|
طيف الأنوثة المستعادة .. قراءة في هيكل الزهر ل فاطمة ناعوت
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 1973 - 2007 / 7 / 11 - 10:14
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تجدد التجربة الأنثوية نفسها من خلال مجازات الأمومة ، و الموت ، و الصمت ، و الفراغ ، و الطيف المراوغ في ديوان " هيكل الزهر " للشاعرة فاطمة ناعوت – عن دار النهضة العربية ، بيروت 2007 – فهي تمنح الدوال السابقة حضورا سيريا محورا باتجاه التأكيد على وضع قوة الأنوثة المستعادة من اللاوعي الجمعي في مواجهة الموت ، و التاريخ المحدد للصوت الشعري . الاختفاء المتكرر في الديوان يقاوم مركزية الغياب ، و التحديد معا ، فالعلامات الحاملة لهذين المدلولين تختلط بطيف ساخر مراقب يحاكي الصوت الشعري ، و يجدد تاريخه ، سيرته من خلال تجاوز الصوت نفسه في طاقة الأنوثة المبجلة للصمت ، أو ما يمكن أن نسميه الكلام فيما بعد المتكلم المحدد ، إذ إن الصوت هنا مزيج من ذات لها تاريخ ، و صوت كوني قوي متكرر ، و يذكرني باستعادة الطبيعة للربيع رغم موته المتكرر . هذا الصوت المختلط هو ما تحاول فاطمة ناعوت أن تقبض عليه من خلال حدائق الزهور الشبحية المقاومة للموت من خلال أحزانه ، و تكراره في لحظات التوقف التي يزدوج فيها العبث ، بألعاب السيرة التي تجددها باتجاه طاقتها المخيلة في حضور القوة التمثيلية لما يناهض حدود السيرة ، و الذات ، أي طيف الأنوثة المستعادة . في نص " أمي " يتضاعف الموت في المراقبة السردية لتجدد الأنا من خلاله ، فيبدو كأنه أداة لمعرفة الصوت المتكلم لا محوه ، تقول : " تمس العين المرخاة ، و تقول / كانت ابنتي خرساء / يفزعها ضجيج العربات ، و الضوء / فلماذا تركتموها تموت كثيرا / هي ابنتي / أعرفها من ثقب في الرئة / و أنا / أريد أن أغلق الباب / فشكرا للأصدقاء الذين لم يأتوا " . يستنبت الموت من بذرته التصويرية الكامنة في كثرته على لسان الأم ، و معاينة الشاعرة / الساردة الأولى لولادة الشخصية من خلال التضاعف ، و امتداد التابوت في الماضي ، كأنه لم يكن حاضرا في المشهد ، فهو يكشف سمات تمت في الماضي ، لكنها تشكل الشخصية الميتة شعريا في المستقبل . هكذا يؤجل الموت في بنيته السردية التكرارية المتجاوزة لحدود الذات / الشخصية فيما يخيلها ، و يعيد بعثها . و في نص " إوزة " تفجر أنوثة الإوزة المجازية وجودها كموضوع ، أو جسد ، أو شيء قابل للاستهلاك الوظيفي / الأرضي ، تقول : " حين أبصرها تخرج من الغرفة / عارية من الريش / و فاتنة / و لما جز عنقها الأبيض / نظرت إليه / و لم تسقط / قطرة دم واحدة " . الإوزة عنصر كوني يستعصي على الهدم ، من خلال مقاومة التحديد في تشكيله الشعري ، و من ثم تتوقف الإوزة / المرأة عن الحياة ، و الموت معا في سياق الذكر المهيمن / المستهلك المحدود ، الإوزة تستنفد حدث الذبح في تجاوز تجربة الدم برمتها ، فتضع القاتل في مواجهة مع تجسده المحدود المقاوم لشاعرية الوجود الكوني . و في نص " لا تهدموا الكوخ " يتحد الصوت الشعري