وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ: ما معنى كلمة بِيَعٌ هنا؟


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 7670 - 2023 / 7 / 12 - 00:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

أود أن انقل للمهتمين حوار دار حول معنى كلمة بِيَعٌ التي جاءت مرَّة واحدة في القرآن، وبالتحديد في الآية 40 من سورة الحج
لنبدأ بما يقوله الطبري:
وأما قوله {وَبِـيَعٌ} فإنه يعنـي بها: بـيع النصارى.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم مثل الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا داود، عن رُفـيع: {وَبِـيَعٌ} قال: بـيع النصارى.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة: {وَبِـيَعٌ } للنصارى.
حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: البِـيَعُ: بـيع النصارى.
وقال آخرون: عُنـي بـالبـيع فـي هذا الـموضع: كنائس الـيهود. ذكر من قال ذلك:
حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: {وَبِـيَعٌ} قال: وكنائس.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.
وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله:{ وَبِـيَعٌ } قال: البِـيَعُ الكنائس.
ويذكر الجلالين: {وَبِيَعٌ } كنائس للنصارى، ونفس المعنى نجده في التفسير المنتخب الصادر عن الأزهر.

--------
وقد كتب المطران متى روهم على صفحته على الفيسبوك ما يلي:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid02dhMq2LGbFVnRiLp5oEDpjwZQpYHJcFfdagMjKGhWbJ9JUDNEacedB2iCYPoT8ZpKl&id=100089745618229
كلما زادت معرفتك في علم اللغات لا بد أن تعثر على ما هو مشترك بينها ، خاصة مفردات لغات شعوب كانت على تواصل فيما بينها. سأتناول هنا ثلاث مفردات :
١ ܥܕܬܐ (تُكتب عِدْتُو ، وتُلفظ عِتو بحذف حرف الدال) وتعني بالسريانية: جماعة، محفل، جمهور ؛ كنيسة، بيعة. (جمعها ܥܕ̈ܬܐ ، وتُلفظ عِدُثو ). أصلُ الكلمة عبري ، وقد دخلت السريانية مع دخول السريان في الديانة المسيحية. الأصل العبري هو עדה ، لفظه عِدَه ، ومعناه بالانكليزية congregation, assembly ؛ testimony. وبالعربية : محفل، جماعة، تجمّع ، اجتماع، كنيسة، رعية ؛ شهادة.
كما نرى بأن كتابة حرف الدل في الكلمة حافظ على وجوده في السريانية كما هو في الأصل العبري ، رغماً أن هذا الحرف لا يُلفظ في السريانية أثناء كتابة الكلمة في حالة المفرد . فيضعون اشارة صغيرة تحت الدال للدلالة أنها لا تلفظ .
٢ بِيعَة ، وتعني كنيسة المسيحيين أو كَنيس اليهود . وردت في سورة الحج بصيغة الجمع
( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) [الحج : 40] .
ما زال أهلُ ماردين والموصل ومناطق أخرى يطلقون على الكنيسة اسم بِيعَة ، وهو اللفظ السائد بينهم .
هذه الكلمة جاءت من ܒܝܬ ܥܕܬܐ (تُلفظ بيث عِتو ، وتعني بيت أو موضع التجمع ) ، الجزء الثاني من الكلمة ܥܕܬܐ هو ذات أصل عبري كما شرحتُ سابقاً.
أُختصرتْ ܒܝܬ ܥܕܬܐ لتُصبحَ ܒܥܕܬܐ ( وتُلفظ بْعِتو) .
إختصار ܒܝܬ (بيث) بحرف ܒ (ب) وارد جداً في السريانية. ونلاحظه في أسماء قرى وبلدات ما زالت قائمة.
من الاماكن التي ظهرت فيها ܒܝܬ (بيث) : بيت لحم ، بيت ساحور ، بيت الدين ، بيت مري، بيت ياشوط ، وغيرها .
من الأماكن الذي أُختصرتْ فيه ܒܝܬ (بيث) بحرف ܒ (ب) : بكفيّا ، بسكنتا، بهلولية، بسنادا ،بسطوير ، بسدقين ، وغيرها .
عرَّبَ السريان كلمة ܒܥܕܬܐ (بعِتو ، أو بعِتا ) ، فصاغوا منها (بِيعة) لتعني كنيسة .
٣ المُبايعة و البَيْعَة : من فعل بايَع . ويعني القول : (بايع فلانًا على الأمر ) ، أي عاهَده وعاقدَه عليه.
هذا المعنى الذي يقدمه (قاموس المعاني) متطور في استخدام الكلمة. لكن الأصل فيه أن المبايعة أو البَيْعَة تحدثُ في مكان عام ، أي في محفل حيث يجتمع الناس ، وهناك يمنحون الصوت لمن وقع عليه الخيار .
وهذا الاسلوب في منحِ العهدَ لولي الأمر ما زال قائماً عند ملوك ورؤساء العرب.
وبما أن الأصل العبري עדה عِدَه ، الذي منه حصلنا على الكلمة السريانية ܒܥܕܬܐ (وتلفظ بعِتو ، أو بعِتا ) كما بينتُ أعلاه، يعني : اجتماع ، محفل ،
لذا هناك تطور في المعنى العربي فتمت صياغةُ فعل (بايعَ ) ليعني الإجماع على الشخص حيث كان اجتماع الجماعة.

