قصي غريب
الحوار المتمدن-العدد: 8302 - 2025 / 4 / 4 - 13:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتب أحمد برقاوي : (( أي صفة أيديولوجية دينية أو غير دينية للسلطة أو الدولة تعني بالضرورة أن السلطة دكتاتورية. فالدولة دولة الجميع: لا دولة إسلامية ولا مسيحية ولا يهودية ولا دولة شيوعية أو بعثية ولا نازية ولا فاشية. الدولة: حق مواطنة، عقد اجتماعي، دولة شعب)).
وكان لنا هذا الرد:
1 - عندما قرأت هذا الكلام الساذج المكتوب على عواهنه في توصيف ما يجب أن تكون عليه ماهية الدولة، دون علم أو معرفة أو دراية، لعنت النظام الأسدي المهزوم الذي تبنى وعلم وسيد على مؤسساتنا التربوية والتعليمية والثقافية جماعة اليسار الطفولي التي لا تنتمي إلى ثقافتنا العربية الإسلامية ولا إلى مشكلاتنا وتطلعاتنا. فهؤلاء، بعد أن تعلموا وقرأوا نتفًا من هنا ومن هناك من الكتب الصفراء، تم اعتمادهم من قبل النظام الشعوبي المستبد الذي حكم بلادنا بالطائفة والطائفية، لأنهم لا يختلفون عنه ويتماهون معه في العقلية والسلوك، ليكونوا معارضة لا حاضنة شعبية لها، بديلة عن معارضة بعث العراق وحركة الإخوان المسلمين، وأيضًا ليكونوا أداة لتخريب قيم المجتمع بطروحاتهم المبتذلة. ولذلك تنطعوا لوعظ الجمهور من دون فهم أو وعي أو شعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والإنسانية.
2 - إن الحياة برمتها قائمة على منظومة فكرية، ومنها الدولة والنظام السياسي. فالمنظومة الفكرية لها قيمة عظيمة في حياة الفرد والجماعة، فهي تحافظ على تاريخهم وثقافتهم وهويتهم، وتكون بمثابة البوصلة التي توجه حياتهم، وتساعدهم على تحقيق التقدم والازدهار، وتمنحهم القدرة على مواجهة التحديات وحل المشكلات.
3 - ما قاله أن أي صفة أيديولوجية للدولة أو السلطة تعني بالضرورة أنها دكتاتورية، فهذا لا يوجد إلا في ذهنه اليساري الطفولي الساذج، لأنه لا توجد دولة في العالم دون أن يكون لها منظومة فكرية - أيديولوجيا دينية أو وضعية. فالدولة، إلى جانب أركانها الأساسية: الشعب والإقليم والحكومة والسيادة، هناك ركن مهم هو ركن المنظومة الفكرية. فالنظام السياسي للدولة لا بد أن يتبنى منظومة فكرية، وقد تكون ذات نظام يسير على النهج الاشتراكي والمركزية الديمقراطية كما حال جمهورية الصين الشعبية، أو نظام يسير على النهج الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية كما هو حال جمهورية ألمانيا الاتحادية، أو يذكر صفة في الاسم الرسمي للدولة، وقد يكون النظام السياسي فيها ليس دكتاتوريًا، فيه جوانب ديمقراطية كحال جمهورية باكستان الإسلامية وجمهورية موريتانيا الإسلامية، أو يكون نظامًا استبداديًا كحال الجمهورية الإسلامية في إيران.
إن الدولة لا بد أن تنسب إلى مكان، وتمارس في واقع سياسي واجتماعي وثقافي محدد، فلا توجد دولة في العالم من دون صفات أيديولوجية، فلكل دولة ثقافة رئيسة سائدة فيها تأخذ عمقها وملامحها من دين الأغلبية، وتُضمن ذلك في الدستور بشكل واضح أو بشكل ما. ولذلك، في أغلب دول العالم، يكون الدستور ملائمًا لظروف وتاريخ الدولة، لأنه يتأثر بأحوالها وظروفها وحاجاتها، ويكون انعكاسًا عقديًا وثقافيًا واجتماعيًا لوجدان الأكثرية السائدة فيها، لكن دون ظلم الأقليات والمساس بحقوقهم وحرياتهم.
