الجنرال وظاهرة القسَم!
ياسين المصري
الحوار المتمدن
-
العدد: 7429 - 2022 / 11 / 11 - 06:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال الروائي وكاتب الخيال العلمي الأمريكي روبرت شيكلي Robert Sheckley (1928 - 2005): « الشيء الأكثر إزعاجًا في الحياة هو أن الشخص الصادق يخسر دائمًا في صراع الكلمات. لانه مقيد بالحقيقة، بينما الشخص الكاذب يمكنه أن يقول أي شيء».
والواقع أن الشخص الكاذب الذي يقول أي شيء، يجد نفسه مرغمًا دائمًا على القسم ليؤكد كذبه في كل شيء!.
السواد الأعظم من الشعب المصري دون غيره من شعوب العالم مغرمون بالقسم والحلف بالله والنبي والطلاق بالثلاثة… إلخ، سواء كان القسم ضروريا أو غير ضروري. الرئيس المصري الحالي (الجنرال عبد الفتاح السيسي) لا يشذ عن هذه القاعدة، فهو أول رئيس في تاريخ مصر يعشق القسم ويذوب حبا في الحلفان. ومن المفارقة العجيبة، زعمه في مواقف مختلفة أنه لا يحب أن يقسم، إلا أنه دائما ما يقرن أقواله بجملة "أقسم بالله العظيم"، فلا يخلو أي خطاب له دون القسم بالله.
بدأ الجنرال مع القسم في خطابه بُعَيْد انقلابه العسكري في يوليو 2013 قائلًا: « مرسى خَد السلم معاه فوق أقسم بالله تاني»، وكان يعنى أن الرئيس مرسي كان يستأثر بالسلطة لنفسه ولا يسمح لأحد بالصعود إليها، ولم يكن يدري أحد أنه يعني بذلك نفسه هو.
وفي أغسطس من نفس العام، وخلال لقاء له مع قيادات الجيش والشرطة والرموز الإعلامية للدولة، قال الجنرال: « لا والله مش حكم عسكر ولا فيه أي رغبة وإرادة لحكم مصر، عايز أقول لكم شرف إننا نحمي إرادة الناس أعز عندنا وعندي شخصيا من شرف حكم مصر، أقسم بالله على ذلك، شرف حماية الناس وحريتها في اختيار ما تشاء وتعيش كما تشاء أعز وأشرف عندي أنا أقسم بالله من حكم مصر»، وقد اعتبر الكثيرون وقتها أن ذلك إعلانا منه بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية، إلا أن الواقع التاريخي كان له رأي آخر، لتثبت صحة المقولة التراثية ”من كثر حلفه كثر كذبه“.
في 12 أغسطس 2012، أقسم الجنرال أمام الرئيس مرسي على احترام الدستور كوزير للدفاع، ثم انقلب عليه في يوليو 2013. وإثر انقلابه أقسم في 17 ديسمبر 2013، أنه لن يترشح للرئاسة ولا يطمع بالسلطة، وقال حينها: « أقسمت بالله، إننا مالناش طمع وهاتشوفوا، مالناش طمع بأي حاجة، غير إننا نشوف بلدنا أد الدنيا، إحنا لا بنغدر ولا بنخون ولا بنتآمر». وقد حنث بهذا وترشح للرئاسة في 8 يونيو 2014.
وردا على اتهامه بالتنسيق مع دول خارجية في انقلابه على الرئيس مرسي، قال في 18 أغسطس 2013: « أقسم بالله لم يتم التنسيق خارجيا مع أي دولة على أي أمر، ولم ننسق ولم نتعاون ولم نستأذن أي أحد». رغم تأكيده في حوار مع صحيفة ”واشنطن بوست“ قبل ذلك بأيام (في 3 أغسطس 2013)، أن « أميركا لم تكن بعيدة عما يجري هنا، وكنا حريصين على أن نمد مسؤوليهم بإحاطات كافية حول الوضع الراهن، ومنذ شهور أخبرتهم بأن هناك مشكلة كبيرة بمصر، وطلبت دعمهم ومشورتهم ونصيحتهم كشريك إستراتيجي وحليف لنا».
وفي 12 أبريل 2013: قال: « أقسم بالله أن القوات المسلحة من أول يوم 25 يناير وحتى الآن لم تقتل ولم تأمر بقتل ولم تخن أو تأمر بخيانة، ولم تغدر أو تأمر بغدر»، وذلك لأن تقرير لجنة "تقصي حقائق" في انتفاضة يناير 2011، كان قد أوصى بالتحقيق مع قادة عسكريين كبار بشأن جرائم ارتكبت خلال الانتفاضة.
