تجديد التفكير الديني
خالص جلبي
الحوار المتمدن
-
العدد: 493 - 2003 / 5 / 20 - 05:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(قصة الجهاد المزعوم والمتطوعون في العراق)
صدرت الفتوى أولاً من المافيا السياسية. وعنى رجال المخابرات في انتقاء العبارات. وصاغها رجال الحزب الشمولي. ثم جاء دور المافيا الدينية فدهنت القرار الحزبي بدهان إسلامي أخضر من سندس واستبرق. فخرجت الفتوى تقول بأن القتال في العراق فرض عين على كل مسلم ومسلمة. بعد أن استباح الأمريكان العراق. والعراق مستباح منذ أيام الحجاج وهولاكو قبل صدام. ثم شحنت آلة الدعاية الفضائية الضمير العربي بهيجان قاد إلى كوارث عائلية. ففي مدينة عربية فوجئت عائلة تضم أربع بنات وصبي واحد يبلغ من العمر 17 ربيعاً أنه (خرطش) سلاحه وانضم إلى جموع المجاهدين. وبعد أيام قليلة صدمت العائلة فلم يعود الشاب من رحلته بل أرسل النظام الشمولي بطاقته الشخصية بدون نعوة.
إن المواطن لا ينقصه الحماس بقدر الوعي. والبنزين الذي يندلق على الأرض يقود إلى حرائق أو تلوث في البيئة. وتوليفة من الحماس والجهل جرعة تفجيرية. وعندما يتحرك البدن بدون دماغ فليس أمامه إلا الارتكاسات الفوضوية من النخاع.
وبالمقابل فليس أفضل من (القوي الأمين) الذي جمع بين (الإرادة والقدرة) أو (الوعي والإخلاص). وفي العالم العربي الكثير من المشعوذين الذين ينقصهم التأهيل الفني من القمة إلى القاعدة. والأنظمة في العالم العربي تريد مواطنا جاهلاً ومسكينا وأسيرا فهذا أفضل لاعتلاء ظهره واغتيال ضميره.
وتوالت الأخبار عن فجائع المجاهدين فمنهم من قتله (الستازي) الصدامي غيلة من الخلف. كما كان يفعل مع جنود الجيش العراقي الذين لا يقتلون الإيرانيين والأكراد والكويتيين. ومنهم من أسره الأمريكيون وكان أفضل حظاً. ومنهم من طرده العراقيون. فهذا الجهاد المزعوم سوف يمد في عمر العائلة المالكة قرنا أو قرنين. وأشباه صدام في العالم العربي كثر. وكلهم يتمنى أن يأتي المجاهدون ليدافعوا عنه. ويبدو أن أشرس قتال وأصدقه كان الذي خاضه المجاهدون (المغفلون) كما حدث في معركة مطار بغداد. فباعهم رجال صدام بالرخيص.
إنه لا شيء أضر على قضية من معالجتها بالحماس مع الجهل. ولا أضر على الدين من فتوى يصدرها مفتي يجلس في جيب الحاكم. ولا أزعج للآذان من سيمفونية يشترك فيها مواطن أعمى وفقيه دجال وسياسي ماكر.
وقصة العراق هي مأساة مكررة عن الجهاد الأفغاني الذي خاضه شباب متحمسون في حرب أمريكية تلبس عباءة إسلامية. فهناك لمع بن لادن وولدت (دولة إسلامية) اسمها (الطالبان) تجيد قتل الناس وتجهيل المرأة وزرع الحشيش. أما في العراق فإن حلفاً مضحكاً حصل بين الإسلاميين والبعثيين في (جهاد) ضد (الجهاد).
وجذر المشكلة ثلاثي: مواطن مقلد. وفقيه قاصر. وسياسيون مجرمون.
