أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - همس الليالي البيضاء في العرض المسرحي البصري















المزيد.....

همس الليالي البيضاء في العرض المسرحي البصري


فاضل سوداني

الحوار المتمدن-العدد: 1965 - 2007 / 7 / 3 - 09:57
المحور: الادب والفن
    


نموذج من المسرح التونسي

يعد الحنين إلى الماضي وتأثيره في الحاضر موضوعا أثيرا في الادب والمسرح عموما ... وهذا ما افترضه عرض الليالي البيض ـ أو مقطوعة خريف ـ من اخراج الفنان التونسي الشاب حاتم دربال وتأليف شيماء بن شعبان. وقد عولج موضوع المسرحية باسلوب الكوميديا السوداء واعتماد المفارقة Paradox كا سلوب وسمة اساسية في فعل الشخصيات ومسار الاحداث . لذا فان المؤلفة بنيت موضوعها على الماضي كمنطلق جوهري لابراز ذلك التمرد و تلك السخرية والحنين إلى الجذور الطيبة ، والى ذاكرة الماضي الذي يشدنا دائما ويقلق حاضرنا.وحاجتنا الدائمة للرجوع إلى الاصل هي التي تشكل الحلم المتفرد.
( حيث تعود مريم إلى منزل العائلة الذي ولدت فيه بعد غياب طويل يصحبها زوجها بحثا عن آخر مقطوعة موسيقية ألفها والدها " راحة الارواح " . وتكشف عن نيتها في إعادة كتابتها من جديد تكريما لروح الاب. انه رجوع مفاجئ .,. عكر على العائلة " الاخت الصغرى والعم والكثير من ذكرياتهم" صفو الهدوء وحياة الرتابة التي اعتادت عليها.انه رجوع يبعث بعد سنوات من الصمت والنسيان ذكرى ألم قديم ..وجرح عميق هو انتحار الاب ) .
إذن في مواجهة الماضي من جديد تفرض على العائلة الكثير من الدموع … والرؤى … والاحلام … والخوف …والحيرة …والالم… والصراخ الذي يتحول إلى نباح … والامل… واليأس … وأحيانا تجاوز الزمن الواقعي . والحكاية هي ( حكاية جيلنا ونوعية العلاقة التي تجمعه بالجيل السابق وايضا استنكاره ورفضه لخيباته ونكساته .. وهي ايضا حكاية الوحدة والخوف من المستقبل … الصمت .. والماضي الذي تلاشى وراء الهزيمة واليأس ) .
ان عودة البطل التراجيدي إلى المكان والزمان الاول أي إلى منبت الوعي الاول ، هي عودة نحو الهاوية التي تشكل مأساته الحاضرة من جديد . فتاريخية الشخصية هي ماض مرتبط بالحاضر
أيضا " أي الان " لان التاريخية ، تفهم من خلال علاقة الآنية ـ الحضور الاني ـ ضمن مفهوم الماضي المتكدس وليس وفقا للماضي كمفهوم زال وانتهى .
هنالك تأثير ديناميكي للماضي على الحاضر في اللحظة الحاسمة التي تقرر مصير البطل .
و عودة مريم ـ الاخت الكبرى ـ إلى المنزل هي عودة نحو خرابها الذاتي .. نحو البحث عن معنى حياتها في الماضي ووجودها الاني ( الواقع الان ) ، ومن ثم التذكير ونبش خراب العائلة . وهذا البحث يؤثر مأساويا ليس في البطلة حسب وانما في الشخصيات الاخرى حتى تشعر بثقل هذا الماضي على الحاضر . فالشئ الذي أكده النص وكذلك العرض بشكل واضح هو ان روح الاب ( ذكرى الاب ) غير المرئية هي التي تحدد وتؤثر على مصائر الشخصيات ، فتخلق أوهامهم وقلقهم وعدم توازنهم في عالم غير متوازن أساسا .
ان هذه الشخصيات تتعامل بلا حميمية فيما بينها ، فهي معزولة في وحدة قاتلة ، وعندما تثرثر فيما بينها فانها تخلق الكوميديا السوداء الساخرة التي تدهش المتفرجين ، لان هذه الشخصيات تثير السخرية أيضا عندما تتعامل بجدية بعضها مع البعض الآخر . كل واحد منهم يفكر بعالمه او كابوسه الخاص . فالاختان مختلفتان جوهريا وهذا يبدو من التناقض الحاد فيما بينهما ، لكنهما يبدوان ظاهريا ذاتا واحدة احدهما تكمل الاخرى . اذن هذا العرض يحاول ان يتناول ثلاث ابعاد متداخلة هي :
شاعرية الماضي وتداخله في الحاضر …
عذابات الذاكرة ،
و الحاضر الان .. وهنا ممتزجا بالوحدة والخوف من المستقبل ….
وقد حاول العرض من خلال استنطاق للذاكرة الجماعية … خلق تلك الحياة التي تتسم بالشفافية والحنين والحلم كمعادل موضوعي لواقع حياتنا المترعة بالخشونة والقسوة .
ان استحضار الماضي يتطلب ذاكرة حية يختلط فيها الماضي والحاضر ، الماضي الذي كان تراجيديا
و يشكل ذكرى كابوسية اصبح لها مكانها في الحاضر الان ، ولهذا فان تراجيدية وكابوسية الماضي اثرت في الحاضر وستؤثر في المستقبل . وقد ساعدت السينغرافيا والفكر الاخراجي خلق ثلاث ابعاد واضحة لذاكرة الماضي من خلال حدوثها في ثلاث أماكن مختلفة الوظائف على خشبة المسرح .

