Token Economy . وهو إجراء يستعمل في تعديل السلوك قائم على مبادئ الاشراط الإجرائي ، حيث يُعطى المرضى مكافآت رمزية للسلوك المرغوب فيه اجتماعيا ً. وهذه المكافآت او العملات الرمزية يمكن تغييرها على وفق مدى المكافآت التي يختارها كل مريض . إذ يمنح المريض عملة رمزية Token او نقاط او أي نوع من التعزيزات الشرطية التعميمية Generalized كبديل او مكافأة على حث وتعزيز سلوك معين مقبول . من قبيل تنظيف غرفته وتزينها بالورود او تدريبه على مهنة او حرفة (نجارة ، حداده ، رسم...) يحبها ويستطيع المريض ان يشتري بالعملات الرمزية التي يجمعها أشياء يرغب فيها مثل : السجائر ، القهوة ، ملابس جديدة ، وأشياء أخرى يحتاج إليها .
- التدريب على المهارات الاجتماعية
رأينا ان معظم الفصاميين يكونون غير كفوئين او (سخفاء) في تصرفاتهم الاجتماعية . فهم يتجنبون من ينظر اليهم ويتكلمون قليلاً مع الآخرين ، ويظهرون انفعالات ليست لها علاقة بالموقف الذي هم فيه ، وما الى ذلك . وغني عن القول إن هذا العجز او العوق الاجتماعي يسبب صعوبات كبيرة لهم وللأطباء الذين يحاولون إعادة تكيفهم أثناء مكوثهم في المستشفى ، من خلال تمكينهم من إقامة علاقات صداقة مع الآخرين ، او القيام بعمل او حرفة مفيدة ، وأشياء ومهارات أخرى ترتبط بالمتعة والفائدة .
ولتمكين المرضى من تخطي هذه الصعوبات، فقد عمد المعالجون السلوكيون الى وضع برامج سلوكية تتضمن التدريب على مهارات اجتماعية، يتم فيها تعليمهم مهارة التحدث والنقاش مع الآخرين والاتصال البصري، والوقفة او الجلسة الجسمية المناسبة والابتسامة، وكل ما يجعل الآخر جذاباً للآخرين (Bellck واخرون، 1976).
وعلى الجانب الآخر من هذه الحالة ، هناك مرضى قادرون على الاتصال بالآخرين ، غير ان أساليب اتصالاتهم هذه تكون خاطئة . فلقد ذكر ولاش Wallach (1973) حالة شاب فصامي (22سنة) ادخل الى المستشفى وكان تاريخه السلوكي يتضمن أحداثا مؤذية من بينها انه أطلق النار على أخته ، وهشّم الكثير من أدوات البيت وأثاثه ،... وكان يعتدي بعنف على المرضى الآخرين في المستشفى . ولقد وضع له برنامج للتدريب الاجتماعي تضمن لعب الدور Role Playing، جرى فيه تعليمه على ان يستجيب بكفاءة للمواقف المحبطة ، بتدريبه على استعمال استجابات لفظية مناسبة بدلاً من العدوان البدني الذي كان قد اعتاد عليه . وغالباً ما كان يتضمن التدريب على المهارات الاجتماعية تدريباً ادراكياً شمولياً لحل المشكلات . فقد تضمن أحد برامج المهارات الاجتماعية الذي جرى تطويره في كاليفورنيا ، على سبيل المثال ، لعب الدور في مائتي حاله او موقف من الاتصال الشخصي ، صممت لمساعدة المرضى لأن يتصرفوا بفاعليه مع أفراد أسرهم وأصدقائهم ومع الناس الموجودين داخل المستشفى فضلاً عن مجموعات من الناس العاديين (Wallach واخرون، 1980، Libr man، 1982) . كما تضمنت البرامج المخصصة لهذا الغرض مهارات معرفية ، وحل مشكلات اجتماعية متنوعة بأسلوب النمذجه Modeling والتغذية الراجعة الإيجابية .
ولابد من طرح هذا التساؤل : ما مدى فاعلية هذه الطرائق في العلاج السلوكي ؟ إن افضل اختيار جرى تصميه للتحقق من فائدة هذا العلاج السلوكي للفصاميين هو العمل الذي قام به جوردون Gordon ومعاونوه. فعلى مدى خمس سنوات قضوها في معالجة فصاميين مزمنين ، ثم فيها قياس فاعلية العلاج السلوكي في ثلاثة ظروف علاجيه مختلفة:
1- برنامج سلوكي تضمن استعمال العملات الرمزية Token Economy مقترنا بعلاجات سلوكية فرديه،
2- برنامج علاجي بيئي قائم على مبادئ انسانيه ،
3- البرنامج التقليدي في العلاج الذي يعتمده المستشفى .
فقد اثبت البرنامج السلوكي فاعلية اكبر في خفض السلوك الغريب والشاذ ، والسلوك الذي يتصف بالعنف والاعتداء على الآخرين ، وزاد في السلوك التكيفي أيضا. (Paul 1977).
وكما توحي هذه الدراسة فأن البرنامج السلوكي يهدف أساسا الى مساعدة المصاب بالفصام وليس شفائه بالمعنى الطبي لكلمة (شفاء) . والسلوكيون يسعون أيضا الى مساعدة الفصاميين لأن يعيشوا بسعادة ، ويحققوا فائدة اكبر في حياتيهم ، سواء داخل المستشفى , او في أوضاع اجتماعية أخرى مناسبة. ولأن السلوكيين دقيقون في توصيفهم للأهداف التي يسعون الى تحقيقها فأنهم قد يقدمون مساهمة كبيرة جداً في علاج الفصام .
- المنظور الإنساني- الوجودي
يميل الكتاب الانسانيون والوجوديون الى توجيه انتباههم الى الاضطرابات العصابيه (Neurotic) أساسا ً. ومع ذلك فقد جرت محاولات قليلة لتطبيق النموذج الإنساني- الوجودي على مشكلة الفصام . ولعل ابرز الكتاب الذين قدموا مساهمة كبيرة في هذا الميدان هو المعالج النفساني البريطاني لانج Laing الذي عرضنا نظريته في فصل سابق من هذا الكتاب.
كانت المساهمة الأصلية التي تقدم بها لانج تتمثل في تحديه للمعايير التي يعتمدها الناس في وصفهم للأفراد المصابين بالفصام . فهو يرى أن الفصام ما هو إلا إستراتيجية سلوكية يتخذها الفرد المصاب به كوسيلة للهرب من واقع لا يمكن العيش فيه (صالح ، 1987 ، ص 319) . بل انه مضي الى القول بأن الفرد الفصامي ربما يكون اكثر عقلانية من المعالج النفساني (Laing ، 1964) . وهو يتفق مع وجهة النظر الوجودية الراديكالية التي ترى الحالة (العادية Normal) للعقل في المجتمعات الصناعية هي الاغتراب Alienation ، حيث يكبت او يقمع فيها الأفراد مشاعرهم الحقيقية ويتصرفون بذات زائفة False self . ويكونون أشبه بالإنسان الآلي المبرمج الذي ينفذ أهدافا سطحية وهامشية، ويطيعون او يسايرون المعايير والقيم المشوهة. وفي واقع كهذا ، فأن الفصاميين ، ويسبب الضغط النفسي الحاد ، يجدون أنفسهم غير قادرين على الاستمرار في هذا الواقع الذي يبدو فيه الجميع وكأنهم في حفلة تنكرية . ولأنهم لا يطيقون لبس هذا القناع التنكري (أي الذات المزيفة) فأنهم يسعون الى إعادة ذاتهم الحقيقية . وعلى هذا فأن الفصام ليست حالة من الجنون ، بقدر ما هي رحلة فوق العقلانية (Hypersanity) من واقع مجنون الى واقع آخر في البحث الوجودي عن الهوية الأصلية!
- الحركة المضادة للعلاج النفسي
في عام 1966 طرح شيف Scheff افتراضاً جديداً مفاده أن الاضطراب ما هو الا دور اجتماعي تم تعلمه ً Learned social role . وقد عرف هذا الموقف أيضا بنظرية الدلالة او العنونه أو النعت (Labeling Theory) . وهو موقف لا يهتم أساسا بالأسباب المرضية للاضطراب، ويقف بالضد من الافتراضات التي يطرحها العلاج النفسي التقليدي بشأن الفصام . واطلق على هذا الموقف أيضا : الحركة المضادة للعلاج النفسي antipsychiatric movement ، ضمَّ مجموعة من المنظرين بينهم ساز szasz الذي جادل بقوله إن ما يصفه الناس بحالة الجنون او انعدام العقل (insanity) هو ببساطه ، اسم او صفة او عنوان فبركه المجتمع بغرض تبرير استغلاله لذلك الشخص الذي يضفي عليه تلك الصفة أو العنوان او الدلالة . وطبقاً لهؤلاء المنظرين فأنهم يصفون المعالجين النفسانيين بأنهم ليسوا اكثر من مجموعة صغيره من جهاز الشرطة في المجتمع ، يفرضون بالقوة الإذعان للمعايير الاجتماعيه ، ويحجزون في المستشفيات العقلية أولئك الأفراد الذين يخرجون على تقاليد المجتمع ومعاييره .
ويرى شيف أن العامل الحاسم في الفصام هو فعل العنوان او الاسم او الدلالة التشخيصية التي يوصف بها الفرد . وان هذه الدالّة يفترض فيها أن تؤثر في الكيفية التي يتصرف الفرد بموجبها ، ودلالة هذا المسمى في التصنيف النمطي الذي يعتمده المجتمع للأمراض العقلية ، والذي يحدد بالتبعية الكيفية التي بها يتصرف الناس الآخرون إزاء الفرد المصاب بهذا الاضطراب العقلي او ذاك . وبما ان المجتمع يضع الفصاميين في هذا (الدور) فأنه يقضي على أية فرصة لهم في أن يعيشوا حياة عادية او طبيعية.
وهكذا فأن هذه الحركة المعادية للعلاج النفسي (وابرز ممثليها: شيف Scheff، وساز Szasz ولانج Laing) هي أساسا حركة مناظرة ومجادلة عنيفة ... فما قدموه لا يرتقي الى مستوى نظرية في الفصام بقدر ما هو نقدُ حاد للمجتمع في طريقة تعامله مع (الفصاميين) وكل الأنواع الأخرى من الاضطرابات التي يسميها المجتمع أمراضا عقليه . ومع ذلك فأن هذا النقد يتساوق ، في اوجه كثيره ، مع تفسيرات المنظور الإنساني- الوجودي وطرائق علاجه للاضطرابات العقلية.
- العلاج البيئي والاجتماعي
طبقاً لوجهة النظر الراديكالية هذه ، فأن الهدف النهائي لعلاج الاضطرابات العقلية المختلفه يتمثل في إعادة بناء جذري وصارم للمجتمع بإزالة كل الظروف غير الإنسانية والقيم المشوهة. وبما انه لا يمكن بلوغ هذا الهدف النموذجي ، فأن المعالجين الإنسانيين- الوجوديين ركزوا في تصميم او بناء مجموعات صغيره تهدف الى تغذية وتعزيز النمو الشخصي للفرد من خلال الاتصال المباشر بأفراد هذه المجموعات . وتعتمد هذه الطريقة على وجهة نظر المصممين لهذه المجموعات ، بخصوص الفصام على انه (خلل او اضطراب Disturbance) فعلي يستلزم (الشفاء Cure) حيث تتدرج هذه المجموعات من المواقف المعتدلة الى المواقف الراديكالية في تعاملها مع الفصاميين ، وتتخلى عن الأساليب او الطرائق التقليدية التي تتبعها المستشفيات في علاج الفصام . فهم يحررون مرضاهم من القيود التي تفرضها المستشفيات عليهم ويعتمدون برامج للعلاج البيئي تتضمن نشاطات واسعه يقوم بها المرضى ، ولا يفرضون عليهم التقيدات التقليدية الا في حالات الضرورة . وهم يتوقعون من مرضاهم الذين يخضعون لبرنامج العلاج البيئي ، أن يتحملوا مسؤولياتهم عن سلوكهم الخاص ، ويشاركوا في إعادة تأهيلهم لأنفسهم ، ومساعدتهم على صنع القرارات التي تؤثر في الجماعة بكاملها.
لقد قدم المنظور الإنساني- الوجودي خدمة كبيرة للصحة العقلية بإصراره على صدق خبرة الفرد ، سواء كانت فصامية ام غيرها ، وبتساؤلاته التي طرحها بشأن دور المجتمع في وصم الأفراد المضطربين عقلياً بوصمة (الفصام) أو غيرها، فيحولهم الى (منبوذين) ويدفعهم للتصرف بأساليب شاذة او غريبة عن الأساليب التقليدية . ومع ذلك فأن وجهة النظر الوجودية الراديكالية في الفصام على انه حالة (فوق العقل Hypersonity)، وانه ليس من حق العلاج النفسي ان يتطفل عليها ويتدخل في أمر لا يعنيه، رفضت من معظم المؤيدين للمنطلقات النظرية الأخرى . وفي الواقع فأن لانج نفسه قد عدّل من وجهة نظره في السنوات الأخيرة عندما أعلن بأنه لا يقف بالضد تماماً وبشكل قطعي من العلاج النفسي (Laing، 1979) . واضاف بأنه يرى أن الفصام يمكن أن يكون ناتجاً جزئياً بسبب اضطرابات بايوكيماويه ( Sedgwick، 1982) .



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصام ( الشيزوفرينيا )( 2 4 )
- الفصام ( الشيزوفرينيا )( 1 4 )
- سيكولوجيا فوز الفريق العراقي
- المجتمع العراقي.. والكارثة الخفية
- تصنيف الأكتئاب وعلاجه
- أنا أنافق ..إذن أنا موجود!
- التوحّد- القسم الثاني -د
- التوحّد- القسم الاول
- لماذا يحصل هذا للعراق والعراقيين ؟!
- أستاذ ( مجنون ) يحصل على جائزة نوبل !
- العراقيون ..وسيكولوجية الاحتماء
- الرهاب ( الخوف المرضي )
- الاضطرابات النفسية الجسمية ( السيكوسوماتك )
- لسيكولوجية الفتنه...قوانين !
- العربي..والهوس بالسلطة
- العرب .. أكثر المجتمعات تعرضا- للاصابه بالشيزوفرينيا
- الحول الإدراكي...في العقل العربي
- أحقا... أننا خير أمّة ؟
- روح فهمّه للديج!
- الهوس والاكتئاب


المزيد.....




- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...
- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - الفصام ( الشيزوفرينيا ) ( 3 4 )