عن ( بيت الطاعة الزوجية / قارون والنصيحة )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 22:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

السؤال الأول :
من سوء حظ أختى إن زوجها يعانى من الوسواس القهرى والشيزوفرنية وأمراض نفسية غير معروفة . مرة يضربها بوحشية ويطردها حتى في منتصف الليل فتأتى لى ، وفى الصباح يأتي عندنا يبكى ويتوسل ويركع يبوس رجليها لتعود . وبعد كام يوم ينزل فيها ضرب ، ثم يصالحها ويعزمها على العشا . ومرة يخاصمها ثم يشترى لها طلبات غالية . في النهاية زهقنا منه ، وتركت له البيت وصممت على الطلاق . فوجئت به بيطلبها للطاعة وبعت لها إنذار . سألت واحد محامى عن بيت الطاعة فقال : ( يحق للزوج إرسال إنذار طاعة للزوجة إذا غادرت الزوجة مسكن الزوجية وامتنعت عن طاعة زوجها، فإنه يقوم بإنذارها على يد محضر، ويدعوها للعودة إلى طاعته ومسكن الزوجية ويكلفها الزوج بالعودة خلال 30 يوما. أي انه من الأساليب القانونية التي يقوم بها الزوج، لطلب زوجته للعودة إلى منزله طبقا للقانون ، وللزوجة حق الاعتراض على إنذار الطاعة بدعوى يرفعها محامى الزوجة أمام محكمة الأسرة، وفى نفس الوقت يقدم طلب التسوية ويضمه بعد ذلك سبب ذلك لأن الاعتراض له 30 يوما ونخشى فوات الميعاد فتنشز الزوجة. ويشترط القانون أن يكون مسكن بيت الطاعة خاليا من أهل الزوج وسكن الغير وأن يكون جيرانه مسلمين، وذلك حتى لو حدث أى خلافات ما، يكون لهم حق الشهادة الشرعية للزوجين. أما إذا كانت الزوجة ارتضت عند الزواج الدخول في المسكن ولم يكن خاليا من سكنى الغير مثل أهل الزوج ، فليس لها الاعتراض لهذا السبب، إلا إذا أثبتت بشهادة الشهود أنها تضررت منهم بعد الزواج. والقانون يتفق مع الشريعة فالطاعة حق للزوج على زوجته . ) . انتهى كلام المحامى ، فقلت له عن سوء معاملة زوج اختى لها وأمراضه النفسية فقال إنه لا بد من إثبات هذا طبيا أو بمحضر في قسم البوليس . يعنى أن ترجع اليه فإذا أساء معاملتها قدمت فيه شكوى وأثبتت حالتها ، أو أثبتت مرضه النفسى . ) انتهى كلامه . فهل قانون بيت الطاعة يتفق مع الإسلام ؟ أنا أعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم وانه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، ولكن أريد أن أطمئن أكثر .
إجابة السؤال الأول :
1 ـ هذا زواج فاشل لا أمل في إصلاحه ، بل يتفاقم ضرره مهددا حياة الزوجة المسكينة التي لا ذنب لها . الذى وضع هذا القانون يستحق الصفع بالنعال قبل الأكل وبعده . هذا القانون ينبع من عقلية ذكورية بغيضة ، ويجعل الزوج يمتلك زوجته ويستعبدها . وهذا يناقض شرع الله جل وعلا ، وهو جل وعلا لا يريد ظلما للعباد .