وفي يوم خرج (الخوارج) على (علي) كرم الله وجهه فأفتوا بكفره واستباحوا دماء المسلمين وسموا عملهم (جهاداً) في سبيل الله. ولكن جميع المدارس الإسلامية لم تعتبر عملهم هذا (جهاداً في سبيل الله) ولم يكن ينقصهم الإخلاص والحماس بقدر الوعي والرشد. وأخذوا في التاريخ موقعهم باسم (الخوارج). وكان الظن أنهم انقرضوا. ولكن الأفكار لا تموت ولها طبيعة معندة ثنائية فقد تموت في تربة قاحلة لتستعيد حيويتها في تربة ملائمة كما يحدث مع فيروس مرض (السارز SARS) الذي اندلع في ربيع 2003م من الصين. فهذا الفيروس موجود ولم يولد من لا شيء ولكنه نشط وغير طبيعته حينما تهيأت ظروف انفجاره. كما حدث في أنفلونزا عام 1918 م حينما ضربت أمريكا فمات 550 ألف إنسان وعلى الأرض قضى نحبهم 25 مليون إنسان بأكثر من ضحايا الحرب العالمية الأولى. وفكر (الخوارج) تم إحياءه من خلال فكر ( سيد قطب) وتم توسيعه على يد بن لادن. وهو اليوم ينتشر بمزيج انفجاري من (حماس) معاهد إسلامية ومحطات فضائية تحرص على تجهيل المواطن ودفعه نحو حتفه بفتاوى تعاونت على إخراجها المافيا الدينية والسياسية. وتتحمل وزر الشاب البريء الذي خسرته عائلته وآلاف آخرين. ولكل امريء منهم ما اكتسب من الإثم.
ومغزى هذا الكلام أن نميز بين (الجهاد) و (الخروج) وقتال الخوارج لم يعتبره أحد جهادا في سبيل الله. ويجب أن يأتي من يتحدث بصراحة ليعرِّف (الجهاد) وفق (فكر ديني تجديدي) في ضوء الكوارث العارمة.
ما هو الجهاد ولماذا شرع؟ وبيد من يكون؟ ومتى يكون؟ وضد من يشن؟ وهل الجهاد قتال مسلح؟ فهذا خمس أسئلة مفصلية تشرح مشكلة الجهاد في الإسلام.
ومن الجدير بالذكر أن القرآن ليس مثل كتب الفقه والقانون بحيث يجد الإنسان في نهايته فهرساً بعناوين محددة فيفتح على الصفحة (كذا ) موضوع الجهاد أو القتال في سبيل الله؟ وأول سورة في القرآن (البقرة) ليست أول سورة نزلت. وهكذا فآيات الجهاد موزعة متناثرة مثل نجوم السماء في قبة القرآن وعلى المرء أن يرسم بينها خطوطا تجعله يفهم التوجه كما نعرف الشمال برسم خط بين نجوم الدب الأكبر فنعرف الاتجاهات ونهتدي بها في ظلمات البر والبحر. وهو الذي يجب عمله مع الآيات القرآنية المنجمة المفرقة في 114 سورة. وقد حاول (ابن قيم الجوزية) في (الفقه السني) أن يرسم بانوراما لفكرة الجهاد قام (سيد قطب ) و(المودودي) باستعارتها منه. وهي محاولة تشبه جراح الأوعية الحالي وهو يطبق طرائق ابن سينا لمعالجة أمهات الدم؟ وكما فعل ابن القيم في ضغط الأفكار وفق فهم خاص ـ وهو عمل إبداعي في وقته ـ كان على قطب والمودودي فعل نفس العمل الإبداعي بتجاوز ابن القيم في ضوء حركة التاريخ وتطور الواقع. وكان عليهما إبداع نظرية جديدة نحاول نحن الآن صياغتها. ولكن مشكلة (الفكر السلفي) أنه يرى أن التقدم إلى الأمام هو في الرجوع إلى الخلف. وهي ليست نكتة. بل إن عين الحكمة هي بالرجوع إلى النبع الصافي فكلما أوغلنا في القدم اجتمعنا بأدمغة فهمت الشريعة والقرآن أفضل. وهو خطأ مضاعف في الحركة ونقطة الوصول. فالرجوع هو حمل أفكار تراكمية ليست نظيفة. كما أن أدوات فهم التاريخ ليست حديثة. فعلماء الآركيولوجيا أو الأنثروبولوجيا يستقرأون تاريخ الإنسان وطبقات الأرض بأدوات معرفية حديثة. ولا يمكن الوصول إلى عمر (الأحافير) بدون تقنية (الكربون 14) أو (انقلاب البوتاسيوم إلى آرغون) ومن يريد استكشاف القرآن بدون الاستعانة بالعلوم الإنسانية المساعدة كمن يريد فك حجر رشيد بدون لغة هيروغليفية. والنص القرآني مكتوب بلغة عربية والدخول على النص يحمل كل إشكاليات علم الألسنيات مضافاً إليها علم التاريخ. والاقتراب من النبع الصافي لا يزيد عن وهم. ومشكلة المعرفة الإنسانية أنها متراكمة. ويخيل للبعض انهم إذا قرأوا القرآن اليوم فهموه كما فهمه العربي قديما فذهل من قوة النص ونحن لا نعرف أسرار البلاغة أكثر مما يفهم أحدنا سر صقل الألماس. فهذا هو الفرق بين من ينظر إلى الأمام ومن يرجع إلى الخلف. بين الفكر (السلفي) وبين الفكر (التجديدي) بين الفكر (النقلي) والعقل (النقدي).