--------
وقد ارسلت هذا المقال بالبريد الإلكتروني للأستاذ لوكسنبرغ الذي رد عليه بما يلي:
مناضلنا الفاضل،
شكرا أولا لإرسال تحليل الحبر الجليل "أسطاتيوس متى أورهام" اللغوي لثلاثة مفردات كالتالي :
1) كلمة ܥܕܬܐ (عدتو أو عدتا) السريانية بمعنى "كنيسة" : يشير تيودور نولدكه في كتابه "النحو السرياني"، ومن بعده كارل بروكلمن في "القاموس السرياني" إلى أصل الكلمة العبري עדה (عده)، إنما دون ذكر الجذر الفعلي، بحيث أن المعنى الأساسي يبقى غامضا.
2) أما "بيعة" بمعنى "كنيسة" (ولا علم لي بأن اليهود يسمون كنيسهم أيضا "بيعة")، فشرحها كمختصر لكلمة "بيت عدتا" (أي "بيت الاجتماع") أقرب من الخيال. فكلمة ܒܝܥܬܐ (بيعتا) السريانية تعني 1) "بيضة"، و 2) الشكل البيضاوي أو كل "مقبب" بشكل البيضة (ٌقاموس منّا ص 63 أ).
فكلمة "بيعة" تشير إلى الشكل الهندسي للبناء بمعنى "القبّة"، ولا علاقة لها بمعنى "الاجتماع"، كما يشير التعبير الهندسي (Dôme) أو (Coupole) إلى الكنيسة في اللغات الغربية.
وحتى كلمة "بيضة" العربية ليست "عربية" الأصل، بل مشتقة من اللفظ المندائي لكلمة "بيعتا" السريانية بحذف العين باللفظ المندائي لتصبح "بيعتا" : "بيطا". وبتصويت أو تجهير الطاء (ط) إلى ضاد (ض)، أصبحت "بيطا" عربيا (لغة "الضاد") : "بيضة". ومنه اشتق عربيا اللون "الأبيض"، بخلاف شكلها "البيضاوي" بالسريانية.
3) أما "المبايعة" و "البيعة" فلا علاقة لها بمكان "الاجتماع" ولا بكلمة "بيعة" السريانية الأصل، بل بمجرد منح "الصوت" لمن وقع عليه الخيار. ونجد هذا المعنى في الفعل السرياني ܒܥܐ ("بعا")، ومن جملة معانيه : "سأل" و "نادى". وبهذا المعنى يكون مفهوم "المبايعة" : "النداء" لصالح من وقع عليه الخيار، بندائهم مثلا : "عاش الملك"! فيكون هذا معنى "المبايعة". ولا يمكن الوصول إلى هذا المعنى دون اللجوء إلى السريانية (أو "لسان القرآن العربي المبين").
ونفس المصدر السرياني ܒܥܐ (بعا) يفتح لنا معنى "البيع" و "البيّاع" الذي "ينادي" لاجتذاب الزبائن و "بيع" بضاعته. وهذا ما يشرح لنا أيضا الفرق بين "البيع" و "الشراء". فـ "البيع" هو إذن "النداء"، أما "الشراء" و "اشترى" يعني سريانيا "حلّل لنفسه الغرض بدفع ثمنه". والفعل السرياني ܫܪܐ (شرا) يعني : "حلّ" (عكس "ربط").
وهكذا تساعدنا السريانية لتحليل وفهم "لسان القرآن العربي المبين" وغيره من اللهجات "العربية".
مع أفضل التحية، وتصبحوا على خير !
ك, ل.

