|
الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجستير ....الجزء الاول
سامر أحمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 05:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرصا مني على نشر ما يفيد جميع الاخوة والاخوات فانى ساعمل على نشر رسالتى لنيل درجة الماجستير والتى قمت باعداها فى جامعه بسكرة فى الجمهورية الجزائرية فى عام 2005، وساحرص على نشرها بالكامل على مجموعه من الاجزاء، ومع كل الشكر مـــــقـــدمـــة أولاً: موضوع البحث وأهمية: ظل المدنيين على مد العصور وحتى في عصرنا هذا - أين أستقر في القانون الدولي المعاصر مبدأ تحريم الالتجاء للحرب - عرضة لهمجية النزاعات المسلحة الدولية المتكررة، والآثار الوخيمة التي تركتها لدى الإنسانية، ولا سيما في موجهة سلطات الاحتـلال التي تملك في حوزتها كل أدوات القهـر والسيطرة بينمـا المدنيين عزل من كل سلاح اللهم سوي التمسك والتشبث بعدالة قضاياهم ومبادئ القانـون الدولي. وإذن هذه النزاعات المسلحة الدولية هي حقيقة موضوعية فرضت بدورها على العالم الضرورة في المعالجة القانونية لها بهدف إقرار قيود معينة على أطراف النزاع المسلح وضمان الحماية الدولية لضحايا النزاعات المسلحة والمدنيين والأعيان المدنية أثناء هذه النزاعات وبعدها أي أثناء الاحتلال. لهذا تفجرت هذه المعالجة القانونية من ديجور الأزمنة على حد تعبير الفقيه جان بكتية ليتولد إلينا ما يعرف حديثاًً بالقانون الدولي الإنساني، الذي يقر معظم الفقهاء والباحثون بأنه فرعٌ للقانون الدولي المعاصر وذلك لأنه يتضمن كافة العناصر الضرورية التي تكون الفرع، بينما اختلف الفقه حول تعريف القانون الدولي الإنساني، فالبعض يعرفـهُ تعريفـاً واسعـاً والبعض الآخـر يعرفهُ تعريف ضيقـا، فيقصد بالقانون الدولي الإنساني بالمعنى الواسع بأنه " مجموعة القواعد القانونية الدولية المكتوبة أو العرفية التي تكفل احترام الفرد ورفاهيته "، أما المقصود باصطلاح القانون الدولي الإنساني بالمعنى الضيق على حد تعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر فهو " مجموعة القواعد الدولية المستمدة من الاتفاقيات أو العرف الرامية على وجه التحديد إلي حل المشكلات الإنسانية الناشئة بصورة مباشرة من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية والتي تقيد لأسباب إنسانية، حق أطراف النزاع في استخدام طرق وأساليب الحرب التي تروق لها، أو تحمي الأعيان والأشخاص الذين تضرروا أو قد يتضررون بسبب النزاعات المسلحة ". انطلاقا من التعريف المتقدم كان إلزاما أن يدخل الاحتلال مهما كانت النظرة إليه في إطار قانون جنيف وكان ذلك في الواقع هو الغرض من الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، لأنه على مدى التاريخ كثيراً ما احتلت بعض الدول بعض الأقاليم زاعمة إنها ما تفعل فعلتها إلا بدوافع سلمية، بل إنها في بعض الأحيان تدعي أن الاحتلال كان محل الترحيب من القطاعات المستنيرة من الشعب، بينما كان غرضها الحقيقي هو السيطرة أو الهيمنة أو الحصول على الإمتيازات التي يحققها في العادة الانتصار العسكري، فتحت أي إدعاء فإن القانون الدولي الإنساني يطبق على هذه الأقاليم المحتلة لضمان حقوق السكان المدنيين في مواجهة قوات الاحتلال التي تفرض سيطرتها الفعلية على كل أو جزء من إقليم بصفة مؤقتة لمدة زمنية طالت أو قصرت. فإن موضوع البحث ينصرف إلى دراسة هذا الجزء من قواعد القانون الدولي الإنساني لبيان حقوق المدنيين والتزامات دولة الاحتلال تجاههم، وكذا الآليات الدولية الخاصة بتنفيذ هذه القواعد وذلك في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977. أما أهمية الموضوع فتكمن من الناحية الأولى بالتعرف على هذه القواعد العرفية والاتفاقية التي تحكم حالة الاحتلال والوقوف على مدى فعاليتها خصوصاً في ظل التغيرات الدائمة والمتحركة في عالمنا اليوم، أما من الناحية الثانية محاولة بيان طبيعة العلاقات المعقدة التي تترتب عن حالة الاحتلال بين أطرافها الثالث آلا وهي دولة الاحتـلال ودولـة السيادة والمدنيين في الأقاليـم المحتلـة، إضافة إلى أن الواقع العملي الحالي في فلسطين والعراق تستوجب علينا ضرورة بيان تلك القواعد الإنسانية الدولية الواجبة التطبيق. ثانياً : أسباب اختيار الموضوع. امتداداً للعناصر السالفة الذكر فإن اهتمامي بهذا الموضوع ينحصر أساساً وفقأ لأسباب واعتبارات موضوعية وأخري شخصية قائمة على العناصر التالية: - إن مشكلة المشاكل التي يواجهها المجتمع الدولي في زماننا المعاصر هي كثرة حالات استعمال القوة المسلحة في العلاقات الدولية بالرغم من تحريم الحرب في القانون الدولي المعاصر، فإن من نتائج استعمال القوة وجود أقاليم محتلة، يعاني فيها السكان المدنيين ويلات الاحتلال، وأكبر دليل على أن هذا الموضوع موضوع الساعة ما يحدث يومياً في فلسطين المحتلة والعراق وقبلها في العدوان على أفغانستان في إطار الحملة الأمريكية العسكرية ضد ما تزعم بأنه الإرهاب الدولي. - إذا كنا على علم اليقين بأنه قد مرَّ الآن أكثر من نصف قرن على اعتماد اتفاقية جنيف الرابعة، وربع قرن على إبرام البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة، وهي فترة كافية لدي - جميع الباحثين - لتقييم ما حققت هذه الشرعية الدولية وخصوصا في إطار حماية المدنيين بأقاليم المحتلة، في وقت أثبت الواقع العملي وخصوصاً في الشرق الأوسط ارتكاب أبشع الجرائم بحق المدنيين الخاضعين لسلطات دولة الاحتلال. - لعل من أهم العوامل التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع ودراسته، وهو أنني واحدٌ من أبناء شعبٍ كانوا ومازالوا خاضعين للاحتلال الإسرائيلي، لهذا أشعر بالمأساة التي يعيش فيها شعبي في فلسطين من جراء ما ترتكبه ضدهم قوات الاحتلال الإسرائيلي من فظائع وجرائم تنتهك بها أغلبية حقوقهم الإنسانية المؤكدة في القانون الدولي الإنساني، لهذا سوف نركز في هذه الدراسة على بيان مسلك دولة إسرائيل اتجاه إنقاذ وتنفيذ هذه القواعد على المدنيين الفلسطينيين، هذا كله من جانب، ومن جانب أخر فإن معرفتي بالقانون الدولي الإنساني ستساهم ولو بشيء البسيط في نشر رسالة هذا القانون الإنسانية لدى أبناء شعبي الذي لابد عليه أن يلتزم بكل ما تمليه عليه قواعد هذا القانون في معركته التحررية، حتى نستطيع ردَّ الزعم القائل بأننا إرهابيون، فالتزام رجال الثورة بهذا القانون يؤكد بأننا رجال تحرير شرعيين نتمسك بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. - قد شد انتباهي لهذا الموضوع من موضوعات القانون الدولي الإنساني هو غياب هذا الأخير بصفة كلية عن البرنامج الأكاديمي على مستوي التدرج في الجامعة الجزائرية، فكان ومازال ليس محل اهتمام البرنامج، وهذا أدي بي إلى جهل الكثير من قواعده، فدفعني جهلي إلى حب المعرفة بهذا القانون الذي أشاطر الاعتقاد السائد بأن مستقبلنا سوف يكون مرهوناً حتماً باحترام قواعد هذا القانون الإنساني. ثالثاً: إشكالية البحث: سوف نحاول الإجابة على التساؤل الرئيسي الأتي: إلي أي مدي حققت قواعد اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين في وقت الحرب لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة، الحماية المرجوة منها للمدنيين الخاضعين لسلطة دولة الاحتلال؟ ويندرج تحت هده التساؤل مجموعة من الأسئلة الفرعية: - ما مدي فعالية الحماية العامة والخاصة المقررة في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول للمدنيين القاطنين في الأقاليم المحتلة؟ - هل نجحت اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول في فرض الالتزامات القانونية على عاتق دولة الاحتلال بما يحقق الحماية اللازمة للمدنين تحت الاحتلال؟ - ما هي الآليات الدولية الخاصة التي جاء النص عليها في قانون جنيف من ناحية، والتي يملكها المجتمع الدولي من ناحية أخري لوضع قواعد هذه الحماية موضوع التطبيق؟ - كيف وما مدي فعالية الآليات التي تملكها الجماعة الدولية لمعاقبة الخارجين عن قواعد هذا القانون؟ إن الإجابة على التساؤلات التي سبق طرحها يبدو شيئاً فيه نوعاً من الصعوبة من ناحية الممارسة الدولية بالنظر لتسارع الفعل والتفاعل على المستوي الدولي، والقيمة العلمية لهذه الأسئلة تقتضي - على أقل تقدير وفي حدود هذا البحث - الإشارة إلى دراسة موضوع حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة في إطار هذه التساؤلات من قبيل الدراسات التي تنحو إلى ضبط القضايا الأساسية المرتبطة بجوهر الموضوع، كمحاولة لوضع الإطار العام الذي يكرس المحاور الأساسية التي تنطلق منها الدراسات المتخصصة، وبمعني آخر التحديد المنهجي لضوابط العمل. رابعاً: الدراسات السابقة حول الموضوع. في إطـار البحث في موضوع المذكـرة تم الإطلاع على العديد من الدراسات الأكاديمية السابقة، والتي كانت منطلق للبحث ودافعاً كبيرا في اختيار الموضوع، بالرغم من كون الموضوع محل الدراسة جل ما كتب بشأنه جاء بشكل عام مقتصراً على دراسة ظاهرة النزاعات المسلحة في عمومها دون التركيز على موضوع حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة، وبالتالي فمن النادر أن يصادف الباحث موضوعاً بعنوان حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة أو بمعني مشابه لهُ. رغـم ذلك فإن هذا الموضوع قـد أخذ نصيبهُ من البحث والدراسة حتى أنه لا تخلو أية دراسة منه، وتعددت بذلك المؤلفات والدراسات، فمنها ذات الطابع التاريخي، ومنها ذات الطابـع السياسـي، ومنها ذات الطابع القانوني، فقد تم التركيز من خلال الإطلاع على هذه الدراسات على الجوانب المتعلقة بالموضوع محل البحث، فمن ابرز الدراسات حول جوانب هذا الموضوع كتاب الدكتور محي الدين على عشماوي بعنوان "حقوق المدنيين تحت الاحتلال الحربي..." وكذلك كتاب الدكتور مصطفي كامل شحاتة بعنوان " الاحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي المعاصر " الذي يعد من أبرز المؤلفات - التي كانت بين يدي - التي عالجت موضوع الاحتلال، أما من المؤلفات التي عالجت موضوعات القانون الدولي الإنساني بصفة عامة نذكر منها كتاب البروفيسور ديب عكاوي المعنون بـ" القانون الدولي الإنساني " وكتاب الفقيه جان بكتيه المعنون بـ" القانون الدولي الإنساني تطوره ومبادئه "، هذا إلى جانب مجموعة كبيرة من الكتب الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية وكذا الصادرة عن المنظمات الحقوقية والإنسانية الفلسطينية والدولية. كما لا تخلوا شبكة الإنترنت في مواقعها المتنوعة والتي تناولت بعض الجوانب المتعلقة بالموضوع، إلا أن الملاحظ أن أغلب هذه المواقع تتكلم عن الجوانب السياسية للموضوع، على عكس المواقع الخاصة بالمنظمات الدولية غير الحكومية وخصوصاً موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية التي تزخر مواقعهما بالكثير من المقالات، كما تم الاعتماد على بعض الأطروحات الجامعية الحديث ( ماجستير ودكتورة ) والتي تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة ونذكر هنا رسالة الدكتورة للدكتورة رقية عواشرية المعنون بـ" حماية المدنيين والأعيان المدنية في النزاعات المسلـحة غير الدولية "والتي استعـنا بها كثيـراً في الجوانب المنهجية على وجه التحـديد، باعتماد شكلا متقاربا جدا في المحاور الأساسية في هذه الدراسة على المحاور الأساسية من دراستها، بالإضافة إلى رسالة ماجستير لطالب عبد القادر البقيرات المعنون بـ" الاحتلال الإسرائيلي للجولان في ضوء القانون الدولي العام " وغيرها من المراجع في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي. فعموماً فإن الباحث في موضوع حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة لا يجد صعوبة في المراجع والدراسات كماً وكيفاً، وربما ما سبب لي إشكالاً هو وفرة هذه المراجع، على أن الأمانة العلمية تقتضي مني الاعتراف بالتقصير في استخدام المراجع باللغات الأجنبية وهذا عائد لعدم تمكني الجيد من هذه اللغات. خامساً: المنهج المستخدم في الدراسة. إذا كان نطاق هذا البحث هو بيان الوضع القانونى الدولي للمدنيين في الأقاليم المحتلة، والآليات الدولية الخاصة بوضع قواعد الحماية موضع التنفيذ فعليه أتبعت في دراستي هذه مجموعة من مناهج البحث العلمي. فكان الاعتماد على المنهج التاريخي بغية الوقوف على مراحل التطور التاريخي لهذا الجزاء من القانون الدولي الإنساني ذلك في إطار التتبع لمراحل تطور هذا الأخير، وتم الاعتماد أيضا بصورة أساسية على المنهج القانوني التحليلي لتحليل جملة النصوص الاتفاقية التي تقرر الحماية للمدنيين في الأقاليم المحتلة، وكان الاعتماد على المنهج المقارن باستعمال المقارنة في كثير من الأحيان للمقارنة بين الحماية التي أقرت للمدنيين في النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية والحماية الدولية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما استخدمت هذا المنهج بصدد ذكري لبعض الممارسات الدولية في هذا الصدد والذي مكنت من الكشف عن السياسة الدولية الانتقائية والمزدوجة للمجتمع الدولي في التعاطي مع القضايا الدولية. في هذا الصد لابد من الإشارة إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أنه كان هناك بالضرورة استعمال التحليل السياسي قصد الوقوف على مدى فعالية هذه الحقوق المرتبطة بالممارسات الدولة في هذا المجال. وبصفة عامة فإن الدراسة تقوم على أساس النظرية النسبية والتي تركز على عدم وجود حقائق ثابتة بل حقائق نسبية ومتغيرة تتغير بتغير عوامل البيئة والزمان والمكان، هذه الحقائق النسبية التي نستطيع من خلالها تفسير المعوقات التي تحول دون إعمال أحكام القواعد الدولية في مواجهة هذه النزاعات، ووضع الحلول الممكنة للسيطرة الدولية على الأوضاع اللاإنسانية الناشئة عن إمكانية عدم احترام هذا الجزء من القانون الدولي الإنساني. سادساً: تقسيم البحث وخطة الدراسة. إن المطلع على محتويات البحث يتأكد بأن للموضوع سعة نسبية وتشعب يشمل العديد من المسائـل، فإنه وأمام هذا الوضع من العسير دراسة هذه المسائل على مستوي واحد من الدقة والتفصيل، لهذا هناك بعض الموضوعات التي أشرنا إليها بما تستدعيه طبيعة الموضـوع محل البحث، لهذا جاء تناول الموضوع في فصليين يسبقهما مبحث تمهيدي، خصص هذا الأخير لبيان ماهية الاحتلال الحربي في القانون الدولي الإنساني من حيث تحديد مفهوم حالة الاحتلال وأساس سلطة المحتل وتكييف الآثار القانونية لهذه السلطة واختصاصات المحتل المقيدة في الأقاليم المحتلة. أما الفصل الأول فقد عرضنا فيه: الوضع القانوني الدولي للمدنيين في الأقاليم المحتلة، من خلال ثلاث مباحث، خصصنا أولهما لتحديد فئة المدنيين المعنيين بالحماية، أما المبحث الثاني فأفرد إلى بيان الحقوق المقررة للمدنيين في الأقاليم المحتلة باتفاقيـة جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول الملحـق باتفاقيات جنيف الرابعة وفعاليتهما، وكان المبحث الثالث لتوضيح الالتزامات القانونية لدولة الاحتلال تجاه المدنيين في الأقاليم المحتلة. أما الفصل الثاني فقد تطرقنا فيه: الآليات الدولية الخاصة لضمان حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة، من خلال ثلاث مباحث، خصصنا أولهما لتحديد ضمانات الإشراف والرقابة على التنفيذ في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول، أما ثانيهما كان لدراسة دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين، أما المبحث الثالث فجاء لإيضاح دور الأجهزة القضائية الجنائية الدولية في تنفيذ قواعد حماية المدنيين. وأنهينا هذا البحث بخاتمة عرضنا فيها أهم الاستنتاجات وكذا الاقتراحات التي خرجنا بها، وعلى ذلك فسوف نضطلع بمعالجة هذا الموضوع حسب الخطة التالية: مبحث تمهيدي: ماهية حالة الاحتلال الحربي في القانون الدولي الإنساني. المطلب الأول: مفهوم حالة الاحتلال الحربي. المطلب الثاني: سلطة المحتل في الأقاليم المحتلة واختصاصاته. الفصل الأول: الوضع القانوني الدولي للمدنيين في الأقاليم المحتلة. المبحث الأول: تحديد فئة المدنيين المعنيين بالحماية. المبحث الثاني: الحقوق المقررة للمدنيين في الأقاليم المحتلة. المبحث الثالث: الالتزامات القانونية لدولة الاحتلال تجاه المدنيين. الفصل الثاني: الآليات الدولية الخاصة لضمان حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة. المبحث الأول: ضمانات الإشراف والرقابة على التنفيذ في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول. المبحث الثاني: دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين. المبحث الثالث: دور الأجهزة القضائية الجنائية الدولية في تنفيذ قواعد حماية المدنيين.