ومن أشهر المواقف التي أقسم فيها قوله في 17 ديسمبر 2013 أنه لن يترشح للرئاسة ولا يطمع في السلطة، وقال حينها: « أقسمت بالله، إننا مالناش طمع وهاتشوفوا، مالناش طمع بأي حاجة، غير إننا نشوف بلدنا أد الدنيا، إحنا لا بنغدر ولا بنخون ولا بنتآمر». وقد حنث بهذا وترشح للرئاسة في 8 يونيو 2014. وبعد اعتلائه سدة الرئاسة، أقسم قائلا: « والله العظيم، أنا مش هسيب البلد دية».
وفي 11 يوليو 2014، دعا للتبرع لصندوق ”تحيا مصر“، وقال: « أقسم بالله لو معايا 100 مليار دولار لأديهملك يا مصر من غير تفكير ولا في حد يذل أو يهين بلادي ويكسر خاطرها». بعد ذلك كشفت صحيفة "لاتريبيون" الفرنسية، عن شرائه أربع طائرات "فالكون إكس 7" فرنسية الصنع، بـ3 مليارات جنيه؛ للتنقلات الرئاسية.
وفي 8 يوليو 2014، قال خلال احتفالية تنصيبه بقصر القبة: « لا تفريق بين مواطن وآخر، ولا إقصاء لأحد»، مضيفا: «أقسمت أن أكون رئيسا لكل المصريين». ورغم ذلك رفع رواتب الجيش والشرطة والقضاة ومنحهم المكافآت دون غيرهم من الفئات، مقابل رفع الضرائب وأسعار السلع والخدمات وتقليل الدعم على المواطن العادي، مما زاد أعداد من هم تحت خط الفقر من المصريين إلى 30 مليون نسمة.
وخلال الاحتفال بليلة القدر 25 يوليو 2014، توعد بالثأر من قتلة 22 جنديا مصريا بالفرافرة، وأقسم: « والله لن نتركهم لن نتركهم». ورغم أن هذا الحادث تكرر كثيرا في سيناء والقاهرة وعدد من المحافظات، إلا أن النظام كان دائما عاجزًا عن تقديم الجناة الحقيقيين، وعوضًا عنهم يتهم في الغالب المعارضين له ويتم إخفاؤهم قسريا، أو تقديمهم لمحاكمات صورية.
وفي 19 سبتمبر 2014، قال للمصريين: « اشتغلوا معايا وحاسبوني بعد سنتين، وأقسم بالله ثلاثة لو رأيتم من هو أفضل مني سأترك الكرسي فورا»، الأمر الذي تناقض مع ما فرضه من قوانين مقيدة للحريات وتهدد المعارضين مثل قانوني التظاهر والإرهاب، وفرض حالة الطوارئ.
وكثيرا ما أطلق المصريون على المشروعات التي يُعلن عنها النظام المصري مصطلح ”الفنكوش“، وردا على ذلك - على ما يبدو - أكد الجنرال خلال كلمته المذاعة على التلفزيون المصري، في 16 أغسطس 2015 أن المشروعات التي تنجزها مصر هي مشروعات حقيقية، وأقسم: « والله نحن لا نبيع الوهم للناس أبدا».
ورغم ذلك شكك خبراء بجدوى المشاريع الكبرى التي أعلن عنها السيسي، أو تم تنفيذها بالفعل، وخصصوا مشروع توسيع قناة السويس، فيما يواجه مشروعه العاصمة الجديدة عقبات ولم يتم العمل به حتى الآن، كما شكا مستثمرون في مشروع المليون ونصف مليون فدان من تعرضهم للخداع.
وفي 13 سبتمبر 2015، قال، أمام شباب الجامعات بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية: « لن أصمت على أي فساد أو مفسد … والله لن نسمح بجنيه ورق يتاخد دون وجه حق».
وقد أكدت تقارير محلية ودولية تراجع مصر في عهد الجنرال في مجالات الاقتصاد والأمن والتعليم والصحة والسياحة، مع انتشار الفقر والبطالة والفساد والتحرش الجنسي والجريمة. وبسبب تقرير لجهاز المركزي للمحاسبات عن حجم الفساد في مصر وكشفه عن اختفاء 32.5 مليار جنيه من إيرادات الدولة بالحساب الختامي لموازنة 2014 - 2015. أقال رئيس الجهاز، المستشار هشام جنينة، في مارس 2016، وأحاله للتحقيق.
