قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني: الانتخابات النيابية واستكمال المواجهة
حنا غريب
الحوار المتمدن
-
العدد: 7107 - 2021 / 12 / 15 - 08:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تكتسب الانتخابات النيابية المقبلة أهمية كبرى، لأنها تأتي بعد انتفاضة 17 تشرين، والانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي المستمر في لبنان، وفي ظلّ المفاوضات والضغوط الدولية – الإقليمية القائمة،
وعلى وقع التحقيقات القضائية بانفجار المرفأ وأحداث الطيونة، وما تلاهما من تداعيات على صعيد الوضع الداخلي، يُضاف إليها مخاطر التصعيد السعودي – الخليجي على لبنان، وما يحمله من تداعيات إضافية. لقد جاءت الحكومة "الميقاتية" الحالية لمهام محدّدة، وكتسوية بين الأطراف الدوليين والإقليميين والداخليين، وأهمّ تلك المهام: محاولة منع الارتطام والانهيار الشامل في مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسات الأمنية، وإجراء الانتخابات لإنتاج أكثرية نيابية، ومن ثمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي والالتزام بشروطه، التي تقضي بالمزيد من الاستدانة، مقابل إقرار رزمة من القرارات والمراسيم والقوانين، التي تصبّ في مصلحة تحالف أحزاب السلطة والمصارف وأصحاب رأس المال. فمع سقوط نظام الطائف وانهيار الدولة، تقوم أطراف المنظومة، كلٌّ على طريقته، بمحاولة فرض قوانينه وأنظمته الخاصّة وتدبير أمور "دويلته" و"مناطقه" (عبر توفير حدٍّ أدنى من الخدمات الصحية والحصص الغذائية والمازوت وغيرها).
وعلى الرغم من الوعود، التي جرى ويجري ترويجها على هامش تشكيل الحكومة الحالية، والحكومات التي سبقتها، فإن كلّ المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية واصلت تدهورها: معدلات النمو، معدلات التضخم والبطالة والفقر والهجرة، العجز في المالية العامة والحسابات الخارجية، انهيار القوة الشرائية للدخل ومرافق الخدمات العامة الأساسية وتفكّك منظومة شبكات الحماية الاجتماعية، وبخاصة الصحّية والتربوية منها. ولا يبدو، في الأفق، أيّ حلٍّ للخروج من هذه الأزمة على يد هذا النظام وقواه الحاكمة من أحزاب سلطة ومصارف واحتكارات وصولاً إلى أدواتها الأمنية والقضائية والمالية.
وأكثر ما يميّز هذه الانتخابات أيضاً عن سابقاتها، أنها تأتي في ظلّ محاولات لإعادة إنتاج نظام طائفي جديد، بعد سقوط نظام الطائف، وهذا يعني أن أسس الدولة والنظام السياسي مطروحة على بساط البحث، ربطاً بتداعيات الانهيار وما جرى ويجري من تصعيد في لبنان والمنطقة من تطورات. والسؤال هنا: هل أن إنتاج صيغة نظام جديد للبنان سيكون من خلال أكثريات طائفية ستنتجها الانتخابات النيابية التي سبق وفشلت في أن تشكّل حلولاً لأزمات النظام ؟ أم – كما درجت العادة – ستأتي بعد عجز المنظومة الحاكمة عن احتواء أزمة نظامها، ولجوئها إلى تصعيد الاقتتال المذهبي وتوليد الانقسامات الطائفية، بهدف طمس حقيقة الصراع والتهرّب من دفع الثمن بغية إعادة إنتاج سلطتها ونظامها من جديد، عبر تسويات دولية وإقليمية ومحلية، لم يأت أوانها بعد، في خضم التهديدات الصهيونية والضغوط الأميركية والغربية المستمرّة ضدّ لبنان لإخضاعه لشروطهم في التفاوض حول برامج صندوق النقد الدولي، والحدود البحرية، وفتح مسارات تطبيع غير مباشر مع العدو (أنابيب الغاز المصري)، والتعاون مع المندوب الأميركي – الإسرائيلي هوكشتين، لتقاسم الغاز مع العدو في الحقول الحدودية).
كلّ هذه العوامل والظروف المحيطة بها ستنعكس على الانتخابات النيابية ، ولاسيما ، في تركيب اللوائح وصوغ التحالفات السياسية والانتخابية وفرز وضمّ وإقصاء بعض القوى سواء في 8 أو 14 آذار. ومن المؤكّد بأن هذه القوى ستسعى إلى محاولة اختلاق لوائح مموّلة ومدعومة إعلامياً تحت إسم "المعارضة"، لضرب لوائح التغيير الديمقراطي التي ستعمل القوى العلمانية والوطنية، التي شاركت في انتفاضة 17 تشرين على تشكيلها. كذلك ستلجأ كلّ تلك القوى، ومن دون استثناء، إلى الترغيب والترهيب باستخدام الدعم الاقتصادي والمالي والإعلامي والإعلاني، إلى غير ذلك من وسائل.
