الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8302 - 2025 / 4 / 4 - 12:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من التّأثيرات السّلبية للدّيون في قارة آسيا
باكستان
أعلن ناطق باسم صندوق النقد الدّولي يوم السادس والعشرين من آذار/مارس 2025 عن توصله إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة الباكستانية لمنحها حصّتَيْن جديدَتَيْن بقيمة مليارَيْ دولار، في إطار "دعم جهود البلاد لإعادة بناء اقتصادها الهش وتعزيز قدرتها على التكيّف مع تغيّر المناخ... ( وإن) الإتفاق يشمل صرف نحو مليار دولار كدفعة ثانية من حزمة الإنقاذ السابقة التي تبلغ قيمتها الإجمالية سبع مليارات دولار، والتي تم التوصل إليها سنة 2023، كما أقرّ الصندوق اتفاقا جديدا تحت ما يُعرف بـ"برنامج الصمود والاستدامة"، يتيح لباكستان الوصول إلى تمويل إضافي بقيمة 1,3 مليار دولار على مدى 28 شهرا، وفق وكالة بلومبيرغ ( 26/03/2025)
انكمش اقتصاد باكستان سنة 2023، في ظل صراعات سياسية بين الشق الحاكم حاليا من البرجوازية الباكستانية المدعوم من قِبَل الولايات المتحدة والسعودية، وشق عمران خان الذي رفَضَ بعض الإملاءات الأمريكية والسعودية، وبلغت البلاد حافة الإفلاس والتخلف عن سداد الدّيون، ونظمت الولايات المتحدة انقلابًا دستوريا أعاد عشيرة "شريف" إلى السُّلْطَة، وعاد صندوق النقد الدّولي إلى البلاد لتوقيع اتفاقية قرض عاجل لن يتم استثماره في الزراعة أو في قطاع منتج، بل لسد عجز الميزانية وسداد القروض القديمة وتوريد السلع الضرورية، وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن هذا الاتفاق الجديد ( آذار/مارس 2025)، وهْوَ الرابع والعشرون لباكستان منذ سنة 1958، مُرْفَق بشروط صارمة، من بينها: "إجراء إصلاحات هيكلية لخفض الإنفاق وتحسين الإيرادات الضريبية وخصوصًا ضريبة الدّخل ( من الأُجراء ومن المُستهلكين وليس من الأثرياء ومن أرباح الشركات الكبرى) لتصل قيمة الضّرائب إلى 43,89 مليار دولارا ( اشترط صندوق النقد الدّولي في البداية مبلغ 46,03 مليار دولارا )، و خفض الدعم الحكومي للطّاقة والكهرباء، وتطبيق سياسة نقدية متشددة " وخصخصة المؤسسات العمومية، وأفادت وكالة بلومبيرغ أن الحكومة الباكستانية بدأت على الفور تطبيق بعض الإجراءات ومن بينها زيادة الضرائب على الوقود، وإقرار قانون لفرض ضرائب على دخل القطاع الزراعي واتخاذ قرار خصخصة شركة الخطوط الجوية الباكستانية، وضبط المالية العامة و"معالجة الإختلال، أي خَفْض الإنفاق وزيادة الإيرادات، وخَفْض معدلات التضخم وزيادة احتياطات العملات الأجنبية، وأكد بيان صندوق النقد أن المراجعة الثانية ( آذار/مارس 2024 ) من برنامج القرض ( البالغ سبع مليارات دولارا) ستُتيح لباكستان الحصول على ملياريْ دولار في إطار البرنامج القائم مُكافأةً للحكومة التي " تمكّنت، خلال الأشهر الـ18 الأخيرة، من إحْراز تقدّم كبير في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وإعادة بناء الثقة، رغم الظروف الدولية والمحلية الصعبة..."، وسوف تتم المُراجعة القادمة بعد 28 شهر، تتخلّلها محادثات ثنائية (أي رقابة صارمة من قِبَل صندوق النقد الدّولي) لمُساعدة الدّولة على التّكيّف والحدّ من تداعيات التغيّر المناخي، وفق وكالتَيْ بلومبرغ و وكالة الصحافة الفرنسية ( أ. ف. ب. ) 26/03/2025
واجهت الحكومة انتقادات وموجة غضب شعبي بسبب "الإصلاحات الاقتصادية" الصارمة التي تضمّنت فرض ضرائب قياسية وزيادة أسعار الطاقة، وادّعى وزير المالية يوم 18 شباط/فبراير 2025 إن الحكومة قادرة على تحصيل الإيرادات المستهدفة لهذا العام من دون تحميل دافعي الضرائب أعباء إضافية، في محاولة لتهدئة الإنتقادات، وهو ادّعاء كاذب لأن رَفْعَ نسبة الضرائب إلى الناتج المحلّي الإجمالي يُعَدّ من الشروط الأساسية لأي من برامج القُروض التي يُوافق عليها صندوق النّقد الدّولي، بما فيها برنامج القرض البالغ سبع مليارات دولار الذي حصلت عليه باكستان، وكانت الحكومة أكثر تشدّدًا من صندوق النقد الدّولي الذي حدّد هدف بلوغ نسبة الضرائب 10,6% من الناتج المحلي الإجمالي، وأعلنت الحكومة إن نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 10,8% بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، متجاوزة الهدف المحدد، وأثارت بعض الإجراءات غضبًا شديدًا، ومن بينها فَرْض ضرائب جديدة على الدخل الفلاحي، بهدف "توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز تحصيل الإيرادات" وفق تعليمات صندوق النقد الدّولي، في حين لا تزال العديد من الشركات ( خصوصًا الشركات المحلية الصغيرة) تعاني بسبب ارتفاع الضرائب وتكاليف الطاقة.