بالطيف الذي يختزل التجسد في حرية الأداء ، و اللعب النابع من طاقة التجسد التي أوشكت على الخروج منه عن طريق إبداع الطيف ؛ فكل من الكتب ، و الصوت يكتسب القوة المصاحبة للاختفاء ليدمر حدود الفضاء المادي المشكل له ، تقول : " أحتاج شبحا / يعاقب الكتب التي غدرتني / هذه الكومة تستحق القصاص / لأنها نخرت طمأنينتي / لذلك لن أمانع في حشو آذانها بالقش ، و البنزين ..... الأشباح خفيفون / لا يشغلون الأمكنة / و يقتصدون في الهواء ، و في الزمن / علماء / يحجبون الشمس عن قصار القامة .. " . أحتاج شبحا .. استنبات للشبح من المتكلم ، من طاقة الكتاب التمثيلية التي تفكك وضعه المنظم المحدود ، الشبح ينبثق من المتجسد كقوة مضادة للتهميش ، و الخوف ، و الألم ، يحرق الكتب ؛ ليعيد نسخها فيما فوق القراءة ، و النقد . الشبح فراغ للكتب متولد عن حرقها ، عن تدمير المتكلم حين يختلط بالأقزام . الشبح قوة الفراغ الأدائية . و في نص " أبي " تبدو حدة التنافر بين الصوت الكوني / الجزئي المجدد ، و الواقع المحدود واضحة ، فالأب يموت بالصدمة ، بينما تسخر القصيدة من الموت عن طريق السرد الممتد في الصوت الأنثوي المشكل للموت كاتحاد تعاطفي بين العلامات / العناصر . تقول : " مات بالصدمة العصبية / حين غرق طفلاه أول أمس / أنا / ابتلعتني سمكة / و أخي / ابتلع كل مياه النهر " . من الضخامة ، و الصغر ، النهر ، و السمكة يولد صوت جديد ، يكرر الغياب ، و لكن في سياق اللعب ، و التجزؤ الذي يكمن فيه صوت الكون كمجاز ، وواقع في آن . هذا الصوت يتوقف في صمت الموت الأول للأب دون أن يتفق معه فتتناثر الدلالة ، و نعاين انفصام العناصر ، و اندماجها معا . و في نص " جورب " يكمن التعارض التكويني الأساسي في الجورب بين وظيفيته ، و مظهره الوجودي في وعي البائعة ، و يمتد التعارض في ثورة الجورب / الشيء على الاستهلاك بالانتشار في الآخر ، بالخيانة المستمرة لوعي البائعة / المدرك الأول ، تقول : " بائعة الجوارب / على رصيف سليمان باشا / تحنو على ذاك الأسود / تظلل عليه من الشمس / و تنزع عنه فتلة ناتئة / سوف يخونها بعد يوم / الجورب / و تدخله قدم رجل بعيد " . يطمس اللون الأسود حدود الوظيفية ، الصورة الأولى للجورب في وعي البائعة ، و يستبدلها بالظهور الإبداعي ، ثم بالتناثر في قدم الآخر لا التشيؤ ؛ لأنه اكتسب قداسة الملامسة المتكررة ، و طمس المدلول . و في نص " بورسلين " يكتسب الفراغ دلالة تشكيل الهوية المبدعة ، عقب امتلائه بالبورسلين ، ليس للفراغ هوية ، أو مادة ، لهذا يقاوم الامتلاء ، و تظل أخيلته في الذاكرة منتجة لأثره ضمن المادة الجديدة نفسها ، الحاملة لانعدام التحديد الذي أوجدها ، تقول : " واحدهم / ملأ الفراغات الفراغات المخلوعة في فمي / بقطع بورسلين بيضاء / سلبني النقص الذي يتممني " . هكذا يظل التجسد الجزئي في الضرس المخلوع ، و البورسلين معا في حالة استشراف لقوة التجاوز الكامنة في الفراغ ضمن عمليات الاستبدال التي تعيد تكوين الذات . تجمع فاطمة ناعوت بين بناء منظور أنثوي ، قائم على تجديد وعي نسوي مستقل بنظرة تأويلية شاعرية للوجود ، و التاريخ ، و إمكانات تحلل المنظور النسوي الشخصي في النزوع للاندماج بأخيلة النصوص ، و الأساطير ، فتصير المتكلمة بلا حدود ، أي تكتسب قوة الأنوثة في تجليات عديدة . و نلاحظ الرؤية الأولي في قصائد مازن ، و عرف ديك ، و العفريت ، بينما تتجلى الأخرى في إيزيس ، و فرجينيا ، و رامة ، و لو كنت إلهة . في نص " مازن " نعاين انقساما أساسيا في التجربة الإنسانية ممثلة في مازن ، و ما يحمله من تاريخ يتماس مع الصوت الشعري ، و أخيلته المولدة من تجدد الانقسام في الماضي ، و المستقبل معا ، حيث يصير مازن رمزا مقدسا لقوة الاندماج بالأم المصاحبة لأولية الانشطار في تكوينه ، تقول : " الصبي الذي خرج مع أبيه إلى الغابة / كي يتعلم كيف تنبت للفراشة أجنحة / سوف ينظر إلى صفحة الجدول / فتسقط من عينيه قطرة / تخطفه ثلاثين عاما إلى الوراء / الطفلة التي كنتها / لم تبك حين طار أبوها من الشرفة / ظلت شاخصة صوب الشرق / فيما قطرتها مجمدة في البؤبؤ " . لمازن ذاكرة تمتد جماعية ، و متناثرة في الآخر المحتمل ، و الأم . مازن بلا صوت واحد ، فهو انشطار نحو قوة الاندماج الشعري حين نراه كطيف وراء استعادة طيف الأنوثة . تلك التي أبدعت صوت الأب من خلال تناثر آثاره المجازية . و في " عرف ديك " تتشكل تجربة الأنوثة فيما ترك الذكر من فراغ ، يصلح لاستبدال أنثوي مملوء بتأملات خاصة ، هي تضاعف للأنثى ، من داخل رسم حدودها الشخصية الجديدة خارج الهيمنة : " جميل / أن تتنفسي كل هواء الغرفة / وحدك / قبل أن يبتلعه سعال / أو يلوث نقاءه عرف ديك / أن يتحول نصف السرير من جديد إلى مكتبة / و أن تحوذي وسادتين لا واحدة " . السعال ، و عرف الديك أثران لصوت غائب ، لفضاء يتشكل منه الرجل في وعي أنثوي ، فيفقد وجوده المتماسك ، و يصير دالا يحفز أنوثة مضادة له من داخله . الرجل قاعدة خفية للتجربة الأنثوية ، لا يمكن أن يهيمن ، أو أن ينعدم كليا من ذاكرة المكان . و في نص " العفريت " يحول النص الشعري دور الأنثى الأدائي في عالم الرجل ، إلى واقع نصي يحاكي الأدوار الوظيفية ، و يمحوها بما فيه من تخييل ، و تجاوز لعلاقة الهيمنة ، تقول : " تك تك / يصفق / فتنبسط له أرضا / تنبت القمح ، و الشعير ، و النارنج / تك تك / فتنتفض ، كصليب مشرع وسط الحقل / خيال مآتة / تفزع الطير و تهش الألسنيين ، و اللصوص / ثم تنقي ماء البركة ... ثم بصقها / فتمطت على الرمل / و تحورت حواء / و لما اكتملت أنوثتها / نامت على رجاء القيامة / عند المغرب انتزع الشوكة من لحمها / فتبخرت " . العلاقات الشرطية الأدائية نفسها بين الذكر ، و الأنثي تتحول إلى مسرحة متكررة للاختفاء ، و التباس الهوية الأساسي في ميكانيكية الأداء ، فخيال المآتة ، و الخصوبة ، يحتملان التبخر خارج الأنوثة نفسها مع تعدد العلاقات الطيفية . هكذا يتجه الديوان لدمج الصوت بآثار النصوص ، و ديانات الخصوبة ليمعن في اللاتحديد ، و ثراء التجربة الإبداعية ، تقول في نص " إيزيس " : " أنا