كيف تحولت المباراة الرياضية إلى مجزرة؟ فلسفة التظاهر والمظاهرات في العالم العربي
خالص جلبي
الحوار المتمدن
-
العدد: 787 - 2004 / 3 / 28 - 10:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مدينة (القامشلي) بلدة وادعة تقع في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية لسوريا. والمدينة مستندة بخاصرتها إلى الحدود التركية بأسلاك شائكة وألغام في مواجهة مدينة نصيبين التركية التاريخية. وأهلها من عائلة واحدة بالأصل ولكن حيل بينهم بحبل من السياسة غليظ. ولي أهل في المدينتين. والبلدة تشبه بابل القديمة. فيها ستة أديان وثماني لغات. بمن فيهم من يعبد الشيطان في جبل سنجار الممتد بين العراق وسوريا. وهم يسمونه طاووس ويقولون بحكمه الأرض لمدة عشرة آلاف سنة. ويتحاشون ذكر أي كلمة فيها حروف كلمة الشيطان مثل شاط وخاط وطشت. وكان مسكن جدي في حارة اليهود وقد هربت غالبيتهم العظمى إلى إسرائيل كما روت يهودية كندية اشتغلت على الموضوع أكثر من عشرين سنة. ونشرت جريدة مونتريال كامل الفضيحة وكيف كانت تشتري رجال الأمن بالمال (Cash) أو أحيانا بنوع مميز من العاهرات. وإذا مررت بهذه المدينة الصغيرة تناهى إلى سمعك الناس وهم يرطنون بلغات شتى في عشرات اللهجات بين آرمنية وسريانية وآشورية وكلدانية وعربية وتركية وكردية. وفيها فرق مسيحية منقرضة. ولم أكن أعلم ـ وأنا من ولد فيها ـ أن (الكلدان) هم الطائفة النسطورية التي تقول بالطبيعة الواحدة للمسيح حتى قرأت ذلك عند المؤرخ البريطاني (توينبي). ولي أصدقاء من الأكراد والأرمن والآشوريين والسريان. وكان صديقي المحبوب درزي اسمه رافع أبو الحسن وسمعت أنه أصبح طبيبا وانقطعت بيننا الأخبار. كما كان صديقي محمد دهام ابن رئيس شيخ عشيرة شمر. وهذه التعددية جيدة إذا خلقت فضول التعرف على الغريب والجديد في جو التسامح. ولكن معظم ما فيها شرانق مغلقة على نفسها تتعامل ببضاعة من الريبة والكراهية والخوف. ولكل طائفة كنيسة ومدرسة وفرقة موسيقية إلا الأكراد. ومن يولد من الأكراد لا يولد على الفطرة بل يجب أن يفتح له (للرضيع) ملف أمني كما روى لي ذلك من أثق به. ومن ولد فيها التصق فيها بسلاسل لافكاك منها فلا يستطيع أن ينقل قيد نفوسه كما هو حاصل معي إلى أي مكان آخر لغرض جيو ديموغرافي. وفي جو مشحون من هذا النوع يمكن فهم الانفجار الرياضي الذي حدث. والمنطقة فيها البترول وخيرات حسان ولكن آخر من ينتفع بالبترول هم أهلها ومن تكلم في الموضوع ضاع وهلك ولعن. وعندما زرتها بعد غياب 17 سنة تراجعت البنية التحتية أكثر وخيل لي أنه لا يوجد فيها بلدية. وأما مكان الطفولة الذي كنت أدرس فيه فقد تحول إلى مدينة أمنية كاملة. فلم يكن أمامي إلا أن ألم حسراتي وزفراتي في جو من ضباب الذكريات.
