الاستشراق وثقافة الغباء الجمعي
ياسين المصري
الحوار المتمدن
-
العدد: 7385 - 2022 / 9 / 28 - 14:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا أردت أن تفهم شعب، أدْرُس تاريخه.
الثقافة ليست حالة فردية خاصة، وليست سعة الاطلاع والعلم وعمق المعرفة فحسب، بل هي أيضًا علاقة ثنائيةٌ بين الفرد والآخرين داخل مجتمعه وخارجه، وهي مقياس لمدى تحضُّرُه وحسن تعامله وتعاونه معهم، فلا يُعَدُّ المرء مثقفاُ اذا كان على علاقة دائمة السوء مع الآخرين. ولذلك من المفترض على المثقف ألا يكره أو يعادي أحدًاُ، وتكون لديه القدرة على الجهر بالحقيقة دون تردد. ولكن ما بالنا بثقافة غبية بذاتها، تحض معتنقيها على كراهية الآخرين والاعتداء عليهم داخل المجتمع وخارجه؟. هذه الثقافة تصل بالمرء إلى أعلى مستويات الغباء، عندما تقوم بكاملها على تاريخ مزيف، وديانة مفبركة، وتعاليم دينية لا تسمح له بالاستماع لآراء الآخرين، وأفكار المتخصصين وأبحاثهم العلمية تجاه معاناته، ولا تتيح له محاولة فهمها، وتفنيدها بعقلانية، والتجاوب معها بموضوعية سواءً سلبًا أو إيجابًا، لا تمكِّنه ولو لمرة واحدة أنْ يتخلَّى عن اهتمامه بما يراه هو وحده، بل وتجعله يتمادى في غبائه بأن يحاول إجبار الآخرين على الاقتناع بما يراه هو وحده، رغم أن كل ما يقدمونه له قائمًا على أدلة موثقة وبراهين منسقة مستقاة من ثقافته نفسها.
هذا الوضع ينطبق تمامًا على العلاقة بين العربان المتأسلمين والمستشرقين، حيث أن أكثر القضايا المثيرة للجدل بينهما، ويتعامل معها المتأسلمون بغباء منقطع النظير، قضية الاستشراق، وهي التي يتناول فيها المتخصصون، بالبحث والفحص والتمحيص العلمي الممنهج، مشاكل الدين الإسلاموي وثقافته ووقعه النفسي والسلوكي المختل على المؤمنين به، وهو أمر يرفضه المتأسلمون، طالما لا يتفق مع إيمانهم وتاريخهم وثفافتهم بالمجمل.
بعد التفجيرات الإجرامية في ”11 سبتمبر عام 2001“، صار اقتران الإسلاموية والمتأسلمين بالإرهاب والإجرام مسلّمة لا جدال فيها. وراح الغرب يبحث عن الدوافع والمبررات، ومن ثم بدأت تتكشف الحقيقة تدريجيا خاصة مع انتشار شبكة الإنترنت واحتوائها على حقائق جديدة، لم يكن يعرفها العوام من الأوربيين، وكانت تتداول فقط في غرف البحث العلمي من قبل المستشرقين الشرفاء الذين لم يبيعوا ضمائرهم بأموال النفط الأسود. أولئك المستشرقون يعرفون جيدًا المشاكل التي يعاني منها المتأسلمون، منذ ظهرت ديانتهم، وما صاحبها من تصرفات عدائية ولاإنسانية مع الآخرين المخالفين لهم والمختلفين معهم، داخل مجتمعاتهم وخارجها، الأمر الذي أثار حفيظة أصحاب الديانتين اليهودية والمسيحية على وجه الخصوص، وجعلهم يتساءلون عن ماهية أولئك البشر وما طبيعتهم، ولماذا يتصرفون على هذا النحو الشاذ، فراحوا يدرسون تاريخهم وتراثهم وثقافتهم، وتوصلوا إلى حقائق تاريخية ثابتة وموَثَّقة.