ومغزى هذا الكلام التحرر من الفكر السلفي كما ذكرنا عن الخلاص من فكر (الخوارج). وبتتبع مسار الآيات القرآنية وبنظرة (بنيوية Structure) نرى أن الآيات متفاوتة جدا بين مصطلحي (الجهاد) و(القتال) فلا يعني الجهاد القتال وإن كان الثاني يدخل تحته وهو يذكر بالمشفى الذي يضم أجنحة شتى من مخبر وقسم أشعة وباطنية بالإضافة إلى قاعة العمليات الجراحية. ولكن لا يوجد أي مشفى في العالم يشتغل من بابه إلى محرابه بالجراحة فقط وإلا تحول إلى مسلخ؟ وكذلك القتال المسلح في الإسلام. وبتأمل الآية من سورة الفرقان نعرف أن الجهاد الأكبر هو الفكري "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به ـ أي بالقرآن ـ جهاداً كبيرا". وهذا التفريق يجعلنا ندرك أن مؤسسة الإسلام تعني بتغيير ما بالنفوس ولا تريد القتل من أجل القتل.
والجهاد ـ بشقه المسلح ـ لم يشرع (لنشر الإسلام) بل للدفاع عن المظلومين الذين (أُخرِجوا) من (ديارهم) و(عقائدهم) بالقوة المسلحة حتى لا تكون فتنة والفتنة أشد من القتل.
وهذا التفريق مهم فالجهاد (وظيفة) يتم بواسطتها التدخل (لتحرير الإنسان) أينما كان ومهما دان من (الظلم) الواقع عليه والمحدد (بشكلين) أخراجه من (داره) أو (لتبديل آرائه) تركا واعتناقا بالقوة المسلحة. ولعل العالم العربي في ظل الأنظمة الشمولية أكثر مكان تنطبق عليه هذه المواصفات. و(الجهاد) بهذا (أداة) يمكن أن تسخر ضد (المسلمين) الذين يمارسون الاضطهاد. ونحن يصعب علينا تصور أن يحدث هذا للاختلاط الواقع بين (الإسلام) و(المسلمين). ولا نستطيع تصور أن يكون الكافر عادلاً. أو أن يكون المسلم ظالماً. ولكن مقارنة بين (شرودر) الألماني الذي لم يفتح القرآن قط و(صدام) الذي ترك مصحفه مفتوحا على سورة الحجر في مخبئه توضح المثل. وصحابة رسول الله ص فروا من اضطهاد قريش إلى عدل النجاشي في الحبشة ولم يكن مسلما. كما أن إمكانية أن تبغي فئة مسلمة على أخرى (مسلمة) وارد "فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله".
ويتولد من هذا أن الجهاد بشقه المسلح لا يمارس ضد من "لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم".