البعد الاول … يشكل الماضي البعيد المغمور والضبابي وغير الواضح والذي يترآى كالكابوس الذي تقطعه المراة المتشحة بالسواد والمليئة بالغموض .. وبالتاكيد فان هذا يشكل احداثا بعيدة في تاريخ الشخصيات . لذا فان هذه الاحداث البعيدة شغلت القسم الخلفي من خشبة المسرح . ويتكثف غزو هذا الماضي عندما تضئ الانارة القسم الاخير من فضاء الحدث .
والبعد الثاني هو الماضي القريب من الذاكرة المختلط بالحاضر والذي يترآى بوضوح .
اما البعد الثالث … فهو الواقع الخشن القاسي .. الحاضر الان الذي سيصير ماضيا بعد لحظات انه قريب جدا من المشاهد حتى ان احداثه تدور في مقدمة المسرح .
وكما أكد العرض وجود هذا التداخل بين الماضي والحاضر ، فان التداخل بين الواقع والحلم كان
واضحا في جوهر العرض . وبالرغم من ان العرض بمجمله مبنيا على الحلم الشفيف او
الكابوس ، الا انه يطمح ان يكون كل شئ فيه واقعيا . تتحرك فيه الشخصيات بحيويتها وايقاعها العنيف . ومادام الحلم او الكابوس هو الذي يشكل جو النص والعرض فكل شئ مباح للشخصيات والاحداث ، فاللغة فيه تتحول إلى اصوات وهمهمات وآهات لها مدلولاتها واحالاتها السرية .
و مايؤكد امتزاج الحلم بالواقع الكابوسي هو الحركة القريبة من السلوموشن اوالقفز في الهواء لاسباب تفرضها الحالة الكابوسية للشخصية التي تعيش في واقع لامنطقي ، واقع الكوميديا السوداء والبرادوكس ألامنطقي احيانا ، ومما يزيد واقعية الحدث مفارقة هو ان العم في هكذا عرض ينام واقفا او يموت وهو يقبل . هل قتلته سعادة التقبيل ؟
فالمسرح المعاصر يعتمد على غنى علاقة الممثل بالاشياء والمواد المحيطة به ، وتتغير وظائفها عادة بتغير ايقاعها نتيجة لطبيعة تعامل الممثل معها ، أي العلاقة بين جسد الممثل وهمس الاشياء ، فيصبح لها كيانها وجوهرها ورموزها من خلال مدلولاتها في الفضاء وبالذات فضاء الطقس المسرحي . فالشال الاسود المرمي على الارض بجانب الشموع ومن خلال تركيز الانارة على الرقص المتوتر للاخت الصغرى يعطي الاشياء ـ الشال والشموع والرقص ـ وجودها وماهيتها الجديدة ، ويعبر عن الحالة الداخلية للشخصية في زمن غير زمنها الاني ، وكذلك يركز على الرسم في الفضاء ، وعلى ميزانتسين جسد الممثل.

