رهاب الإسلام في فرنسا وشيطنة الإخوان المسلمين
جواد بشارة
الحوار المتمدن
-
العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 14:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المأزق التحليلي والسياسي لتجريم جماعة الإخوان المسلمين التابعة لحسن البنا
بقلم فرانسوا بورغات
إعداد وتقديم وترجمة د.جواد بشارة
صدر قبل أيام تقرير فرنسي حكومي رمسي في باريس في غاية الأهمية والخطورة حتى أن البعض شبهه بمناخ معاداة السامية في بدايات القرن العشرين تجاه اليهود لكنه اليوم موجه للحضور الإسلامي في أوروبا
تكمن مشكلة من يريدون إدانة التضليل الطائفي لتقرير "الإخوان المسلمين في فرنسا" في أنهم، بموافقتهم على الرد على النقاط، يعززون منطقه دون قصد.
ينطبق هذا بشكل خاص على كل من يعتقد، سواءً كان مسلمًا أم غير مسلم، أن عليه قبول فرضية تجريم جماعة الإخوان المسلمين التابعة لحسن البنا بنفس الشروط التي فرضها المستعمرون البريطانيون أو سلطة جمال عبد الناصر، ثم خلفاؤه، الذين كان كلٌ منهم، في مصر أو في أي مكان آخر في المنطقة، مهددًا بشعبية الإخوان. قبل بضعة أسابيع، هاجمت أكاديمية من علماء العصور الوسطى - وبحق - الاتهامات السخيفة بـ"الحرية" التي وجهتها، تحت ستار عضويتها في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، إحدى "معجبات" السياسي الفرنسي العنصري واليمني المتطرف إريك زمور المعروفات، لبرنامجه في المجلس الأوروبي للأبحاث حول "القرآن الأوروبي". ويا للأسف! كان الرد (في جوهره): "لطالما حافظنا على مسافة من هذا النوع البغيض الذي نحاربه بقدر ما تحاربونه"، لا يتناقض بأي حال من الأحوال مع الاختصار أو الاختزال الطائفي، بل ينبع أيضًا من موقف رفض عاطفي وحذر خطابي غريب تمامًا عن السياق العلمي. وبينما من الضروري مكافحة الاستخدام المهين الذي تستخدمه جماعة أتباع إريك زمور لمصطلح "الإخوان المسلمين" بغرض تجريم بعض مواطنينا المسلمين، من الضروري أيضًا تجنب عبارات مثل "لا أعرف الإخوان"، أو "لم يبقَ منهم أحد"، أو "أنا ايضاً لا أحبهم أكثر منك". هذا الموقف الجدلي ضارٌّ للغاية بإعادة إرساء واقعٍ أكثر تعقيدًا، والذي يجب أن يستند إلى أسس تحليلية أكثر دقة. ولتحقيق ذلك، من الضروري أولًا تحديد الجهات الفاعلة الوطنية أو الدولية والدوافع السياسية السطحية لهذا التجريم المُفرط في التوافق. لا ينبع هذا الاختصار أو الاختزال فقط من خوف ما بعد الاستعمار لدى الغربيين من مواجهة معجمٍ يسعى قبل كل شيء إلى النأي بنفسه عن ذلك الذي اعتقدوا، تحت ستار العالمية، أنهم نجحوا في فرضه على العالم. فإلى جانب هذه المخاوف الغربية ما بعد الاستعمارية، تم ترويج التجريم المُختزل لجماعة الإخوان المسلمين بقوة، منذ عهد عبد الناصر في مصر، وحافظ الأسد في سورية، ومن قِبل جميع الأنظمة الاستبدادية العربية التي يُشكل خصومها الإسلاميون التهديد الرئيسي. وأخيرًا، وقبل كل شيء، من قِبل آلة الاتصالات والدعاية الإسرائيلية القوية للغاية وهيمنتها على أغلب وسائل الإعلام في الغرب، التي تسعى إلى نزع الطابع السياسي عن مقاومة الفلسطينيين الذين تستشهد بهم باعتبارهم إرهابيين ومن أتابع عقيدة الإخوان المسلمين. بالنسبة لهم جميعًا، إسرائيل وشركائها الغربيين والعرب المتصالحين، فإن الأمر يتعلق بترسيخ فكرة أن المسلمين الذين يقاومونهم في غزة، أو الذين يتخذون مواقف احتجاجية في ضواحي باريس أو القاهرة، لا يفعلون ذلك بأي شكل من الأشكال لمواجهة الخلل المحتمل في آليات التمثيل السياسي الذي يحرمهم من حقوقهم، بل لأنهم مسلمون متشددون "مفرطون في انتماءاتهم".