مبحث تمهيدي ما هية الاحتلال الحربي في القانون الدولي الإنساني تدل تجربة العلاقات الدولية على أن الحروب أو النزاعات المسلحة الدولية التي يتبعها- في أغلب الأحيان- حالة واقعية تسمى " بالاحتلال الحربي "، هذه الحالة المزمنة التي لا تكاد تَمُّرٌ حقبة تاريخية إلا وطفت على سطح الأحداث، وكان أكثر من عانى من جرائها وأثارها المدمرة وويلاتها السكان المدنيين، إذ ظلت الداء الذي يهدد الإنسانية. وعلية كان التصدي لبحث ماهية الاحتلال الحربي في القانون الدولي الإنساني مسالة ضرورية باعتباره مدخلا لابد منه لتحديد النطاق المادي لموضوع الدراسة، وذلك ببيان بعض الجوانب المهمة في النظرية العامة لقانون الاحتلال الحربي، هذا القانون الذي لم تختلف الآراء حول الموضوع من الموضوعات القانون الدولي مثلما اختلفت حوله. وعليه فمن هذا المنطلق، حددتُ الإطار الذي سوف تدور من خلاله دراستي، لماهية الاحتلال الحربي في القانون الدولي الإنساني، إذ ستحدد الدراسة في هذه النقطة، في مطلبين هما على النحو التالي: المطلب الأول: مفهوم حالة الاحتلال الحربي. المطلب الثاني: سلطة المحتل في الأقاليم المحتلة واختصاصاته. المطلب الأول مفهـــوم حالــة الاحتــلال الحربي لإبراز مفهوم حالة الاحتلال الحربي لابد من الإجابة على التساؤل التالي: هل وفقت القواعد العرفية والاتفاقية الدولية ذات الشأن في تحديد مفهوم حالة الاحتلال، ومتى تنطبق هذه القواعد؟ لهذا يستوجب علينا الوقوف على تعريف حالة الاحتلال الحربي بالتفريق بينها وبين حالتي الفتـح والغزو، وذلك في الفرع الأول، أما الفرع الثاني فندرس فيه التطور التاريخي الذي لحق بقواعد قانون الاحتلال الحربي، والفرع الثالث نتكلم عن أهم مبادئ وأهداف قانون الاحتلال الحربي وذلك كما يلي: الفرع الأول تعريف حالة الاحتلال الحربي أورد الفقه الدولي مجموعة من المفاهيم التي أعطى لها معنى خاصاً على وجه التحديد، وهي الغزو والفتح والاحتلال، حيث أكد على ضرورة التفريق بينها. فكان من أوائل الفقهاء الذين تنبهوا إلى أهمية التفرقة الفقهية، الفقيه السويسري "فاتيل Vattel" حيث قال:( وقد بات من المسلم به الآن أن الاحتلال الحربي لإقليم يتبع المحارب الآخر خلال الحرب يخلق مركزا قانونيا يختلف تمام الاختلاف عن: أ/ الغزو: وهو دخول القوات المحاربة في إقليم العدو، وهي من العمليات الحربية وقد تمتد إلى أن يتم أحكام السيطرة على الإقليم. ب/ الفتح: وهو نقل السيادة تماما من إقليم تابع لدولة إلى سيادة دولة أخرى)(1). حيث أكد الفقيه "هايد HYDE" هذه التفرقة، فقال:(إن المحتل يستطيع أن ينشأ حكومة وسلطة إدارة على الأرض التي يحتلها، أما الغازي فهو مجرد عابر للأرض)، كما عرف "هايد" الاحتلال الحربي بأنه:(تلك المرحلة من العمليات الحربية التي توجدها قوات غازية في جزء من أراضي العدو، عندما تستطيع التغلب على المقاومة غير الناجحة للعدو وتنشأ سلطة عسكرية خاصة بها في هذه الأراضي)(2)، فأخذ الدكتور العشماوي" نفس الوجهة قائلا، بأن الاحتلال الحربي هو:(مرحلة من مراحل الحرب، تلي الغزو مباشرة تتمكن فيه قوات الدولة المحاربة من دخول إقليم العدو ووضعها تحت السيطرة الفعلية بعد أن ترجح كفتها بشكل لا منازعة فيه، ويتوقف النزاع المسلح ويعود الهدوء تماما على الأرضي التي جرى عليها القتال)(1). حيث أكد الدكتور كامل مصطفى شحاتة على أن الاحتلال الحربي (هو طور من أطوار الحرب، يوجد عندما تتمكن قوات الغزو من اقتحام إقليم دولة معادية، وهزيمة قواتها إذا تصدت للغزو ثم الهيمنة على الإقليم أو على جزء منه وإقامة سلطة عسكرية للمحتل تحل محل سلطة الحكومة الشرعية)(2). أما البروفيسور ديب عكاوي فيؤكد ظهور – في نظرية القانون الدولي المعاصر – تعريف متعارف عليه للاحتلال الحربي(Occupation Bellica) بموجبه الاحتلال الحربي هو:(احتلال مؤقت من قبل القوات المسلحة لدولة معينة لأراضي دولة أخرى أو جزء منها وأقامت سلطة الإدارة العسكرية على الأراضي المحتلة) (3). وعلى الرغم من تعدد التعاريف الفقهية والاتفاقيات الدوليـةí التي عالجت موضوع الاحتلال، فإنه من المتفق عليه بصفة عامة، وجوب توافر عناصر معينة لأخذ صفة الاحتلال وهي: أولا: قيام حالة حرب أو نزاع مسلح بين قوات دولتين - أو أكثر- تتمكن فيها أحدها من غزو أراضي الدولة الأخرى، واحتلالها كلها أو بعضها، وبطبيعة الحال تختلف هذه الحالة عن حالة وجود المحميات والقواعد الأجنبية على إقليم دولة من الدول في وقت السلم، حيث يقوم وجودها في حدود واجباتها العسكرية دون التدخل في إدارة الإقليم أو أمور سأكنيه. ثانيا: قيام حالة احتلال فعلية مؤقتة تحتل فيها قوات مسلحة أجنبية، أراضي دولة أخرى وتضعها تحت سيطرتها، فالاحتلال الحربي ليس حالة قانونية وإنما هو أمر واقع نتج عن وجود القوات المسلحة في الأراضي المحتلة بعد هزيمتها للقوات المعادية(1)، ونتيجة لهذا الواقع الفعلي وليس القانوني، فإن الدولة التي احُتُلَّت أراضيها تبقى كما هي صاحبة الشخصية القانونية الدولية المستقلة التي لا يمسها وضع الاحتلال المؤقت، وتعود إليها أراضيها بعد انتهاء الاحتلال، وهذا هو المبدأ الذي استقر منذ الحروب النابوليونية، حيث عادت إلى هولندا وألمانيا وأسبانيا أراضيها بعد انتهاء هذه الحروب. ثالثا: وجوب أن يكون الاحتلال فعالاً ومؤثرا، فالاحتلال لا يبدأ إلا إذا كانت قوات الاحتلال قد استطاعت السيطرة على كل الأراضي التي غزتها، وأوقفت المقاومة المسلحة فيها، وتمكنت من حفظ النظام والأمن وأخضعتها للسلطة العسكرية التي تقوم بتأسيسها فور توقف القتال. وخلاصة هذه العناصر، هي أن فعلية الاحتلال الحربي وأثاره المباشرة في إخضاع إقليم المحتل للسيطرة المادية والعسكرية، هي العنصر المميز في تعريف الاحتلال الحربي، وعليه فإن تطبيق القواعد القانونية الخاصة به من حيث المكان والزمان، يكون فور إثبات هذا العنصر، فلا تسري أحكام قانون الاحتلال الحربي (أحكام القانون الدولي الإنساني المطبق على الأقاليم المحتلة)، إلا في الأراضي المحتلة التي تدعمت فيها السلطة الفعلية لقوات الاحتلال بعد غزوها(1)، وبمفهوم المخالفة فإن أي حالة تخرج عن نطاق الحالة أعلاه فلا يسري عليها قانون الاحتلال الحربي.
