نهاية الظالمين ومصارع الغابرين
خالص جلبي
الحوار المتمدن
-
العدد: 3249 - 2011 / 1 / 17 - 09:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عبادة الذات الفانية
في 13 يناير 2011م وقف بن علي رئيس تونس الحديدي (الجنرال الشرس) مرتعشا، قد تدلى عنقه وتقوس ظهره وتبهدل شكله وكبر عشرين عاما ونقص وزنه في ثلاث أيام عشرة كيوغرامات؟؟
قال متهدج الصوت يلوح مكررا بيدين مرتعشتين: الآن فهمتكم أيها التوانسة الآن؟؟
ثم مثل طفل أشبعه والده ضربا بعلقة ساحنة لسرقة قبيحة (بالعراقي بسطة؟) فهو يعترف: لا تمديد للرئاسة بعد اليوم ... لن أرشح نفسي من جديد؟
وهو مثل شاذ في عالم العربان الغربان، الذين يحكمون مثل البابا إلى الأبد ونقلة القبر... ولا أبدية إلا لله العزيز الجبار؟
وفي يوم الجمعة 14 يناير كان يبحث مثل الشاه عن أرض تستقبله فيرفض من أقرب الأصدقاء ساركوزي الفرنساوي خليله في الحفلات والمسامرات والمؤامرات، وضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ورتبت له فرنسا ملف الخازوق، كما فعلت من قبل أمريكا للشاه فرفضت استقباله وقالت أي فرنسا عن أفراد عائلته أنهم عناصر غير مرحبة بهم في فرنسا، ثم جمدت أرصدته المالية مع عروسته ست الحسن ويجينا المغناج حاكمة قرطاج؟
إن التاريخ يروي لنا قصص كثيرة عن الطغاة أليس كذلك؟
لنسمع المزيد ؟؟
في 25 فبراير 1956 م في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي استهل خروتشوف خطابه بهذه الفقرة:
(إنه من غير الجائز ومن الغريب عن روح الماركسية اللينينية أن ترفع شخصاً واحداً وتحوله الى سوبرمان يملك صفات غير طبيعية مماثلة لصفات اله يعرف كل شيء، ويرى كل شيء، ويستطيع أن يصنع كل شيء، ويفكر عن الجميع، ويكون معصوماً في سلوكه).
أما ستالين البلطجي صاحب شوارب الصقر فكان يجمع في شخصه:
(أنه أعظم فلولوجي، أعظم اقتصادي، وأعظم مؤرخ، وهو قائد الانسانية العبقري، وأعظم قائد عسكري في جميع الأزمنة والأمم، وهو قائد الطبقة العمالية في كل مكان، وقائد الانسانية التقدمي، والزعيم المعصوم، وأكبر عبقرية عرفتها الانسانية)؟؟
في الوقت الذي كان يرسل المجرم الى معسكرات الاعتقال سبعة ملايين انسان ويقتل مالايقل عن نصف مليون، وفي عام 1938 م كان يعدم من نخبة المجتمع السوفيتي (الأدمغة) في وجبة واحدة كل يوم ألف انسان في موسكو، وتمت طباعة مالايقل عن 600 كتاب عن قدسيته بين عامي 1946 و1952 ووزع منها عشرين مليون نسخة، مما جعل المؤرخ الماركسي (ميديفيف) يقول إن ستالين:
(عمل على خلق دين اشتراكي. أما اله ذلك الدين الجديد الكلي القدرة الكلي المعرفة الكلي القداسة فكان ستالين نفسه).
وينقل (نديم البيطار) في كتابه من (التجزئة الى الوحدة) عن كتاب (دع التاريخ يحكم) لمؤلفه (كوالاكوفسكي) أنه:
(ليس هناك بين طغاة ومستبدي الماضي من اضطهد ودمر عدداً كهذا من مواطنيه).
