|
عندما عملت طباخا: خلطت التّين في العجين... وغضب مني الطّهاة
نبيل الجندي
الحوار المتمدن-العدد: 1997 - 2007 / 8 / 4 - 08:19
المحور:
الادب والفن
إهداء: إلى عدنان- صديقي، وهو يُقلع أو يُبحر أو كما الدّجاج ينام. (1) من دراسة حروف العطف كانت البداية!! بسم الله أقرأ (والتين والزيتون) فألوذ بالزمخشري، والقرطبي، وابن كثير، لأدرك أنّ عطفَ القَسَم كان للتأكيد على التّكامل الغذائيّ الصحيّ لشجرتين باركهما ربّ العباد، الأولى كرّمها الله بسورة هي (سورة التين) والثّانية كرّمها فوردت وزيتها ستّ مرّات في محكم التّنزيل.
الوصفة: أحضرت حبّات الزّيتون السّوداء (المكبوس)، وأحضرت حبّات التّين المجفّفة، وأحضرت القمح البلديّ المطحون، وبالماء- بسم الله- بدأت يدايّ العاريتان -إلا من وضوء –بدأت العجن، فرميت على العجين ما تيسّر من حبّات البركة السّوداء، وخلطت التّين في العجين. يا لخيبتي، إذ لم أجد في سوقنا تيناً بلدياً مجففاً، رحم الله من كانوا يجففوه، فما عادوا (يعلّقون على سطوحهم القديمة ثوماً وبامية للشّتاء) نحن غدونا نستورده بعدما أزلنا آخر تينة كانت (سبيلاً)، لنبني مكانها (سوبر ماركت) يستورد الكوكاكولا ولافاش كيري والكورن فليكس وصابون دوف، وسجائر (تايم) شرعية!! يااااااااااااه شكراً يا (شيف) أسامة، ويا (شيف) رمزي، وشكراً يا سيّدة المطبخ الفلسطيني إذ لم تطلبوا من (الانتربول) الدّولي ملاحقتي بتهمة وضع وصفة تتسبب في حقن الفيروس المسبب للإكتئاب أو الإرهاب، أو في القليل مقاضاتي بتهمة سرقة علميّة/خبزيّة أو الاعتداء على حقوق الطّبع في تعلّم فنّ الطبخ (مع ضرورة تثبيت حرف الباء) وَحقّ من أقسم بالتّين والزّيتون، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، والعهدة على الرّاوي حكاية، كان أطيب خبز مرّ على حارتنا، فقط كان خبزاً – كهمومنا- مشاعاً دافئاً دافقاً للجيران والغارمين وابن السّبيل والعاملين عليه، إذ يتنازعون بينهم أمرَه وطعمَه ونكهتَه ولونَه وبقايا الفتات، ولا فتات. (2) أوتوبيا التّين في العجين.. حلمت باوتوبيا الخلط، فضيعت سرّ الخميرة.. مثلاً هل خلطت التّين بالعجين إذا ما قلت بأني أحلم بمدينة أبواب بيوتها دون مفاتيح؟؟ حقاً لماذا نحن نستخدم المفاتيح؟؟ نحن لسنا في جمهورية (التّين والعجين) الأفلاطونية الفاضلة صرّح وزير الدّولة على قناتها الفضائيّة، وقال نحن باختصار نحرس المدينة من السّارقين والمجرمين والمستوطنين، وأفادت وكالات أنباء معادية بأنّ السّيد الوزير برم اتفاقية مع شركة (يونايتد فروت) سميت اتفاقية جمهوريّة التين كبديل لجمهوريّة الموز القديمة. مفاتيح!!! ياااااااااه!!!! وهل في بيوتنا -نحن الفقراء لرحمة الله -التي داخت فيها الفئران، وماتت في مداخلها القطط، وتحجّرت -وحق من أنطق عبده حقاً - في مآقي أربابها الدّموع، هل في بيوتنا ما يسرق؟؟ سيقولون في بيت السّلطان الغنيّ – ولا غني سوى الله- الحاكم بأمر الله ما يُسرَق!! تباً!! فلقصوره مفاتيح من ذهب معلقة للزّينة، وعلى أبوابها وجنائنها المعلّقات من العسس والحرس والبارود ما يكفي لإبادة سكّان المدينة كلّها!!! تباً وتباًً لبلاد يسرق فيها فقير تمرة فيقام عليه الحد، ألم تنطق أفواه الجّياع بالشّهادتين، ودلّ الجّوع الخصيب في أمعائهم على من نهبوا ملامحهم وحنطتهم!!! مفاتيح!! نغلق بها أبوابنا حتى عن نسمة الصّبح أو أشعة الفجر، ونغلق عقولنا عن منطق الفهم ونغلق قلوبنا عن حبّ الله وحب الخير للنّاس. نغلق.. نغلق ونغلق، إلا أنّنا نفتح حدود بلادنا لمن نهبوا خيراتها واغتصبوا فكرها وزيفوا تاريخها وأنكروا عليها حضارتها الضاربة في العمق.