ويتفرع من هذا أمر جوهري أن الجهاد ليس (للدفع) وليس (للطلب) كما يقسمه بعض الفقهاء، بل هو محدود بوظيفة واضحة وهي رفع الظلم عن الإنسان "إذن للذين يقاتلون بأنهم (ظلموا) وإن الله على نصرهم لقدير".
بكلمة ثانية الجهاد هو دعوة لإقامة حلف عالمي لرفع الظلم عن الإنسان أينما كان ومهما دان. وينبني على تحرير هذه النقطة أننا نضع أيدينا مع الكفار أو المسلمين (العادلين) ضد (الظالمين) مسلمين كانوا أم كافرين. وهو الذي عناه الرسول ص في (حلف الفضول) الذي كان في الجاهلية للدفاع عن المضطهدين أنه "لو دعي له في الإسلام لأجاب".
ونفهم مما مرّ أمراً حيوياً أن الجهاد ليس (وظيفة) فردية بل هي مهمة (اجتماعية) مناطة بدولة وصلت إلى الحكم برضا الناس. ولا يسمى الجهاد من قام بتفجير نفسه كما يفعل الانتحاريون في فلسطين أو أندنوسيا. فهذا يقوم به جميع الناس وهو لون من المقاومة تلجأ له الشعوب كأسلوب تحرر. وهذا لا علاقة له بجهاد وإنما هي أساليب تقوم بها الأمم للمقاومة. أما (الجهاد) الذي شرعه الأنبياء فهو (أداة) و(وظيفة) بيد دولة راشدية تحكم بانتخاب الناس لها بدون تزوير ونتائج انتخابات 97%. وتمارس رفع الظلم بالتعاون مع أية قوة عادلة حينما ترى أنه لا بد من معالجة المرض بالجراحة. كما يعرف الأطباء ذلك في معالجة انفجار الزائدة الدودية الحاد أو نزف الشريان الصاعق.
والجهاد بشقه المسلح يشبه الجراحة في الطب فيه دم ونزف وموت. ولكن يجب أن نعلم أن الجراحة في الطب تتقلص يوماً بعد يوم. ونحن اليوم نستخدم جراحة المناظير بدون شق واحد في البطن. وقد ينطفيء بعد قرن أو قرنين نجم الجراحة وتعالج معظم الأمراض بدون جروح. وهي نبوءة القرآن أن الحرب سوف "تضع أوزارها" وإذا كانت آية (الرق) قد نسخها الواقع وليس لها أي قيمة تشريعية سوى أنها تذكر بوضع تاريخي تم تجاوزه. فهذا الشيء نفسه سوف يحدث مع حل مشاكل الجنس البشري. بما فيها موت مؤسسة الحرب التي تحتضر حالياً. يشهد لذلك مظاهرات ضد الحرب في 600 مدينة على قطر الأرض. بما فيها أمريكا. وقديماً كان السعال الديكي يعالج بلبن الحمير كما أن العسل كان يؤخذ والقفيز يدمر. وإذا كان بوش لم يحل مشكلة العراق إلا بالحرب فليس لأن المشكلة غير قابلة للحل إلا بالحرب بل بسبب عجز (الطب السياسي) كما كان الطب يعالج قديما السعال الديكي بلبن الحمير. ونحن كبشر كنا أطفالاً صغارا (نعمل) على نفسنا ولا نستطيع تنظيف أنفسنا والحرب هي عجز من هذا النوع بالتلوث بالقذارات. ومن لوث يديه بالدم عليه غسل يديه بالدموع.
وتاريخ الجنس البشري ليس بشيء فقد وجد الإنسان على الأرض قبل سبعة ملايين من السنين ولكنه لم يدخل الحضارة إلا قبل ستة آلاف سنة. وأمام الأرض فرصة 500 مليون سنة أخرى للحياة.