أما ماوتسي تونغ في الصين فينقل (البيطار) أنه قد حلت صوره محل صور الالهة القديمة وأعلن مجلس السوفيات البلدي في بكين:
(في السابق عبدنا كوان لينج الذي قيل فيه أنه كلي القدرة أين قدرته الآن؟ من يجب أن نعبد؟ يجب أن نعبد الرئيس ماو؟).
أما الشعراء فقد وصفوه أنه لو كان في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر من المداد لعجزت عن كتابة آيات حسنه وكماله :
(من الممكن استنزاف جميع كلمات المدح في العالم، ولكن هذه الكلمات لاتستطيع التعبير عن حكمتك وعظمتك، يمكن استنزاف جميع أناشيد العالم ولكن هذه الأناشيد لاتستطيع التعبير عن صفاتك ومنجزاتك الكبيرة).
وتقريباً في كل بلد عربي تحظى بعبادة الأشخاص في صور شاهقة بألوان فاقعة تنفق عليها حكومات ونخب تمد يدها الى آخر قرش من جيب مواطن مفلس، تطل عليك من الميادين بثالوث جديد من مركب الأقانيم الذي تورط فيه الفكر الكنسي بدون نص واحد من الانجيل. وجاء الاسلام لسحب كل مظاهر الالوهية من البشر واعادتهم الى خانة البشر الذين يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ويموتون فلا يحظى أحد بالأبدية..
وماجعلناهم جسداً لايأكلون الطعام وماكانوا خالدين.
ومنه حرم الاسلام الصور والأصنام وما أهل لغير الله به من التعظيم والشعارات والهتافات، ولكن كما يقول الفيلسوف محمد إقبال عن الصنم:
(تبدل في كل حال مناة... شاب بنو الدهر وهي فتاة).
وهكذا نفخت الحياة في مفاصل اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى مما يجعل أبو لهب مستريح العظام في قبره، ودخلنا عصر الوثنية السياسية بكل قوة، وطلقنا التوحيد ثلاثاً لارجعة فيها.
يذكر الكاتب والصحفي الألماني (بيتر شول لاتور) أنه زار سوريا في وقت كان يقتل في حماة ثلاثين ألفا من الأنام وتطحن عظامهم في مقابر جماعية؟ فطالعته في الساحة العامة صورة الرئيس بحجم هائل تطل من علياء قال أدركت يومها لماذا حرم الاسلام الصور؟
أما نحن فلانصل الى هذا الفهم في ألف عام ولو جاءتنا كل آية.
نحن نحرم صور الهوية وذكريات الجامعة ومناسبات الخطبة في فهم سقيم لآلية عمل النصوص.
نحن حرمنا الموسيقى والغناء مطلقاً بدون نص واحد من القرآن والسنة، ولم نستوعب أنه تعبير عن وضع الحضارة تألقاً أو تفسخاً. نحن نشترط (المحرم) ولو كان فيه كل العنت والارهاق ولانفهمه ضمن آلية (الأمن) وأننا يجب أن نخاف في وسط مغلق متشدد على الصبي قبل المرأة من اللواط عفوا، ولو في خطوات الى المدرسة، مقابل الأمن للمرأة بسفر عشرة آلاف كيلومتر الى كندا، وأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما حيث دارت.
وكتب ابن رشد بحثاً جميلاً للاقتراب من فهم هذا (الميكانيزم) في (فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال).
واعتبر ابن قيم الجوزية أن الحرام ما كان كله أو معظمه ضاراً، والله يحل الطيبات ويحرم الخبائث، ولكن عقولنا القاصرة قد ترى في بلد ما أن تعليق صورة مسؤول حرام، ولكن لاحرج من امتلاء جدار بارتفاع عشرة أمتار بكل عبارات التمجيد له، أما العبارات المأثورة من كلامه السقيم فهي أهم من وضع لوحات تعيين المسافات والاتجاهات على الطرق العامة كما رأيتها بين حلب وحلكو؟
إن هذه العلة القاتلة في الثقافة قضت في ضربة ماحقة على كل التطوير الفني في التاريخ الاسلامي من أدب ومسرح وسينما وموسيقى ونحت وتصوير ورسم.