2 ـ وأقول :
2 / 1 : الزوجة هي التي تملك البيت ـ بيت الزوجية ـ حتى لو كانت مطلقة وفى فترة العدة ، ولم يحصل بعد الفراق والانفصال التام . نفهم هذا من قول ربنا جل وعلا : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق ). إذا كان هذا شرع الله جل وعلا مع المطلقة في فترة عدتها فكيف نتخيل زوجة تكون أسيرة بيت يفرضه عليها زوجها ويستعبدها فيه ؟
2 / 2 : إن الزواج مؤسس على المودة والرحمة ، وإذا تجرّد أحد الزوجين من المودة والرحمة وتعذر إستمرار الحياة الزوجية فهناك وسائل للإصلاح بينهما ، وإن فشلت فمن حق الزوج أن يطلق زوجته ، ومن حق الزوجة أن تفتدى نفسها ( بالخُلع ) بأن تتنازل له عن بعض ما دفعه لها من صداق أو مؤخر . قال جل وعلا عن الطلاق ومستلزماته : ( وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 228 ) البقرة ) الآية التالية عن الافتداء أو ( الخُلع ) أو حق الزوجه في أن تفتدى نفسها من زواج لا ترضاه وزوج تبغضه . قال جل وعلا : ( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 229 ) البقرة ) . نلاحظ تكرار مصطلح ( حدود الله ) ثلاث مرات ، وهذا فقط في هذه الآية الكريمة . حدود الله تعنى شرع الله جل وعلا .
3 ـ ومنشور لنا عشرات المقالات عن التناقض في تشريعات المرأة بين الإسلام والدين السنى الذكورى . وبسبب ضيق الوقت وقلة الجهد فلم أستطع تجميعه في كتاب .
السؤال الثانى :
فوجئت بأحسن خبر في حياتى ، عمى اللى هاجر لأمريكا مات فجأة ووصى لى بثروته . المحامى تبعه بعت لى , وقام بتسهيل الإجراءات ، والمهم سافرت واستلمت ممتلكاته العينية وفى البنك ، أو يعنى بعد الضرائب والخصومات وحاجات أمريكية ما اعرفهاش . أنا كنت مذهول ، مش بس من الثروة اللى هبطت على من عمى اللى كنت ناسيه بل من حُسن المعاملة مع الناس الأمريكان الى قابلتهم . انا الان في بلدنا وبقيت ميلونير بعد ما كنت موظف مستور على قد الحال . انا خريج تجارة وعازب وفى مخى معركة اعمل ايه واتصرف إزاى . انا قارىء لموقع اهل القرآن ، يعنى ساعات . وباحاول افهم القرآن ، بس على قدى طبعا . وفاهم ان ربنا سبحانه وتعالى بيختبرنى بالمال ده . وعايز انجح في الاختبار ده . وعشان كده بأسأل حضرتك ، أعمل إيه ؟
إجابة السؤال الثانى :
أذكّرك بالنصيحة التي قيلت لقارون : ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص ). عصاها فخسر نفسه وامواله ، وهى عاقبة كل من يغترّ بالمال ويستخدم نعمة الله جل وعلا في حرب الله جل وعلا وعصيانه جل وعلا.
نتدبر الآيتين : قالوا له :
1 ـ ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) الفرح هنا يعنى الغرور والطغيان بسبب إحساس كاذب بأنه مستغن عن ربه . قال جل وعلا : ( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7)العلق )
2 ـ ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ) : اى ان تعطى من هذا حقوق المستحقين ترجو ثواب الآخرة ، فما عند الله جل وعلا للمتقين هو أعظم أجرا . وهنا يكون الفرح الحقيقى . قال جل وعلا :( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58) يونس )
3 ـ ( وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا ) ، أي تتمتع بالمال في دنياك بالحلال ، فليس الزهد من الإسلام .
4 ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ). تأكيد على الاحسان لأن رحمة الله جل وعلا قريبة من المحسنين ، قال جل وعلا : ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) الأعراف ).
5 ـ ( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ). مجرد إبتغاء الفساد في الأرض حرام ، أي مجرد النية حرام ، فكيف بالفعل ؟ إن للفساد عقوبة في الدنيا قبل الخلود في الجحيم . وفساد فرعون وقومه وقارون مثال ساطع .
أخيرا
لنتذكر قول ربنا جل وعلا قانونا عاما يسرى على البشر جميعا : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)الأنبياء ).
ودائما : صدق الله العظيم .!
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran