فلسفة المهرجان بين استعراض الابداعات الفنية وافاق انتظارات الجمهور، مقاربة ميديولوجية


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 12:05
المحور: الادب والفن     

" لا توجد مهرجانات جيدة دون جمهور مستمتع بعروض جيدة"
تهدف فلسفة المهرجان، أيًا كانت طبيعته، إلى جمع الناس حول موضوع أو نشاط أو فكرة، مما يخلق مساحة للتبادل والمشاركة والاكتشاف. ويمكن للمهرجانات أن يكون لها توجه ثقافي أو فني أو اجتماعي أو حتى سياسي، وتنعكس فلسفتها في القيم والأهداف التي تروج لها.
العناصر الرئيسية لفلسفة المهرجان:
جمع الناس وبناء الروابط:
غالبًا ما يُنظر إلى المهرجان على أنه مكان للقاء والتفاعل، حيث يجتمع الناس من خلفيات مختلفة لتبادل الخبرات والمشاعر والأفكار. ويهدف إلى بناء روابط اجتماعية وتعزيز التبادل بين المشاركين والفنانين والمتحدثين، وغيرهم.
تعزيز الثقافة والإبداع:
يمكن للمهرجانات عرض أشكال مختلفة من الفن والثقافة والمعرفة من خلال توفير منصة للتعبير للفنانين والسماح للجمهور بالوصول إليها. كما يمكنها تشجيع إنشاء ونشر أعمال جديدة، أو أشكال أداء، أو حفلات موسيقية.
تعزيز النقل والتشارك:
يمكن للمهرجانات أن تلعب دورًا هامًا في نقل المعرفة والمهارات والقيم، وخاصة بين الأجيال الشابة. يمكنهم تنظيم ورش عمل ومؤتمرات ومناقشات، وما إلى ذلك، للسماح للجمهور بتعميق فهمهم لموضوع معين.
مساحة للانفتاح والاستكشاف:
يمكن أن يكون المهرجان فرصة لاكتشاف آفاق جديدة، واحتضان أفكار جديدة، والخروج من منطقة الراحة، وتوسيع آفاق المرء. كما يمكن أن يشجع على الفضول والاستكشاف الفكري.
مساحة للمشاركة والتأمل:
تتميز بعض المهرجانات ببعد أكثر نشاطًا، حيث تتناول القضايا المجتمعية والتحديات البيئية والشؤون الجارية، وما إلى ذلك. ويمكنها أن توفر فرصة للتأمل الجماعي في هذه الأسئلة، وإثارة النقاش، وتشجيع العمل. باختصار، تنعكس فلسفة المهرجان في غايته وقيمه وأهدافه وتأثيره على المشاركين والمجتمع. يمكن أن يكون ثقافيًا أو فنيًا أو اجتماعيًا أو حتى سياسيًا، ويهدف عمومًا إلى خلق مساحة للتجمع والمشاركة والاستكشاف. أمثلة على فلسفات المهرجانات:
يُركز مهرجان "نجوم الفلاسفة الكلاسيكي" على اكتشاف المواهب الشابة، والتواصل بين الفنانين والجمهور، وإتاحة الموسيقى الكلاسيكية.
يُركز مهرجان "كيف يتسلل النور" على استكشاف العالم من خلال الفلسفة والموسيقى، داعيًا إلى التأمل في القضايا المعاصرة.
يهدف مهرجان "كوميدي" إلى رفع مستوى الوعي العام بتعليم الفنون وتكافؤ الفرص، وخاصةً للأطفال من الفئات المحرومة.
يسعى مهرجان "فيلوسوفيا" إلى جعل الفلسفة في متناول الجميع من خلال تنظيم فعاليات ولقاءات ودية حول مواضيع فلسفية.
فلسفةٌ قائمة على التواصل والانفتاح واللطف
بدأ كل شيء بفكرةٍ غريبة بعض الشيء: دعوة موسيقيين شباب إلى فعاليةٍ وديةٍ ومرموقة، وتقديم برنامجٍ أصيلٍ وعالي الجودة للجمهور. تتمثل فلسفة المهرجان في جمع المواهب الجديدة وخلق فرصٍ للقاء الفنانين والجمهور وعالم الموسيقى. يُرشّح مهرجان "ليه إتوال دو كلاسيك" الموسيقيين الشباب ليس فقط لمهاراتهم الفنية ومكانة مسيرتهم الفنية، بل أيضًا لحساسيتهم وكرمهم ورغبتهم في مشاركة لحظاتٍ مؤثرةٍ من التفاعل مع الجمهور. سيجد هؤلاء الشباب، القادمون من أفضل المعاهد الموسيقية العالمية، في المهرجان فرصةً حقيقيةً: العزف أمام جمهورٍ كبيرٍ واغتنام فرصة لقاء محترفين من عالم الموسيقى. الحفلات الموسيقية متاحةٌ للجميع. تأتي هذه الدعوات في إطار برنامج توعوي موسيقي كبير ينظمه المهرجان. كما تقدم عروضًا في المستشفيات على مدار العام ضمن برنامج حفلات موسيقية مصغرة.
المهرجان تجربة ثقافية غامرة ومؤثرة. يتراوح الاحتفاء بالفنون بين اقامة المهرجانات الموسمية وتخليد الذكريات التاريخية ويؤسس لمقاربة استطيقية كاتارزيسية. كما يتألف مهرجان الفلسفة من يوم كامل من المحاضرات الفلسفية، وحلقات النقاش، وورش العمل، والأنشطة، والألعاب الفلسفية لجميع أفراد الأسرة.
مهرجان فلسفي حول الفضاء
"يُخيفني الصمت الأبدي لهذه المساحات اللانهائية"، هكذا كتب باسكال في كتابه "أفكار"، بعد اكتشافه لانهائيّة الكون، التي تحدّت رؤية كونٍ مغلق ومتناغم ورثها عن الإغريق.هذه هي لحظات الصمت التي سنستكشفها في مهرجان "فيلسوفيا"حول الفضاء. من الفضاء اللانهائي إلى الفضاء الحميم، من غزو الفضاء كملعب جديد بين القوى، إلى مسألة الفضاء العام المركزي للتفكير في كوكبنا المهدد بالانقراض، من ما يوحّدنا (نعيش في نفس الفضاء) إلى ما يُعارضنا (هذه المساحة بيننا!)، من الفضاء الهندسي إلى خشبة المسرح، مسألة الفضاء موجودة في كل مكان ولا مكان في آنٍ واحد. ولسبب وجيه: هل الفضاء ما يحتوينا أم ما يجب أن نُشكّله؟ هل هو رؤية ذهنية بسيطة، أم بُعد ذاتي، أم واقعٌ تشهد عليه الأشياء التي تشغله؟ هل هي قارة جديدة علينا غزوها، أم فراغٌ لا نهائي يُعيدنا إلى ذرّة غبار؟ هل لا يزال للتمييز بين الفضاء العام والفضاء الخاص معنى في عصر مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل الأدب والفلسفة والعلوم الانسانية فضاءٌ ينطلق فيه الخيال؟
كاتب فلسفي