وقصة المباراة الرياضية في مدينة القامشلي التي تحولت إلى مذبحة تذكر بقصة (جحا وجاره والحمار) ففي يوم توسل جار جحا أن يعيره حماره فرفض وقال هو ليس في الزريبة ولم يكد جحا ينتهي من الجملة حتى بادرهما الحمار بنهيق منكر فالتفت الجار إلى جحا وقال: وهل هناك من شاهد أصدق من هذا النهيق على وجود الحمار؟ قال جحا: أتصدق الحمار وتكذبني؟
وإذا أنكر من أنكر النهيق فقد سمعه العالم على الانترنيت والفضائيات. ولم ينتبه رجال الأمن في العالم الثالث أنه لم يعد بالإمكان التكتم أو تزوير الوقائع. وهم يشبهون ساحرات العصور الوسطى أمام أمواج الانترنيت الزاحفة في موج كالجبال ويريدون استخدام المكانس لاصطياد أطباق فضائية تمر من فوقهم بسرعة الضوء تئز أزا.
ومن يقول لا يوجد مشكلة كردية يعرف تماما أنه يوجد مشكلة ويوجد مشكلة كردية.
والمشكلة الكردية هي واحدة من عشرات المشكلات. وعندما ينحط الجسم باتجاه الشيخوخة فتضعف المناعة وتنهار الحضارة تبرز المشكلات تترى يأخذ بعضها برقاب بعض.
ويشبه الجسم العربي اليوم مريض العناية المركزة الذي تعرض للنزف فدخل مرحلة قصور كلوي وفشل العديد من الأعضاء النبيلة. والمشاكل أكبر من كل عقل وأعظم من كل تطويق أمني.
وتقول الرواية أن مباراة رياضية في مارس 2004م في مدينة القامشلي تحولت إلى مذبحة عارمة أرسلت إلى القبور العشرات وإلى المشافي المئات ودخل أقبية التحقيق والمعتقلات الآلاف. وظهر أن الصراع لم يكن (مهاوشة) بين فريقين رياضيين بل عولج بالرصاص الحي من الجاندرما والمخابرات بقيادة المحافظ شخصيا بمسدس من يده؟
وتقول الرواية أن عنفاً طائفياً ظهر إلى السطح بين من هتف لصدام المصدوم ومن حيا الحزب الكردي. ومن الغريب أن صدام المصدوم صار رسولا للموت في حياته واعتقاله ويوم يموت. مما يذكر بعزرائيل ملك الموت حامل المنجل.
وعلى الإنسان أن لا يستخف بأي شيء. فشقي العوجة لن يموت قبل أن يموت معه الملايين؟ وهو يذكر بقصة هتلر العريف النمساوي والفنان الفاشل.
فهل ما حدث قتال بين فريقين رياضيين كما حدث يوماً في بريطانيا أم أنها القشة التي قصمت ظهر البعير. ونحن نعرف أن القشة لا تقصم ظهر ذبابة؟ وهذا يفتح الباب لدراسة ثلاث مسائل بالغة الحساسية: المسألة الكردية والصراع الطائفي والأنظمة السياسية.
والكل يتكلم بهذه المسائل سرا ولا يعترف بها علنا. ومن تحدث بها جهراً أعدم بتهمة الطائفية. كما كان يقول غورباتشوف لقد سكت الناس في كل مكان ولم يبق مكان لحرية الكلام إلا في المطبخ.
وما حدث هو قمة جبل الجليد. وأمريكا لا تحرك شيئا غير قابل للتحريك. وعود ثقاب إذا ألقي في الماء انطفأ ولكنه إذا رمي في حوض بنزين انفجر. وعندما تنفجر الثورات فلأن الأوضاع تخمرت كفاية. بوصولها إلى (المرحلة الحدية الحرجة). وقانون (الكتلة الحرجة) ينطبق على الفيزياء وعلم النفس والاجتماع والتاريخ. فالماء إذا وصل إلى درجة الغليان انقلبت نوعيته من سائل إلى بخار. والقنبلة النووية لا تنفجر ما لم تحقق الكتلة الحرجة. والنفس لا تفيض بالدمع ما لم تصل إلى حد التأثر الحرج. والنفس لا تتغير ما لم توضع في وسط حرج. والمجتمع ينفجر بالثورة ضد الطغيان حينما تتخمر الأوضاع إلى الحد الحرج. ولا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.