كان القديس يوحنا الدمشقي، المولود عام 676م في دمشق خلال حكم الأمويين بإسم يوحنا منصور بن سرجون، أول من انتقد الديانة وكشف عن مكنونها في بدايتها، ولم تكن قد عُرِفت آنذاك باسمها الحالي (الإسلام)، بل بأنها: ديانة أبناء إسماعيل (ابن النبي العبراني المزعوم إبراهيم) أو السراسين التي اختلف الباحثون في مصدرها، البعض قال إنها السرَّاقين، والبعض الآخر قال إنها تعني سكّان البلاد الشرقية، أو الهاجريين (نسبة إلى الجارية المصرية هاجر زوجة أبراهيم)، والتي جاء ذكرها لأول مرة في التوراة - سفر التكوين، الإصحاح 16. وكان يوحنا على معرفة جيدة بقرآن ابيِّ بن كعب، السائد والمعروف في الشام آنذاك، على غير قرآن ابن مسعود الذي رفض قرآن عثمان، وكان معترفًا به في الكوفة، في وقت لم تكن مهزلة جمع الأحاديث النبوية قد بدأت بعد، وكان يشارك المتأسلمين في مناظرات دينية بما فيها تلك التي تجري في قصر الخليفة.
في كتابه De Haeresbius (الهراطقة) اعتبر الإسلاموية نوعًا من المسيحية المهرطقة، وناقش فيه تأثير اليهودية والمسيحية في القرآن، وكان قد كوّن فكرة عن أنَّ نبي الإسلمة ”محمدًا“ مدعي نبوة، وليس نبيا حقيقيا، وأنه تعرّف على نصوص التوراة والإنجيل من الهراطقة اصحاب التعاليم المشوهة عن المسيحية من الآريوسيين والنساطرة والأبيونيين امثال ورقة بن نوفل وبحيرا الراهب وعدَّاس. ومازالت أقوال القديس يوحنا يتردد صداها بين المستشرقين حتى اليوم.
https://ar.wikipedia.org/wiki/يوحنا_الدمشقي
منذ ذلك الوقت بدأ الاستشراق بشكل اضطراري نتيجة للعداء الواضح من الإسلاموية لغيرها من الديانات الأخرى، وخاصة اليهودية والمسيحية التي اعتمدت عليهما، وكان في بدايته اجتهادًا شخصيا، يجري داخل المعابد والأديرة على أيدي رجال الديانتين، قبل انتقاله بشكل علمي ممنهج إلى الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة في الغرب، وبمرور الوقت أصبح احد حقول المعرفة العلمية المتميزة، له مناهجه وأطره ومدارسه الجديرة بالاحترام والتقدير، وبات أهم مصادر التثقيف العام والأكاديمي على حد سواء، ويجذب إليه أعدادًا متزايدة من المعنيين بمعرفة حقيقة الديانة المحمدية وآثارها المدمِّرة على المتأسلمين وغيرهم.
المتأسلمون من جانبهم دأبوا على اتهام عمل المستشرقين بالاستغلال من قبل القوى السياسية الاستعمارية والقوى الدينية التنصيرية والصهيونية، ليبعدوا عن أنفسهم حقيقة أنهم احتلوا بلاد الأخرين، أسوأ احتلال عرفه التاريخ البشري، وإجبار سكانها على التأسلم أو دفع الجزية وهم صاغرون أو القتل، وعملوا كل ما في وسعهم على محو لغاتهم وإزالة هوياتهم الوطنية بالكامل. كما يتهمون المستشرقين باختلاق الأزمات وتأجيج الصراعات الدينية (الحضارية) بينهم وبين الغرب المسيحي، بينما الواقع يشير بوضوح إلى أن الصراعات الدموية لم تتوقف بينهم وبين غيرهم منذ أسلمتهم. لا يكفون عن محاولة تشويه صورة الاستشراق ضمن تشويههم لصورة مجتمعاته المتقدمة علميا وحضاريًا، وذلك بهدف تبرير وتكريس، بل وتقديس غباء ثقافتهم وانحطاط سلوكهم!. يرون أبحاث المستشرقين التي لا تروق لهم، على أنها مجرد شبهات يجب دحضها أو تبريرها، أو أنها مؤامرة للنيْل منهم ومن ديانتهم، لأنهم كما يزعمون على حق دائم، لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم.
