القرطبى والنمرود
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن
-
العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 20:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة :
1 ـ أرسل الاستاذ ريبوار مصطفى لى هذه الرسالة : ( حقيقة قصة نبي الله ابراهيم والملك نمرد قال الله تعالى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين . [البقرة: 258]. يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية فأبطل الخليل عليه السلام دليله، وبين كثرة جهله وقلة عقله، وألجمه الحجة وأوضح له طريق المحجة. قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار: وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، قاله مجاهد. وذكروا أن نمرودا هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان قد طغا وبغا وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا، ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال وطول الإمهال على إنكار الصانع، فحاج إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية، فلما قال له الخليل: ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت. ولم يبق له كلام يجيب الخليل به، بل انقطع وسكت؛ ولهذا قال: فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين. ما أصل القصة وحقيقتها في القران الكريم.. كيف نتعرف ونعرف تفاصيل قصص القران الكريم وحقيقة قصة ابراهيم ونمرود عند المؤرخين، ومن الواقع التاريخي؟ . لو سمح به وقتك للإجابة على سؤالي أعلاه.. الشكر والاحترام لأخي العالِم الجليل . )
2 ـ رددت عليه :
( ما لم يذكره رب العالمين فى القصص القرآنى هو غيب عنا ، لا يعلمه سوى رب العالمين جل وعلا ، وليس لنا أن نخوض فيه . الذى حدث أن القصّاصين كانوا يخوضون فى هذا الغيب ، وتحولت أكاذيبهم الى أحاديث منسوبة زورا للنبى محمد عليه السلامبعد موته بقرون ، ثم دخلت فى كتب (التفاسير ) .
3 ـ أكتب هذا المقال عن القرطبى والنمرود لمزيد من التوضيح :
أولا :
تدبرنا فى الآية الكريمة: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( 258 ) البقرة )
1 ـ هنا ملامح المنهج القرآنى فى القصص : لا إهتمام بذكر الأسماء ، فليس مذكورا إسم الملك بطل القصة ، ولا إهتمام بذكر المكان والزمان . هذا مخالف للمنهج فى التأريخ الذى يحدد الزمان والمكان وأسماء الأبطال . ليس القصص القرآنى تأريخا ، بل هو للعظة والعبرة . قال جل وعلا فى نهاية قصة يوسف : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)(111) يوسف ). وفى نهاية قصص الأنبياء فى سورة ( هود ) : ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) . ولأنها للعبرة فيجرى تخليصها من عناصر الزمان والمكان لتكون عظة لكل زمان ومكان ، بعد نزولها .
2 ـ النبى محمد لم يكن يعلم الغيب ولم يكن له أن يتكلم فيه ( الأنعام 50 ، 59 )( الأعراف 188) ( الجن 26 : 28 ) ( الأحقاف 9 ). وفى ختام بعض القصص جاء قوله جل وعلا للنبى محمد فى:
2 / 1 : قصة نوح : ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) هود )
2 /2 : قصة يوسف : ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) يوسف )
2 /3 : قصة موسى : ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) القصص )
2 / 4 : قصة مريم : ( ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) آل عمران ).
3 ـ تدبر فى بعض كلمات الآية الكريمة :
3 / 1 : ( أَلَمْ تَرَ) الرؤية هنا عقلية . والاستفهام ليس لطلب إجابة ، بل هو للتقرير .
3 / 2 : (أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ). رضى به قومه ملكا عليهم فإرتضاه الله جل وعلا ملكا عليهم . والله جل وعلا هوالذى يُعزُّ من يشاء ويُذلُّ من يشاء . والملوك بهذا وذاك لا يطيب لهم عيش . قال جل وعلا :
3 / 2 /1 : ( قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) (26) آل عمران )
3 / 2 / 2 : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) الأنعام )
3 / 3 : ( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ). هنا معنى الكفر . فليس إنكارا للخالق جل وعلا ، بل هو من ( كفر ) أى غطّى ، أى غطى الفطرة داخله ( لا إله إلا الله ) بالإيمان بآلهة أخرى مع الله . هذا الملك الكافر كان يؤمن بأن الله جل وعلا هوالذى يؤتى بالشمس من المشرق ، لذا عجز عن الإجابة .
3 / 4 : ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).إختار الضلال والله جل وعلا لايهدى من يختار الضلال .
ثانيا :
تخاريف القرطبى فى الآية الكريمة :
( وهو النمروذ ابن كوش ابن كنعان ابن سام ابن نوح ملك زمانه ، وَصَاحِبُ النَّارِ وَالْبَعُوضَةِ! هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ إِسْحَاقَ وَزَيْدِ ابن أَسْلَمَ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ إِهْلَاكُهُ لَمَّا قَصَدَ الْمُحَارَبَةَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بَابًا مِنَ الْبَعُوضِ فَسَتَرُوا عَيْنَ الشَّمْسِ وَأَكَلُوا عَسْكَرَهُ وَلَمْ يَتْرُكُوا إِلَّا الْعِظَامَ، وَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي دِمَاغِهِ فَأَكَلَتْهُ حَتَّى صَارَتْ مِثْلَ الْفَأْرَةِ، فَكَانَ أَعَزُّ النَّاسِ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ يَضْرِبُ دِمَاغَهُ بِمِطْرَقَةٍ عَتِيدَةٍ لِذَلِكَ، فَبَقِيَ فِي الْبَلَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ أَوَّلُ مَلِكٍ فِي الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مَرْدُودٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ تَجَبَّرَ وَهُوَ صَاحِبُ الصَّرْحِ بِبَابِلَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا، وَهُوَ أَحَدُ الكافرين، والآخر بخت نصر. وقيل: إن الذي حاج إبراهيم نمروذ ابن فالخ ابن عابر ابن شالخ ابن أرفخشد ابن سَامٍ، حَكَى جَمِيعَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أنه النمروذ ابن كوش ابن كنعان ابن حام ابن نُوحٍ وَكَانَ مَلِكًا عَلَى السَّوَادِ ، وَكَانَ مَلَّكَهُ الضحاك الذي يعرف بالازدهاق واسمه بيوراسب ابن أندراست وَكَانَ مَلِكَ الْأَقَالِيمِ كُلِّهَا، وَهُوَ الَّذِي قتله أفريدون ابن أثفيان، وفية يقول حبيب:
وَكَأَنَّهُ الضَّحَّاكُ مِنْ فَتَكَاتِهِ ... فِي الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ أَفْرِيدُونُ
وَكَانَ الضَّحَّاكُ طَاغِيًا جَبَّارًا وَدَامَ مُلْكُهُ أَلْفَ عَامٍ فِيمَا ذَكَرُوا. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَلَبَ وَأَوَّلُ مَنْ قَطَعَ الْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ، وَلِلنُّمْرُوذِ ابْنٌ لِصُلْبِهِ يُسَمَّى" كُوشَا" أَوْ نَحْوَ هَذَا الِاسْمِ، وَلَهُ ابْنٌ يُسَمَّى نُمْرُوذَ الْأَصْغَرَ. وَكَانَ ملك نمروذ الأصغر عاما واحد ا، وَكَانَ مُلْكُ نُمْرُوذَ الْأَكْبَرِ أَرْبَعَمِائَةِ عَامٍ فِيمَا ذَكَرُوا.
وَفِي قَصَصِ هَذِهِ الْمُحَاجَّةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أنهم خرجوا إلى عيد لهم فدخله إِبْرَاهِيمُ عَلَى أَصْنَامِهِمْ فَكَسَّرَهَا، فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ لَهُمْ: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ؟ فَقَالُوا: فَمَنْ تَعْبُدُ؟ قَالَ: أَعْبُدُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ نُمْرُوذَ كَانَ يَحْتَكِرُ الطَّعَامَ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى الطَّعَامِ يَشْتَرُونَهُ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَجَدُوا لَهُ، فَدَخَلَ إِبْرَاهِيمُ فَلَمْ يسجد له، فقال: مالك لَا تَسْجُدُ لِي! قَالَ: أَنَا لَا أَسْجُدُ إِلَّا لِرَبِّي. فَقَالَ لَهُ نُمْرُوذُ: مَنْ رَبُّكَ!؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. وَذَكَرَ زيد ابن أسلم أن النمروذ هذا قعد يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْمِيرَةِ فَكُلَّمَا جَاءَ قَوْمٌ يَقُولُ: مَنْ رَبُّكُمْ وَإِلَهُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ أَنْتَ، فَيَقُولُ: مِيرُوهُمْ. وَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَمْتَارُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ وَإِلَهُكَ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَلَمَّا سَمِعَهَا نُمْرُوذُ قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، فَعَارَضَهُ إِبْرَاهِيمُ بِأَمْرِ الشَّمْسِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، وَقَالَ لَا تَمِيرُوهُ، فَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إلى أهله دون شي فَمَرَّ عَلَى كَثِيبِ رَمْلٍ كَالدَّقِيقِ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْ مَلَأْتُ غِرَارَتَيَّ مِنْ هَذَا فَإِذَا دَخَلْتُ بِهِ فَرِحَ الصِّبْيَانُ حَتَّى أَنْظُرَ لَهُمْ، فَذَهَبَ بِذَلِكَ فَلَمَّا بَلَغَ مَنْزِلَهُ فَرِحَ الصِّبْيَانُ وَجَعَلُوا يَلْعَبُونَ فَوْقَ الْغِرَارَتَيْنِ وَنَامَ هُوَ مِنَ الْإِعْيَاءِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَوْ صَنَعْتُ لَهُ طَعَامًا يَجِدُهُ حَاضِرًا إِذَا انْتَبَهَ، فَفَتَحَتْ إِحْدَى الْغِرَارَتَيْنِ فَوَجَدَتْ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الْحُوَّارَى فَخَبَزَتْهُ، فَلَمَّا قَامَ وَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ فَقَالَتْ: مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي سُقْتَ. فَعَلِمَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسَّرَ لَهُمْ ذلك. قلت: وذكر أبو بكر ابن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: انْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَمْتَارُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الطَّعَامِ، فَمَرَّ بِسِهْلَةٍ حَمْرَاءَ فَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ، فَفَتَحُوهَا فَوَجَدُوهَا حِنْطَةً حَمْرَاءَ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا زَرَعَ مِنْهَا شَيْئًا جَاءَ سُنْبُلُهُ مِنْ أَصْلِهَا إِلَى فَرْعِهَا حَبًّا مُتَرَاكِبًا. وَقَالَ الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْقَصَصِ: إِنَّ النُّمْرُوذَ لَمَّا قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أَحْضَرَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَأَرْسَلَ الْآخَرَ فَقَالَ: قَدْ أَحْيَيْتُ هَذَا وَأَمَتُّ هَذَا، فَلَمَّا رَدَّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الشَّمْسِ بُهِتَ. وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى آتِيَ بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ لِيُعْلَمَ أَنِّي أَنَا الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ أَمَرَ نُمْرُوذُ بِإِبْرَاهِيمَ فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَهَكَذَا عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ فَإِنَّهُمْ إِذَا عُورِضُوا بِشَيْءٍ وَعَجَزُوا عَنِ الْحُجَّةِ اشْتَغَلُوا بِالْعُقُوبَةِ، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ، عَلَى مَا يَأْتِي . وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ النَّارِ أَدْخَلُوهُ عَلَى الْمَلِكِ- وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ- فَكَلَّمَهُ وقال له: من ربك؟ فقال : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. قَالَ النُّمْرُوذُ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، وَأَنَا آخُذُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فَأُدْخِلُهُمْ بَيْتًا وَلَا يُطْعَمُونَ شَيْئًا وَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى إِذَا جَاعُوا أَخْرَجْتُهُمْ فَأَطْعَمْتُ اثْنَيْنِ فَحَيِيَا وَتَرَكْتُ اثْنَيْنِ فَمَاتَا. فَعَارَضَهُ إِبْرَاهِيمُ بِالشَّمْسِ فَبُهِتَ...)
ملاحظات :
واضح أنه نقل عن خرافات القُصّاص ، وتم إسنادها الى أسماء لامعة من الصحابة لتكتسب صُدقية ، ثم هم فيها مختلفون . ولكن لديهم الجُرأة فى الكذب إذ يحكون عن زمن لم يعش فيه أحد من الرواة ، ويأتون بتفصيلات وأحداث درامية تؤكّد أن أولئك القصّاص لو عاشوا زمننا لصاروا أروع كُتّاب المسلسلات والأفلام الدرامية . ولكن المصيبة أنهم جعلوا موهبتهم فى الإفتراء وخدمة الشيطان .
