|
الكتلة التاريخية بأيديولوجية مُتجاوِزةٌ
باسم الخندقجي
الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 11:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن تنامي اليسار كقوة أساسية في أمريكا اللاتينية من جهة ، وإعادة إنتاج نفسه بنجاح في أوروبا من جهة أخرى ، لم تؤثر حتى الآن على واقع الحزب اليساري العربي والفلسطيني بشكل خاص ، ومع أن الظروف تختلف من واقع لآخر إلا أن الانعكاسات تنتشر وتمتد إما فكرياً أو مادياً وتتجه نحو الكيان أو الإطار القوي القادر على استيعاب بآلية تكفل تقدمه ، والذي يخوض في الصيغة الحالية لليسار الفلسطيني يجد انه ليس مستعداً لاستقبال وصهر المؤشرات والانعكاسات التقدمية لليسار العالمي ، إذ إن صيغة الأزمة – الحطام هي اللاعب الرئيس في وضع الحزب اليساري الفلسطيني داخل مئة عام من العزلة، والذي يلوح في الأفق الآن هو أدراك الأحزاب اليسارية للمصالح المشتركة فيما بينها وضرورة إيجاد إطار جامع لها يُعزز هذه المصالح ، وهذا ما يتحقق من خلال ما يمكن أن نُسميه هنا " الأيدلوجية المتجاوزة" التي تترفع عن الخلافات والتناقضات الجزئية الصغيرة مقابل صهر التناقضات الكلية الكبيرة بين الأيدلوجيات داخل إطارها . وجميع الأفكار والرؤى والحوارات التي تناولت فكرة تشكيل قطب أو تحالف يساري إما فشلت أو اصطدمت بجدار عدم القدرة هذه الأحزاب على صهر تناقضاتها بسبب عدم وضوح أو وجود أيدلوجية متماسكة تكفل تجانس مصالح هذه الأحزاب ، بمعنى أنه لا يمكن للمصالح أن تتطابق بالمطلق ، بل يمكن من خلال تعزيز الإدارة المشتركة والأيدلوجية المتجاوزة أن تندمج هذه المصالح فيما بينها . إن " الأيديولوجية المتجاوزة " تنشأ وتُولَد نفسها ذاتياً من تناقضات الأحزاب اليسارية من جهة ، ومن تطلعات الجماهير من جهة أخرى ، إذ أن اليسار الفلسطيني يعاني من أزمة خانقة من كافة أركانه وجوانبه ، ويعاني أيضاً من تناقضات كثيرة فيما بينه ، وهذه التناقضات في تراكمها المُتسارع داخل الواقع المُحتاج للتغير سيؤدي إلى تناقض رئيسي نوعي فيما بينها ، تتضح فيه المصالح الخاصة والمصالح المشتركة بين الأحزاب اليسارية ، فالتناقض الرئيس هذا من الناحية الديالكتيكية يحتوي على القديم الذي شاخ والمرحلة النهائية له هي التطور الأرقى ، أي الشكل الجديد الذي تقوده وترشده أيضاً الأيديولوجية المتجاوزة ، وتدفع حاجة الجماهير الماسة إلى المساهمة في خلق التطور الأرقى من خلال ازدياد هذه الحاجة الملاحية التي تتطلب إطار موَحد متماسك يُلبي احتياجاتها ويقوم بتطوير عملها الجماهيري واستثماره في النهوض بواقع هذه الجماهير من أجل إستمراريته وتطوره.
ومن أهم الفرص السانحة حالياً لبناء الكتلة التاريخية هي :-
أولاً: التطلعات الشعبية التحررية والديمقراطية اللا طبقية هي ما يغلب على تركيبة مجتمعنا الفلسطيني الغير واضح طبقياً :
هذه التطلعات تطالب بالتغير الثوري وهذا هو جوهر اليسار الثوري ، و واقعنا الفلسطيني حائر ما بين مرحلة التحرر الوطني و مرحلة بناء الدولة ، وهذا يعني أن هناك ضرورة لتحليل التناقضات وفصلها عن بعضها، بمعنى إن التناقض الرئيسي هو مع الاحتلال الإسرائيلي ، وكافة التناقضات الأخرى ثانوية تحال إليه ولكن التخبط ما بين مرحلتي التحرر والبناء يتطلب فصل التناقضات الثانوية عن التناقض الرئيسي ، بحيث تصبح هي الأخرى تناقضات رئيسية بحاجة لمن يقودها وهذا يتم من خلال بناء كتلة تاريخية تجمع كافة هذه التناقضات بإقامة التوازن فيما بينها ، بحيث تدرك هذه الكتلة وتتفهم متطلبات التناقضات بصورة تكفل حلها ، والمطلوب هو ببساطة إقامة التوازن ما بين هَم الفرد الشخصي وهمه الـــوطني، والحــركــــات صاحبة الأغلبيــة عـــلى الساحة الفلسطينية تكشف شيءً فشيء عن فشلها في إقامة هذا التوازن ، مما بدأ يؤدي إلى خيبة أمل جماهيرية باتت ترفع من نسبة الأغلبية الصامتة
ثانياً : المؤسسات المدنية :