مع هذا فإن التوصيف قد يفرغ شحنة محبوسة في الصدر، ولكنه لايخبر الا عن مدى ارتفاع درجة حرارة مريض يهذي.
نعم إن الجماهير العربية تهذي مثل المحموم.
لنتصور أن مظاهرة خرجت في مدينة فرانكفورت في ألمانيا تضم السيد (ستيفان شبين) من وكالة بيع سيارات المرسيدس والسيدة (فراو كوب) مديرة فرع دويتشي بنك و (الهر هانس) من مصنع (تيسين) للصلب والفولاذ والسيد (ستيفان كروزه) من مصلحة البريد؟ لنتصور أن تعليمات جاءتهم لترك أعمالهم هم وعشرات من أمثالهم لينزلوا الى الشارع ليهتفوا للرئيسة الألمانية (ميركل):
بالروح بالدم نفديك ياميركل؟!!
ولنفترض المستحيل فافتراض الكفر لايعني الكفر.
ماالذي سيقوله الناس عن هذا النفر من الهتافة؟
أتصور أنهم سيعتبرونهم رهط نجحوا في الهرب من مصح للأمراض العقلية، قد ضلوا سبيلهم ويجب الاتصال بالبوليس فورا، خوفا على الممتلكات العامة وأرواح الناس من هذا الفوج من المجانين لحجزهم وايداعهم خلف القضبان حيث يجب أن يودعوا.
نعم إن الوطن العربي اليوم مصح كبير للأمراض العقلية.
أو كما في تعبير الصادق النيهوم في كتابه (محنة ثقافة مزورة):
(غياب الديموقراطية لايجعل الناس مجانين بل يجعلهم يفقدون عقلهم الجماعي، وهي محنة لاتختلف عملياً عن محنة الجنون نفسه الا في نقطتين؛ الأولى أن أوجاع المصاب لاتكشفها أدوات التشخيص الطبي، والثانية أن علاجه يتطلب جراحة من دون تخدير(بصدمة الانسولين والكهرباء عفوا)
إن كل مواطن على حدة يبدو رجلاً عاقلاً في تمام وعيه وإدراكه ولكن الأمة ككل تبدو غائبة عن الوعي؟
ومصدر هذا التناقض بين وعي المواطن الفرد، وبين جهل الأمة مجتمعة، أن العرب خسروا المناخ الحر، ومعه خسروا العقل الجماعي وورطوا انفسهم في ثقافة فردية (تذكر بن شقي التونسي الفأر الفار؟) لاتعاني من غياب المواطنين الأذكياء بل من من غياب وسيلة التفاهم بينهم في مجتمع شبه أخرس له صفات القطيع لاتجمعه أصلاً سوى إرادة الراعي وعصاه).
إن ثقافة الفردية تعني أنه لايوجد في القطر الا شخص واحد وماعداه لاوجود له، وتشهد لهذا الصور المشرعة بكل الأحجام والألوان؛ لأن الساحة لاتسمح بوجود إرادات متعددة بل هناك إرادة لشخص واحد لمعقب لحكمه وهو سريع الحساب.
إنه كائن شكله بشري من صلصال من فخار، ولسانه من مارج من نار، وقضاءه لايرد، وعطاؤه بغير حساب؟
من حوله كهنة يطلقون البخور، ورجال أمن يسبحون بحمده بالليل والنهار وهم لايسأمون.
وعندما يزور زعيم عربي بلداً مثل الصين فإن التلفزيون يسلط الضوء عليه فقط فلا وجود لمليار صيني ولايرينا الا أنفه الكريم وسحنته البهية؟ وهذا المنظر يتكرر في كل قطر أن الكون ليس فيه الا زعيمهم المفدى، مما يوحي بمرض عربي مشترك.