ويجب أن لا يستخف السياسيون بسكوت الجماهير الطويل وتحمل الظلم. ويعتبر الوردي أن وعي الثورة هو الذي يفجر الثورة أكثر من الظلم ولكن حينما يتشكل لا يتفطن له الطغاة ويمضون سادرين في لهوهم حتى يفاجئهم الزلزال. فيقولوا هل إلى مرد من سبيل. وتراهم خاشعين من الذل. والشرارة التي أحرقت عرش تشاوسسكو جاءت من قس مغمور في مدينة (تيمي شوارا). ومعظم النار من مستصغر الشرر. والبعوضة تدمي مقلة الأسد. والفيروس ضعيف جدا ولكن فيروس الأنفلونزا الأسبانية قضى عام 1918 م على 25 مليون نسمة. ورصاصة من متعصب هندوسي أنهت حياة داعية السلام غاندي. وكما يقول الفيلسوف الفرنسي باسكال أن الإنسان ثنائي يجمع النقيضين فهو بالوعة الضلال وينبوع الحكمة فيه امتزج إبليس والملاك. ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها.
وعندما تتحول المباراة الرياضية إلى معركة بالأسلحة النارية فهذا يحكي سراً أعمق من انفعالات مؤقتة؟
ويمكن تطبيق قواعد التاريخ والأحوال في الاجتماع الإنساني فتفهم أفضل فالماضي أشبه بالحاضر من الماء بالماء كما يقول ابن خلدون. والقشة حينما تقصم ظهر البعير ليس بسبب ثقلها ولكن لأنها جاءت في اللحظة المناسبة في كسر التوازن. وذبابة ليس لها وزن في نظرنا ولكنها عندما تجلس على طرف السفينة العملاقة تكسر التوازن بمقدار تافه ولكنه مقدار لا نستطيع قياسه إلا أنه أكيد. أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد. وقصة تدمير الشاه في إيران بدأت من حادثة قتل تافهة لتتحول إلى حريق. وما حدث في القامشلي في سوريا يخضع لنفس القانون ويمكن أن تندلع حرب أهلية مجنونة من أبسط الواقعات. والمستقبل مفتوح لكل الاحتمالات بفعل التخمر الداخلي أكثر من الأصابع الخارجية. والنار تؤثر على نحو مختلف حسب المصدر المتلقي فليس الماء مثل الشمع أو الحليب أو البارود. وإذا عرضت هذه المواد الأربعة إلى النار ارتكست بأشكال مختلفة فأما الماء فيتبخر وأما الحليب فيفور وأما الشمع فيذوب وأما البارود فينفجر. والمصدر كان واحداً والمستقبل مختلفاً والعبرة ليست في النار بل من تلقى النار. وبالمقابل إذا اشتعلت النار في غابة في شتاء ماطر ليس مثلها مثل اشتعال النار في غابة جافة في صيف قائظ مع ريح شديدة. فلا يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون.