إذا انه في حالتنا الفلسطينية لا يمكننا الحديث عن مجتمع مدني حقيقي وواضح المعالم بسبب عدم وجود قطبه الآخر ألا وهو المجتمع السياسي (الدولة) حسب تحليل د. عزمي بشارة _ وكثرة المؤسسات المدنية تبعد مجالاتها منذ أكثر من عشر سنوات داخل الواقع الفلسطيني ، ساهم في وجود مجتمع مؤسساتي لم يصل بعد إلى مرحلة المجتمع المدني بمعناه المقابل للسلطة ، وهذا لعدة أسباب أهمها ورد سابقا وهو عدم وجود دولة مستقلة، وعدم قدرة هذه المؤسسات على إنتاج نفسها ذاتيا إذ أن طبيعة عمل هذه المؤسسات تعتمد على دعم خارجي يحوي برامجه ومشاريعه معه ، ومن هنا فالمؤسسات لاتملك دعماً مستقلاً ولاوعياً برنامجياً مستقلاً أيضا. وإذا تعمقاً أكثر في واقع هذه المؤسسات سنجد أن معظمها مرتبط بأحزاب يسارية بصورة غير مباشرة ، أو كانت مرتبطة بالسابق ، أو تقودها شخصيات يسارية بعيدة عن الأحزاب اليسارية ، وهذا مايتطلب نشوء كتلة تاريخية تخاطب هذه المؤسسات على أساس المصالح المشتركة ، إذ أن مايشبه المجتمع المدني هو مجال مفتوح للصراعات الشعبية والاجتماعية كما يقول " غرا مشي" ، وفي حال قيادة وإدارة هذه الصراعات داخل بنية الكتلة ينتج مباشرة المجتمع المدني الواضح المعالم والذي يؤثر بعكس المجتمعات المدنية الأخرى ويسهم في بناء المجتمع السياسي .
ثالثا : خيبة الأمل والأغلبية الصامتة
إن حالة الاقتتال الداخلي الغريبة عن واقع مجتمعنا النضالي بين اكبر فصيلين على الساحة أدت إلى تخلخل المد الجماهيري الداعم لها ، وقد يكون هذا التخلخل الناجم عن خيبة أمل كبيرة في بدايته وما يزال حذر أيضا، بسب عدم وجود أو استعداد قطب ثالث يزيل هذه الخيبة ببرنامج قوي قادر على النهوض بالواقع الفلسطيني العام ، ومن هنا فإن "الأغلبية الصامتة" في حالة ازدياد مستمر بسبب عدم وجود الأداة أو الإطار الذي يحتضنها . رابعا : المد اليساري العالمي الجديد :
إن جميع تأثيرات وانعكاسات هذا المد لم تصل إلى الحزب اليساري الفلسطيني بالشكل الداعم والدافع بسبب تشتته وعدم توحده تحت إطار تطلعات الجماهير والمصالح المشتركة . فتأثيرات الظروف الموضوعية الايجابية بحاجة إلى إطار متماسك يستقبلها بسهولة ويترجمها إلى برنامج عمل تقدمي ، وفي حال إعداد الخطاب اليساري الفلسطيني الجديد سيكون هناك تأثيراً ايجابيا قادما من اليسار العالمي الجديد . أن هناك الكثير من العوامل الذاتية التي لعبت دورا تفككياً رجعيا لا يمت لليسار بصلة -- في الإبقاء على أزمة اليسار لكي تمرر أهدافها ومصالحها الضيقة والمطلوب الآن هو المعادلة التالية التي يحتويها المثل الشعبي القائل:" من اجل أن نأكل عجٍّة لذيذة علينا أن نكسر البيض". ونفي المصالح الضيقة وتعزيز المصالح المشتركة وتطوير الوعي اليساري المشترك يؤدي إلى خلق الذات اليسارية الأصلية. وبناء الكتلة التاريخية بحاجة إلى شرارة يبدأ بها حزب يساري أو قوة يسارية معينة ، تنطلق في توحيد اليسار على أساس أيديولوجي وعملي ، والذهاب إلى هذه الكتلة يجب أن يكون بصحبة " الأيديولوجية المتجاوزة " بمعنى خلق المرجع النظري الذي يضبط مصالح القوى اليسارية ويوجهها باتجاه التقدم والنهوض بواقع الجماهير ، كما أن الكتلة التاريخية بحاجة إلى إقامة وصياغة التحالفات مع القوى الاجتماعية مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه القوى أو اللغة الوحيدة والمقنعة للحوار مع هذه القوى هي الأيديولوجية المتجاوزة إن مهمة القوى اليسارية أخلاقية بالأساس تكمن في تنوير الجماهير وتطوير وعيها ، واليسار الجديد اليوم هو اليسار الذي يعتمد على وقود التناقض في عملية تطوره وتقدمه .
الأسير : باسم الخندقجي. منتدى غسان كنفاني الثقافي. سجن جلبوع المركزي. قيادي في حزب الشعب الفلسطيني
#باسم_الخندقجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حبة اكامول !!
-
عندما يرقص المطر
-
على هدير البوسطة
-
شكرا على مؤبداتكم
-
قصة إيمان - غزة
-
الأرض المُختلة (1) و الهزيمة
-
اعتراف داكن
-
امرأة من رصاص
-
جراح بالغة الغربة
-
ايها الموت لاتمت
-
استشهاد زيتونة
-
شكرا على مؤبداتكم
-
على هدير البوسطة
-
معاناة الأسير الفلسطيني
-
عودة جدلية إلى المقدس
-
مسودات عاشق وطن
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|