--------
وجاءتني الرسالة التالية من المطران المطران متى روهم ردا على ما ذطره الأستاذ لوكسنبرغ
الدكتور سامي الذيب المحترم:

سلام وبعد:
شكراً لتكرم الدكتور كريستوف لوكسنبرغ في إبداء رأيه بخصوص أصل كلمة (بِيعة).
1- سررت بإشارته إلى رأي المستشرقَين نولدكه وكارل بروكلمان في ربطهما الكلمة السريانية ܥܕܬܐ (عِدْتا ، لفظاً عِيتَا ، أي كنيسة) بالعبرية עדה ، لأني لم أطلع على رأيهما من قبل. وكان أولُ ما قرأت كلمة עדה على مركز يهودي في أمريكا ، ومن هنا لاحظت أن (ܥܕܬܐ) السريانية مأخوذة من العبرية ( עדה ) .

لي اطلاعٌ سابق على الرأي القائل بأن كلمة (بِيعة ، أي كنيسة) مأخوذة من السريانية (ܒܝܥܬܐ بيعْتا، أو ܒܥܬܐ بِعْتا ، أي بيضة) . ذكر ذلك آرثر جيفري في كتابه :
The Foreign Vocabulary of the Qur an الصفحة 86 .
فهو أيضاً يربط بين شكل البيضة والمباني المُقبَّبة المخصصة للعبادة ، مستشهداً بعبارة: ܒܝܥܬܐ ܕܩܒܒܗ ܕܦܘܪܩܣܐ بِيعتا دَقْبَبِه دفورقسا ، أي ما معناه برجٌ بيضاوي القبة.

يبقى هذا الرأي موضع تساؤل .
لم تكن الكنائس الأولى تهتم بالشكل الهندسي لمبانيها وإنَّما بنشر الإيمان . فعدد الكنائس غير المُقبَّبة أكثر بكثير من المُقبّبة . وإن اطلاقُ الغربيين كلمة Dome , Coupole على أماكن الصلاة محصور بشكلها الهندسي ، وليس مُعَمَّماً على كل أماكن الصلاة. كما أن ظهور الكنائس المُقبَّبة لم يكن قبل القرن الرابع الميلادي لأن حرية الكنيسة كانت مقيدة في التبشير والانتشار .
فماذا كان يُسَمِّي السريان أماكن اجتماعهم للصلاة قبل أن تظهر الكنائس المُقبَّبة للعلن؟
إن كلمة (بِيعة) غير دارجة عند المسيحيين في الشرق إلاَّ في بعض المناطق ، وخاصة عند سريان ماردين والموصل. وفي معجم لسان العرب لابن منظور تُطلق (بِيعة) على كنيسة النصارى واليهود . فلماذا أطلق العرب كلمة بِيعة على كنيسة اليهود ، هل لأن كنائسهم كانت أيضاً مقبَّبةً ؟

لقد أطلق السريان على موضع الصلاة ܒܝܬ ܨܠܘܬܐ (بِيث صلوثا) ، أي مصلَّى ، معبد .
وعلى نَمَطٍ مشابه ، فما المانع أن يُدْخِلوا حرفَ الباء ܒ اختصاراً لكلمة ܒܝܬܐ (بيت ، مكان، موضع) على
كلمة ܥܕܬܐ ( المأخوذة عن العبرية עדה ) ليخرجوا بكلمة ܒܥܕܬܐ (لفظًا بْعِيتا ، اختصاراً لكلمة ܒܝܬ ܥܕܬܐ ، بيث عِدْتا - لفظاً بيث عِيْتا) القريبة جداً من العربية (بِيعَة) !

2- صحيحٌ أن كلمة ( بيضة ) بالعربية من الأصل السرياني (ܒܝܥܬܐ بيعْتا) . فحرف الضاد العربي (ض) وحرف العين السرياني (ܥ) متبادلان في كلمات مثل :
الفعل ( رَضِي ) يقابله بالسريانية فعل ܪܥܐ ، لفظاً رْعا ، أي رضي ، سُرَّ .
الفعل ( رَضَّ ) يُقابلهُ بالسريانية فعل ܪܥ ، لفظاً رَع ، أي رضَّ ، حطم، سحق.
الاسم (أَرْضٌ ) يُقابلهُ بالسريانية ܐܪܥܐ ، لفظاً أَرْعا ، أي أَرضَّ .

٣ فكرةُ ربط معنى المُبايعة بالفعل السرياني (ܒܥܐ بْعَا) مقنعة جداً. فمن جملة معاني هذا الفعل أيضاً طَلَبَ .
وفي المُبايعة تحصل مُطالبة بالشخص .

لكم أطيب الدعوات والتمنيات.

المطران متى روهم

--------

أرجو من المهتمين التعليق على ما جاء في هذا المقال