وفي العالم، تأخذ الدولة اسمها وهويتها وثقافتها ودينها من الأكثرية السائدة فيها دون التأثير على تطبيق مبدأ المواطنة، لأنه لا علاقة بين اسم الدولة وهويتها وثقافتها ودينها بتطبيق مبدأ المواطنة والحصول على الحقوق والحريات. فالدولة الحديثة تقوم على أساس أيديولوجي قومي وديني. فبنيان النظام الدولي الحالي، ومنذ معاهدة ويستفاليا 1648، يقوم أساسه على الدولة القومية - الوطنية. فجمهورية ألمانيا الاتحادية هي دولة قومية - وطنية ومسيحية وليبرالية، وكذلك فرنسا وإسبانيا والنرويج. كما أن مناطق الحكم الذاتي في الدول تقوم على أساس قومي أو ديني، مثل حال كردستان في جمهورية العراق، فالحكم الذاتي فيها قائم على أساس قومي كردي، وكذلك حال كتالونيا في المملكة الإسبانية، فالحكم الذاتي فيها قائم على أساس قومي كتالوني. وعلى الرغم من ذلك، فلا توجد مشكلة في الدولة القومية - الوطنية الديمقراطية بين ثقافتها القومية السائدة التي تصبغ الدولة والنظام السياسي بلونها، وبين حصول المواطنين فيها على اختلاف انتماءاتهم على كامل حقوقهم وقيامهم بكامل واجباتهم.
4 - يبدو أن الزمن قد توقف في ذهنه عند حقبة الاتحاد السوفيتي المستبدة، متجاهلًا أن النظام الاشتراكي الشيوعي لا يزال قائمًا في الصين وفيتنام وكوبا. كما يبدو أنه قد أسقط من ذاكرته، أو ربما تعمد نسيان أنه كان سابقًا رفيقًا ثوريًا يسترشد بالمنظومة الفكرية القائمة على النظرية الاشتراكية العلمية الماركسية اللينينية، ويسعى لبناء دولة العمال والفلاحين في سورية وبلاد العرب. فهو قد أنهى دراسته بجامعة لينينغراد في الاتحاد السوفيتي الذي كان يتبنى ويرفع لواء الأيديولوجية الاشتراكية العلمية القائمة على الماركسية اللينينية، ويقوده الحزب الشيوعي بمساعدة جهاز المخابرات. كما كان إلى جانب الاتحاد السوفيتي حينئذ الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية التي لا تزال تسير على النهج الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، وهي ذات ثقافة مسيحية وفيها أحزاب مسيحية.
5 - يبدو، بدفع من دوائر معينة ولإرضاء جماعات معينة، فقد سعى مع مجموعة في أثناء الثورة السورية لا علاقة لهم في معرفة ماهية الدستور والدولة والنظام السياسي إلى تهميش عقيدتنا وثقافتنا وهويتنا العربية الإسلامية، وتقسيم بلادنا على أساس المحاصصات الطائفية والقومية من خلال طرح مشروع مشبوه يسمى إعلان سورية الاتحادية. وما زال سادرًا في غيه من خلال سعيه إلى تهميش الهوية العربية الإسلامية للدولة السورية وجعلها دون منظومة فكرية، مع أنه لا توجد دولة في العالم دون منظومة فكرية للدولة. فالنهج الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية التي أعلن فوكوياما عن انتصارها على الاشتراكية الشيوعية هي منظومة فكرية. وعلى سبيل المثال، جمهورية ألمانيا الاتحادية تقوم الدولة والنظام السياسي فيها على النهج الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، كما أنها دولة ذات ثقافة مسيحية، ويبدو ذلك من الاقتصاد الحر ومجتمع الحرية والحقوق والأحزاب المسيحية ومن العطل الدينية وأسماء الأعلام والشوارع. فضلًا عن ذلك، فإن أغلب مؤسسات المجتمع المدني الكبرى والمؤثرة في المجتمع الألماني هي مؤسسات دينية مثل مؤسسة دياكوني البروتستانتية والكريتاس الكاثوليكية، وهذه المؤسسات الدينية تحمل على عاتقها مساعدة الحكومة في اندماج الوافدين، كما أن معظم رياض الأطفال هي تابعة لها.