الفرع الثاني التطور التاريخي لقانون الاحتلال الحربي نتوقف هنا بإيجاز لبيان التطور الذي لحق بالقواعد الدولية العرفية والتعاقدية المكونة للتنظيم القانوني الدولي للاحتلال، أو ما يطلق عليه معظم الفقهاء " قانون الاحتلال الحربي " وعليه فإن هذا التطور التكاملي يمكن أن نلمسه من خلال مرحلتين أساسيتين وهما: أولا: مرحلة إخضاع " حالة الاحتلال " للتنظيم العرفي. هذه المرحلة تشمل العصور القديمة والوسطي، فالعصور القديمة كانت تصف حروبها غالبا بالقسوة والهمجية، ومن ثم لم يكن بمكان وجود قواعد تنظم تصرفات وسلوك المحاربين أثناء القتال وتبعا لذلك، فإنه كان أي خصم يتمكن من احتلال إقليم خصمه، يقوم بقتل أو استرقاق سكانه أو على الأقل إجبارهم على تقديم فروض الطاعة والولاء لهُ(1)، والأمثلة على وحشية تلك الحروب والاحتلال الناتج عنها، واضحة بما اعتمدت عليه الحضارات القديمة فمثلا حضارات الشرق الأوسط القديمةíحيث اعتبرت الحروب، كوسيلة شرعية لحل خلافاتها وكانت حروبها عنيفة وتميزت بطابع البطش، واعتبر تملك الأراضي المحتلة والأملاك الموجودة عليها أمرا شرعيا، وبالتالي فالمدنيون عرضة لأن يتحولوا إلى عبيد. يرى ج. بيكــي أن الحضارة المصرية القديمة قد عرفت نوعا من المبادئ الإنسانية، فأوجبت قوانينها على جيوشها- في حالة احتلالها لمدينة تابعة للدولة المعادية- حظرا قطعيا مفاده عدم إلحاق الأذى بسكان هذه المدينة، واعتبر قتل هؤلاء أمرا استثنائيا جدا (1)، وفي نفس السياق نجد مجمل الحضارات القديمةíكانت تعتبر الحرب وسيلة شرعية لحل النزاعات فيما بينها، وعليه كان يعتبر احتلال الإقليم استيلاءا عليه، ولكن هذا القول لا يعني بالضرورة استبعاد وجود بعض الأعراف والتقاليد ذات الطابع الإنساني، إلا أنها لم تكن ذات طابع قانوني دولي(2). ولقد ظل الأمر يسير على هذا المنوال في أنظمة حروب القرون الوسطى إلا أنها وبدون أدنى شك قد خفف من شدة بطشها تطورً كان مردة إلى عاملين أساسيين وهما: أ. الديانات السماوية:فالكنيسة دعت إلى احترام السكان المدنيين في الأقاليم المحتلة، وأعلنت عن حياد الفلاحين واعتبرت حب الإنسانية حب الإله. وأما الديانة الإسلامية فقد حثت على احترام ضحايا الحرب وعدم قتل الأسرى والسكان المدنيين، وطالبت بتوجيه العمليات القتالية ضد المقاتلين فقط. وكانت الحروب في عهد الفتوح الإسلامية تنطبق عليها كل المبادئ الإنسانية القائمة على أساس الرحمة والعدل والفضيلة والسلام(1) والمحافظة على حقوق "المستآمنين" في الأقاليم التي وصلت إليها الجيوش الإسلامية، والدليل قائم وهو بقاء تلك الأقليات غير الإسلامية التي عاشت في ظل المسلمين على دينها لأنه في الإسلام لا إكراه في دين، ولذلك كان لها تأثير بالغ الأهمية في هذا التطور، كما ساعد على ذلك التطور ظهور أراء فقهية ساهمت في أنسنة الحروب وآثارها. ب. الحركة الفقهية: أشهر الآراء الفقهية بهذا الصدد رأي الفقيه" فاتيل VOTTEL " الذي سطره من مؤلفه الشهير "قانون الشعوب DROIT DES GENS " فكان أول من نبه إلى ضرورة إيجاد قواعد قانونية دولية تنظم حالة الاحتلال الحربي، وذلك بقصد التخفيف من بطش المحتلين تجاه المدنيين. ويرى فاتيل ضرورة التمييز بين الفتح باعتباره استيلاء دائما للأراضي المحتلة والاحتلال باعتباره حالة مؤقتة لا تنقل السيادة للمحتل. وقد سانده في هذا الرأي كلا من هافتر HAFIAV وأوبنهايم OPPENHAIM. ومن هنا فقط، بزغ فجر التنظيم القانوني الدولي للاحتلال بتمييزه تماماً عن الغزو والفتح وأصبح هذا التمييز حقيقة مسلما بها في القانون الدولي(1)، وهذا ما سنقف عليه في المرحلة التالية. ثانيا: مرحلة إخضاع حالة الاحتلال للتنظيم الدولي القانوني. تبدأ هذه المرحلة بقفزة كبرى في مجال تقنيين قوانين الحرب وقانون الاحتلال الحربي بصفة خاصة، بانعقاد مؤتمر لاهاي الأول العام 1899 والثاني 1907، فكانت إحدى منطلقات هذين المؤتمرين وضع قواعد خاصة للاحتلال، وبالفعل تم إدراج هذه القواعد فيما عرف بالاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، واللائحة الملحقة بها والمبرمة بتاريخ 18 أكتوبر 1907 في لاهايí (2)، هذه الاتفاقية التي تعتبر من أهم المصادر التعاقدية للقانون الإنساني الدولي الموجهة لحماية السكان المدنيين، التي تقرر لهم حماية أثناء الحروب وتقرر أيضا نظاما قانونيا للاحتلال الحربي الذي تبًّث القواعد الأساسية المتعلقة بالتنظيم القانوني للعلاقة بين دولة الاحتلال وسكان الأرضي المحتلة، في الجزء الثالث من الائحة الملحقة باتفاقية لاهاي والذي أطلق عليه "السلطة العسكرية على أرض الدول المعادية"(1). وفي هذا الصدد يميل د.مصطفى كامل شحاتة إلى اعتبار لائحة لاهاي إعلانا لقواعد القانون الدولي العرفي، وأنها تبعا لذلك قد حازت القبول العام، حيث لها قوة القانون وتسري أحكامها على الأقاليم المحتلة فور قيام الاحتلال دون ما حاجة إلى أي إجراء آخر(2)، وعلى الرغم من أهمية اتفاقية لاهاي واللائحة الملحقة بها، فإنه ودون شك قد شابها الكثير من النقص والقصور، مردة إلى سببين الأول نقص في بناء التنظيم القانوني الدولي للاحتلال، حيث لم تتعرض هذه الاتفاقية ولائحة لاهاي للكثير من الموضوعات منها عدم تحريم أعمال الانتقام ضد المدنيين، وعدم توضيح الالتزامات القانونية على المحتل. أما السبب الثاني فهو عدم تلبية هذه اللائحة لمجريات التطور السياسي والاقتصادي والتكنولوجي في القرن العشرين، وهذا النقص أثبت عمليا خلال الحرب العالمية الأولى والثانية. ولسد هذا النقص جاءت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 - التي تعرف باتفاقية حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة - لتمثل بلا جدال تنقيحا دقيقا للقانون الوضعي للاحتلال، فقد أوردت مجموعة من الحقوق للمدنيين في الأقاليم المحتلة بالموازاة مع فرض التزامات محددة وجديدة على المحتل منها على سبيل المثال منع أخذ الرهائن ومنع العقوبات الجماعيةí...