صدق الصوفي القائل إن حصيرة تتسع لعشرة دراويش ولكن كل الأرض لاتتسع لملكين، وكل الأرض والسماء لا تتسع إلا لرفيق واحد؟
ويطرح السؤال نفسه لماذا تتورط الشعوب في الوثنية؟
وكيف يستطيع شخص فاني أن يزعم الأبدية فينتزع لنفسه صفة ألهية؟ وكيف تركع الشعوب وتستسلم لمثل هذا الوهم وتصدق هذا السحر؟ ولماذا تحديداً امتاز الشعب العربي بهذا الكرب الأعظم على نحو واضح بين شعوب المعمورة؟
إنه تشخيص لمرض خطير يسكت عنه مثقف الجامعة والجامع ويتم زحزحة مسألة التوحيد الى معارك دون كيشوت في مسائل لاهوتية لاعلاقة لها بحياة الناس تحدثهم عن فردوس أخروي وهم غارقون في جحيم أرضي الى قراريط الآذان.
علينا أن نحلل هذه الظاهرة الخبيثة في عدة مستويات بدءً من البيولوجيا وانتهاء بالحضارة.
في علم النفس تمرض الروح بالنرجسية وتصاب بعقدة (الكمال).
وكل انتفاخ بيولوجي علامة مرضية، فانتفاخ العينين الصباحي مؤشر على قصور كلوي، وانتفاخ القدمين قد يعني قصورا في القلب أو تشمعا كبديا.
والانتفاخ بالعنجهية القبلية مرض ولو أدعى الشاعر أن الرضيع عندهم إذا فطم تخر له الجبابرة ساجدين فهو يكذب مرتين.
والشوفينية في القومية مرض قاتل، والذي حجز اليهود في مربع الجيتو هو اعتبار أنفسهم شعب الله المختار في انتفاخ أحمق.
وشعار ألمانيا فوق الجميع كلف الشعب الألماني ستة ملايين شاب قضوا نحبهم في ساحات القتال، وكلف العالم خمسين مليوناً من البشر حلوا ضيوفاً على الأبدية.
وفي السياسة ينفخ الكهنة في الوهية الحاكم فيوحي له من حوله زخرف القول غرورا، أنه جمع بين حسن يوسف، وعقل أرسطو، وحكمة لقمان، وسلطان قورش، وعظمة الاسكندر، وأنه سيحكم أبد الدهر، ولكن الطبيعة تعمل على طريقتها الخاصة فتمتد له يد الموت القاهرة أو ترسله إلى المنفى فار كالفأر الليلي مثل بن علي التونسي.. عفوا بن شقي؟
وتأتيه رسل الموت يتوفونهم وهم لايفرطون ثم ردوا الى الله مولاهم الحق الا له الحكم وهو أسرع الحاسبين.
ويذهب المؤرخ البريطاني (توينبي) في كتابه (دراسة التاريخ STUDY OF HISTORY) أن انهيار الحضارات يتم بآلية (الاخفاق في تقرير المصير) :
(وهذا الافتتان في خطيئة عبادة الأوثان التي تعرف بأنها تكريس العبادة للمخلوق عوضا عن من تكريسها للخالق، قد تأخذ شكل عبادة عابد الوثن ذاته، أو عبادة مجتمع في مرحلة فانية يجتازها صوب تحد جديد إبان تحركه الدائم القائم على التحدي والاستجابة وهذه الحركة هي جوهر البقاء على قيد الحياة)..
(وبالحري فإن العابد الذي يرتكب جريمة معاملة نفس ميتة لا كمعبر ولكن كمنصة شرف يبعد نفسه عن الحياة .)
أما (دين كايث سيمنتون) في كتابه حول العبقرية والابداع والقيادة فيرى أن فترات العنف السياسي تخضع (لقانون الاستقطاب) أي أن الأغلبية الساحقة من السكان:
(لاتتسم في الأوقات العادية بالشر الواضح أو الفضيلة البينة ولايهمها أمر المجتمع كثيرا ولاتعمل ضده بشكل متطرف ولاتتميز بالتدين الملحوظ).