نكمل ما قاله القرطبى :
( قراءات-
قرأ على ابن أَبِي طَالِبٍ" أَلَمْ تَرْ" بِجَزْمِ الرَّاءِ، وَالْجُمْهُورُ بِتَحْرِيكِهَا، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ لِلْجَزْمِ." أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ لِأَنْ آتَاهُ اللَّهُ، أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ" أَنَ أُحْيِي" بِطَرْحِ الْأَلِفِ الَّتِي بَعْدَ النُّونِ مِنْ" أَنَا" فِي الْوَصْلِ، وَأَثْبَتَهَا نَافِعٌ وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، إِذَا لَقِيَتْهَا هَمْزَةٌ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ «١» " فَإِنَّهُ يَطْرَحُهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِثْلَ سَائِرِ الْقُرَّاءِ لِقِلَّةِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ أَجْرَاهَا مَجْرَى مَا لَيْسَ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ لِقِلَّتِهِ فَحَذَفَ الْأَلِفَ فِي الْوَصْلِ. قَالَ النَّحْوِيُّونَ: ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ الِاسْمُ فِيهِ الْهَمْزَةُ وَالنُّونُ، فَإِذَا قُلْتُ: أَنَا أَوْ أَنَّهُ فَالْأَلِفُ وَالْهَاءُ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فِي الْوَقْفِ، فَإِذَا اتَّصَلَتِ الْكَلِمَةُ بِشَيْءٍ سَقَطَتَا، لِأَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي تَتَّصِلُ بِهِ الْكَلِمَةُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَلِفِ، فَلَا يُقَالُ: أَنَا فَعَلْتُ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ إِلَّا شَاذًّا فِي الشِّعْرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنَا سَيْفُ الْعَشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي ... حُمَيْدًا «٢» قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا
قَالَ النَّحَّاسُ: عَلَى أَنَّ نَافِعًا قَدْ أَثْبَتَ الْأَلِفَ فَقَرَأَ (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) وَلَا وَجْهَ لَهُ. قَالَ مَكِّيٌّ: وَالْأَلِفُ زَائِدَةٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَالِاسْمُ الْمُضْمَرُ عِنْدَهُمُ الْهَمْزَةُ وَالنُّونُ وَزِيدَتِ الْأَلِفُ لِلتَّقْوِيَةِ. وَقِيلَ: زِيدَتْ لِلْوَقْفِ لِتَظْهَرَ حَرَكَةُ النُّونِ. وَالِاسْمُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ" أَنَا" بِكَمَالِهِ، فَنَافِعٌ فِي إِثْبَاتِ الْأَلِفِ عَلَى قَوْلِهِمْ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا حَذَفَ الْأَلِفَ مَنْ حَذَفَهَا تَخْفِيفًا، وَلِأَنَّ الْفَتْحَةَ تَدُلُّ عَلَيْهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ" أَنَا" فَهُوَ اسْمٌ مَكْنِيٌّ وَهُوَ لِلْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ" أَنِ" الَّتِي هِيَ حَرْفٌ نَاصِبٌ لِلْفِعْلِ، وَالْأَلِفُ الْأَخِيرَةُ إِنَّمَا هِيَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فِي الْوَقْفِ، فَإِنْ تَوَسَّطَتِ الْكَلَامَ سقطت إلا في لغة رديئة «٣»، كذا قَالَ:
أَنَا سَيْفُ «٤» الْعَشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي ... حُمَيْدًا قَدْ تَذَرَّيْتُ السناما
وَبَهُتَ الرَّجُلُ وَبَهِتَ وَبُهِتَ إِذَا انْقَطَعَ وَسَكَتَ مُتَحَيِّرًا، عَنِ النَّحَّاسِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى" بَهَتَ" بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْهَاءِ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ قَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ:" فَبَهُتَ الَّذِي كَفَرَ" بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي" بُهِتَ" بِكَسْرِ الْهَاءِ. قَالَ: وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ" فَبَهَتَ" بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْهَاءِ عَلَى مَعْنَى فَبَهَتَ إِبْرَاهِيمُ الَّذِي كَفَرَ، فَالَّذِي فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَهَتَ بِفَتْحِهَا لُغَةً فِي بَهُتَ. قَالَ: وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ قِرَاءَةُ" فَبَهِتَ" بِكَسْرِ الْهَاءِ كَغَرِقَ «١» وَدَهِشَ. قَالَ: وَالْأَكْثَرُونَ بِالضَّمِّ فِي الْهَاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ" فَبَهَتَ" بِفَتْحِهَا أَنَّهُ بِمَعْنَى سَبَّ وَقَذَفَ، وَأَنَّ نُمْرُوذَ هُوَ الَّذِي سَبَّ حِينَ انْقَطَعَ وَلَمْ تَكُنْ له حيلة.)
ملاحظة :
هنا محاولاتهم فى تحريف القرآن الكريم باسم القراءات والإعراب النحوى .وقد تعرضنا لأساطير القراءات من قبل ، وأنها من وسائلهم فى إتّخاذ القرآن الكريم مهجورا . عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran