|
مطر وتراب
مرهف مينو
الحوار المتمدن-العدد: 1990 - 2007 / 7 / 28 - 06:46
المحور:
الادب والفن
كانت رائحة التراب الممزوج بأول قطرات المطر تزكم انفي ..كنت احب تلك الرائحة تذكرني ببيتنا القديم الذي كنت تمدد على جنباته الثلاث حديقة كبيرة كنت انتظر هطول المطر لأشم تلك الرائحة . - ايه... همام التفت الى همام كان يرمقني بنظرات استغراب من خلف كأس الشاي التي بيده (وين رحت ياعم )اناديك ولاترد الأحجار مصفوفة امامك منذ نصف ساعة وحتى الأن لم تحرك منها حجرا - الأتشم رائحة التراب... الا تذكرك تلك الرائحة بشيئ نظر حوله - والله ... الكلاب ياعمي هالأيام لا تشم ؟شو قصتك انت والتراب. كان ضجيج المقهى يطغى على كل شيئ ودخان الأراكيل والمعسل يملآن المكان ولكن كان بوسعي ان اسمع صوت حبات المطر التي تصدم الزجاج وتشكل على الزجاج خيوطا متشابكة
- وبعدين ... وين سارح نقلت بعض الأحجار واخذت رشفة من كأس الشاي الكبير الذي برد - كامل .. كامل اشرت للجرسون بالإقتراب كان كامل كالنحلة يدور بين الطاولات بجسمه المربوع وابتسماته التي لا تفارق وجهه كنت اعتقد فيما مضى انه راضى وسعيد ولكن مرة من المرات قال لي: - ياأستاذ ... انا لا اقرأ الجرائد ولا اسمع الأخبار دوامي في المقهى من السابعة حتى الثانية عشرة (بضم ام الولاد وبنام) انا اعرف اني اعيش مثل الدواب ولكن يأستاذ من قنع عاش نظرت الى همام - هل تعرف ياهمام بأن كامل سعيد اكثر مني ومنك اغلق همام الطاولة واستلم ارجيلته من يد كامل وهو ينظر اليه - كامل .. انت مع امريكا ولامع بن لادن -..؟؟؟؟ لم يستطع كامل الإجابة عن السؤال هزه صوت زبون وهو يطلب فنجان قهوة
- ياأخي شو هالسؤال .. مزحك صاير ثقيل ياسيد همام كامل لا يعرف امريكا ولا سمعان بصاحبك بن لادن ولا له رأي بالقضية العراقية ... ولا اغتيال مدير فرقة الدبكه بكازخستان اخذ همام بالضحك - هيك ... هيك بدي اسمع من ساعة وانت سارح في ملكوت الله .. ماسمعت منك ولا كلمة واحدة واخذ يتابع ضحتكته ... - همام -نعم - هل صحيح ان الذي يموت ... يعرف؟ - يعرف ... ماذا تقصد - يقولون ان الذي سيموت عندما يستيقظ صباحا يحس انه سيموت اليوم ... فهمت قصدي .. ربما في اللاوعي هل فهمت قصدي.. ربما تكون مندهشا من سؤالي هذا وربما مر عليك هذا الشعور ولكنه لم يلازمك طوال اليوم او ربما تناسيت الأمر حتى نسيته .. لا اعرف ولكني منذ الصباح لا أستطيع النسيان احس بأن النهاية اقتربت كيف ولماذا لا أعرف .. لا استطيع ان اشرح لك الموضوع اكثر المشكلة انك عندما تدرك شيئا ما او يرشدك حدسك على امر سيحدث يرفض عقلك التصديق ولكن وجدانك يصدق ويبدأ الصراع بين عقلك ووجدانك وتقف انت حائرا غير مصدق ولكن اليقين يملئك. رشفت رشفة من كأس الشاي ...كنت احس بأن لساني قد جف داخل حلقي ... تابعت الكلام : -واليوم اليوم بالذات لا أعرف ما حل بي كأني ارى الأشياء لأول مرة استغرب كلما نظرت لشيء احس المكان غريب اشعر ان الوقت يمر بسرعة احس بالزمن ضدي اليوم منذ الصباح لا أشم الا رائحة التراب ولا اسمع الا اصوات حبات المطر - انت اليوم تقترب من الفلاسفة ... بس دير بالك معظم الفلاسفة انتهوا بالجنون - بس الجنون يا فيلسوف هو الحقيقة الوحيدة في هذا العالم نظر الي بأستغراب - انت اليوم لست على طبيعتك .. اهرب من جو البيت الكئيب لأجدك اشد اكتئاب من جدران غرفتي كانت الساعة قاربت على الحادية عشرة بدأ زبائن المقهى برمي احجار النرد والورق ووضع كؤوس الشاي التي عاشت نهارا طويلا من فم لفم ومن حكاية لحكاية ومن طاولة لأخرى كان كامل لا يزال يلف بين الطاولات يجمع الطلبات ويلملم الكراسي من هنا وهناك نظرت الى الخارج كان المطر يزداد غزارة .. نظرت الى همام -لا تقلق ... سأوصلك ثم اذهب للبيت -تنام عندي - آه .. يا سلام .. نام عندك انت ياعم اليوم بطل العالم بالإكتئاب ضحكت ومشينا .. كان الهواء باردا و المطر غزيرا لم استطع النظر للأعلى كنت ارى حبات المطر من خلال الأضواء المنطلقة من السيارات كان اسفلت الطريق اسود لامعا اخذنا نمشي تحت الأشجار التي تظلل الطريق وهمام متأبطا ذراعي كولد صغير كان يعرف اني لاارى جيدا في الظلام اخترقنا الشارع المؤدي الى جامع ( خالد) كنت كأني اراه للمرة الأولى بقبته الفضية التي غسلها المطر حتى اصبحت كلؤلؤة تنير السماء كانت بقايا بائعي الشاي والذرة تلملم اشيائها لتمشي تذكرت رائحة التراب لم اعد اشمها نظرت حولي كنت احس بأني ارى هذا المشهد لأول مرة -همام .. تدخل للمسجد - اي مسجد .. الساعة الأن الواحدة .. اقتربنا من المنزل فتحت باب البيت الخارجي .. ترك همام يدي -امر غدا لأصطحابك لطبيب نفساني ضحكنا وذهب وهو يلوح لي ضاع همام بين حبات المطر الغزيرة المتساقطة وصعدت الى البيت لأموت وحدي. مرهف مينو
#مرهف_مينو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى يصرخ السوري .... من الجفاف
-
قصة
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|