الخ، بالإضافة إلى أنها تضمنت مجموعة من الآليات لتنفيذها منها إعطاء دور بارز للجنة الدولية للصليب الأحمر في حماية المدنيين، فضلا عن ذلك اشتملت على أحكام خاصة للتنظيم دور الدولة الحاميةíí (1). وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لاتفاقية جنيف الرابعة 1949 بخصوص وجود بعض الثغرات فيها، وصدور البروتوكول الإضافي الأول لجنيف عام 1977 والذي يضم 102 مادة(2)، فإن هذا البروتوكول ومع احتوائه على مجموعة جديدة من الحقوق للمدنيين، وخصوصا لبعض الفئات الخاصة، واشتماله على المزيد من آليات التنفيذ، وخصوصا في ابتكارها للجنة الدولية لتقصي الحقائق فإن هذا البروتوكول هو عبارة عن أحكام مكملة لاتفاقيات جنيف. وخلاصة القول، أن اتفاقية جنيف الرابعة بالإضافة إلى اتفاقية لاهاي، واللائحة الملحقة بها لعام 1907 يعتبرآن العامود الفقري للنظرية العامة لقانون الاحتلال الحربي، كما يمكن اعتبار اتفاقية جنيف الرابعة أهم رافد من روافد القانون الدولي الإنساني. الفرع الثالث مبادئ وأهداف قانون الاحتلال الحربي يرتكز قانون الاحتلال الحربي على مجموعة من المبادئ الأساسية المنبثقة من القواعد والأحكام العرفية والاتفاقية(1)، التي تهدف لتحقيق الغاية الإنسانية منه، وتشكل مبادئ القانون الدولي الإنساني وأهدافه بصفة عامة أحد الروافد الأساسية لمبادئ وأهداف هذا القانون، وعليه لابد من تبيان مبادئ وأهداف القانون الدولي الإنساني بصفة عامة أولا، ثم مبادئ التنظيم الدولي القانوني للاحتلال ثانيا وثالثا أهدافه كما يلي: أولا: مبادئ وأهداف القانون الدولي الإنساني. فالسؤال ما أهم المبادئ التي ينص علية القانون الدولي الإنساني؟ يمكن إدراج الإجابة في البنود التالية: 1. مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين:(سيكون محل الشرح في مراحل لاحقة من البحث). 2. مبدأ التناسب: ومفاده عدم تجاوز الأعمال القتالية للمتطلبات الكفيلة لتحقيق الهدف العسكري المنشود وهو تدمير أو إضعاف القوة العسكرية للعدو. 3. مبدأ احترام الذات البشرية: وذلك بتوفير الحماية لكل المشاركين في العمليات العدائية. 4. مبدأ معاملة الأفراد دون أي تميز: على أساس العنصر أو الجنس أو الجنسية أو اللغة. 5. مبدأ حظر أعمال الانتقام والعقوبات الجماعية وأخذ الرهائن(1). 6. مبدأ تقيد نوعية وسائل الهجوم: فيحظر بموجبه استخدام الأسلحة والأساليب الحربية التي من شأنها إلحاق خسائر وآلام زائدة لا فائدة منها(2). السؤال المطروح هنا ما الأهداف الأساسية التي يرمي تحقيقها القانون الدولي الإنساني؟ 1. ان الهدف الرئيسي للقانون الدولي الإنساني هو التخفيف من ويلات ومصائب الحرب من خلال التوافق بين الضرورة الحربية من جهة والاعتبارات الإنسانية من جهة أخرى. 2. جوهر المقتضيات الإنسانية في زمن النزاع المسلح،فان مجمل أهداف هذه القانون تدور في فلك هذين الهدفين(1). هنا لنا أن نتساءل: إلى أي حد وفقت اتفاقيات جنيف الأربعة في وضع هذه المبادئ بصلب قواعدها الاتفاقية أولا وفي وضعها موضع التنفيذ ثانيا؟ فالإجابة على الشق الأول من السؤال لا تحتمل النفي، لأن هذه المبادئ والأهداف هي عبارة عن تفاعل كل مصادر القانون الدولي الإنساني، ومنها اتفاقيات جنيف. أما الإجابة على الشق الثاني – وهي الأهم – لأن هذه المبادئ الإنسانية قابلة للتطبيق في الحروب المعقدة التي يعرفها العالم اليوم إذا ما رافق النص عليها نظام قانوني متميز لمعاقبة الخارجين عنها. وبقي أن نذكر أن هذه المبادئ الإنسانية كانت رد فعل لأوضاع إنسانية غير مقبول(2) فإنها بالفعل تولدت من دجور الأزمات. ثانيا: مبادئ قانون الاحتلال الحربي. إن قانون الاحتلال وبوصفه جزء من القانون الدولي الإنساني فإنه يقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية التي يشترك فيها مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المبادئ الخاصة به، والتي ستكون محل الدراسة هنا: ولقد أجمل الأستاذ " دريير " مجموعة من المبادئ للاحتلال الحربي من خلال استقراء أحكام الاتفاقيات الدولية، وورد التأكيد عليها أيضا في كثير من الدراسات القانونية منها: 1. مبدأ الطبيعة المؤقتة والمحدودة للاحتلال(1): ويؤكد هذا المبدأ باعتبار أن الاحتلال وضع واقعي لا يعطي المحتل حق الملكية في الأراضي المحتلة(2)، ويترتب على هذا المبدأ عدم جواز ضم الإقليم المحتل إلى دولة الاحتلال، وذلك من خلال ما جرى عليه العمل الدولي بعدم شرعية الضم بالإرادة المنفردة نتيجة للغزو والاحتلال، وأكدت على المبدأ المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ حيث قررت عدم شرعية الضم، وكما أكدت على هذا المبدأ محكمة العدل الدولية في رأيها الإستشاري الأخير (25) الصادر في 09 جويلية 2004 والقاضي بعدم شرعية جدار العزل الإسرائيلي المقام على الأراضي الفلسطينية المحتلة وذلك باعتباره صورة من صور الضم، وأكدت هذا المبدأ كل الأحكام الأساسية للاتفاقيات الدوليةí فالاحتلال هو احتلال سواء استمر سنة أو أكثر من خمس سنوات فهو يتصف بطابع مؤقت مهما طال أمده(1). 2. مبدأ واجب المحتل بحفظ الأمن والنظام العام في الأقاليم المحتلة، ويترتب عليه أمران هما: أن مهمة الاحتلال الأساسية هي تثبيت النظام في الأقاليم المحتلة، وثانيهما وضع أسس لتنظيم العلاقة بين المحتل الحربي وبين السكان ودولة السيادة(2). 3. مبدأ سلطة دولة الاحتلال سلطة فعلية، وليس قانونية، حيث أن السيادة لا تنتقل إلى دولة الاحتلال. 4. مبدأ احترام دولة الاحتلال للقوانين المعمول بها في الأراضي المحتلة قبل الاحتلال، ويترتب على هذا المبدأ التزام دولة الاحتلال بإجراء أقل تغير ممكن في الإدارة الحالية والأنظمة الاقتصادية والقانونية، والحياة العامة للمجتمع المحتل، وأن الحد الأدنى لهذا التغير يجب أن يتحدد بالقيود والتغيرات التي يتطلبها أمن قوات جيش الاحتلال وإدارته المدنية. 