وبأسلوب البلطجية وعصابات قطاع الطرق، قال بنبرة حادة في 24 فبراير 2016: « أقسم بالله اللي هيقرب للبلد بسوء هشيله من على وش الأرض»، الأمر الذي اعتبر تهديدا مباشرا لمن يتطلع لمنصب الرئاسة في مصر.
ولعل أحد أشهر المرات التي أقسم فيها الجنرال، ونال سخرية لاذعة من المصريين وغيرهم على وسائل التواصل الاجتماعي، قوله خلال المؤتمر الأول للشباب في شرم الشيخ في 26 أكتوبر 2016: « والله العظيم أنا قعدت عشر سنين ثلاجتي كان فيها مية بس»، ومع ذلك يؤكد المراقبون أنه يلبس أفخر أنواع الثياب والإكسسوارات، كما تظهر زوجته في المناسبات العامة بكامل مجوهراتها من الألماس، بجانب حالة البذخ التي تظهر في مؤتمراته وسفرياته.
وخلال افتتاح مشروع الاستزراع السمكي بمحافظة الإسماعيلية، في الثاني من ديسمبر 2016، قال: « أنا مستعد أتحاسب، والله العظيم أنا مستعد أتحاسب».
وفي 7 ديسمبر 2016، وجه الجنرال، تحية لهيئة الرقابة الإدارية على جهودها في ضبط الفساد، وقال: "والله العظيم أنا لم أحابي أحدا ولا حتى أبنائي في شغلهم". ويعمل ابناؤه بجهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية، ويعمل شقيقه رئيسا لوحدة مكافحة الإرهاب، وتعمل ابنة شقيقه بهيئة الرقابة الإدارية، كما عين صهره رئيسا لأركان الجيش.
وفي 6 أغسطس 2016، أقسم أمام الجميع: « والله أنا شايف النصر لمصر قدامي زي ما أنا شايفكم دلوقتي».
وقبل أشهر من إعلانه الترشح لولاية رئاسية ثانية، قال السيسي أمام المؤتمر الثالث للشباب في 25 أبريل 2017: « قسما بالله العظيم.. قسما بالله العظيم.. قسما بالله العظيم.. لو المصريين ما عايزني ماهقعد ثانية في المكان ده».
وفي 17 مايو 2017 وعد المصريين بمستقبل أفضل، قائلا: « أقسم بالله سنحقق ما يفوق خيال المصريين.. إذا صبروا».
وقبل أيام من انتخابات 2018، وبعد أن أقصى جميع المرشحين الذين قد يشكل ترشحهم خطورة عليه، أقسم قائلا: « والله العظيم أنا كنت أتمنى أن يكون موجود معانا واحد واتنين وتلاتة وعشرة من أفاضل الناس وتختاروا زي ما أنتم عايزين».
ويبدو أن الجنرال - الذي يعشق القسم - أراد أن ينقل العدوى لرئيس الوزراء الإثيوبي ”آبي أحمد“ أثناء زيارته للقاهرة في العاشر من يونيو 2018، مخاطبا إياه في مؤتمر صحفي: « قل والله لن نقوم بأي ضرر بالمياه في مصر». واستجاب آبي أحمد مكررا القسم، وهو بالتأكيد لا يفهم ما يقول.
وقد فاجأ قبل أيام متابعي خطاباته، وأقسم بالله على أنه مستعد للاستغناء عن وجبات الأكل والاكتفاء بوجبة واحدة طول عمره، قائلًا: « قسما بالله لو كان الموضوع وجبة واحدة في اليوم لبناء أمة، أقسم بالله لأقعد بقية عمري آكل وجبة واحدة».
ويبدو أن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف قد فطنت إلى هذه الظاهرة، فأصدرت في 11 فبراير 2018 الفتوى رقم: 89119، قالت فيها إنَّ كثرة الحلف منهي عنها لغير مسوغ شرعي أو قانوني أو عرفي، فالمطلوب ترك الأيمان حذراً مما يترتب عليها من الحنث والكفارة….
وتوالت الهرتلة وأكاذيب الجنرال الممهورة بالقسم المُغلَّظ، حتى أنه في 28 فبراير 2022، قال: « والله والله والله ولا ثانية في الحكم ضد إرادة المصريين»، ليحنث بيمينه مخاطبا الشعب فيما بعد ويقول: « انتوا فاكرين إني هسيبها؛ لا والله».