إن التقليل من شأن الإخوان المسلمين أو تصويرهم بشكل ساخر أمرٌ غير مُجدٍ لسبب جوهري ومعقد. فبينما صحيح أن التنظيم التاريخي للإخوان المسلمين ضعيفٌ للغاية في كل من أوروبا والعالم العربي، فإنه صحيحٌ أيضًا أن جوهر ما يُنتقد عليه الإخوان - أي رغبتهم في التفكير السياسي دون الخروج عن انتمائهم الديني، وبالتالي في علاقة حديثة، بل وما بعد حديثة، بتراثهم الإسلامي - حاضرٌ في شرائح واسعة جدًا من المسلمين، ليس فقط في "الشرق"، ولكن أيضًا، وإن كان ذلك في سياقات مختلفة ولأسباب مختلفة، داخل المجتمعات الغربية. لذا، من المناسب أن ننفض من فكرنا السائد هذه الاختصارات والاختزالات التي فرضتها مجموعة من طيف واسع من القوى السياسية العربية والغربية والإسرائيلية على حساب صورة حسن البنا المؤسس. ولإعادة فتح باب الفكر دون عاطفة، يُقدم استنتاج أحد أبرز المتخصصين العالميين في هذا الموضوع، النرويجي برينجار ليا (1)، دعمًا قويًا. فمسار هؤلاء "الإخوان"، غير المحبوبين، ومع ذلك، بشكل أو بآخر، لا يزالون حاضرين بقوة، يُعيد إلى الأذهان أهميتهم الاجتماعية الجوهرية، التي خفيت بشكل ممنهج، سواء من قبل الغربيين أو من قبل اليسار العربي. لقد نجحت جماعة الإخوان المسلمين، أكثر من أي شيء آخر، في استعادة شعور الملكية لدى أعضائها. ولأول مرة في تاريخ مصر، يبرز بديل سياسي ديني قابل للتطبيق، تقوده "الجماهير"، العوام، وليس النخب، الخاصة، متحررًا من ملكية هذه النخب. وتتابع ليا: "بالنسبة لكاتب هذه السطور، تبدو كلمات جمال البنا (شقيق حسن) هي الأكثر تأثيرًا". عندما طُلب من جمال البنا تلخيص جوهر ما مثّله نشأة جماعة الإخوان المسلمين، صرّح قائلاً: "لقد هزّت هذه الجماعة المؤسسة السياسية لأنها سمحت للنجارين بتولي حكم الباشوات". (....)
راجع كتاب "حسن البنا وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين" في كتاب "تاريخ الحركات الإسلامية، القرن التاسع عشر - الحادي والعشرين، من الأفغاني إلى البغدادي". فرانسوا بورغات وماتيو ري (المحرران)، إصدارات المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي ٢٠٢٢ - الصفحات ٩٣١٠٦.
