اليسار عدو الشيوعية الرئيسي
فؤاد النمري
الحوار المتمدن
-
العدد: 6955 - 2021 / 7 / 11 - 19:22
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أولى الدلائل الثابتة والمباشرة على أن ثورة أكتوبر البلشفية إنما هي حكم التاريخ البات غير القابل للإستناف أي أن الثورة لم تمت وأنها ما زالت في الأرض تنتظر الربيع لتزهر من جديد، هو أن العدو الأول للثورة الشيوعية فيما بعد الحرب العالمية الثانية قد بات البورجوازية الوضيعة بمختلف أشتاتها وأدعياء اليساروية منها بصورة خاصة .
كان معلم الماركسية الأوحد فلاديمير إيلتش لينين قد حذر من البورجوازية الوضيعة كعدو رئيسي للثورة الإشتراكية في كتابه الضريبة العينية (Tax in Kind) في العام 1921 إذ قال ..
we must expose the error of those who fail to see the petty-bourgeois economic conditions and the petty-bourgeois element as the principal enemy of socialism in our country.
قالل لينين .. يتوجب فضح عجز أولئك الذين لم يدركوا الدور الذي تلعبه اليورجوازية الوضيعة في الإقتصاد وأن البورجوازية الوضيعة هي العدو الرئيسي للإشتراكبة في بلادنا .
في المؤتمر العاشر للحزب في مارس 1921 برز تروتسكي يقود جناحاً يسارياً في الحزب يعارض توجهات لينين في بناء الإشتراكية ودولة دكتاتورية البروليتاريا . مقابل صخب تروتسكي العارم الذي ملأ فضاء المؤتمر إقترح لينين على المؤتمر أن يتخذ قراراً يحرّم على الشيوعي العضو في الحزب أن يجنح يمينا أو يساراً، وهو ما كان مما اضطر تروتسكي إلى التخلي عن يساريته في الظاهر فقط طالما هناك لينين في المقابل .
قرار لينين بتحريم الجنوح على أعصاء الحزب الشيوعي شاغل لينين في الأشهر التالية للمؤتمر مما دفعه إلى كتابة مؤلفه الشهير باسم مرض الطفولة في الحركة الشيوعية (Infantile Disorder) واستهجن لينين في الكتاب إنسلاخ جماعة سبارتاكوس بقيادة الماركسيين البارزين روزا لكسمبورغ وكارل لبيكنخت في العام 1918 عن الحزب الشيوعي في ألمانيا وكتب لينين بكلمات قاسية ..
"What old and familiar rubbish! What Left childishness!"
ما هذه الزبالة البائتة المعروفة ! ما هذه الطفولة اليساروية !
لدى إنطلاق الثورة الشيوعية في العالم بقيادة لينين في العام 1921 كان لينين قد جاهر بقوة ضد اليساروية في الحركة الشيوعية . واليوم بعد "انتهاء" الثورة الشيوعية قبل ثلاثة عقود تستشري البساروية وقد غدت التاكتيك المعتمد من قبل كافة فلول الأحزاب الشيوعية وهو ما يؤكد أن استشراء اليساروية الماثل اليوم ما كان ليكون إلا بسبب انتهاء الثورة الشيوعية إلى ما انتهت إليه باعتباره الفشل الذريع .
هل كان لأحدهم أن يغامر ويعلن نفسه يساريا لو بقي الإتحاد السوفياتي أقوى قوة في الأرض كما كان في العام 49، ولو غدت شعوب الإتحاد السوفياتيي تتمتع بأعلى قدر من الرفاهية كما كان هدف الخطة الخمسية الملغاة (1951 – 55) ؟
إذاً اليساريون بمختلف أشتاتهم هم يساريون لا لشيء إلا لأن الثورة البلشفية انتهت إلى الفشل الذريع . لكن ما هو برهانهم على أن ثورة أكنوبر انتهت إلى الفشل الذريع !؟ ليس لديهم أية براهين بغير تفكك الإتحاد لاالسوفياتي وانتهاء جمهورياته وأولها روسيا إلى مجتمعات فقيرة مفككة .
نحن هنا لا نتساءل عن حقيقة انهيار الاتحاد السوفياتي وهو أقوى قوة في الأرض في العام 41 وأن مجمل إنتاجه في العام 61 يفوق مجمل إنتاج دول غرب أوروبا مجتمعة كما ورد في تقرير قيادة الحزب لمؤتمرالحزب الثاني والعشرين، وتفككه في العام 91 وانحطاط جمهورياته إلى دول فقيرة، بل نتساءل عن أسباب ذلك . لا يستطيع اليساريون بمختلف نحلهم أن يقيموا أبنيتهم النظرية إن وجدت على افتراض انهيار الثورة البلشفية دون تحديد الأسباب الحقيقية للإنهيار . فلول الأحزاب الشيوعية جميعها لم تعلن حتى الساعة أية أسباب للإنهيار الأمر الذي لا يفقدها أية صدقية شيوعية وحسب بل يصل إلى الإفتراض أن الإنهيار لم يكن بسبب إعتوار في الثورة البولشفية بل يكاد يكون بسبب صحة الثورة وسلامتها وهو ما نؤكده في هذا المقام .