وفي 23 أكتوبر 2022 خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادي، قال: « قسما بالله لم أتحدث كذبا قط في أي حاجة، كنت أتمنى يكونوا صادقين في تناولهم، مجربتش لما تتولى تخرب منك، مستعد تقابل ربنا وأنت بتضيع 100 مليون عشان مش قادر ومش عارف؟». وأضاف: « 25 ألف ساعة عبارة عن 7 سنين.. 84 شهر.. 30 يوما.. 10 ساعات في اليوم على الأقل.. اللي حصل بالله.. والله بالله.. والله بالله.. ولا كان يحصل ابدا».
وتعليقا على قَسَم له، كتب الناشط السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حازم حسني على تويتر: « أقسم السيسي اليوم بالله ثلاثاً أن قرار مصر في عهده مستقل 100%.. معلوماتي المتواضعة تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ليست مستقلة في قراراتها بنسبة 100%.. عندما يبالغ أي شخص فاعلم أنه يظهر غير الحقيقة، ويكشف بمبالغاته عكس ما يقول»، فتم القبض عليه بدون أمر قضائي، وأرسل إلى الحبس الانفرادي في أواخر سبتمبر 2019 خلال احتجاجات شعبية اندلعت ضد حكم السيسي في 20/9/2019.
ورد آنذاك الناشط السياسي المعتقل حاليا حازم عبد العظيم على قول حسني بقوله: « وسهولة الحلفان والقسم.. حتى أكبر مؤيديه أصبحوا على يقين أنه هجَّاص ولا يعني ما يقول». بينما غرد أحد النشطاء قائلا: « يقول المثل الشعبي: قالوا للكذاب احلف، قال: جاء الفرج، كلما زاد كذب المرء احتاج للحلف». وهو ما أكده مغرد آخر بالقول: «عندما يبالغ أي شخص فاعلم أنه يظهر غير الحقيقة». وسخر مغرد من عشق السيسي للقسم، قائلا: « الرئيس الذي دخل موسوعة غينيس في الحلفان».
عادة لا يقول الإنسان الصادق عن نفسه أنه صادق لأنه مقيد دائمًا بالدلائل الحقيقية، ومن ثم يترك الحكم عليه بالصدق من عدمه لما لدي الآخرين من دلائل جراء تعاملهم معه، بينما الكاذب هو الذي يزعم بإصرار لا يتوقف على أنه صادق. كثيرًا ما نسمع السيسي في مناسبات عديده، يقول: « انا صادق اوى وامين اوى وشريف اوى .. أحلى من الشرف مفيش»، وخلال كلمته في الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي 03 نوفمبر 2022، قال إنه لا يعتبر نفسه رئيسا لمصر، وإنما إنسان طلب منه التدخل لحماية وطن، وعقب: « والله أنا صادق».
وفي مداخلة خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد، الأحد: «أنا راجل صادق أوي وأمين أوي إن شاء الله.. هقابل ربنا على كل كلمة وكل فعل عملته..».
يقول أيضًا: « الكلام عندي بيعدي على فلاتر فلتر الصدق فلتر الحق فلتر الأمانة»!
هذا غيضٌ من فيض.
ولكن لماذا يتمادى رئيس دولة بهذا الحجم والمكانة العالمية في القسم بالله؟، رغم معرفة معظم السامعين باليقين في كذبه فيما يتكلم، فضلا عن أنه بحكم الدين الإسلاموي، يجمع بين الكذب والافتراء، والتجرؤ على الله بالقسم به كذبا، حتى استحق بجدارة ما قال عنه القرآن: {ولا تطع كل حلَّاف مهين} (القلم 10)؛ في تفسير هذه الآية يقول الدكتور محمد محمود حجازي ـ أحد مشايخ الأزهر الكبار ـ في كتابه: «التفسير الواضح»: « ولا تطع كل حلاف، كثير الحلف باليمين، فإنه لا يكثر إنسان الحلف إلا إذا كان معتقدا أن مخاطبه لا يصدقه، والشخص الذي بهذا الوصف، لا بد أن يكون كذابا بينه وبين نفسه، وبينه وبين ربه، مهين، أي: ذليل حقير في عقله ورأيه». ولكن قد يذهب البعض بأنه يقسم كثيرا ليدلل على صدقه، وهذ أيضًا منهي عنها شرعًا، بناءً على الآية 224 من سورة البقرة: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}، يقول المفسرون والفقهاء في هذه الآية، إن الإنسان الصادق لا يحتاج للحلف، ولو أنه حلف من باب البر والتقوى والإصلاح بين الناس، فليس ذلك مطلوبًا منه، بل أمر يرفضه الشرع.