وكتاب برينيار ليا (جامعة أوسلو): حسن البنا: الأب المؤسس للإسلاموية المعاصرة
"يُمثل نشأة وظهور حركة الإخوان المسلمين في مصر بين أواخر عشرينيات القرن الماضي وأوائل خمسينياته إحدى أهم نقاط التحول في تاريخ الإسلام السياسي. فلأول مرة، تجسّدت فكرة جعل الإسلام أساسًا للنشاط السياسي الحديث في شكل حركة سياسية جماهيرية حديثة، لم تتحدَّ الوضع الراهن في المجالين السياسي والديني التقليدي فحسب، بل حشدت أيضًا شرائح جديدة تمامًا من السكان في أنماط جديدة تمامًا من النشاط. تحدت الجماعة التي قادها حسن البنا التصنيف البسيط؛ فلم تكن تتناسب مع النموذج التقليدي للمجتمع الإسلامي الخيري، ولا مع تسمية الحزب السياسي. بل نشأت من اندماج العديد من العناصر التنظيمية التقليدية المعروفة. وقد دمجها عمل البنا. كل ذلك في حركة سياسية دينية جديدة وحديثة تمامًا. لا يمكن تفسير وفهم التعبئة الجماهيرية والتوسع السريع للحركة بشكل كامل إلا بتجاوز العوامل الخارجية الظرفية، مثل الاستعمار والعوائق السياسية واختلال السياسة المصرية، أو الصعوبات الاقتصادية والصراعات الطبقية والأزمة الثقافية والدينية التي ابتليت بها مصر ما قبل الثورة. لا يمكن تفسير قدرة جماعة الإخوان المسلمين على استغلال هذه العوامل الخارجية لصالحها وتقديم بديل ومنفذ لطاقات البرجوازيين الشباب المتعجلين من الطبقة المتوسطة الدنيا، إلا من خلال دراسة العوامل الداخلية: مأسسة الإخوان للارتقاء المهني لأعضائها، ونهجهم القائم على الجدارة، وتركيزهم على الالتزام الفردي، واهتمامهم بالمناطق المحيطة بمصر على الصعيدين السياسي والجغرافي للعالم. والأهم من ذلك كله، نجحت جماعة الإخوان في منح أعضائها شعورًا بالملكية. ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث، ظهر بديل سياسي ديني قابل للتطبيق، بقيادة الجماهير، و"العوام"، وليس النخب، و"الخاصة"، و الهروب من سيطرة هذه النخب.
بعد وفاة حسن البنا، إثر اغتياله السياسي في فبراير 1949، والقمع الشامل للحركة من قبل نظام عبد الناصر العسكري عام 1954، تنوعت الإسلاموية الحديثة لتشمل عالمًا يتألف من حركات وجماعات متعددة تفرعت منها تنظيمات متطرفة كالقاعدة والدولة الإسلامية داعش. إلا أن إرث جماعة الإخوان المسلمين في بداياتها وزعيمها الكاريزماتي، حسن البنا، ظل حاضرًا بقوة في معظم أرجاء المشهد الإسلامي، حيث حاولت جهات فاعلة مختلفة استغلاله لأغراضها الخاصة. لذلك، من الأهمية بمكان العودة إلى تاريخ الإخوان المسلمين ودراسة ما تمثله الحركة حقًا بموضوعية.
وفي دولة حقوق الإنسان وحرية التعبير فرنسا: حُكم على عالم السياسة فرانسوا بورغات في أبريل بتهمة "تبرير الإرهاب" بالسجن مع وقف التنفيذ.
- قُدمت شكوى من قِبل المنظمة اليهودية الأوروبية (OJE) بعد نشر منشور يتعلق بالحرب في غزة.
أعلن محاميه، رفيق شكات، يوم الخميس في بيان صحفي أن فرانسوا بورغات، الباحث السياسي، تمت محاكمته في 24 أبريل/نيسان أمام محكمة آكس آن بروفانس الجنائية. وأعلن مجلس مرسيليا، الذي يعتبر هذا "اعتداءً آخر في فرنسا على حرية التعبير والحرية الأكاديمية"، أن "هذا الإجراء يهدف مجددًا إلى قمع الأفراد والمنظمات التي استنكرت مجازر غزة، ودعوا إلى وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب، واحترام القانون، وتطبيق القرارات الدولية في المنطقة". وقد اعتُقل الباحث السياسي، وهو مدير أبحاث سابق في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي ومؤلف أعمال مرجعية حول قضايا العالم الإسلامي، في يوليو/تموز الماضي إثر شكوى قدمتها المنظمة اليهودية الأوروبية (OJE). (أوروبية).
جاءت هذه الشكوى عقب مشاركة منشور يتعلق بالوضع في غزة على منصة التواصل الاجتماعي X.
للتذكير، سبق أن حوكمت شخصيات بارزة لمشاركتها منشورات تتعلق بالحرب في غزة، من بينها بطلة كرة السلة السابقة إميلي غوميس، التي استُدعيت في فبراير/شباط 2024 بتهمة "الترويج للإرهاب" لنشرها صورة تُدين استعمار إسرائيل لفلسطين.
وقالت لوكالة الأناضول بعد جلسة الاستماع: "نحن عالقون في دوامة. يجب أن نكون مستعدين لتحمل العواقب".
كما مثل الإمام إسماعيل، الذي يُؤمّن الشعائر الدينية في مرسيليا، أمام المحكمة في 25 مارس/آذار للرد على اتهامات مماثلة، بينما حُكم مؤخرًا على رئيس مسجد بيساك، عبد الرحمن رضوان، بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ.