والذي يحدث أن التفتت السياسي يقود الى بروز قطبين متعارضين فتفرز المرحلة عددا أكبر من الخطاة والقديسين، وتميل الأغلبية المتوازنة الى (الاضمحلال لصالح فرق شقاقية مستقطبة)، وإذا أضفنا الى هذا عدم بروز عبقريات في مثل هذه الأجواء من التشرذم فقد يصلح تعليلاً لنباتات طفيلية من الطغاة ان تعمر أوطاناً في مرحة تفسخ حضارية.
أما الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) فقد حلَّل في كتابه (السلطان) مشكلة (القادة والاتباع) واعتمد على كتاب عالم النفس (آدلر) (فهم الطبيعة البشرية) بأن التعليم الصارم هو الذي يفرز صنفين غير مرغوب بهما من الناس بين مطواع ومستبد من الناس.
ويذهب (راسل) الى أن التعليم الصارم:
(يخلق الطراز الذليل المستعبد من الناس بقدر مايخلق الطراز المتغطرس المستبد، ذلك لإنه يؤدي الى الشعور بأن العلاقة الوحيدة الممكنة بين مخلوقين من البشر يتعاونان، هي تلك التي تكون في أن يصدر أحدهما الأوامر، وأن يقوم الآخر بأطاعتها وتنفيذها)؟؟
ولكن تلك الشخصيات التي تقفز الى السلطة في فترات التفتت السياسي تفضي الى كارثة:
(والخطوة الأولى بعد الفوضى هي الطغيان ذلك لأن هذا الطغيان يجد التسهيلات اللازمة متوافرة لديه عن طريق المؤثرات الآلية الغريزية للسيطرة والتبعية..
والتعاون على قدم المساواة أكثر صعوبة من الطغيان وأقل اتساقاً مع الغريزة).
إن هناك علاقة بين الذات والوظيفة وعندما تنقلب الأدوار يتحول الى حديث مجانين؛ فعندما سئل مجنون لماذا بني الجسر؟ قال كي يمر النهر من تحته.
وعندما سئل لماذا صنع الراديو؟ أجاب كي توضع البطاريات داخله؟ وفي السياسة ينجح الزعيم في تحدي مرحلة ثم يستسلم لعبادة الذات؟ فيقعد في المرحلة التي وصلها وهو لايشعر فيكنسه التاريخ فيسقط فيكون له دوي عظيم كما حصل مع ابن شقي في تونس؟.
وفي الانجيل الكبرياء يسبق السقوط وحرم الله الجنة على المتكبرين.
يتعجب (أتيين دي لابواسييه ) في كتابه (العبودية المختارة) من سقوط البشر في أصفاد العبودية فيخضعون لبشر مثلهم يأكل مما يأكلون ويموت كما يموتون:
(فلست أبتغي شيئاً الا أن أفهم كيف أمكن لهذا العدد من الناس، من البلدان، من الأمم، أن يتحملوا طاغية واحداً لايملك من السلطان الا ماأعطوه ولامن القدرة على الأذى الا بقدر احتمالهم الأذى منه...
إنه لأمر جلل حقاً وأدعى الى الألم منه الى العجب أن ترى الملايين يخدمون في بؤس وقد غلت أعناقهم دون أن ترغمهم على ذلك قوة اكبر بل هم فيما يبدو قد سحرهم).
نعم إنه السحر الجديد.
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين في الدنيا قبل الآخرة؟؟
إن الاسلام جاء من أجل تحرير (إرادة الانسان) من فكرة المعجزة وتكسير الامتيازات جميعاً لأي شخص أو عائلة أو حزب أو طائفة أو طبقة أو جنس، وتحطيم سلطان الكهان والسحرة والعرافين بحيث لايتميز أي انسان بصفة فوق بشرية.