إيزيس النحيلة / لا ماسة في إصبعي / و لا سوار ذهبيا في معصمي ، لكن تاجا من نور فوق رأسي / عند ثغري ابتسامة / و في قلبي مجرة بأسرها " . أنا إيزيس صوت المبدعة ، ممزوجا بقوة ما بعد الذبول ، الحياة في فرح ربيعي متجدد تجعل الألم طيفا ، و جمرة القلب مجرة كبرى لطاقة الأم الممتدة في الثقافات كمصدر لتجدد الطبيعة ، و بهذا الصدد يرى جيمس فريزر ارتبط إيزيس بالخضرة ، و عيدان الذرة ، و الوعد بالخلود ، فهي الأم ذات القداسة السحيقة الغامضة ، و تخلو من المناسك الدموية للآلهة الشرقية الأخرى ( راجع – Frazer-Golden Bough-Isis James) . و لأن إيزيس تتكرر بصور أخرى في روما ، و غيرها كما يقر فريزر ، فهي تمنح المبدعة اتساعا يعلو على تجربة أنثوية محدودة بسيرة مستقلة عن هذه القداسة . و في قصيدتي " رامة " ، و " فرجينيا " تختلط رؤى النصوص بإيزيس ، هل يمكننا بعث غرفة فرجينيا وولف في فراغ عرف الديك ؟ أم نتلمس فرجينيا بين السيدة براون ، و الشاعرة في كون يتسع لرامة إدوار الخراط مصحوبة بقوة الحب الرومانية ؟ هكذا يظل المتكلم متصلا بطيف قوي متجدد يميز واقعه الإبداعي . محمد سمير عبد السلام – مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دالي .. حلم النص و أسطورة الفوتوغرافيا
-
جماليات الاختفاء عند مكسويل كوتزي
-
لذة الكشف في رواية نوافذ النوافذ ل..جمال الغيطاني
-
الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل
-
معرفة كونفوشيوس
-
توهج النهايات عند صمويل بيكيت
-
المحظور و التمثيلي و العوالم الافتراضية .. عن الأنوثة في قصص
...
-
العمل ، و إبداع العالم
-
الغياب في فضاء المحاكاة .. قراءة في فكر جان بودريار
-
العبث ، و أحلام التجدد
-
أحلام الأم المقدسة عند نوال السعداوي
-
الأسئلة الارتدادية للفن
-
القصيدة التفاعلية ، أو الامتداد الكوني للقصيدة - قراءة في لو
...
-
صخور السماء .. أنشودة الجسد
-
الأنا و تمثيل الآخر / الثقافي
-
نشوة التجزؤ .. قراءة في حالات الروح
-
كتابة أورهان باموك .. و خروج الهامشي من هامشيته
-
أولية التحول في الفوتوغرافيا و الشعر ... قراءة في شجن ل .. ع
...
-
جماليات الغياب .. قراءة في رشحات الحمراء ل .. جمال الغيطاني
-
نجيب محفوظ ... وهج بدء متكرر
المزيد.....
-
في مصر: الحكم على الفنانة منى فاروق بالسجن 3 سنوات
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
-لا تحرروني، سأتولى الأمر بنفسي-، عرض غنائي مسرحي يروي معانا
...
-
بمناسبة شهر رمضان 2025.. حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في
...
-
دراسة تزعم.. الانفصال العاطفي يضر بالرجال أكثر من النساء
-
بيان مشترك: مخاوف من غياب “عدالة الإبلاغ” في جرائم العنف ضد
...
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء ا
...
-
الذكاء الاصطناعي يحدد النساء المعرضات لسرطان الثدي قبل سنوات
...
-
-المحكمة الأوروبية تدعم حرية المرأة الجنسية: نداء لتجريم الإ
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|