5. مبدأ حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة، حيث تقرر قواعد لائحة لاهاي هذا المبدأ وكذلك اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الملحق بها، حيث طرحت ديباجة هذا الأخير مجموعة من المبادئ الإنسانية غاية في الأهمية، منها تقيد جميع الأطراف السامية المتعاقدة بالتزامات ميثاق الأمم المتحدة(1). وخلاصة القول أن هذه المبادئ المبينة أعلاه تعتبر من أهم المبادئ التي يرتكز عليها التنظيم الدولي القانوني للاحتلال الحربي قصد تحقيق أهداف الإنسانية. ثالثا: أهداف قانون الاحتلال الحربي. في هذا الشأن يرى البروفيسور ديب عكاوي:(بأن باب الاحتلال الحربي يلتقي من حيث الهدف الرئيسي مع الهدف الرئيسي للقانون الدولي الإنساني، وهو تخفيف ويلات الحروب، غير أن باب الاحتلال الحربي يفسر هذا الهدف العام لحماية المدنيين، من خلال الاعتماد على الظروف الخاصة المحددة التي يمكن أن تنشأ بسبب احتلال أراضي لدولة معينة من قبل القوات المسلحة للدولة أخرى – أو ما يأخذ وصفها -)(2)، أن الغاية من تنظيم قوانين الاحتلال الحربي هو التخفيف من معاناة الأهالي المدنيين عند قيام حالة الاحتلال، وهذا ما يستدعي دائما تطويرها وتعديلها بصورة شبه مستمرة(3). فثبتت أهداف باب الاحتلال الحربيí في كل الوثائق الدولية إما صراحة أو ضمنا، فمن الملاحظ أن ملحق لاهاي لا يقرر صراحة أحكام تتعلق بأهداف هذا القانون، غير أن مضمون المواد 43 إلى 48 تبين أن الهدف الذي ترمي إليه هذه القواعد هو تقييد ظلم وإرهاب وبطش دولة الاحتلال في معاملتها مع سكان الأراضي المحتلة(1). وفي السياق نفسه تقرر معظم المؤلفات القانونية، أن باب الاحتلال الحربي يعتبر جزء من القانون الدولي الإنساني وله نفس أهدافه. غير أنه مع ذلك، فهو يعكس في نفس الوقت المميزات الخاصة التي تتكون على الأراضي المحتلة. ولهذا يرى العالم البريطاني المختص في قضايا الاحتلال الحربي د.روبرني أن باب الاحتلال الحربي يرمي لتحقيق الأهداف الأساسية التالية: 1. ضمان المعاملة الحسنة لكافة أولئك الذين يقعون تحت سلطة الطرف المعادي. 2. تهيئة الظروف والإمكانيات لإنهاء الاحتلال الحربي من خلال أي وسيلة لإنهاء النزاعات المسلحة، ويفضل أن تكون عن طريق عقد اتفاق سلام عادل وشامل ودائم. 3. الجمع بين المصالح الإنسانية والمتطلبات الحربية للمحتل. 4. الهدف النهائي للقانون الحربي هو إزالة هذه الاحتلال وعودة الأراضي المحتلة لأصحابها الشرعيين، وهذا الأمر ما يظهر بوضوح في المواد من 53 إلى 56 من لائحة لاهاي لعام 1907 (1). وعند هذا الحد نكتفي، لأن مجمل هذه المبادئ والأهداف، ستكون بصورة أكثر تفصيلا مطروحة في مراحل متعددة من هذه الدراسة. وعلى أساس هذه المبادئ والأهداف، تم منح المحتل بعض الاختصاصات يمارسها في الأقاليم المحتلة، كونه هو صاحب السلطة فيها، فما هو أساس هذه السلطة وما أثارها؟ هذا ما سنتوقف عنده في المطلب الثاني من هذا المبحث. المطلب الثاني سلطة المحتل في الأقاليم المحتلة واختصاصاته ترتبط سلطة الاحتلال ارتباطا وثيقا بطبيعة وجود هذا الاحتلال في الأراضي التي تم احتلالها وإن الإطار الذي يحدد أساس هذه السلطة وطبيعتها، والآثار الناجمة عنها محكوم بعنصرين أساسيين هما مصلحة المحتل الحربي، وإعادة النظام العام على الأراضي المحتلة، وعلى هذا الأساس نقسم هذا المطلب إلى فرعيين كما يلي:
الفرع الأول أساس سلطة المحتل وتكييف أثارها القانونية سنتكلم عن هذه المسألة في ضوء أراء فقهاء القانون الدولي، وما جرى عليه العمل الدولي بالوقوف أولا على أساس هذه السلطة وثانيا تكييف أثارها القانونية. أولا: أساس سلطة المحتل في الأقاليم المحتلة. ذكرنا سابقا "أن القانون الدولي الحديث لا يعترف للغزو والاحتلال إلا بمجرد حالة فعليةpanfarit مؤقتة لا أثر لها على حقوق السيادة، التي تحتفظ بها للدولة الأصل صاحبة الإقليم(1)، ورغم هذا فإنه لبيان أساس سلطة المحتل تنازعت نظريتان فقهيتان، هما: أ. النظرية الأنجلو- أمريكية: يأكد أصحاب هذه النظرية أن سلطة المحتل الحربي بالنسبة للإقليم وسكانه هي سلطة فعلية مؤقتة وليست قانونية، هذه السلطة الفعلية تخول للمحتل بعض الاختصاصات، لهذا لقد أجازت الاتفاقيات الدولية لدولة الاحتلال ممارسة بعض الاختصاصات يتولد من سلطتها الفعلية المؤقتة، في إطار المحافظة على الأمن والنظام العام،شريطة المحافظة على القوانين السائدة قبل الاحتلال(1)، وترتكز هذه السلطة الفعلية على قوة المحتل العسكرية والمادية وتزول بزوالها. ب. النظرية الألمانية: وهي على عكس الأولى، حيث تقرر أن سلطة المحتل الحربي هي سلطة قانونية ويستند القائلون بهذه النظرية إلى أنه على الرغم من احتفاظ الحكومة الشرعية بالسيادة على الإقليم فإن الذي يمارس جميع الحقوق المنبعثة من هذه السيادة هو المحتل نفسه(2). وفي هذا السياق يؤكد العميد الركن المتقاعد "فايز جابر" أن أحكام القانون الدولي العام اعترفت بالاحتلال كواقعة قانونية مؤقتة في نطاق قواعدها العامة الأساسية، إلا أنها في الوقت نفسه رتبت على الاحتلال خلال المدة المؤقتة واجبات محددة اتجاه المدنين(3)، ولكن معظم الفقهاء والباحثين قد انتقدوا النظرية الألمانية، وأخذوا بما جاءت به النظرية الأنجلو- أمريكية، وذلك على أساس أن المادة 42 من لائحة لاهاي، وصفت الاحتلال بصفة أساسية على أنه" مؤقت ومحدد الأجل"، وينتهي بانتهاء الحرب أو بتسوية النزاع(4)، وأن الاحتلال لا يعني القضاء على سيادة الدولة المهزومة فوق الأراضي المحتلة، وإنما هو استيلاء واشتغال مؤقت لسلطة الدولة العسكرية المحتلة على هذه الأراضي(1). لقد أخذت محكمة النقض الهولندية بوجهة نظر النظرية الأنجلو-أمريكية، حيث قررت أن اتفاقية لاهاي واللائحة الملحقة بها لا تخول للمحتل أي حقوق قِبل الأهالي في الأقاليم المحتلة، ولكن فقط تنظيم السلطة الفعلية في نطاق وحدود معينة للمحتـل(2)، وهذا ما جاءت به اتفاقية جنيف الرابعة، فقد حددت بالتفصيل حقوق المدنيين التي لا يمكن النيل منها وواجبات دولة الاحتلال وذلك بمقتضى المواد 47 إلى78 منها، وأنه من المبادئ المستقرة في القانون الدولي الإنساني أن الاحتلال حالة فعلية مؤقتة وليست قانونية وأنه لا يغير الوضع القانوني للأراضي المحتلة(3)، وأكد ذلك البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة، حين وسع من نطاق تطبيق اتفاقيات جنيف الرابعـة لعام 1949، لتشمل النضال ضد سيطـرة الاستعمـار والاحتلال الأجنبـي بالمعنى الوارد في ميثاق الأمم المتحدة(4).