وفهم الأحداث يقع تحت نفس القانون لمن يعقل. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون. وعندما يعاقب من ليس له ذنب بأشد العقوبات نفهم معنى احتقان النفوس بكل الكراهيات المحتملة. والكراهية هي نبع العنف. كما حصل لمواطن منكود دخل على الانترنيت فاعتقل وما زال أكثر من سنة يتنقل من حبس إلى حبس ومن عذاب إلى عذاب. والهدف منه ليس المعتقل بل حقن الرعب في مفاصل المواطنين غير المعتقلين وتحويلهم إلى سجناء بغير قضبان وأسوار. أن يرموا كمبيوتراتهم في الآبار. ويغلقوا الكتب ويفتحوا كتاب النبات ويتحولوا إلى نباتات فهذا أسلم للعاقبة. والنبات لا يفكر وعليهم أن لا يغامروا في التفكير فهذا ضار في الصحة الوطنية. فهذه هي تعاليم السلامة. ومن خالف قواعد السلامة هلك. وعندما نفهم الموضوع ضمن هذا الإطار فيمكن فهم لماذا تتحول المباراة الرياضية إلى معركة نارية يذهب حصيلتها العشرات. فالناس خائفون من النظام السياسي وهو منهم أخوف. والخوف تحول إلى رهاب مرضي كما في نزلاء المصحة النفسية. والعالم العربي في قسم كبير منه تحول إلى مصحة عقلية كبرى يخاف فيها الكل من لكل في جو من الخوف المتبادل.
والسبب في هذا الخوف أن الأوضاع لم تقم على الزواج الشرعي بل على الاغتصاب فخرج الأولاد سفاحاً.
ومن الملفت للنظر أن مظاهرة تشييع الموتى تحولت إلى تخريب للمرافق العامة. وهذا يقول أننا لا نعرف الاعتراض أو التحرك في مظاهرة. فالنظام يقمع بالحديد والنار والجماهير إن وجدت لها متنفسا خربت كل شيء وتنتقم من الحكومة بتدمير المرافق العامة لعدم وجود روح الانتماء لوطن لم يبق وطناً. ولكن المرافق العامة ليست للدولة بل للأمة. وهو مؤشر بئيس لتدني الوعي عند أمة قاصرة لا تعرف حل مشاكلها إلا بالعنف أو العنف المضاد. وعندما نرى خريطة التغيير في أوربا الشرقية يلفت نظرنا فارق التغيير بين تشيكوسلوفاكيا ورومانيا فأما الأولى فقد انفصلت بدون قطرة دم واحدة وأما رومانيا فلم ينتهي شاوسسكو إلا بحفلة دم مترعة. ولا عجب فرومانيا هو البلد الذي خرج منه دراكولا مصاص الدماء الشهير. ويبدو أن العالم العربي قد أعاد استنساخ شاوسسكو ودراكولا ولن تحل مشاكله إلا بالدم. وهو أمر نتفاءل أن لايحدث ولكن وقائع التاريخ تمشي ليس بالتمنيات بل بالقوانين الصارمة. وعندما وضع ريكاردو قانون الأجور الحديدي فلأن السوق يعمل بموجب قوانين. وقوانين التاريخ لا ترحم. ومن يغفل عن قوانين التاريخ فإن قوانين التاريخ لا تغفل عنه. وقل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون. وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل.
لماذا لا تتحرك المظاهرات في العواصم العربية عند اللحظات المصيرية؟ ولماذا إذا تحركت دمرت المرافق العامة لمجتمع مدمر بالأصل؟ هل لأن الأمة ميتة ؟ أم لأن المشكلة ليست في (الحرية) بل (الرأي) فليس هناك بالأصل (رأي) يتظاهر الناس من أجله سوى السب والتدمير؟ أم أنه لا يوجد حرية تعبير في ظل أنظمة وصلت إلى الحكم بالسيف وعليه تتكئ إلى يوم القيامة.
يخيل للبعض أن هناك (مظاهرات) في بعض العواصم العربية وهي لا تزيد عن (مسيرات) منظمة تحت أعين رجال المخابرات. فيظهر النظام من الخارج يلبس كرافيتة ديمقراطية. ومن الداخل يتلفع بعباءة السلطان المقتدر بالله الذي يخافه الناس قياما وقعودا وعلى جنوبهم. وتطالعك المظاهرات المزيفة وهي تهتف بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم.
