رؤية جواد بشارة للكون والله والدين


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 8156 - 2024 / 11 / 9 - 16:56
المحور: قضايا ثقافية     

رؤية د. جواد بشارة للكون والله والدين
علاء الأسدي
يتناول د. جواد بشارة، الباحث والمفكر في مجال الفيزياء الكونية والفلسفة، قضايا الكون والله والدين من منظور نقدي ومجرد، متأثرًا بمبادئ الفيزياء النظرية والفلسفة الوجودية. تنطلق رؤيته من محاولة فهم الكون وقوانينه بعيدًا عن التفسيرات التقليدية والدينية، مما يجعل تناوله لهذه المواضيع يلامس الأسئلة الفلسفية العميقة عن ماهية الوجود ودور العلم في الكشف عن الحقيقة.
الكون بين العلم والفلسفة
ينطلق د. جواد بشارة في رؤيته للكون من المعطيات العلمية المتاحة، وخاصة من نتائج الأبحاث الحديثة في مجالات الفيزياء الكونية وميكانيكا الكم. يؤمن بشارة بأن الكون ليس مجرد مساحة مادية محدودة أو مجموعة من الكواكب والنجوم، بل هو منظومة متكاملة تخضع لقوانين دقيقة ومعقدة. من وجهة نظره، يضع الكون أمامنا أسئلة أكثر من الإجابات، مما يجعل البحث العلمي ضرورة وليس ترفًا.
وفي هذا السياق، يشير بشارة إلى مفهوم "الأكوان المتعددة" كإطار لفهم أوسع للوجود، حيث لا يمكن حصر الكون في "كون واحد". بل ربما توجد أكوان أخرى، قد تكون مختلفة تمامًا في قوانينها وخصائصها، وهو ما يدعو للتفكير في أن الكون الذي نعرفه ليس إلا جزءًا صغيرًا من كينونة أكبر وأعقد.
الله: من الخالق التقليدي إلى مفهوم مجرد
أما فيما يتعلق بالله، يقدم د. جواد بشارة رؤية نقدية لمفهوم الإله التقليدي. بالنسبة له، مفهوم الله في الأديان قد خضع لتحويرات كثيرة ترتبط بسياقات تاريخية وثقافية، مما أدى إلى تشكيل صورة لله تتناسب مع احتياجات الإنسان النفسية والاجتماعية. يعتقد بشارة أن فكرة الله التقليدية تعكس محاولات الإنسان تفسير الوجود وإيجاد معنى له، لكن مع التقدم العلمي، ظهرت إمكانية تفسير الظواهر الكونية والمادية دون الحاجة لتفسير إلهي مباشر.
لا ينفي بشارة فكرة الله بشكل قطعي، بل يقترح إعادة النظر فيها من زاوية فلسفية، متسائلًا عما إذا كان الله هو "القوة المبدعة" أو "العقل المدبر" أو حتى "الطاقة الأولى" التي أوجدت الكون. هذه الأسئلة تترك الباب مفتوحًا أمام الفلاسفة والعلماء لتقديم تصورات جديدة تتماشى مع التقدم العلمي والفهم الأعمق للكون.
الدين: منظور نقدي وفلسفي
بالنسبة للدين، يرى د. جواد بشارة أنه مؤسسة إنسانية تحمل في طياتها جوانب إيجابية وسلبية. الدين، بالنسبة له، كان وسيلة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وتقديم إطار أخلاقي، ولكنه في الوقت نفسه شكل عقبة في طريق العلم وطرح الأسئلة الحرة. يعتبر بشارة أن الدين أسهم بشكل كبير في تشكيل الثقافات والمجتمعات، لكنه أيضًا كان، في بعض الأحيان، عائقًا أمام التفكير الحر والبحث العلمي.
من خلال نقده للدين، يدعو بشارة إلى فهم الدين على أنه ظاهرة اجتماعية وثقافية يجب دراستها وتحليلها بدلًا من تبنيها دون تساؤل. ومن هنا، فهو يشجع على اتباع "الدين العلمي" إذا جاز التعبير، حيث تكون الحقيقة العلمية هي البوصلة التي يسترشد بها الإنسان، وتصبح الأخلاق نتاجًا لوعي الإنسان وليس استجابة لأوامر دينية.
العلاقة بين العلم والدين
تثير آراء د. جواد بشارة نقاشًا واسعًا حول العلاقة بين العلم والدين. فهو لا يرى في الدين والعلم طرفين متكاملين بالضرورة، بل يعتقد أن العلم والدين يقفان أحيانًا على نقيض بعضهما البعض في فهمهما للوجود. بينما يهدف العلم إلى الوصول للحقيقة من خلال الأدلة والتجارب، يعتمد الدين على الإيمان بما لا يُرى.
ومع ذلك، يظل د. جواد بشارة منفتحًا على فكرة إمكانية وجود تفاعل بين العلم والدين، لكن بشرط أن يتخلص الدين من مواقفه المناهضة للعلم، وأن يتبنى نهجًا يدعو للتفكير والنقد الذاتي. وبهذا، يمكن للدين أن يتحول إلى مصدر للإلهام الروحي والفلسفي بدلًا من أن يكون مقيدًا للعقل.
هل نستشف من ذلك أن مقاربته لهذه المواضيع الحساسة كــ الله والدين والفلسفة والعلم وخاصة علم الكون، تنطوي على أفكار إلحادية؟
بعد قراءة رؤية د. جواد بشارة وتحليلها، يمكن القول إنه يتبنى مقاربة علمية ونقدية تجاه مواضيع حساسة كالله، والدين، والفلسفة، وعلم الكون. ومع ذلك، لا يبدو أن رؤيته تنطوي بشكل صريح على تبني أفكار إلحادية بمعنى الإنكار القطعي لوجود الله، بل تميل أكثر إلى اللا-أدرية (Agnosticism) أو الشك المنهجي الذي يعتمد على التساؤل والبحث.
في طرحه لمفهوم الله، لا ينفي بشارة وجوده تمامًا، بل يدعو إلى إعادة النظر في التصورات التقليدية التي ترى الله من منظور محدد وقائم على النصوص الدينية. يبدو أنه يحاول توسيع الأفق الفلسفي ليفتح المجال لتصورات أوسع عن الإله كقوة خالقة أو كطاقة أولية، مما يوحي بأنه لا يتخذ موقفًا إلحاديًا صرفًا بقدر ما يسعى إلى تحرير المفهوم من قيوده التقليدية.
أما بالنسبة للدين، فتبدو مقاربته نقدية بشكل واضح، إذ يعتبر الدين نتاجًا اجتماعيًا وثقافيًا يتماشى مع ظروفه، لكنه لا ينفي دور الدين في تشكيل الثقافات وتقديم إطار أخلاقي. يشجع بشارة على رؤية الدين كظاهرة تاريخية قابلة للدراسة والفهم، دون أن يكون ملزمًا باتباعه شخصيًا أو تبني مفاهيمه دون نقاش.
وبالنسبة للعلم، فإن بشارة يُظهر ولاءً كبيرًا للمنهج العلمي في فهم الكون والوجود، ويدعو إلى استكشاف الظواهر الطبيعية من خلال الأدلة العلمية، وهذا قد يُظهره وكأنه يتخذ موقفًا ماديًا بحتًا، إلا أنه لا يصل إلى رفض وجود معنى أو قيمة أعلى للوجود. بالتالي، يمكن القول إن رؤية د. جواد بشارة أقرب إلى المذهب العلمي والنقد الفلسفي المتشكك، وليست إلحادية بالضرورة.
ختامًا
تمثل رؤية د. جواد بشارة نظرة متمردة على الأفكار التقليدية حول الكون والله والدين. من خلال تأكيده على أهمية العلم في اكتشاف الحقائق وفهم الكون، يدعو بشارة الإنسان إلى التحرر من القيود الفكرية والإيمان بالقدرة البشرية على الفهم والتعلم. يحث على ضرورة التفكر في الكون بمعزل عن التفسيرات الجاهزة والبحث عن الحقائق بأسلوب علمي ومنفتح، في محاولة للوصول إلى فهم أعمق وأشمل للوجود.