الحفيقة الكبرى التي يتهرّب من مواجهتها مختلف مراجعي الإشتراكية السوفياتية وأشتات اليسارويين وهي أن ستالين لم يكن التلميذ النجيب للينين فقط، كما كان يحب أن يصف تفسه، بل كان أبضا رئيس هيئة أركان بروليتاريا العالم ضد أعدائها من مختلف المنابت والأصول، كان "الجنراليسمو" الذي قاد بروليتاريا العالم إلى الإنتصار في مختلف معاركها الصعبة فيصفه عجوز الإمبريالية في خطابه يحيي ذكرى الثمانين لميلاد ستالين فيقول .. "لقد حاربنا ستالين كاستعماريين بأدواتنا وتغلب علينا" وكتب الرئيس الأميركي المتميز فرانكلن روزفلت في مفكرته بعد مؤتمر يالطا 1945، كتب يقول .. " سيبني ستالين عالما يسوده السلام والديموقراطية "، وحتى نيكيتا خروشتشوف وإلى خطابه السري في العام 1956 تعود كل الهجومات على ستالين إضصطر في فبراير 1959 يفتتح مؤتمر الحزب الحادي والعشرين إلى الإعتراف .. "أن الحزب بقيادة ستالين قد تغلب على محتلف صنوف الأعداء وبنى دولة اشتراكية عظمى نعتز بها " .
جنراليسمو هيئة أركان جيوش العمال في العالم كان في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي البولشفي في أكنوبر 1952 فبل اغتياله بثلاثة شهور فقط قد نبّه مندوبي المؤتمر إلى أن أخطاراً جدية تتهدد الثورة الإشتراكية وليس من مأمن مقبول لتلك الأخطار سوى اتخاذ إجراءين إستباقيين بالغي الأهمية وهما تحويل الصناعات الثقيلة إلى صناعات خفيفة، والإجراء الثاني وهو تنحية قيادة الحزب آنذاك التي لم تعد بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتق الحزب . ويبدو أن المؤتمر وافق على التحول إلى الصنتعات الخفيفة دون أن يعلم أن قصد ستالين كان الوقف التام لتصنيع الأسلحة التي هي ليست من مقومات الإشتراكية لكن نذر العدوان على الاتحاد السوفياتي كما بدت في مؤتمر ميونخ 1938 اضطرته إلى الإنخراط كلياً في التسلح، ورفض الإقتراح الثاني القاضي بتغيير القيادة رغم تدخل ستالين القوي وغير الديموقراطي في الانتخابات .
لا يخامرنا أدنى شك في أن رفض المؤتمر لاقتراح ستالين القاضي بتنحية قيادة الحزب القديمة هو السبب الأول والأخير في انتهاء الثورة الاشتراكية إلى ما انتهت إليه اليوم . فالقيادة القديمة هي التي اغتالت ستالين بالسم في الأول من مارس 53 حيث كان ستالين عاقد العزم على إحالة كامل القيادة القديمة إلى التقاعد وقد اعتادوا على ممارسة السلطة العليا لأمد طويل وهم الذين دعوا اللجنة المركزية للإجتماع في سبتمبر 53 لتقرر إلغاء الخطة الخمسية خلافاً للتظام وللقانون من أجل الاستمرار في صناعة الحرب كما أشار القرار .
الحقيقة العظمى التي تغيب عن بال مراجعي الثورة البلشفية ومختلف أشتات اليساريين هي أن أوار الثورة الإشتراكية بدأ بالخفوت حال غياب شرطي التأمين اللذين اشترطهما ستالين بطريرك الماركسية اللينينية في مؤتمر الحزب التاسع عشر في أكتوبر 52 .
هذه القراءة الماركسية للتاريخ كما هو، تؤكد خلافاً لمختلف دعاوى مر اجعي الإشتراكية السوفياتية وشتى دعاوى الشيوعيين المفلسين وأشتات اليسار ويين أن انهيار الثورة الإشتراكية المزعوم لم يكن يسبب خلل فيها بل كانت صحيحة وستبقى صحيحة وغير قابلة للنقض . البورجوازية الوضيعة التي لا تنتج شروى نقير بمختلف أشتاتها غير مؤهلة لنقض الإشتراكية . تلك حقيقة لا يد وأن تفلق رؤوس المراجعين واليساريين والمفلسين .