ثانيا: تكييف الآثار القانونية لسلطة المحتل. في الوقت الذي أكدت فيه الدول الأمريكية عبر تصريح ليمة سنة 1928، أن الاحتلال لا يوجد أثار قانونية(1)، إلا أن معظم المؤلفات القانونية تقر أن سلطة الاحتلال التي ينظمها قانون الاحتلال الحربي تولد آثارا قانونية باعتبارها سلطة فعلية، يهدف قانون الاحتلال عند تنظيمها الحد من سلطات المحتل على الإقليم، بوضع قيود على هذه السلطة، وعليه يجب التوقف هنا عند أمرين هما: الأمر الأول تحديد هذه الآثار القانونية المترتبة على سلطة الاحتلال وهذا ما سنتحدث عنه في الفرع الثاني من هذا المطلب. أما الأمر الثاني وهو التكييف الفقهي لهذه الآثار وبمعنى أخر بيان طبيعتها القانونية وهذا ما سنقوم به عبر السطور القادمةí. وفي هذا الصدد كتب مونتسكيو في عصره، قائلا " أن حق الغزو لا يشكل قانونا فإن سلطة الاحتلال الناجمة عنه وأن كان لها الفعل فليس لها الحق"(2)، فلقد حاول الفقه الدولي تكييف تلك الآثار القانونية الناجمة عن واقعة الاحتلال فانقسموا إلى أكثر من رأي نذكر منهم باختصار ما يلي: - يرى الأستاذ لبرادل بولتس Lapradelle Politis والأستاذ ماريمنيل Marimenel باعتبار المحتل وهو يمارس بعض الاختصاصات في الإقليم نائبا يتولى عن الحكومة الشرعية ممارسة السلطة، ويؤكد هذا العميد الركن فايز جابر بأن" لدولة الاحتلال ممارسة السلطة السياسية نيابة عن دولة السيادة أثناء فترة الاحتلال وفقا للمبادئ الدولية المحددة، ولكنه يبقي حق السيادة الأصلي للمناطق المحتلة حق قانوني ودولي لدولة السيادة "(1)، ويؤخذ على هذا القول أن أعمال"فكرة النيابة " لا تكون إلا في الأعمال القانونية وليست المادية، فضلا عن أن تصرفات المحتل لا تنصرف على دولة السيادة. - بينما يرى كلٌ من الأستاذ بلادور Belladore والأستاذ فيديفاتو Vedevato بأن القانون الدولي يرتب نوعا من التعايش بين نظامين قانونيين في الإقليم المحتل (أي بين دولة السيادة ودولة الاحتلال) عندما يـوزع الاختصاصات بينهما ويؤخذ على هذا القول أيضا أن قيـام هذا التعـايش متعـذرٌ لأن الاحتلال هو الذي يحوز السلطة الفعلية على الإقليم(2). - فهناك فريق ثالث يرى أن المحتل ليس شيئا أخر سوى حاكم فعلي للإقليم الخاضع للاحتلال خوله القانون الدولي بعض الاختصاصات، ومن القائلين بهذا القول الأستاذ رولاندو De naples Rolande، ومع صحة هذه الفكرة فإن الأستاذ لويس دلبيlouis Delpi يقرر بأنها غير صالحة لتكييف طبيعة الالتزامات القانونية التي يلقيها القانون الدولي على عاتق المحتل، ويفضل الالتجاء إلى فكرة السيادة في تكييف الآثار القانونية للاحتلال، حيث يشبه السيادة بالحق العيني القابـل للتقسيم، فإن دولة السيادة لها حق ناقص فهي تملك الحق ولكنها لا تملك أن تمارس الاختصاصات المنبثقة عنه بينما المحتل لا يملك أصل الحق ولكنه يمارس اختصاصاته(1)، والواقع أن دولة الاحتلال وتصرفاتها لا تنشئ التزامات قانونية على عاتق أهالي الإقليم المحتل، وأن قانون الاحتلال الحربي–كما ذكرنا سابق– لا يهدف إطلاقا إلى إنشاء حقوق للمحتل بل يهدف لتقيد السلطة الفعلية كما يرى الأستاذين باكستر Baxter وأوبنهايم Oppenheim ودي فشرFicher De(2). وعليه فإن دولة الاحتلال لا تستطيع ممارسة كل الاختصاصات دولة السيادة، وإنما ليس لها إلا أن تراعي حدود الصلاحيات التي خولها القانون الدولي كصاحبة مركز فعلي(3)، يترتب عليه منح المحتل إدارة الأقاليم المحتلة بشروط قانونية، مع التزام سلطة الاحتلال الحربي باحترام القوانين والنظم القضائية في الأراضي المحتلة العاملة، قبل حدوث واقعة الاحتلال(1)، وهذا سيكون صلب الفرع الثاني من هذا المبحث. الفرع الثاني اختصاص المحتل الإداري والتشريعي والقضائي في البداية إذا كانت معظم المؤلفات القانونية تقِّرُ بأن هذه الاختصاصات من حيث طبيعتها القانونية عبارة عن قيود، ترِدُّ على السلطة الفعلية المؤقتة للمحتل تجاه الإقليم المحتل وسكانه، فإن هذا القول لا يمنع جزء من هذه المؤلفات باعتبار هذه الاختصاصات عبارة عن التزامات قانونية تقع على عاتق المحتل، إذ نشاطر هنا الرأي الأول، لهذا سوف ندرسه باعتباره قيودا تقيد من سلطة المحتل الفعلية على الإقليم المحتل، هذه القيود التي تقررت في جل القواعد العرفية والاتفاقية الدولية ذات الشأن، ومن هذا المنطلق سوف نتوقف باختصار أمام اختصاصات المحتل الإدارية والتشريعية والقضائية المقيدة كما يلي: أولا: اختصاص المحتل بإدارة الأقاليم والقيود الواردة عليه إن القواعد التعاقدية للاحتلال سعت لإيجاد سلطة بديلة عن سلطة دولة السيادة، لحفظ الأمن والنظام العام بدلا من حالة الفوضى التي تسود الإقليم المحتل عند انهيار دولة السيادة، وذلك بغض النظر عن مشروعية الاحتلال الذي وقع(1)، وقد تحدث القسم الثالث من اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة سنة 1907 في المواد من 42 إلى 56، عن صلاحيات السلطة العسكرية وحدود إدارتها للإقليم المحتل باعتبار أن المحتل صاحب السلطة وليس صاحب السيادة(2)، فقد أعطت المادة 43 من لائحة اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 حق إدارة الإقليم ضمن قيود أوردتها المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 للمحتل فكان المبدأ العام الذي يحدد نطاق إدارة الإقليم المحتل، هو أن المحتل محظور عليه ممارسة الوظائف المتعلقة بالسيادة التي هي من اختصاص الحكومة الشرعية وحدها. أما الوظائف التي يقوم بها المحتل من خلال إدارة الإقليم يمكن أن يطلق عليها وظائف تنظيمية، وأن سلطة المحتل عند ممارسة هذه الوظائف ليست مطلقة(3)، إذ ترد عليها قيود تتعلق بصفة أساسية بوجوب احترام القوانين السارية في الإقليم وتتعلق بحماية الأهالي من تعسف الاحتلال، ويستفاد هذا من نص المادة 43 من لائحة اتفاقية لاهاي الرابعة(4)، ولإبراز وبصورة أدق هذا الاختصاص لابد أن نتوقف عند نقطتين غاية في الأهمية وهما: أ- وضع الموظفين في الإقليم المحتل: لم تعالج لائحة اتفاقية لاهاي موضوع الموظفين في الأقاليم المحتلة، ومن ثم ظلت أحوال هؤلاء تخضع لأحكام القانون الدولي العرفي، تلك القواعد التي تترك حرية التصرف لكل من سلطات الاحتلال والموظفين أنفسهم فيما يتعلق بالاستمرار في ممارسة الأعمال الوظيفية مع الأخذ بعين الاعتبار القيد الذي يقضي بامتناع سلطات الاحتلال من إجبار هؤلاء الموظفين على القيام بمهام أعمالهم إذا امتنعوا عن ذلك بإرادتهم المنفردة، لهذا تجيز المادة 43 من لائحة اتفاقية لاهاي الرابعة للمحتل أن يعين موظفين مؤقتين ليحلوا محل الموظفين الذين انسحبوا، أما اتفاقية جنيف الرابعة 1949، فقد أعطت هؤلاء نوعا من الحماية بمقتضى المادة 54 منها حيث قررت أنه" لا يجوز للمحتل أن يغير حالة الموظفين العموميين أو أن يوقع عليهم عقوبات إذا انسحبوا من وظائفهم"، ولكن المادة54 سمحت للمحتل بنقل الموظفين العموميين من مراكزهم مما يقلل من هذه الحماية. ب- نفقات إدارة الإقليم المحتل: أجازت المادة 49 من لائحة اتفاقية لاهاي الرابعة لسلطة المحتل جباية الأموال اللازمة لتغطية نفقات إدارة الإقليم المحتل وجيش الاحتلال، وتشير قوانين الحرب الأمريكية في الفقرة (364) إلى أن اقتصاد الأراضي المحتلة ينبغي أن يتحمل نفقات إدارة الاحتلال، ولكن ضمن الحدود التي يستطيع اقتصاد البلاد المحتلة أن يتحمله بشكل معقول(1)، لهذا أصدرت محكمة نورمبرغ العسكرية أثناء