وفي هذا المناخ العنصري الخانق والخطير ليس أم المسلمين المقيمين على الأراضي الفرنسي من خيار سوى المغادرة أم البقاء: الخيار الصعب أمام المسلمين الفرنسيين في مواجهة تفشي الإسلاموفوبيا وشيوع مناخ سياسي معادٍ للمسلمين.
أثار صدور كتاب "فرنسا، تحبونها لكنكم تغادرونها" يوم الجمعة 26 أبريل، عن دار نشر "سوي"، ضجةً في فرنسا، في سياق سياسي اتسم بصعود اليمين واليمين المتطرف.
يستند هذا الكتاب، الذي ألفه الباحثون جوليان تالبين، وأليس بيكارد، وأوليفييه إستيفيز، إلى 140 مقابلة معمقة مع مسلمين فرنسيين اختاروا الاستقرار في الخارج بعد أن عانوا من أشكال مختلفة من التمييز بسبب دينهم.
هذه الظاهرة، التي وصفتها الصحافة الفرنسية بـ"هجرة النخب المسلمة" و"الشهادات الإسلامية"، تؤثر في الواقع على جميع شرائح المجتمع سواء كانوا أطباءً أو أطباء قلب أو موظفين حكوميين ومؤرخون، أو ممرضين أو أصحاب أعمال أو حتى عُمّال ، فإنهم جميعًا يشيرون إلى خيارٍ استرشد بالمناخ السياسي والإعلامي الفرنسي، مما ساهم في تصاعد الإسلاموفوبيا، والعنصرية عمومًا.- كثيرون منهم جرّبوا مغامرة جديدة في بلد آخر "للعيش في لامبالاة" ليشعروا أخيرًا بأنهم يُعتبرون فرنسيين.
جمعت وكالة الأناضول شهادات العشرات منهم، بعضهم شارك في المسح الاجتماعي الذي نُشر يوم الجمعة، مؤكدةً أن الإسلاموفوبيا كانت أحد العوامل الحاسمة في قرارهم.
بالنسبة لرضوان، البالغ من العمر 33 عامًا، والمقيم في المغرب، كان قرار المغادرة طبيعيًا.
غادر هذا المحترف التقني البلاد عام 2018، ويقول إنه تأثر بشكل خاص بالخطاب المعادي للإسلام الذي يسمعه يوميًا. "لم أعد سعيدًا، كانت الأيام طويلة، والجو خانقًا للغاية. في كل مرة كنت أفتح فيها التلفاز، وفي كل مرة كنت أفتح حاسوبي وأقرأ القصص التي تبثها وسائل الإعلام، والحيرة المستمرة فيما نقرأ، والنقاشات حول الإسلام، ورمضان، والحجاب، واللحوم الحلال، إلخ، كل هذا كان يُرهقني بشدة ويُثقل كاهلي. حقًا، كنت تعيسًا ومتأثرًا به بشدة"، كما أوضح لوكالة الأناضول.
ويشير إلى أن اختياره كان جزئيًا نتيجة "تراكم الأحداث على مر السنين منذ المراهقة، سواء كان كل ما تسمعه على التلفاز، أو ما تقرأه في الصحف اليومية، أو الخطابات السياسية، أو الخطاب الإعلامي". من جانبها، تقول مريم، البالغة من العمر 32 عامًا، والتي شاركت، مثل رضوان، في الدراسة السوسيولوجية الواردة في كتاب "فرنسا، تُحبها لكنك تُغادرها"، إنها شهدت نقطة تحول. تقول الشابة، المقيمة في كندا منذ عام ٢٠١٨، إنها قررت الانتقال إلى الخارج بعد إعلان حالة الطوارئ في أعقاب هجمات ١٣ نوفمبر/تشرين الثاني في منطقة باريس.
"بدأنا نشعر بتصاعد مناخ كره الإسلام الإسلاموفوبيا في فرنسا. عندما نتحدث عن عامل محفز، ربما ما دفعني إلى قول: "لا، لا أريد البقاء في فرنسا وبناء حياتي في السياق الفرنسي"، كان في الواقع حالة الطوارئ التي فُرضت بعد ١٣ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٥، وفي الواقع إدراكي أنني أعيش في بلد كان من الممكن فيه البحث في أكثر من ٤٠٠٠ عائلة مسلمة في غضون عام، أو عام ونصف، أو عامين، مع بعض القصص المروعة للغاية"، كما تروي الشابة الفرنسية.
