المرأة العراقية والتحرير وساحات التظاهر والاحتجاج
انتصار الميالي
الحوار المتمدن
-
العدد: 4955 - 2015 / 10 / 14 - 21:54
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
حق التظاهر هو أحد حقوق الإنسان المعترف بها دولياً. إنه حق لكل انسان امرأة ورجل في حرية التعبير والتجمع والذي يتضمن مجموعة من الاساليب السلمية التي أكدت عليها العديد من لوائح حقوق الإنسان والدساتير التي تنسب حق التظاهر إلى حرية التجمع أو حرية التنظيم وحرية الكلام والتي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدساتير في الكثير من الدول، كذلك الاحتجاج هو صورة من صور التظاهر وطريقة للتعبير عن رأي جماعة أو حزب سياسي أو شخص، ويكون عادةً في منطقة ذات شهرة واسعة لتوصيل الصوت إلى أغلب شرائح المجتمع. وفي الأغلب يتحول إلى صراع بين المحتجين والشرطة.
وتعد مشاركة المرأة العراقية في التظاهرات والاحتجاجات على الكثير من القضايا الخاصة بحقوق المرأة والقضايا العامة كسوء الخدمات ومحاربة الفساد، التي شهدتها بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية نقطة تحول حضارية وانطلاقة مميزة تعيد للمرأة العراقية صورتها التاريخية، وليس غريبا ان تخرج نساء العراق للمطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين الذين نهبوا اموال البلد وسرقوا حقوق الشعب،ان وجود المرأة في التظاهرات هو اشارة لمدى الوعي التي تمتلكه المرأة اتجاه قضية بلدها وشعبه الصابر رغم التحديات والويلات الكثيرة التي ألمت بها الا انها لم تتوقف بل قامت بدورها الفاعل في جميع التظاهرات وهي ترفع صوتها احتجاجا للمطالبة بحقوق الجماهير الرافضة للظلم والاستبداد.
لقد اقتحمت النساء العراقيات ساحات التظاهر التي تميزت بوجودهن البارز وكسرت حاجز الخوف والعادات التي تحاول تقييدهن وشاركن جميعاً من شابات وطالبات ومثقفات ومعلمات وفنانات واديبات واعلاميات وربات بيوت وارامل وامهات الشهداء وحتى النازحات والمهجرات جمعتهن قضية واحدة هي الاصلاح وكان لهن التأثير الواضح والفعال للمطالبة بحقوق الشعب المشروعة والضغط وبقوة على اصحاب القرار من حكومة وبرلمان والتي جاءت بنتائج ايجابية وحزمة من الاصلاحات.
صوت المرأة كان عاليا ومعبرا ومؤثرا لايمكن حجبه او تلاشيه وهتافها ( خبز.. حرية .. دولة مدنية ) هتاف شهير ومدوي صدحت به كل الحناجر وجاء معبرا عن حاجة الجماهير الغاضبة والمتظاهرة والمطالبة بتنفيذ الاصلاح الذي اخذ يتعالى وصولا للمطالبة بأصلاح القضاء الذي تكرر في الاسابيع الاخيرة، ويظل صوت المرأة شرارة واضحة لثورة شعب يؤكدها التاريخ الذى يبقى وحده شاهدا على دور المرأة فى المظاهرات والاحتجاجات.
مشهد يؤكد وعي المرأة العراقية وحضورها المشرف وهي تقف مع الرجل للمطالبة بالدولة المدنية واصلاح القضاء ومحاسبة المفسدين واعادة الهيبة للعراق.
ونحن نتحدث عن مشاركة المرأة العراقية في التظاهرات والاحتجاجات الاخيرة علينا ان نحلل طبيعة المشاركة ، علينا ان نوضح ان النساء لعبن دوراً مهماً في تنظيم المظاهرات عبر الانترنت ( الفيسبوك والتويتر) وفي حضورهن مع الشباب في المقاهي والمنتديات التي كانت سببا رئيسيا في استمرار سلمية التظاهرات، فضلا عن حضورهن في اللقاءات والحوارات التليفزيونية خلال المظاهرات مما عكس صورة مختلفة عن الصورة النمطية التي يحاول البعض تكريسها عبر المفاهيم الخاطئة.