محاكمتها لكبار مجرمي الحرب الألمان في 30/09/1946 قراراً اعتبرت فيه أن الاحتلال الألماني استغل لصالح المجهود الحربي الألماني اقتصاد البلاد المحتلة بصورة لا يحتملها(2). ولهذا فإن المادة 48 من لائحة اتفاقية لاهاي، تجعل استخدام الدخل الذي تحصل عليه سلطة الاحتلال من الأراضي المحتلة في أمور تتجاوز نفقات إدارة الإقليم الذي كانت السلطة الشرعية السابقة تنفقه يعد أمرا مخالفا للقانون الدولي، وعلى السلطة المحتلة أن تلتزم باستخدام هذا الدخل لإدارة الإقليم المحتل(3). ثانيا: اختصاص المحتل التشريعي والقيود الواردة عليه: القاعدة أن عمل التشريع وتعديله وإلغاءه وإيقافه هو من أعمال السيادة تختص به دولة صاحبة الإقليم(4)، وبناء على ذلك ليس لسلطات الاحتلال أن تمارس تصرفا لا تملك ممارسته إلا السلطة الشرعية صاحبة السيادة القانونية على الإقليم المحتل، حيث إن سلطات الاحتلال لا تملك سوى سلطة مؤقتة فعلية لا تجيز لها مباشرة أي عمل من أعمال السيادة، ولا يجوز للمحتل أن يباشر أي اختصـاص تشريعي وهذا ما أكدته قواعد لائحـة اتفاقيـة لاهـاي الرابعـة وعلى الأخص المادة 43 منها التي حملت هذه القاعدة، ولكنها أوردت عليها استثناء مفاده أنه يحق لسلطات الاحتلال الخروج عن هذه القاعدة الملزمة في حالة تعذر ذلك، ويكون سبب التعذر كما أكدته أعمال مؤتمر لاهاي الأول لعام 1899 ضرورة حربية حقيقية(1) التي يعرفها الدكتور وليم دواني بأنها » حاجة ماسة ملحة لا يحتمل التأخير تستلزم القيام بالأعمال النظامية العنيفة لإجبار العدو على الاستسلام السريع بشرط أن ألا تكون أعمال العنف هذه منافية لقوانين وأعراف الحرب»(2)، وبهذا الصدد لقد فسر فقهاء القانون الدولي هذه الضرورة الحربية بأنها »الظروف التي تضطر فيها سلطات الاحتلال إلى تعطيل القوانين أو إلغائها أو سن قوانين ولوائح جديدة من أجل تنفيذ واجباتها المكلفة بها، وهي حماية أمنها وكذا المحافظة على النظام العام والحياة العامة في الإقليم المحتل وهذا إذا دعت الضرورة الحربية إلى ذلك»(3). وفي كل الحالات لا يجوز لسلطات الاحتلال المساس بالقوانين المدنية والجنائية والتجارية، ولا المساس أيضا بقواعد الضرائب التي كانت تعمل بها الدولة الأصلية(1)، وهذا أمر أكد في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، بأن التشريع حق من حقوق السيادة لا تمارسه حكومة الاحتلال، وذلك بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 64 منها، إلا في حالة الضرورة الحربية. وأكدت السوابق القضائية الدولية هذه القواعد حيث رفضت محكمة الاستئناف الفرنسية الاعتراف بشرعية القرارات التي أصدرتها المحاكم الفرنسية في منطقة الراين، والتي طبقت فيها القانون الألماني في وقت احتلها، ولهذا يرى الدكتور عز الدين فودة أن المركز القانوني للأوامر والقرارات التي تصدرها سلطة الاحتلال - حتى في صفة القوانين لا تتجرد فيها عن الصلاحيات المنوطة بها - هي مجرد أوامر سلطة لا تأخذ صفة القوانين التي يظل حق إصدارها من اختصاص دولة السيادة القانونية على الإقليم حيث أن السلطة المحتلة تدير ولا تحكم (2)، بينما يرى الدكتور مصطفى شحاته أن هذه الأوامر عبارة عن " شبه تشريع " القصد منها مواجهة أوضاع استثنائية المترتبة على الهيمنة الفعلية للمحتل على الإقليم. والجدير بالذكر هنا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أثناء احتلالها المستمر للأراضي الفلسطينية والعربية أصدرت قوانين جديدة، وعدلت قوانين قائمة، ومن أبرز هذه القوانين التي أصدرتها قانون لتنظيمات القانونية والإدارية لسنة 1968، وقانون بإعادة العمـل بنظـام الطـوارئ وذلك بتـاريخ 07/06/1967(1). ثالثا: اختصاص المحتل القضائي والقيود الواردة عليه: المبدأ الأساسي الذي استقرت عليه أحكام القانون الدولي وانتهى إليه الفقه والعمل الدوليان وكرسته الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، منذ أوائل القرن العشرين هو استمرار الاختصاص القضائي لدولة السيادة في الإقليم المحتل، وعليه استمرار المحاكم الأصلية في الأراضي المحتلة لأداء وظيفتها العادية وأنه لا يجوز أن تتدخل سلطات الاحتلال في مرفق القضاء، وتعطل أحكامه أو تلغيه وأن القضاة لهم الحرية الكاملة في إصدار أحكامهم، والبت في القضايا المعروضة عليهم باستقلال تام(2)، وهذا ما أكدته المادة 43 من لائحة اتفاقية لاهاي الرابعة، وكذلك المادة 54 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. ولهذا يرى الأستاذ أوبنهايم بأنه يمنع المحتل من إيقاف أو تعطيل حق سكان الإقليم المحتل من اللجوء إلى المحاكم العادية، لأنه ليس من صالح المحتل عرقلة السير الطبيعي لمرفق القضاء في الإقليم المحتل، لتحاشى ما ينجم عن ذلك من مشاكل يعاني منها المحتل بصفته الحائز على الإدارة الفعلية في الإقليم، ومع هذا يجوز للمحتل أن يوقف المحاكم العادية أو أن يستبدلها في حالة امتناع القضاة من تلقاء أنفسهم عن القيام بمهام أعمالهم، أو إذا كان مرفق القضاء قد انهار من جراء عمليات القتال أو الاحتلال(1). ونتيجة للكوارث من جراء الحرب العالمية الثانية، وما تعرضت إليه الأنظمة القضائية في الأراضي المحتلة آنذاك، جاءت المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، لتقرر أنه لضرورة ضمان سير الإدارة القضائية الفعالة، فإن محاكم الأراضي المحتلة تواصل أداء واجباتها فيما يخص النظر في جميع المخالفات المنصوص عليها بقوانين العقوبات الخاصة بالأراضي المحتلة(2)، وأعطت المادة 60 من اتفاقية جنيف الرابعة سلطات الاحتلال الحق في إنشاء محاكم عسكرية يخضع لها سكان الإقليم المحتلة وتختص هذه المحاكم بالنظر في نوعين من الجرائم وهما: أ- الجرائم الموجهة ضد جيش الاحتلال، والتي يحددها القانون العسكري لجيش الاحتلال. ب- الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في قانون العقوبات، التي تعلنها سلطة الاحتلال بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 64. إلا أن المادة 66 اشترطت شروطا معينة يلزم توافرها في المحاكم التي تنشئها سلطات الاحتلال وهذه الشروط هي: 1. أن تكون هذه المحاكم محاكم عسكرية. 2. أن تكون هذه المحاكم العسكرية محاكم غير سياسية. 3. يجب أن تشكل هذه المحاكم بطريقة نظامية. 4. أن تعقد هذه المحاكم جلساتها في الإقليم المحتل(1). وهذا الشرط الأخير وجوبي في محاكم الدرجة الأولى، أما بالنسبة لمحاكم الاستئناف فإنها وبمقتضى المادة 66 من أفضل أن تكون في البلد المحتل، ولقد خالفت إسرائيل قواعد اتفاقية جنيف الرابعة بهذا الصدد عندما أصدرت منشورا في أواخر سنة 1969، جعل لمحكمة الصلح (المحكمة الجزائية) في "طبريا" ومحكمة "الناصرة" المركزية، الصلاحية للنظر في القضايا الناشئة في منطقة الجولان السورية المحتلة وفقا للقانون الإسرائيلي. فلم تعد سلطة الاحتلال تشكيل المحاكم في هذه المنطقة، مع العلم أنه كان في مدينة "القنيطرة" في الجولان محكمة ابتدائية ومحاكم صلح (جزائية)(2).
#سامر_أحمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوجه الالتقاء والاختلاف بين القانون الدولي الإنساني وحقوق ال
...
-
مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المحلية في مخيمات لبنان
-
تعريف الإضراب في القطاع العام والخاص وأشكالة
-
التطور التاريخي للإضراب في فلسطين
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|