أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبيد حمادي - بدأت نهاية المجتمع














المزيد.....

بدأت نهاية المجتمع


محمد عبيد حمادي
أكاديمي وكاتب وباحث في الشأن السياسي العراقي والإقليمي

(Mohammed Obaid Hammadi)


الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 18:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدأت النهاية حين ظنّ الناس أن البداية الحقيقية تكمن في الشعارات، في الوعود المتكررة، في مظاهر الحماس المؤقت، في التجمهر حول أسماء كانت إلى وقت قريب لا تملك من أمرها شيئاً، فتحولت فجأة إلى ملاذات للخلاص، وأصبحت وجوهاً مألوفة تتصدر الشاشات والمنصات وتحتل المساحات الكبيرة في وجدان البسطاء. بدأت النهاية حين اختلطت الأحلام النقية بتجارة الأصوات، حين أصبح الفقر أداة للابتزاز، وحين تحول المحتاج إلى ورقة بيد من لا يؤمن بحاجته بل يستثمرها. حينها، لم يكن أحد يظن أن الطريق الذي نسير عليه يقودنا إلى الحافة، إلى العتمة، إلى النقطة التي تبدأ منها نهاية المجتمع.

بدأت رحلة البحث عن الفقراء لا بدافع الواجب، بل بدافع الحاجة إلى صوت انتخابي يُكمل المعادلة، إلى صورة تُنشر على مواقع التواصل، إلى مشهد يُسوق للناخبين. بدأت الزيارات المفاجئة، وظهرت صور الاحتضان المفتعل، وانطلقت شعارات “أنا منكم”، “أنا خادمكم”، وكأن المواطن بحاجة إلى خادم لا إلى مسؤول شريف. عادت مفردات “شنو محتاجين؟” لتتكرر بنبرة المخلّص، لا عن وعي، بل عن عادة تُمارس قبيل كل موسم انتخابي ثم تختفي في صمت طويل.

بدأت المساعدات تتدفق، لا لأنها واجب أخلاقي، بل لأنها تفتح باب الولاء الموقّت. تعود الحياة إلى الوزارات الخدمية فجأة، وكأنها كانت تنتظر إشارة البدء، فتُكسى الشوارع بالإسفلت، ويعمل الموظفون ليل نهار، لا لأنهم تغيّروا، بل لأن هناك من يريد أن يرى صورة مشرقة قبل أن يدخل صندوق الاقتراع. المؤتمرات والندوات والزيارات الميدانية والتجمعات الشعبية، كل ذلك يُعاد إنتاجه بنفس الإخراج، نفس الكلمات، ونفس الأكاذيب المغلفة بالابتسامات.

وفي خضم هذا الزخم المصطنع، تعود حكاية الدين والمذهب والقبيلة لتُحرّك المشاعر وتبني الولاءات العمياء. تُرفع صور المرشحين وتُعلّق الرايات، وتبدأ القصائد الحماسية، وتُسجّل الأغاني، ويبدأ “هذا يمثلني” في اجتياح الوعي الجماعي كما لو أننا على موعد مع بطل قومي لا مع سياسي ينتظر التصويت. في المقابل، تنشأ المعارك على مواقع التواصل، يشتعل النقاش، تُمزق العلاقات، وكل ذلك من أجل مرشح قد لا يتذكر وجوه مؤيديه بعد فوزه، أو ربما لا يحتاج إليهم أصلاً بعد أن يتم إعلان النتائج.

يبدأ السباق على الكسب المعنوي والمادي، تُفتح مكاتب المرشحين لاستقبال الطلبات، وتُقام الولائم والمآدب التي لا تحمل من الكرم سوى شكله، بينما جوهرها هو الاستعراض، هو التفاخر بعدد الحضور، هو السباق نحو لقب “المرشح الأبرز”. تُطلق الاستبيانات، وتُنشر نتائج “الفوز المؤكد” على مواقع التواصل، وكأن المجتمع لا يحتاج إلا إلى إعلان افتراضي ليحسم خياره، وكأن الواقع لا يقول غير ما تُريده تلك المنصات المموّلة.

