عصام و قوة الأجسام - 21/5/2012م


احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن - العدد: 8078 - 2024 / 8 / 23 - 00:03
المحور: الادب والفن     

بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة جداً
زرتُ أحد أصدقائي من الذين أستأنس لجواره ..و تميل نفسي الى قربه كثيراً ..لما له من خلق رفيع و أدب جم، و أضف اليهما ما في جعبته من حكم و حكايات رائعة،و في الحقيقة الحاج (نعمت) و هذا اسمه ،أعتبر هذا الإنسان روضة غنّاء،و فردوساً معطاء تستقر الروح في باحها و ساحها..
فاستقبلني ببشاشته المعهودة في صالة المنزل المليئة بالكتب،و المجلات و الدوريات و القراطيس،و الأجهزة من الحاسوب و اللابتوب و الساحبة و غيرهن فبفضل التكنولوجيا الحديثة العلم متوفر لدينا حتى في غرفة النوم..و لكن من ذلك المثابر على الإقتناص و الإقتناء..من طراد العلم و الأدب..
عودة لاستقبال الحاج لنا:
- أنت يا أبا سلام متفضلٌ دوماً علينا بزيارتكم لنا..هذه الزيارة بركة حلّت علينا،و أنارت ديجور دارنا..
و هو كذلك طالما يردّد هذه العبارة في استقبال أصدقائه,و خاصة بعدما أحيل على التقاعد من وظيفته,و لكن يمارس شؤونه الثقافية بعزم الشباب.
و بينما هو (الحاج نعمت) مشغول بأمر الضيافة..و لتبدأ جلسة الحديث الممتع.أبصرت في الصالة صبيّاً في ربيعه الخامس على ما أعتقد يقوم بحركات بهلوانية في تقوية العضلات،و إبرازاها بعد خلع قميصه مكتفياً بفانيلته الصغيرة و اللاصقة على جسمه ..مشهد جميل و طريف و بريء ..صبي بعمر الزهور يتباهى بعضلاته الناعمة ..و سعيد بهذه الحركات و مصرّ على مواصلة لعبته المفضلة.و ينظر بين فينة و أخرى الى عضلة يده بعدما يعصرها و يشدّها فتبرز قليلاً..ظاناً بأنه صار بطلاً قوياً،إنه يقلد أبطال كمال الأجسام الذين يشاهدهم عبر جهاز التلفاز(المشواف)،و أنا أنظر اليه مبتسماً..كما أشاهد أولادي الصغار،و حانت لي الفرصة كي أجامله قليلاً ضمن هذه الزيارة..
- ما اسمك يا حبيبي يا بطل؟
قال:عصام.
- ماذا تفعل يا عصام؟
أجاب:ألعب رياضة يومياً .. و أقوّي عضلاتي .
- و لم يا عصومي؟
أجاب: لأضرب (خالو علي) ضربة قوية (بوكس و أموته).
- من هو خالو علي ؟
أشار بيده الصغيرة:إنه هناك يلعب ..
نظرت الى المكان الذي أشاراليه،فاذا بصبي جميل مثله تقريباً،و يكبره بعض أعوام..غارقاً في ألعابه مع قطع المكعبات و السيارات الصغيرة.
- إنه خالك ..أليس كذلك؟.
قال:نعم.
- إذاً ليس صحيحاً أن تضربه و تبارزه.بهذا الشكل.
أجاب:لماذا لا يلاعبني ؟سأكسر ظهره عندما أتقوى جيداً.
-يا عصام أنت حقاً ليس لك غيرة،و الا كيف تتقوى على خالك الحبّاب.
هنا دخل الحاج و هو يبتسم بعدما سمع جزءاً من الحوار الذي دار بيني و بين حفيده عصام .ز و علمت بأنه حفيد الحاج و خالو علي آخر العنقود ..
فقال الحاج: نعم يا أبا محمد هكذا عالمنا اليوم..العدو لا يعادينا مباشرة ،بل ينفث سمومه فينا،حتى نعادي بعضنا بعضاً في أول وهلة يستلم زمام أمر ما في السلطة..
فقلت:أجل أيها الحاج .أليس وضع سياسينا هكذا ..التشهير بالآخر دون روية ،و دون الغور في أصل المسألة..ثم يصل الأمر الى حبك المؤامرات و التقاتل كأخوة يوسف (ع)،و صدق القول :إذا فقد الانسان رشده،حفر لنفسه لحده.
هزّ الحاج نعمت رأسه قائلاً:
إيه يا أبا محمد إنَّ من أصعب الأمور التي يواجهها الإنسان في حياته أن يريد أن ينقذ إنساناً ضالاً و لكنه يظنه أنه يريد به السوء.
و هكذا عصام يعادي خاله الصغير علي بنفس العمر على لعبة صينية تافهة.
خرجت من عند الحاج نعمت و أنا مسرور،و تعبأتُ بنتف من حكمه و مواعظه الجميلة.
بغداد 500
21/5/2012م