(3) أخلط التّين في العجين في كلّ شيء.. في نومي أضع الوسائد تحت قدميّ لأنّهما من تتعبان ما دام "رأسي بين الرؤوس"، لكنّي أخشى انفجارها- الوسائد- في كلّ لحظة. وفي سيري أمشي "الحيط الحيط" وأدعو السّتار العليم، لكني أخشى سقوط جدراننا المعطوبة، وجدراننا رغم هامتها القصيرة -الكلّ ينطها- إلا أنّ لها آذان كبيرة بحجم أذنيّ حمار. وفي شرابي أخلط القهوة البرازيلية بحليب النّوق، وأخلط الشّاي السّيلاني بحبري واعترافاتي علي الورق. وفي لباسي أزاوج بين الكوفيّة والجينز، واللحية والسشوار، والسّواك والسّيجار، كي لا يزورني آمر جوانتانمو ليلاً إلى صومعتي الورقيّة. وفي محبتي أمازج بين الشّيخ أسامة وشافيز، وبين ياسر عرفات وتشي ارنستو جيفارا، أكره أبرهة ونيرون وهتلر وهولاكو وأحبّ مكّة والمدينة والقدس والخليل، فهل المحاكم الدوليّة تشقق عن القلب فتشنق حامله؟ وفي قراءاتي أتوه بين (طاغور) و(نيرودا) وامرئ القيس، و(أبو الطيب) و(عاموس عوز) كي لا أتهم بمعاداة السّاميّة.
(4) هل خلطت التّين في العجين -مثلاً-عندما قلت بأنّي سأتعطّر بعطرين معاً، وألبس حذاءين مختلفين، وقميصاً بكمين مختلفين، أيغصبك هذا يا رفيق الليل؟ الستَ قدوةً يا سيدي، ألست من لبس وجهين وموقفين، وانحنيت لرايتين، وتلوّن انتماؤك باختلاف الشيخ الحاكم للقبيلة؟؟؟ بلى، وربّك الذي ببلاء نفاقك قد ابتلى، قد أغواك الكرسيّ أو الدولار، ولكن سدى.
(5) وحده الطّاهي العربيّ الرسميّ أغضبه خلط التّين في العجين.. يا سيّدي من يَخلِط ما يخلط في حبره وهيئته وفكره وقراءاته وسلوكه الخفيّ والعلنيّ مريض بالفصام، والإحباط، والقهر، والجوع، والخوف، والظّلم، فهل يؤاخذ مريض يعاني من كلّ هذه الأعراض؟! عفوك سيّدي.
#نبيل_الجندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرثية الشهيد عماد أعمر
-
يا خضر قد ملّني الصّبر: معلقة على بوابة الخضر
-
عتاب.. وجلد.. وانتصار
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|