كردستان في لعبة أمريكا الداعشية
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن
-
العدد: 4590 - 2014 / 10 / 1 - 11:56
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أدت الانتفاضات في الشرق إلى ارتفاع أسعار النفط بالذات. ومع هذا الارتفاع دخل الاقتصاد العالمي على العموم والامريكي على الاخص، مرحلة جديدة من الركود. فصاحب هذا الارتفاع في اضعاف ديون الولايات المتحدة الأميركية، وعجز ميزانها التجاري، وتقليل مكانة الدولار بالمقارنة مع يورو. وكل ذلك، حول الميزان التجاري وميزان المدفوعات في صالح الدول النفطية وضد أمريكا بالذات. وان الحالة هذه تتناسب وارتفاع حاجات أمريكا النفطية. لذلك علينا النظر إلى عنصر آخر من عناصر تعمق الازمة الراهنة، وهو حاجات الدول الصناعية للمواد الاولية المتوفرة في هذه المنطقة، ونعني بها النفط والغاز.
ان احتياطي النفط العالمي اليوم هو في حدود 932 مليار برميل، يستهلك منها حوالي 80 مليون برميل يوميا. وان استهلاك الولايات المتحدة وحدها يبلغ ما يعادل استهلاك الصين واليابان وروسيا وألمانيا والهند معًا، أي 20،000،000 برميل يوميا (= 26% من منتوج النفط العالمي). لذلك فالولايات المتحدة الامريكية، ستضطر إلى البحث في كل مكان عن مصادر الطاقة، من أوكرانيا وفنزويلا إلى السودان وإيران وإلى آسيا الوسطى والشرق الاوسط.
ان الاحتياطي الأميركي حوالي 30 مليار برميل، والروسي حوالي 48 مليار. أما العراق يملك ثاني اكبر احتياطي بالعالم ويقدر بأكثر من 200 مليار برميل بنوعية عالية. وان أهمية كردستان العراق النفطية ليست هي وفرة النفط فحسب، بل كلفة استخراجه الرخيصة مقارنة بالمناطق الاخري في العالم أيضا. فيقدر كلفة انتاج برميل من النفط في كردستان العراق بـ 0.70-$- تقريبا. أما في جنوب العراق حوالي 2-$-، في بحر قزوين حوالي 8-$-، في بحر الشمال حوالي 17-$- للبرميل. فانتاج النفط الصخري في أمريكا ذاتها، تصل إلى 70 دولار للبرميل، مقابل 2 إلى 5 دولارات للبرميل في الدول العربية، إضافة إلى النوعية الجيدة لنفط هذه المنظقة من العالم مقارنة بالنفط الأمريكي. لذلك فمن الضروري دخول أمريكا إلى كردستان بالذات عن طريق لعبة (توم أند جيري) مع داعش لتثبيت مصالحها الآنية والمستقبلية فيها إزاء مصالح منافسيها وعلى الاخص روسيا، فالنفط في كردستان تملك حقوق استثمارها 6 شركات امريكية ولمدة 30-40 سنة.
هذا هو سر النزاع وتنشيط الحروب الرأسمالية التنافسية في كل من العراق وسوريا وأوكرانيا. ووراء تفعيل الحروب، نجد أيضًا محاولات امريكية لايجاد سوقا لتصريف بضائع امريكية من نوع آخر، وهي الاسلحة الفائضة القديمة تحافظ عليها الدولة في مختزناتها منذ أمد غير قريب. وهذا التفعيل هو منفذ أمام رأس المال للخروج من الاختناق الصناعي أو ازدحام المنافسين. وهل تعرفون ترى، ان الولايات المتحدة، استفادت من هجماتها على -ووجودها في العراق، 100 مليار دولار من العراق فقط خلال 10 سنوات 2003-2013 ما بعد سقوط صدام حسين؟
وهكذا، فكنا على حق عندما قلنا في عام 2008: "نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد". ونحن الآن أمام عواصف السوق العالمية التي يندلع فيها النزاع بين كل عنصر من عناصر الاقتصاد الرأسمالي. واليوم لا يتعلق الامر باختلال التوازن بين استهلاك الرأسماليين أنفسهم ومراكمتهم، بل بعدم إعادة إنتاج راس المال بصورة طبيعية نتيجة للاختناق الصناعي، أو عدم منفذ أمام الدول الصناعية بالذات للاستثمارات الجديدة في العالم. وهذا التوقف في الاتساع هو الذي سيصبح أساسًا في تنويم قسم من رأس المال وتدمير بعضه الآخر وصعوبة الحصول على الائتمان المصرفي نقدًا أو السلع الصناعي بالدين. وعندما لا تجد الرأسمالية طريقًا للخروج من الاختناق، فلا تبقى أمامها سوى انفجارات عنيفة لمعالجة الشلل الذي يصيبه الإنتاج؛ تعيد لفترة مؤقتة اختلال التوازن في الاقتصاد العالمي. ومادام النظام الرأسمالي هو الذي يعمم الاختلال ويخضع حركة الإنتاج في كل مكان للقانون العام، فهو يثير في نفس الوقت النزاع التنافسي الحاد بين الرأسماليين في كل مكان وسعي كل رأسمالي وكل بلد لا لتقاسم الارباح، بل لتقليص حصته في الخسائر ووضعها على عاتق منافسيها، فيحول المزاحمة هنا المصالح الاخوية إلى أخوة أعداء في ساحات الحروب لاجل تقسيم الثروة الاجتماعية التي يعتبرونها إرث آباءهم لمصلحتهم الخاصة. أما في الواقع، فالنتيجة المباشرة لهذه الازمات والحروب، فهي فقر منتجي هذه الثروات أنفسهم واعطاءهم الاسلحة الضرورية لابادة بعضهم البعض في ساحات الحروب تحت ذرائع مختلفة مثل الدفاع عن الوطن، والاستقلالية القومية، والمقدسات الدينية. وليست كل هذه الحركات سوى الثورة المضادة أو الردة المسبقة للحركة التي لا بد ان تظهر في حينها لتحويل الحروب الرأسمالية التنافسية إلى حروب طبقية ثورية تنشر آمالا جديدة بين البروليتاريين لتطوير الحركة الاجتماعية التي لا تستهدف سوى هدم عالم سيادة البشر على البشر واستعاضته بعالم جديد يسوده علاقات كومونية.