6 - يبدو أنه لا يعرف أو يتجاهل أو يغض النظر عن أن الكثير من الدول الأوروبية تحمل الصليب في راياتها لأن ثقافتها مسيحية، ويمثل الصليب رمزًا مهمًا في العقيدة المسيحية. ومن الدول التي يوجد الصليب في راياتها: الدنمارك والنرويج والسويد وفنلندا وآيسلندا والمملكة المتحدة وسويسرا واليونان وأستراليا ونيوزيلندا ومالطا وجورجيا والدومينيكان.
7 - إن الدول الإسكندنافية التي هي أفضل دول العالم في مجال احترام حقوق الإنسان والحقوق والحريات الأساسية لا تبعد الدين عن الدولة والمجتمع، إنما تضمنه في دساتيرها دون المساس بحقوق وحريات مواطنيها الآخرين. ففي الدنمارك تنص المادة 4 من الدستور على أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة الرسمية للدولة، والمادة 6 على أن يكون الملك عضوًا في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية. وفي النرويج تنص المادة 2 من الدستور على مكانة القيم المسيحية، وتنص المادة 4 على الملك أن يعتنق دومًا الديانة الإنجيلية اللوثرية، والمادة 16 تنص على أن الكنيسة النرويجية هي كنيسة إنجيلية- لوثرية، وتظل الكنيسة الوطنية النرويجية معتمدة من قبل الدولة. أما السويد فتنص الفقرة 4 من قانون الخلافة على أن الملك يجب أن يعتنق دائمًا الإيمان الإنجيلي النقي.
8 - إنه ليس من أهل الاختصاص في النظم السياسية، ولذلك يبدو أنه لا يفرق بين الدولة والسلطة، والدور الذي يؤديه كل منهما، ولذلك يخلط بينهما. فالدولة هي كيان سياسي وقانوني له صفات أيديولوجية، تتكون من عناصر أساسية وهي: الشعب والأرض والحكومة والسيادة والمنظومة الفكرية، وتمثل الإطار الذي يحتوي جميع المؤسسات والهياكل. بينما السلطة تفتقد الصفات وتكون الأداة التي تمارس من خلالها الدولة وظائفها، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية. والفرق بينهما أن الدولة هي الكيان الكامل الذي يشمل الشعب والأرض والحكومة والسيادة والمنظومة الفكرية، بينما السلطة هي جزء من الدولة تستخدم لممارسة الحكم والإدارة بحيادية وتكون على مسافة واحدة من المواطنين. ولذلك يمكن أن تتغير السلطة ولكن تبقى الدولة، وعلى سبيل المثال، استطاعت الثورة السورية العظيمة أن تسقط النظام المستبد وتغير السلطة الحاكمة، ولكن الدولة بقيت ككيان سياسي وقانوني. ولذلك صدق العالم ابن حجر العسقلاني عندما قال: (( إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بالعجائب )). وهذا ينطبق على البرقاوي الذي أتى بالعجائب عندما تكلم بعبث يساري طفولي ساذج في اختصاص ليس من اختصاصه. فالدولة لا بد أن يكون لها صفة أو منظومة فكرية – أيديولوجيا دينية أو غير دينية، وتبقى دولة كل من يحمل جنسيتها، سواء كانت ديمقراطية أو استبدادية، مسلمة أو مسيحية أو غير ذلك من صفات أيديولوجية.
#قصي_غريب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