بالنسبة لمريم، كان الأمر يتعلق بتطبيق نظام "كان قمعيًا بشكل مباشر تجاه المسلمين، حيث استُهدفوا لممارستهم الدين"، مما يُمثل "إشارة إلى رفض عميق، وتعبير عميق عن الإسلاموفوبيا". "مع سماعي للخطابات السياسية التي استهدفت المسلمين بشكل مباشر، والتي كانت خطابات عدوانية للغاية، قلت لنفسي "لكن إذا أردت أن أبدأ عائلة في فرنسا، فأنا لا أريد أن يكبر أطفالي في هذه المناخ" "أنا لست هنا"، تختتم حديثها، مُقرةً مع ذلك بأنها لم تتعرض للتمييز بشكل مباشر، إذ لا تحمل "أية علامة ظاهرة على دينها".
غادر ديفيد بيزيه، المؤرخ بالتدريب، فرنسا عام ٢٠١٩ ليستقر في تركيا، ردًا على المناخ المعادي للإسلام، وخاصةً بعد اعتماد قانون غاتيل، الذي، على حد قوله، "قيّد افتتاح المدارس الإسلامية الخاصة، دون أن يُصرّح بذلك صراحةً". مشيرًا إلى "تفاقم المناخ الضار، وبالتالي المناخ المُثير للقلق الذي يُخلق ضد المسلمين، وتحديدًا الضغوط الإعلامية والسياسية والإدارية"، يؤكد الأب، الذي يعمل الآن صحفيًا في تركيا، أنه على الرغم من "استثمار المسلمين في المجتمع الفرنسي، في جميع المجالات، سواء في الفن أو الرياضة أو الثقافة أو التعليم، إلخ، لا يزال يُنظر إليهم كأجانب في بلدهم". "بالنظر إلى الماضي، لا نندم بالطبع. الندم الوحيد الذي كان بإمكاننا الشعور به هو عدم مغادرتنا مبكرًا. لماذا لا نندم؟ أولًا، أعادت لنا تركيا حريتنا. تركيا حررتْنا. في تركيا، نحن أحرار في قول ما نريد، والتفكير كما نريد، وأن نكون على سجيتنا دون خوف من الإعلام، أو الطبقة السياسية، أو الإدارة، أو الرأي العام. تركيا أعادت لنا حريتنا"، هكذا أعلن ديفيد بيزيه أخيرًا، دون أن ينوي العودة إلى فرنسا.
ونظرًا للسياق الأخير، واعتماد قانون مكافحة الانفصال، والتوجه اليميني لبعض وسائل الإعلام، وتزايد التمييز، وكذلك موقف فرنسا من فلسطين، يُخطط المزيد من الشباب الفرنسيين للمغادرة. تحدثت وكالة الأناضول مع عدد منهم، بمن فيهم حسن، وهو مُعلّم، سينتقل إلى المغرب في سبتمبر "لإيجاد السلام الاجتماعي"، ودليل، الذي سيغادر إلى الجزائر نهاية الصيف. "ما دفعني لاتخاذ هذا القرار حقًا هو المذبحة التي تحدث اليوم في غزة، الإبادة الجماعية في غزة، عندما مُنعنا من الاحتجاج، وعندما احتججنا، وُصفنا بتأييد الإرهابيين، أو الإسلاميين، أو ما شابه ذلك"، يتذمر الشاب البالغ من العمر 27 عامًا، متذكرًا "تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا، والعنصرية المنتشرة في كل مكان، والعنصرية السافرة، سواء في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الحياة اليومية".
يُقر آخرون بأنهم يريدون "حماية أطفالهم"، ويذكرون تحديدًا "الرغبة في العيش بسلام دون مبالاة" أو "ألا يكون الدين عامل تمييز". في مقابلة مع صحيفة "تيلكيل" المغربية، صرّح عالم الاجتماع جوليان تالبين في نهاية مارس/آذار بأن "أجواء وصم الإسلام هذه تُثقل كاهل المسلمين في فرنسا"، واعتبر أن "رغبة المسلمين في مغادرة فرنسا لعيش حياة طبيعية يجب أن تُقلقنا".