المستشرقون يستخدمون المنهج العقلاني في تفسير الديانات بوجه عام والإبراهيمية الثلاث بوجه خاص، ويتعقَّبون أصولها إلى مراحل تاريخية أسبق من ظهورها بكثير، وذلك على أعلى المستويات العلمية، فيبحثون ويكتشفون ويكتبون عنها لأبناء ثقافتِهم، وليس من أهدافهم توصيل نتائج أعمالهم إلى الثقافات الأخرى أو تعريف الآخرين بها، إنهم يعملون وينتجون بجدية وإتقان كما ينتج أقرانهم كافة المنتجات الفنية والتكنولوجية المتطورة لبني أوطانهم، ومع ذلك لا يبخلون بها على غيرهم، إذا رغبوا في اقتنائها، أو الاستفادة منها، وفي مقدمتهم المتأسلمين أنفسهم، فالاستشراق خطاب عن الشرق مُوجَّه في الأساس من الغرب إلى الغرب. صحيح أن أحد المستشرقين قد لا يجيد لغة العربان الإجادة المطلوبة للبحث والتقصي، أو لا تتاح له الفرصة لمعرفتهم عن قرب، فتحدث في أبحاثه بعض التشوهات الغير متعمدة، والتي لا تهدف الشرق أو التآمُر عليه، وسرعان ما يعالجها بنفسه أو يتولى غيره معالجتها.
توصَّل المستشرقون الشرفاء إلى أنَّ أهم العوائق التي تمنع المتأسلمين من النهوض والرقي، ويطال انحطاطهم وتخلفهم بلادهم، هي التمادي في الغباء، وارتهانهم للرؤى التقليدية المتعالية بصفتهم خير أمة أخرجت للناس، ومعاناتهم الدائمة من عبودية التأثيرات العاطفية (الدينية والعرقية… الخ)، وصعوبة اعترافهم بهذا العبودية، فمن اعتاد على العبودية، يرى في الحرية تهديداً لوجوده. ولذلك يعتبرون كل من يشهِّر بعبوديتهم وتخلفهم على أنه عدوٌّ لهم. مازالوا يتجاهلون حقيقة ان الإنسان لا ينهض بتغيير قدميه، بل بتغيير أفكاره، وأنه من المستحيل عليهم أن يغيروا أفكارهم وقناعاتهم لأنها جاءت من رب العالمين، على لسان نبيه الكريم وورثته من الخلفاء الراشدين، وأولياء الله الصالحين، وجميع الذين يضللونهم بإسم الدين!. إنهم يرفضون رفضًا تاما نظرة الآخرين إليهم، ويصرون على أن تكون تلك النظرة مطابقة لطريقتهم في النظر إلى أنفسهم، ويريدون من الغير أن يتقمص وجه نظرهم تجاه ذواتهم، وينصف ديانتهم المفبركة وحضارتهم الوهمية، وثقافتهم الإجرامية، ومع ذلك يأكلون من خيراته، ويتداوون بدوائه، ويستفيدون من علومه، ثم ينعتونه بالكفر والضلال والانحلال! الأمر الذي يشير بوضوح إلى أقصى علامات عدم النضج، والغباء الجمعي المستحكم، وانعدام الشرف والعزة والكرامة لديهم.
عندما اطلع المتأسلمون على إنتاج المستشرقين، إختلفوا كعادتهم دائمًا في تقييمهم له والرد عليه، لم يلتفتوا إلى جوهر المشكلة، ولم يردوا بالموضوعية المطلوبة، بل نظروا إليه بسطحية وسذاجة، وراحوا يتهمونهم بالتبعية للاستعمار والتنصير والصهيونية كما أسلفنا، وراحوا يواجهونهم بما يسمى ”الصحوة الإسلاموية“، التي فندها المفكر الراحل الدكتور سيد القمني في كتابه: ”صحوتنا لا بارك الله فيها“، وذلك لأنها صحوة الرجوع إلى الخلف 1400عام.