إن لبنان المنزلق اليوم إلى الهاوية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً نتيجة الدفع الجنوني في لغة التخاطب السياسي المتبادل بين الأطراف المتحكّمة، والذي بات يهدّد وبشكل جدّي، الوضع الأمني في البلد. الحالة السياسية والاقتصادية في أسوأ حالاتها؛ شلل وجمود وانهيار في معظم مؤسسات الدولة وخدماتها العامة، والفقر والبطالة في مستويات قياسية، والطبقة الوسطى انهارت وأفلست كما المؤسسات، بما فيها الجامعات والمدارس والمصانع ومؤسسات النقل. واللافت للّنظر هو أن جُلَّ اهتمام القوى السياسية الحاكمة لم يعد منصبّاً في الآونة الأخيرة حول كيفية وقف الانهيار وتداعياته على حياة اللبنانيين، بل حول موجبات تعزيز وتجديد الولاءات الخارجية والأدوار المطلوبة منها ارتباطاً بموضوع تجديد التسوية الطائفية الداخلية من جهة، وما تشهده المنطقة من تطوّرات من جهة ثانية.
إن هذا الوضع المأساوي وغير المسبوق يتطلّب حضور الحزب وقوى التغيير الديمقراطي في كلّ الجبهات، من خلال استمرار خوضه للمعارك الوطنية والسياسية والاجتماعية الكبرى، وارتكازاً على المساهمة النشيطة في ساحات الانتفاضة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. وعليه سوف تشكّل المشاركة في الانتخابات النيابية استكمالاً لتلك المواجهة، انطلاقاً من روح انتفاضة 17 تشرين، وضدّ قانون الانتخابات الذي أصبح الأداة التي يستند اليها تحالف أحزاب السلطة الطائفية والمذهبية مع قوى الرأسمال المالي والريعي، لتعزيز توجّه أركان هذا التحالف نحو إقامة شكلٍ من أشكال "الدولة الفدرالية الطوائفية"، وكذلك ضدّ أحزاب السلطة السياسية وعصبيات الطوائف والأجندات الخارجية.
إنها معركة سياسية بامتياز من أجل التأكيد على إعلاء راية المشروع الديمقراطي البديل، مشروع الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة لمشاريع إعادة إنتاج نظام الطائفية والتبعية، إنها مناسبة لتظهير تموضع الحزب السياسي مع قوى التغيير الديمقراطي في سياق المواجهات النقابية والقطاعية والبلدية... إذ لا يصحّ التخلّي عن خوض هذا الاستحقاق في ظروف البلد الحالية، لأن هذا يعني ببساطة أننا أخلينا الساحة لأحزاب السلطة ومشاريعها المدمِّرة، بل كذلك لقوى أخرى تسعى من موقع "اعتراضي" إلى ملء الفراغ وتغيير الوجوه، فمن الخطأ الجسيم ترك ساحة الاعتراض للآخرين. إنها مناسبة للاستفادة منها لمواصلة طرح أبرز ما جاء في وثيقة المؤتمر الوطني الثاني عشر وبرنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أجل التغيير، وتحويلها إلى فرصة مؤاتيه لإطلاق النشاطات والتحركات وتعبئة المنظّمات الحزبية خلال فترة التحضير للمؤتمر، على أمل أن تشكّل الانتخابات النيابية عنصراً محفّزاً للنقاش المؤتمري، عبر استنهاض منظّمات القاعدة الحزبية بما يعزّز انتظام نشاطها واجتماعاتها وبالمواجهة، كي لا يكون الحزب حزباً مطلبياً وللاحتجاجات فقط، بل يكون أيضاً حزباً للتغيير الديمقراطي، مع ما يستوجب ذلك من بناء للقدرات الذاتية وتراكم الخبرات والتجارب وخوض المعارك الانتخابية وامتلاك الأدوات التمثيلية مثل النقابات والبلديات وسائر التجمعات والهيئات الاجتماعية المختلفة.
وعلى هذا الأساس جاء قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني بخوض هذا الاستحقاق الانتخابي، استكمالاً للمواجهة المفتوحة ضدّ المنظومة السلطوية الحاكمة ونظامها، ومع أوسع تحالف لقوى التغيير الوطني والديمقراطي والعلماني واللاطائفي، وذلك وفق الأسس السياسية والمعايير المطروحة أعلاه، على أن يترافق ذلك مع استمرار المواجهة أيضاً في الشارع ضدّ القانون الانتخابي وقوى السلطة التي أقرّته، ومن أجل إدانتها على جرائمها في الانهيار الشامل الذي تسبّبت به، ومواصلة تظهير مواقف الحزب من النظام السياسي- الطبقي وأطرافه المختلفة. وعلى أن تتخذ مشاركة الحزب في هذه الانتخابات مستويات عدّة؛ من الترشيح الحزبي المباشر وتشكيل لائحة والاقتراع لها، إلى تبنّي ترشيح أصدقاء أو شركاء أو شخصيات اجتماعية ديمقراطية مستقلة لها حيثياتها الوطنية والمناطقية، من الذين تشاركنا العمل معهم في ساحات ومجموعات الإنتفاضة إلى غيرها من المعارك، والمساهمة في تشكيل لائحة وفق المعايير المشتركة والاقتراع لها، وصولاً إلى الاقتراع للائحة مستقلّة تتوفّر في برنامجها المعايير المشتركة الواردة في القرار.