ان حركة الممثل في العرض المعاصر يجب ان تبنى على انتاج المعنى او اللامعنى في الفضاء ، وكذلك انتاج الدلالات لاكتشاف اللغة المسرحية ...وقد حاول المخرج حاتم دربال ان يحقق هذا الاسلوب عن طريق خلق المكان حركيا وإغناؤه بالزمن ، فبإنحناءة من الممثل محاولا الاختفاء في العمق يوهمنا بتحول المكان إلى بئر عميق او قبو او هوة في ذاكرة الماضي المسكونة بالأحلام والهواجس والاسرار . وبهذا فان الممثل يتحكم بصيرورته و يخلق الاشياء من جديد عندما يمنحها معنى غير معناها، وهذه ميز ة مشتركة لدى اكثر من مخرج تونسي.
ان عرض الليالي البيض مبني اساسا على الحركة التي لاتعكس دواخل الممثل التي يؤديها وحسب ، بل تخلق جوهرها ووجودها وشكلها في الذات الاخرى ( الممثل الشريك ) ، فهي حركة تعطينا صورة وشكل له دلالته . وما بداخل إحدى الشخصيات تعبر عنه الشخصية الاخرى حركيا ، انه اسلوب وفكر اخراجي معاصر ومتميز يعمل بمنطقه الكثير من مخرجي المسرح الاوربي .
انه عرض حول التلصص على الذات الأخرى كما يفعل العم ، عندما يتلصص على الآخرين بسخرية .او انه عرض يسخر منا جميعا ومن تلك العادات اليومية المبنية على الأنانية الضيقة او تلك التي يتحول فيها الإنسان الى كائن آخر ، انه عرض ينحو بشفافيته ـ التي تفتقر لها الكثير من العروض العربية ـ للدخول في عوالم الحنين إلى ماضي الانسان .
وقد حققت الموسيقى دلالتها التعبيرية ورمزها الذي يحيل إلى الماضي حيث عبرت عن الاب
ـ المتوفي ـ وحلت محله في خلق السيطرة و الرعب في دواخل الذوات الاخرى ، وكان موتيفها صوت من الماضي يخيم على حاضر الشخصيات . اما الانارة فكان لها دورها المادي المتجسد بصريا لخلق دلالاتها للتعبير عن الشخصية والحدث . فتتحول من الحلمية والشفافية إلى الحدة للتركيز على الشئ او الفعل او الحالة النفسية ، لقد كانت كلقطة الكلوز أب في السينما .
ينبئ عرض الليالي البيض عن ولادة مؤلفة متمكنة من ادارة الحوار والاحداث ، بالرغم من ان متانة الاسلوب والبناء الدرامي حتم اعادة كتابة العمل مرات عدة حتى الصيغة النهائية ، لقد كان طموح العرض مبني على تأسيس منحى متميز ورؤيا مسرحية تستفز ذاكرة الجمهور من خلال قدرات متميزة لحاتم دربال مخرجا وممثلا وفريق العمل من ممثلين وفنيين مثل ، فاضل الجعايبي ، شيماء بن شعبان آمال الفرجي ، رمزي عزيز ، قيس رستم ، دنيا شنتير ، وناس خليجان .

كوبنهاكن في شمال الكوكب



#فاضل_سوداني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفكرون العرب لا يمتلكون الاحساس بالزمن
- المخرج المسرحي العراقي د.فاضل سوداني .....الحضارة الشرقية غن ...
- خيال الظل العربي الاسلامي
- الدلالات السميولوجية في فضاء العرض المسرحي
- جلجامش …….. والبعد السميولوجيي للنص البصري المعاصر
- فان كوخ يعرض طقسا مسرحيا
- النقد المزدوج وغربة المسرح العربي
- الفنان العراقي عوني كرومي وبرتولد برخت
- العراق والسياسة والمنفى والغرب ومسرح الصورة
- جحيم الحرية والتباس الحقيقة الذاتية
- بصريات الجسد في الطقس المسرحي
- ذكرى عنادل العمارة ( ميسان) المهاجرة
- رسائل تشيخوف يقرأها المخرج بيتر بروك دراميا
- عروض مسرحية عن همس الحواس و ذاكرة الاشياء
- عرض مسرحية حدّ ث ودلالات الفكر الاخراجي في المسرح
- فن التشكيل البصري في زمن العولمة
- البعد الرابع لغة فن التشكيل البصري
- البعد الرابع لغة الفن البصري
- الممثل في مسرح البعد الرابع البصري
- هل مازال العراق يلتهم أبناؤه


المزيد.....




- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...
- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...
- موكب الخيول والموسيقى يزيّن شوارع دكا في عيد الفطر
- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - همس الليالي البيضاء في العرض المسرحي البصري