يزعمون أن الاستشراق يصفهم بالتخلف والتحجر والثبات خارج التاريخ والزمان، ولكنهم لو تأملوا نوع الفكر الديني في تراثهم المقدس، والذي تلتزم به كافة الجماعات والمؤسسات الدينية بكل مشاربها، وتسيطر به الآن على الأغلبية الكبيرة من أفراد مجتمعاتها، لوجدوها هي ذاتها تنادي بالتخلف والتحجر والثبات عند زمن السلف (الصالح) وحده، بحسب وصفهم، ولوجدوا أن جميع أحْكامهم على أي مشكلة عصرية، تصدُر على أساس توافق يتمَّ التوصُّل إليه منذ ألف وأربعمائة عام، ولوجدوا مثلا أنهم يقيسون حرفيا حرب 1973م بخرافة مَوقِعة بدر، حيث أمد الله جيوشهم بالملائكة … (سورة الأنفال 12)، ولوجدوا دائمًا أحكامًٍا شرعية تَتعلَّق بالإنسان، ولا تمت بصلة ما للإنسانية، ومع ذلك يزعمون أنها تَصلُح لكلِّ زمانٍ ومكان؛ رغم أن الإنسان هو أكثر الكائنات تغيُّرًا. هذه المزاعم وغيرها أصبحت راسخًة إلى حدِّ لا يَجرؤ معه أحد على تَحدِّيها أو حتى تفنيدها علانية.
إن عقولهم عاجزة عن إدراك مدى عُمق المأساة التي يؤدِّي إليها تضخيم ذواتهم وانكفاؤهم على ذواتهم وارتِيابهم في كلِّ ما يأتيهم من مصدرٍ يخرج عن ذواتهم. يعتقدون بأنَّ العالَمَ كُلُّه مُتربِّص بهذه الذات المُتضخِّمة، الخالية من العيوب، وأنَّ الأعداء قد تَسلَّلوا إلى صفوفِهم وجَنَّدوا الجنود لهدم أعمدة دينهم وثقافتهم!
ما الذي جعل المستشرق الفرنسي كيمون يقول في كتابه "باثولوجيا الإسلام": « إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس، وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا بل هو مرض مريع وشلل عام وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه من الخمول والكسل إلا ليدفعه إلى سفك الدماء والإدمان على معاقرة الخمور وارتكاب جميع القبائح.
وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين فيأتون بمظاهر الصرع والذهول العقلي إلى ما لا نهاية ويعتادون على عادات تنقلب إلى طباع أصيلة ككراهة لحم الخنزير والخمر والموسيقي، إن الإسلام كله قائم على القسوة والفجور في اللذات.
ويتابع: أعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة وتدمير الكعبة ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر»!!، المصدر: (الاتجاهات الوطنية" للدكتور محمد محمد حسين (ص 321)، ونقل ذلك عنه جلال العالم في كتابه "قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله" (ص 60 - 61) - مكتبة ابن تيمية - القاهرة.