وهنا، بالضبط، تبدأ النهاية. نهاية شعب لا يعرف كيف يختار، نهاية وعي أصبح يُدار من خلال الهاتف المحمول، نهاية مجتمع باع مستقبله لأجل بطانية، أو كارت شحن، أو وعود بالتعيين. بداية مرحلة جديدة من المحسوبية، من تردي الوضع، من انقطاع الكهرباء، من الانهيار الصحي، من الانكماش الاقتصادي، من فقدان الأمل.

يبدأ الفساد من جديد، ليس لأنه جاء من خارج هذا المجتمع، بل لأنه صنيعة أيدينا، لأنه ابن بيئتنا، لأنه ولد من رحم سذاجتنا وقلة وعينا. ويعود الصوت نفسه الذي صدّق الكذبة ذاتها، ليصرخ بعد فوات الأوان، ليطالب بالخدمات، وليعلن الندم، دون أن يعرف ما الذي فعله، ولا متى فعله، ولا لماذا فعله أصلاً.

مجتمع غريب، لا يعرف ماذا يريد، ولا كيف يريد، ولا إلى أين يسير. مجتمع اعتاد الدوران في الحلقة نفسها، والتصفيق لنفس الخطاب، وتكرار نفس الأخطاء. وأنا، محمد عبيد حمادي، أكتب هذه السطور لا لأعلن عتابي، بل لأعلن اعتراضي. أعارض هذا الواقع، أعارض هذا الفكر الذي لا يريد أن يتغير، أعارض الفساد الذي يعيد نفسه كل موسم، وأعارض مجتمعاً لم يتعلم بعد أن الحرية ليست في الانتخاب، بل في الوعي قبل أن تنتخب.

هذه ليست نهاية المجتمع فقط، بل بداية النهاية الحقيقية لإنسان لا يعي قيمته، ولا يملك قراره.



#محمد_عبيد_حمادي (هاشتاغ)       Mohammed_Obaid_Hammadi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لهيب الشرق
- زيارة ترامب إلى السعودية إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في ...
- العراق بين فكي الإقليم والضغوط الدولية: تداعيات السياسات الأ ...
- مفترق طرق امريكا وسوريا والعراق
- تعاون عراقي إيراني في ظل العقوبات الأميركية تحدي أم مساعدة
- سوريا في عين العاصفة مخططات صهيونية وأجندات خفية تهدد الاستق ...
- الصراع السوري السوري الى اين
- استراتيجيات الحكام العرب في الحفاظ على سلطتهم
- عودة الكاظمي نقطة تحول في المشهد العراقي
- ترامب والسياسة الخارجية
- السياسة السورية ما بعد هروب بشار الأسد
- سوريا بوابة الوطن العربي الجديد
- سقوط بشار بداية لشرق أوسط جديد
- تأثير السلطة على الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي
- ظاهرة تصوير المديرين العامين بين الاستعراض والتأثير الحقيقي
- سياسات أمريكا في الشرق الأوسط بين التخبط والعنف
- الصحافة في العراق حرية مقيدة
- القوانين الصحفية ومدى تأثيرها وتطبيقها
- السياسة الامريكية في العراق
- الوعي السياسي لدى الجمهور العربي


المزيد.....




- شاهد.. مياه فيضان مدمر تجرف منزلًا بالكامل في تكساس
- الجيش الإسرائيلي يعلن محاولته اعتراض صاروخين أُطلقا من اليمن ...
- مصر: بعد وفاة العشرات على طريق سريع.. الداخلية تكثف حملاتها ...
- ترامب يتحدث عن -فرصة جيدة- لاتفاق بشأن غزة هذا الأسبوع
- كيف يستخدم ترامب -نظرية الرجل المجنون- لمحاولة تغيير العالم ...
- انتهاء الجلسة الأولى من المفاوضات بين حماس وإسرائيل دون اتفا ...
- بدء مفاوضات الدوحة لوقف إطلاق النار في غزة وترامب يتحدث عن - ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي: رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائ ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تكساس إلى 78 قتيلا ومواصلة البحث ...
- لبنان: حزب الله يتمسك بسلاحه ويؤكد أن التهديدات الإسرائيلية ...


المزيد.....

- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي
- صندوق الأبنوس / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبيد حمادي - بدأت نهاية المجتمع