الجهاد إذاً ليس (نشر الإسلام) وإنما (لرفع الظلم) عن الإنسان أينما كان ومهما دان. والجهاد ليس (وظيفة) فرد أو حزب أو جماعة أو تنظيم أو طائفة بل هي وظيفة (الدولة). وهي ثالثاً ليست أية دولة بل تلك التي تمثل الناس فعلاً. ولا تصبح الدولة (إسلامية) ولو رفعت الله أكبر على العلم. فالعبرة ليست في الشعارات بل الحقائق. وكلمة الله اكبر لا تزيد عن شعار الثالوث البعثي "الوحدة والحرية والاشتراكية" بل هي اخطر لأنها استخدام معنى مقدس لغرض غير مقدس. كما فعل الرفاق حينما رفعوا الشعار المثلث. فاستبدلوا الحرية بالاستبداد والوحدة بالطائفية والاشتراكية بالفقر.
إنها قصة غرامنا السقيم بالكلمات. فيكسب القاموس الكلمات ويخسر الواقع الحقائق.
وأمام هذا الشرح فليس القتال مع الأمريكيين جهاداً في سبيل الله. وليس القتال ضد الأمريكيين جهاداً في سبيل الله. وهي طواغيت تتصارع على القوة والنفوذ لتأسيس قوى طاغوتية. وهو حقل لا علاقة له بالجهاد من قريب أو بعيد ولكن استيعاب هذه الحقائق صعب وثقيل ومحزن وصادم.
ولو هُزمت أمريكا لحكم صدام وذريته مائتي سنة أخرى. وإن هلك صدام دخل الاحتلال الأمريكي. والآن بعد أن تخلص العراقيون من (السرطان) البعثي عليهم أن يعالجوا (الدمل) الأمريكي. فالاستعمار الخارجي (خراج) والداخلي (ورم خبيث). الأول (سطحي) و(مؤلم) و(واضح) و(سهل المعالجة). والثاني (خفي) و(غير مؤلم) و(معقد المعالجة) وإذا لم يعالج في مراحله الأولية انتشر إلى مرحلة النظام الشمولي وليس أمام الأحرار إلا الفرار منه أو العبودية. ومنه نفهم لماذا هرب فتية الكهف بما فيه كلبهم. فمجتمع الديكتاتورية لا تأمن فيها الكلاب على نفسها.
أن كلمة (الجهاد) عند المسلمين لها رنين مقدس محرض وليس عند المسلمين من معنى مهيج كالجهاد وإذا كان الرسول ص أمر بالجهاد واعتبره سنام الإسلام. واعتبرته الشيعة بندا من ثماني بنود للإسلام (خلاف الخمسة أركان عند السنة) فإن نفس الرسول ص تحدث عن زمن الفتن بعشرات الأحاديث وأن على المؤمن أن يعتزل الجميع في زمن الفتن ولو أن يعض على أصل شجرة حتى يدركه الموت. أو أن يلزم بيته ويكسر سيفه وإن دخل عليه أحد يريد قتله وبهره شعاع السيف أن يلقي ثوبه على وجهه ويستقبل الموت" ويقلد ابن آدم الأول "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" ثم يعقب الرسول مستشهداً من الآية يبوء بإثمه. ولكن هذه الأحاديث مغيبة عن الوعي الإسلامي كما أن الآيات الخمسة من سورة المائدة التي تحكي صراع ولدي آدم وهي من آخر ما نزل من القرآن نقرأها بعيون الموتى. أما آية "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة" فهي ليست في قاموس التداول. وقصة أفغانستان والعراق والجزائر سوف تتكرر طالما أصدرت (المافيا الدينية) المتعاونة مع (المافيا السياسية) فتاوى الجهاد لتهدر دماء شباب مساكين مخلصين دراويش وهو ما يذكر بقصة الحمار وذيله.ففي يوم فقد حمار ذيله في حادث فكانت له مصيبة أليمة ومحزنة. وراح يبحث عن ذيله في كل مكان. وبلغ من حمقه أن اعتقد أنه يمكن تركيب ذيله مرة أخرى. حتى دخل يوماً حقل بستاني فعاث فيه فسادا وهو يبحث عن ذيله المفقود فلما رأى ذلك البستاني استشاط غضباً وهجم عليه فأوسعه ضربا وقطع أذنيه الاثنتين وأخرجه من الأرض بالعصا. وهكذا فإن الحمار الذي كان يندب ذيله خسر أذنيه. ويبدو أن ما ينتظرنا أكثر من هذا الحمار؟