وهناك من يرى أن المظاهرات لا تزيد عن صراخ في الهواء، وأن العبرة في العمل وليس الكلام، والأحرى بالناس أن تلزم حدود الأدب فتتكلم كلاما لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا، وأن تحافظ على سيمفونية الشخير الجماهيري، وأما مقلقي النوم العام فلا مرحباً بهم إنهم صالوا أقبية المخابرات.
لكن الجماهير والمنظمات في الغرب اعتادت هذا التقليد المزعج للحكومات فهي تحرص في نهاية كل أسبوع أن تخرج بمظاهرات (سلمية) تعبر عن رأيها ومرورا بمظاهرات النساء لإعادة تشكيل المجتمع الأعور وانتهاء بمسيرات الشواذ.
ومشكلة الحرية أنها عندما تفتح الباب فلا يمكن أن تجعل الناس صنفين كما تنادي السياسة العربية: "كل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب". وهي جملة ملغومة تعني أن كل الشعب قد يتحول في لحظة إلى عدو مبين. ويقضى على الشعب باسم الشعب.
وفي العالم العربي يعلموننا أن لا غبار على حرية التفكير. ولكن كل الغبار على حرية التعبير. ويجب أن يفصل طول اللسان بالمسطرة. ولو رأى الناس مظاهرة احتشد فيها الناس في فرانكفورت أو مونتريال وهم يهتفون بالدم بالروح نفديك يا شرويدر أو كريستيان لظنهم الناس مجموعة ضالة هائمة على وجهها فرت من مصح أمراض عقلية يجب الاتصال بالبوليس لردها من حيث جاءت خلف القضبان.
إن هناك جدلية بين (حرية التفكير) و(حرية التعبير). وعندما نغتال حرية التعبير نفعل مثل فرعون بيبي الثاني الذي كان يقص ألسنة كهنة المعبد حرصا على الأسرار. أو أن نتصور شركة الكترونية عملاقة وهي تنتج كمبيوترات بدون شاشات.
وعندما يحرم الإنسان من التعبير تموت عنده مع الوقت (ملكة التفكير) تحت قانون بيولوجي: العضو الذي لا يستخدم يضمر.
إنه لا يمكن فهم التظاهر خارج المنظومة الديمقراطية.وأنها نوع من تصور العالم كما يقول بيير بوردو في كتابه (العقلانية العلمية). ومنذ أن حطم الغرب الجبت والطاغوت أي الإقطاع والكنيسة واستبدلهما بساقين يمشي عليهما من رأس المال والعمال، في وسط تسهر عليه عينين من الصحافة والبرلمان، وتتناوب عليه قوتان من الحكومة والمعارضة، شكلت المظاهرات آلية الصدع بالحق حسب الرؤية الإسلامية. أو حرية الرأي حسب مصطلحات الديمقراطية الغربية. والمسألة تدور هنا حول (حرية) الاختيار أكثر من صواب الاختيار. وعندما بنيت الديمقراطية (سلميا) فلا يمكن للمظاهرات أن تكون عنيفة مدمرة مثل الطوفان.
وهو يفسر بصورة أخرى أن الكتلة البشرية عندما تجتمع في الشارع تشعر بقوتها السيكولوجية. وفي جو جمعي من هذا النوع يتبخر العقل ويعمل اللاوعي الجماهيري. وهو عند العرب حاقد مسحوق منذ أيام يزيد والحجاج. فإذا تمكن دمر واجتاح كالسيل العرم. وأمام جو من جنون العنف وعنف الجنون يبقى الشارع العربي فارغا والناس في بيوتها تلعن والحاكم يحرس الممرات بجنود غلاظ شداد لا يعصون الحاكم ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وفي عاصمة عربية أراد الناس التظاهر فنصحهم الحاكم أن يصعدوا في باصات مغلقة فيطوفوا ما شاء لهم الطواف ويزعقوا ما تبح به حناجرهم ضمن صندوق معدني مغلق متحرك.
إنه أسلوب يجب أن يتدرب عليه الشيطان الرجيم في المؤسسات الأمنية للعالم العربي.