***
يقول الكاتب الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو (1856 - 1959): « الناجح لديه خطة وبرنامج أما الفاشل فلديه تبريرات».
هذا بالضبط هو حال الحكام الذين ابتليت بهم مصر منذ 1952، وهم جميعًا يعانون من الجهل والعجز والفشل إلى جانب قدر كبير من الغرور والنرجسية، ولا تمكنهم إمكانياتهم المعرفية المحدودة من تبني خطط أو برامج نهضوية شاملة، فلم يجدوا أمامهم بدا من الكذب على الشعب، دون اللجوء كثيرًا إلى القسم لتبرير كذبهم، حتى جاء الجنرال السيسي ليصِرَّ على القسم باستمرار، مما يشير إلى إصابته بمتلازمة الكذب المرضي “الميثومانيا”، حيث يكذب الكذَّابون دون سبب ودون فائدة محتملة قد تعود عليهم، وليس لديهم أي قلق بشأن العواقب المحتملة عند كشف كذبهم وظهور الحقيقة سواء على أنفسهم أو على الآخرين، وهم عادة لا يخطّطون لقول الأكاذيب ولا يمكنهم التحكُّم في رغبة الكذب، كما أنّهم يؤلّفون قصصاً خرافية مفصَّلةً عن أنفسهم، مما يجعل الكذب لديهم سلوكاً مستمراً مدى الحياة، على العكس ممن يكذبون بشكل عَرَضي، بهدف إخفاء شيء ما أو تجنُّب مشكلة ما. وقد ذهبت الطبيبة النفسية جوديث أورلوف، في كتابها The Empath s Survival Guide، إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى خللٌ في الوصلات العصبية المسئولة عن الشعور بالشفقة والتعاطف، ذلك أنَّ النرجسية والانتهازية والسيكوباتية تعني أنَّ المصابين بالكذب المرضي لا يشعرون بالتعاطف كما يشعر البشر العاديين.
لذلك نجد الجنرال يدير البلاد معتمدًا على شقين اثنين، الأول أمني يقوم به اثنان من أولاده، وفريق من المقربين، وهو المراقبة الشديدة على الأفراد والجماعات والهيئات والمؤسسات المختلفة واستعمال العنف الفوري والمميت تجاه من تسول له نفسه الخروج على الولاء والطاعة والخضوع التام له، والثاني يقوم به هو نفسه، وهو دغدغة مشاعر الأغلبية الشعبية من البسطاء، وتقديم نفسه لهم على أنه نبي مرسل من العناية الإلهية لحمايتهم وحماية وطنهم من التحلل والانهيار، متجاهلا حقيقة أن الصدق هو ما يوافق الدليل. ومع غياب الدليل يلجأ إلى القسم لينظر إليه المواطن العادي نظرة جيِّدة، ولتعزيز مكانته أمام الآخرين. يرفض الواقع فيلجأ للكذب في محاولة يائسة لتغييره لصالحه. يكذب ويصدق أكاذيبه، مما يمنحه شعورًا بالسيطرة على المواقف المختلفة في الحياة، ويحفظ مكانته، ويجني ردود الأفعال التي يرغب بها ممن حوله والمحافظة قصرًا على قدره واحترامه من قبل الآخرين. إن لديه شعورًا مبالغًا به بأهمية الذات، ولديه شعور بأحقيته في التميز عن غيره والحاجة إلى أن يكون محط إعجاب مفرط باستمرار، يتصوَّر أنه يجَسِّم الوطن بكامله في شخصه وأن أي انتقاد لشخصه ولممارساته السياسة هو هجوم على الوطن بكامله. يتوقع الاعتراف بتفوقه دون تحقيق إنجازات تستحق ذلك، يبالغ في استعراض إنجازاته ومواهبه، وينشغل بأوهام حول النجاح، والقوة، والتألق، والجمال، يعتقد بتفوقه، ويحتكر الحديث لنفسه، ويقلل من شأن الأشخاص الذين يعتبرهم أقل شأنًا منه أو يحتقرهم، يتوقع أن تكون له الأفضلية دومًا، مع امتثال الآخرين المطلق لرغباته، واستغلالهم للحصول على ما يريد، إذ يعجز عن فهم احتياجاتهم ومشاعرهم أو يرفضها، تتسم تصرفاته بالعجرفة أو الغطرسة والغرور، والتبجح والتفاخر مع إصراره الدائم على الحصول على أفضل الأشياء لنفسه!