فاطمه قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1978 - 2007 / 7 / 16 - 07:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( كان الزمن الأفضل وكان الزمن الاسواء , كان عصر ألحكمه وكان عصر الجنون , كان ذروه الإيمان وكان ذروه الشك , كان موسم الضوء وكان موسم الظلام , كان ربيع الأمل وكان شتاء اليأس, كل شيء موجود أمامنا ولا شيء أمامنا على الإطلاق , جميعنا صاعدون إلى السماء وجميعنا هابطون إلى الجحيم , )
هذه الكلمات كما تعلمون ليست لي , بل هي السطور الأولى التي بدأها الأديب الانجليزي المعروف والعبقري , "تشارلز ديكز" في روايته ذات الصيت الشائع Tale of two cities
قصه مدينتين , لا اعرف لماذا في هذه الأيام الفلسطينية الغزاويه على وجه الخصوص وجدت هذه السطور تنبعث في ذاكرتي بقوه ؟
هل لأننا نعيش هذه الأيام في زمن الانقلابات الحادة, والمفارقات المليئة بالسخرية والألم ؟ هل لان قصه مدينتين "لندن وباريس "في زمن رواية ديكز " تتقاطع على نحو ما مع حكاية قطعتين من وطن فلسطيني متاح لنا تحت شروط قاسيه للغاية هما الضفة الغربية وقطاع غزه ؟
أم لان الشيء ونقيضه يتجاوران , ويتعايشان , ويتزامنان , ويتضادان معا في زماننا الفلسطيني الأكثر عدالة وقسوة والأكثر جنونا , هل لان الصواريخ الفلسطينية تنجح إلى درجه مبهره في عدم فتح معبر " كرم أبو سالم " في وجه العالقين والمعذبين الغارقون بالبؤس يوما بعد يوم ينغرسون بالتراب ويتعرضن إلى أسوا الاهانات , بينما هذه الصواريخ نفسها عاجزة إلى درجه مبهره عن فتح معبر رفح ؟
هل لأننا كفلسطينيين والمتضامنين معنا في العالم نشتبك بشكل يومي مع الجنود الاسرائلين احتجاجا على الجدار الإسرائيلي العازل في الضفة الغربية , ونتفاخر في نفس الوقت بالانقلاب العازل بين الضفة وغزه ,
ثمة شيء في حياتنا الفلسطينية ابعد من المدى الراهن , وأكثر وجعا من الوجع الذي تعودنا عليه !
شيء ما في حياتنا لا يستطيع أن نعبر عنه بلغه السياسة أليوميه , وشعاراتها الصاخبة الرنانة , ومزايداتها الخبيثة والرخيصة , وساحاتها التي ترفع بها أعلامها المشيط لتخون العلم الفلسطيني , ووعودها التي يطلقها وزراء وأمراء حرب وقاده مزر وعون في شاشات الفضائيات , وهياكل منسوجة من خيوط العنكبوت , وكراسي مصنوعة من خشب الأكاذيب , !
شيء ما في حياتنا الفلسطينية ربما لا يستطيع أن يلتقطه سوى المبدعون من أهل الأدب, من شعراء وكتاب رواية, وقصه وأولئك الذين يكتبون نصوصا مليئة ومعجونه بالدهشة !
أشياء لا يراها سوى من وهبتهم السماء عينا ثالثه, وحاسة سادسة, وإلهاما يفوق حدود المنطق العقلي المألوف !
ويخل في مجال الكشف القلبي والروحي ذو طابع الشفافية !
هؤلاء هم من أريد أن أتوجه لهم واستنهضهم وادعوهم , ياليتني املك موهبتهم , فربما استطعت أن أرى ما وراء هذا الحزن الذي أقام واستوطن فينا موجات من ضياء فرح وامل قادم ! وربما رأيت وراء صخب هذه الفئات والفرق المسكونة بالضجيج شعورا عميقا بالذنب والندم , وان أرى وراء هذه الادعاءات المستهترة انكسارات حقيقية بان قتل الأحلام ألوطنيه في شوارع غزه ليست فضيلة من أي نوع , وليس انتصارا من أي نوع , وليس دينا منزلا من أي سماء !