الاشتراك الكبير للمرأة في المظاهرات دليل جيد على مستقبل الحركات المؤيدة لحقوق المرأة العربية لانهن وجدن اصواتهن و مقدرتهن بشكل فعال.
المرأة العراقية ساهمت بالتغيير لكنها لم تنصف، استطاعت ان تساهم في تغيير الانظمة الاستبدادية لكنها لم تغير النظرة القاسية نحوها في مجتمعات متخلفة كانت المرأة لا تملك فيها لا الصوت ولا الصورة ،بينما في الساحات والميادين المحتجة أستطاعت المرأة ان تأخذ دورا كافيا لكي تثبت قدراتها الفعلية على الأرض من ناحية الوعي والقيادة ، فالمرأة كانت ناشطة في كل الميادين كقائدة ، وما تزال حتى اليوم من خلال المشاركة القوية إلى جانب الرجال في الاحتجاجات، ولقد تميز دورهن في الإعلام وعلى المحطات الفضائية المختلفة ،كإعلاميات ومحاورات وضيوف سياسيات ونشاطات حقوقيات ،كدورهن الميداني السياسي والطبي والاجتماعي ،والنضال الميداني النسائي لا يختلف عن النضال الفكري.
والعراقيات اللواتي زينَّ ساحات التغيير للمطالبة بالدولة المدنية، هنَّ بحاجة الى التأكيد على حقوقهن وليس فقط في إبراز دورهن ، على امل ان يكون الغد القريب افضل لتغيير النظرة غير الطبيعية للمرأة في مجتمع ذكوري تسيطر عليه تبعية المرأة الاجتماعية الجسدية والفسيولوجية والمادية والمالية للرجل .لم تنصف المرأة ما بعد 2003 ونحن نسير الدرب نحو الديمقراطية والقضاء على الاستبداد والدكتاتورية، رغم منحها حق الكوتا النسائية في البرلمانات، ومشاركتها في تشكيل الوزارات ،لكنها لم تملك الفرصة بعد في صناعة القرار السياسي ولا حتى في قيادة الأحزاب والحركات السياسية.
طبعا كل هذه الأسئلة المحقة لم تجد لها أجوبة حقيقية تنصف دور المرأة ،بالرغم من وصول المرأة إلى أماكن مرموقة في الدفاع عن قضيتها وقضية بلادها ومقابلة قيادات العالم ،فكيف تكون الديمقراطية والتغيير ولا تزال النساء في بلداننا مغيبات قسرياً عن المشهد العام ،فالديمقراطية لا تتحقق إلا بالعدالة والانصاف كمواطنات وشريكات حقيقيات في عملية البناء ،لان تغييب المرأة عن لعب دورها، هو تغييب نصف المجتمع المنتج والعامل ،فعملية التغييب لها التأثير السلبي اقتصاديا واجتماعيا،فالمشاركة الكاملة لكافة أعضاء المجتمع تؤدي إلى نمو اقتصادي سريع حسب النظريات الاقتصادية ،إضافة إلى مجتمع جديد لا يحتكر فيه التمثيل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي على قدرات الرجال مقابل الحد من قدرات النساء.
الدور الذي تلعبه النساء العراقيات اليوم في الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد الوجه الاخر للارهاب ومحاسبة المفسدين هو دور كبير لا يمكن أغفاله ولايقل اهمية عن التظاهرات والاحتجاجات نفسها، مما يتطلب ان تأخذ المرأة استحقاقها في قيادة هذه التظاهرات وأدارتها عبر التنسيقيات والمجاميع لا ان ينفرد الذكور بهذا المجال كغيره من المجالات الاخرى، من منطلق الايمان الحقيقي بأهمية تعزيز دور المرأة وتمكين مشاركتها في كافة المستويات والمجالات.