أبسط رد من قبل المتأسلمين على أقوال كهذه هو الادعاء بالحقد عليهم، رغم عدم وجود أي شيء لديهم يحقدهم عليه الآخرون، ليس لديهم سوى الغرور والكراهية والقسوة والشتائم والتكفير والعنصرية البذيئة، لقد تسببوا في كراهية الآخرين لهم بكراهيتهم للآخرين. هذه الكراهية المتبادلة سوف تظل قائمة، طالما بقيت أسبابها. إنهم يحملون الآخرين على العداء لهم والتربص السياسي والإعلامي بهم، ليس في الغرب وحده، بل في الشرق أيضًا. إذا صرفنا النظر عن الألفاظ العدائية والاعتداءات الجسدية والحروب الدموية الجارية بينهم هم أنفسهم في العديد من دولهم ومجتمعاتهم، منذ بداية تأسلمهم وحتى الآن، نجدها تحدث وتتكرر بين الفينة والأخرى ضد أقليات متأسلمة في دول أخرى، ففي الصين مثلا التي تعتنق حكومتها الشعبية رسميا إلحاد الدولة، ومن ثم قامت بحملات معادية للدين عامة. فدُمّرت كنائس ومعابد ومساجد كثيرة أثناء الثورة الثقافية (1966 - 1976)، نجد في إقليم شينجيانغ أويغور الأقلية المتأسلمة تتعرض حاليًا لحملة ممنهجة تنظِّمها الدولة من القمع الشديد والانتهاكات الجسيمة تبلغ حد الجرائم ضد الإنسانية، كما تتعرض أقلية الروهينغا المتأسلمة في ميانمار، المجاورة لبنجلاديش للإبادة الجماعية، وبالمثل في الهند، يتصاعد خطاب الكراهية والتحريض ضد الأقلية المتأسلمين (14.2% من عدد السكان البالغ 1.4 مليار نسمة)، ويتضح هذا جلياً في الخطابات السياسية والدينية لبعض السياسيين هناك. مما يؤدي إلى مهاجمة العديد من المساجد من قبل العصابات الهندوسية وحرقها وتخريبها ورفع الأعلام الهندوسية عليها، وإسقاط آلاف القتلى المتأسلمين، ومازال النزاع بين الهند وباكستان مستمرا على إقليم كشمير الحدودي حتى الآن.
وقد يعجب المرء أشد العجب من حدوث العداءات اللفظية والاعتداءات الجسدية على المتأسلمين في دول أوروبا التي توصف دائمًا بمعقل الديمقراطية، وواحة الحرية، وميدان الكرامة الإنسانية؟ ما هو السبب ياترى؟ وهل السبب الديانة الإسلاموية ذاتها أم الأوروبيين أم المتأسلمين الوافدين إليهم من كل حدب وصوب؟
من المفترض والمنطقي أن المتأسلمين الذين لاذوا بالفرار من بلادهم بسبب ما تعانيه من الفقر والفساد والانحطاط والتخلف المادي والمعنوي أن يكونوا أقدر الناس على التأقلم والاندماج والانسجام مع المجمعات الجديدة التي هربوا إليها! وأن يكونوا شاكرين فضل الذين آووهم وحملوهم ووفروا لهما مكانا بينهم ليتمتعوا مثلهم بالحرية والعمل والكرامة الإنسانية، ولكن النقيض يحدث دائمًا.
وإذا كان البعض من قادة الغرب قد نادوا بإبادة الإسلاموية وتدمير أهله كما جاء في الكتاب المذكور آنفًا لجلال العالم، فإن ذلك لم يأتي من فراغ، ولا يمكن أن ينبع عن حقد. الحقيقة أن الإسلاموية بشكلها الذي عليه منذ نشأتها، تعمل على إبادة الديانات الأخرى وتدمير أهلها، فالمتأسلم أينما ذهب يحمل معه جراثيم الإسلاموية المبيدة وألغام العقيدة المدمِّرة، لأنه الثقافة التي نشأ وتربي عليها تغذيه بالشر والعنف والعنصرية والاضطهاد والتنمُّر والأذى إلى حد القتل.
في ألمانيا صدر مؤخرا كتاب يحمل عنوانه تساؤلًا: "الإسلام - عدو أم صديق؟ Der Islam freind Oder freund?"، يتناول الجدل الدائر حاليا في الغرب حول الإسلاموية ووجود المتأسلمين هناك،
كتاب كهذا لم يكن يصدر مالم يكن هناك عداء حقيقي للإسلاموية والمتأسلمين القاطنين في تلك البلاد وخاصة ألمانيا، وهي دولة تحتاج اقتصاديًا إلى وجودهم فيها.
يقدم فيه الباحثان في شؤون الأديان: (مونيكا و أُودو توروشكا Monika und Odo Towaruscka)، 38 مقالة تحتوي في مجملها على كل ما يريدان قوله عن ”الهيستريا“ المتصاعدة ضد الإسلاموية في الغرب وخاصة في ألمانيا، وينتقدان الذين ينشرون الفزع و”البروباغندا“ الرخيصة ضد المتأسلمين في أوروبا، كما ينتقدان « الأساس المعرفي والأيديولوجي للمحاولات وللحملات المعادية للإسلاموية ومعتنقيها». وفي مغالطة واضحة، تقول مونيكا في حوار مع مؤلفي الكتاب، أجراه موقع ”قنطرة“ : « إننا نتطلع إلى أن يمكن كتابنا مَن لا دراية لهم بهذا المجال من تصحيح أحكامهم المغلوطة ومراجعة خلفيات مواقفهم المسبقة، ونحن نطمح بالخصوص لأن نمهد الطريق لكي يدرك القراء أن معظم القواعد الأخلاقية في الإسلام متوافقة مع الثقافة الألمانية وقيمها». وتستطرد قائلة: « نتمنّى أن تصل أفكارنا إلى الأشخاص المتوجّسين من الإسلام لكي يتخلصوا من مخاوفهم الهلامية تلك. ونود كذلك إقناعهم بأن الإسلام دين عالمي يتمتع بذات المكانة التي تتبوّؤها الديانة المسيحية؛ إذ أن الإسلام ليس فكرا أيديولوجيّا يشكّل تهديدا ما». وتواصل مغالطاتها قائلة: « وتتسبّب هذه الصورة المتداولة عن الإسلام بسدّ الطريق أمام التواصل والتعامل بموضوعيّة مع دينٍ من أعظم الأديان وأكثرها انتشاراً وإبهاراً».
عندما يقرأ المرء الكتاب بتمعن، وهو يتكون من 144 صفحة، يتضح له أن الباحثين لم يركزا على تشريح الثقافة الإسلاموية ذاتها ومحاولة فهمها، وإلا ما قدما الاسلاموية على أنها (ديانة عالمية)، و« أعظم الأديان وأكثرها انتشاراً وإبهاراً»، بما يخالف حقيقتها، ويعتقد كلاهما أن تخلف العالم الإسلاموي أو انحطاطه أو سقوطه إنما حصل لأسبابٍ فكريةٍ مغلوطة تتعلق بالدين وقيمه وفهمه وتأويله، ومع ذلك لم يقدما فكرا معقولا للدين، ولم يوضحا كيفية فهمهما له، وما هي قيمته الحقيقية وتأويله الصحيح؟. فليس من الغريب أن يعجزا عن ذلك، وقد عجز عنه كبار المفسرين والمؤولين الكبار في العالم الإسلاموي شرقا وغربًا منذ ظهور الديانه وحتى يومنا هذا؟ لا يعرفا أن هذا العالم مازال منذ 1400 عام وحتى الآن يتكلم عن شيء خيالي هو (الإسلام الصحيح)!
الباحثان لم يذكرا شيئا عن تلك القواعد الأخلاقية الإسلاموية التي تتفق مع الثقافة والقيم الألمانية. كما أنهما لم يوضحا كيفية أنَّ الإسلاموية ليست فكرا أيديولوجيّا يشكّل تهديدا ما، وقد أجمع جميع المفكرين على أنها إيديولوجية سياسية فاشية بغطاء ديني، تهدد الجميع!
هذا الكتاب الذي كُتِب أساسا للأوروبيين، ويمكن تصنيفه ضمن المحاولات المتعددة لإيجاد ثقافة إسلاموية جديدة تتواءم مع ثقافة الغرب، وتحد من عنفوان الصراع بين الثقافتين، ليلتقيا في مكان يضمن للجميع التعايش بسلام وأمان.
يبدو أنهما لم يطلعا على أبحاث المستشرقين الذين لا يبعدون عنهم سوى خطوات قليلة، ولم يدركا أنَّ العربان والمتأسلمين عاجزون عن تكوين أنفسهم، وليس لديهم الإرادة القوية بما يكفي لنبذ ثقافتهم والسمو عليها، وأن إسلامويتهم تتشكل من كتلة واحدة ثابتة لا تمتلك مشتركا مع الثقافات الأخرى. أنها عبارة عن آلة عنيفة لا تعترف بالتسامح وتدعم الإرهاب وتغذي صراع الحضارات، مما يجعل معتنقيها متخلفين ثقافيا وماديا ومتشبثين بالغباء الجمعي الشامل ورافضين للحداثة!.