ياليتني شاعره موهوبه :
لابتعدت هناك بعيدا عن مناطق أي ضجيج متضخم , ورحت الملم بعضا من مشاعر الخيبه المتناثرة في شوارع قطاع غزه وقراه ومخيماته , والملم الحكايات غير المكتملة في نسق واحد , والاسئله التي يعرف سائليها سلفا أنها بلا أجوبه , وصور الأطفال الصغار المبكر بعجز أبائهم عن فعل أي شيء , يتعلق بمستقبلهم المسروق منهم , وذلك النوع من العذاب والخوف العجيب للعالقين على معبر رفح بان المسالة ممكن أن تطول فكيف سيدفنون موتاهم ؟
وهل سيبكون عليهم أم انه ليس هناك مكان لهذه الاولويه المترفة _حيث البكاء في زمن الكارثة نوعا من الترف , فالاولويه لدفنهم بسرعة حتى لا تتعفن جثثهم من شده الحر فتتسرب منها رائحة كريهة لا يطيقها الجنود على الحدين فيعاقبا عليها ,
آه لو أني شاعره موهوبة:
لجمعت هذه التفاصيل ولملمت هذه الحكايا والبقايا , وأكملت هذه الصورة ونسجت منها كلها قصيده يقرئها أجيال وأقوام قادمون .
يا أيها المبدعون،
أيها الشعراء والكتاب والفنانون التشكيليون , وكتاب السيناريو وكتاب الأغاني وعشاق الموسيقى , اخرجوا من أحزابكم المتاكله , ومن قبائلكم المهزمومه , إلا أمام بعضها , واخرجوا من بين سطور كتبكم الجديدة والقديمة المحشوة بتأويل ما لا يمكن تأويله , وتبرير ما لا يمكن تبريره , وتكفير ماضيكم ولعن حاكم , انتحوا من أهلكم مكانا قصيا , واعقدوا حلفا مع المستقبل وليس مع الحاضر المقبور ولا مع الحلم المغرور , كونوا تلك العين والروح التي ترى ما لا يرى
وانتظروا الأتي خلاصا ورحمه !
اكتبوا نصوصا لا تفهمها المليشيات, ولا يعيها المماليك, ولا يفك رموزها وطلاسمها المسكونين بحقد الشياطين,
هذا زمان عارض, معاكس للحق , متخم بالجبن والخيبة , مليء بالأوهام ,
فتجاوزوه وتقدموا , وغادروه إلى الأمل , وابنوا بسواعد موهبتكم هيكلا للحلم الجميل , بان فلسطين جميله مشرقه , رغم ما يجللها من الخوف , وان فلسطين عادله رغم فظا عات من يفرضون ظلمهم , وان فلسطين معطاءة رغم خواء الغيوم
التي تمر سريعة, دون أن ينزل منها قطرات ترشها على أفرع الشجر,
أيها المبدعون :
لا تتعجلوا ! لا تحملوا في جيوبكم بطاقة عضويه المليشيات !ولا تعبدوا اله الأحزاب والحركات !فإلهكم اله واحد فاعبدوه
ووطنكم فلسطين وطن واحد فاعشقوه , ورهانكم الوفاء فلا ترضوا بديلا عنه , برغم أني اعرف انه في زمن الردة , والانقلاب على الذات ,وخيانة العهود , وعباده الرهانات الغريبة , والتشوهان من شده الضجيج , لن يسمعكم احد , ولكن إياكم أن تيأسوا وتكسروا راية الحلم فان فلسطين التي وهبتكم اسمها ,
يكمن سرها في أن حلمها لا يموت .
#فاطمه_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