ويبدع الفيلسوف محمد إقبال عند هذه النقطة في كتابه (تجديد التفكير الديني) إذا يعتبر أن كل هذه المعاني تتولد تلقائياً من فكرة (ختم النبوة) فالاسلام عندما ألغى النبوة للمستقبل باعتبار أن محمداً ص هو خاتم النبيين يحمل ولادة عصر العقل الاستدلالي:
(إن النبوة في الاسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة الى الغاء النبوة نفسها. وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا الى الأبد على مقود يقاد منه. وأن الانسان لكي يحصل كمال معرفته بنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية وسائله هو.
إن ابطال الاسلام للرهبنة ووراثة الملك ومناشدة القرآن للعقل والتجربة على الدوام وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الانسانية كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة)؟
وبقدر ماكرر القرآن على معجزات الأنبياء السابقين بقدر ما أكد على عدم مجيء المعجزات على يدي محمد ص... نرى هذا المعنى متناثراً في عشرات الآيات، أن محمدا لن يأتي بالمعجزات.. أي الغاء العقل الاسطوري اللاسنني.
ومن الغريب أن القرآن يمشي في اتجاه توليد ظاهرة العقل والعلم بقدر ما استدبر العالم الاسلامي هذا التوجه فغطس في الخرافة وعشق اللاسننية واحتقار العلم.
وخطورة هذا التوجه أنه وسط يفرخ فيه الاستبداد الديني ـ السياسي ويولد ثنائي متعانق من (الجبت والطاغوت) (الحاكم ـ المفتي) فبقدر الخرافة والجهالة بقدر عملقة الاستبداد السياسي، ولم يكن غريبا في كل الحضارات المريضة تعاون الكاهن والملك على تطويع الجماهير للعبودية بأن الملك هو من سلالة الاله أو فيه صفة الهية كما واجه النمرود ابراهيم بقوله أنا أحيي وأميت.
يروي (فنصة) في ذكرياته عن الحاكم العسكري السوري السابق (حسني الزعيم) أن وفداً من أعيان دمشق وشيوخها طلبوا مقابلته لأمرٍ ساءهم فأردوا مواجهته بالأمر.
علم الطاغية بالأمر فرتب خطة مع رئيس المكتب الثاني (الاستخبارات). وعندما دخل عليه الوفد تظاهر أنه مشغول بحديث تلفوني هام وكانت قدماه فوق الطاولة في مواجهة الوفد.
كان (الزعيم) يتكلم: أنت رئيس المكتب الثاني وتسألني عن هذا الشخص أنا آمرك أن تأخذه وتعدمه فوراً.
ثم وضع السماعة والتفت الى القوم الذين كانوا ينصتون بذعر لأوامر الاعدمات الفورية؟ وقد ابيضت وجوههم من الخوف؟ قال لهم:
مرحباً أهلاً بكم لماذا جئتم لمقابلتي؟
أجابه الجميع فوراً بلسان واحد: جئنا فقط لتهنئتك والتشرف بمقابلتك.
قال حسناً انصرفوا راشدين فقد بلغتم الرسالة وأديتم الأمانة.
وعندما انقشع جمهور الفقهاء والأعيان والشيوخ التفت الى عديله (فنصة) وهو يضحك:
أمة من هذه النوعية يناسبها حاكم مثلي.
أعجب ما في الثورات التناقضات؟
شواسسكو طار من تمرد قس مغمور في تيمي شوارا؟
وانفجرت أوضاع تونس بموت بائع خضار مسكين صفعته شرطية لأنه يترزق؟ فأحرق نفسه واحترق معه النظام، في الوقت الذي يبكي عليه القذافي حاملا أوراقا مزيفة، باحصائيات مزيفة، كتبت زورا من خبراء مزيفين مرتزقة.
رحل بن علي غير مأسوف عليه، ودخلت تونس الفوضى مثل امرأة تنزف بعد الوضع؟ فهل تموت الحامل ويهلك الجنين بعد طول مخاض؟؟
أم يكون صبيا مثل عيسى ينطق في المهد فيقول: وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا؟