تُهدّد شروط صندوق النّقد الدّولي الإستثمارات الصّينية، فقد طلب صندوق النقد الدولي من حكومة باكستان التوقف عن تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والدعم لأي مناطق اقتصادية خاصة جديدة أو قائمة، حتى لا يتسبب ذلك في تقليل إيرادات خزينة الدولة، غير أن مثل هذا التوجه سيتسبب في تقويض جهود الدّولة لجذب مزيد من الصناعات الصينية إلى البلاد، واعتبر تقرير لوكالة بلومبيرغ أن صندوق النقد يريد أن "يساعد على توفير فُرص متساوية للاستثمار، مما يضمن عدم تقويض القاعدة الضريبية للبلاد، ممايتعارض مع جهود حكومة رئيس الوزراء شهباز شريف لإقناع الشركات الصينية بنقل مزيد من الصناعات إلى باكستان، مما يضفي زخما جديدا على مشاريع مبادرة الحزام والطريق، وكانت الحكومة تخطط للسماح ببناء ما لا يقل عن تسع مناطق اقتصادية خاصة في نطاق مبادرة "الحزام والطّريق"، لكن رئيس بعثة صندوق النقد الدّولي انتقد مثل هذا الإجراء منتصف شهر شباط/فبراير 2025 ( أي إن القروض تُؤَدِّي إلى تحديد الدّائن ملامح السياسة الدّاخلية والخارجية للبلاد المُقْتَرِضَة) بحجة " إن باكستان قدمت حماية أو امتيازات لقطاعات ذات إنتاجية منخفضة، وهذا هو السبب في عدم قدرتها على تحقيق معدلات النمو المستدامة التي حققتها العديد من دول الجوار الإقليمي..." وقد يُؤدّي موقف صندوق النقد الدّولي إلى عرقلة ( أو إلغاء) إنجاز المنطقة الصناعية الجديدة التي تعتزم الحكومة إنشاءها في كراتشي، العاصمة التجارية لباكستان في الجنوب، لتضُمَّ حوالي مائة مصنع صيني، واستخدام الحوافز الضريبية والجمركية لاجتذاب الإستثمارات الأجنبية، وفي مقدّمتها الصينية، لأن الصين أنجزت مشاريع كبرى للبنية التحتية والطاقة في باكستان في إطار مبادرة الحزام والطريق، غير إن ارتفاع الدّيون أدّى إلى عرقلة بعض المشاريع وسبق أن مددت الصين الموعد النهائي لسداد قرض بقيمة ملياري دولار لباكستان، لدعم اقتصادها الهش والمتعثر، ووافقت الصين على تمديد القرض لمدة عام آخر ( بعد تمديدات عديدة سابقة) مع اقتراب موعد السداد، وخصوصًا سنة 2023، حيث ساهمت الصين في إنقاذ حكومة باكستان من خطر التخلف عن السّداد، غير إن مستويات التضخم والبطالة لا تزال مرتفعة ولا تزال العملة المحلية ضعيفة مقارنة بالعملات الأجنبية، وخصوصًا الدّولار، وفق وكالة بلومبرغ بتاريخ العاشر من آذار/مارس 2025، ومن مؤشرات هذه الأزمة انخفاض حجم الناتج المحلي الإجمالي لباكستان من 375 مليار دولارا بنهاية سنة 2023 إلى نحو 341 مليار دولارا سنة 2024، أو حوالي 1660 دولارا للفرد ( حوالي 237 مليون نسمة)، وقُدّر حجم الإستثمار الخارجي بنو 170 مليار دولارا بنهاية سنة 2024، فيما ارتفع حجم الدّين الخارجي من 37,2 مليار دولارا منتصف سنة 2006 (حزيران/يونيو 2006) إلى 131,1 مليار دولارا بنهاية سنة 2024، ولم يتجاوز حجم احتياطي النقد الأجنبي بالمصرف المركزي 15,6 مليار دولارا خلال شهر كانون الثاني/يناير 2025، وفق بيانات البنك العالمي...
سريلانكا
كانت حكومة سريلانكا تحصل على العملات الأجنبية من السياحة ومن تحويلات السريلانكيين المُغتربين ومن بعض الصادرات ( الشّاي مثلا)، وتسبّبت جائحة كوفيد ( 2020/2021) في توقّف حركة السّفر وتوقف العديد من القطاعات الإقتصادية في جميع أنحاء العالم، مما أدّى إلى شح النقد الأجنبي الذي يُسْتَخْدَمُ لسداد الديون الخارجية والواردات، فأصبحت الدّولة عاجزة عن استيراد الوقود والغذاء، وأدّت ندْرة الغذاء إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التضخم السّنوي إلى 64,3% خلال شهر آب/أغسطس 2022، وكانت الدولة قد أعلنت– خلال شهر نيسان/ابريل 2022 - حالة التخلف عن سداد الديون، وكانت أغلبية السّكّان تُعاني من هذه الأزمة الخانقة وانفجَرَ الغضب الشعبي بداية من شهر نيسان/ابريل الذي أدّى إلى اجتياح القصر الرئاسي ( تموز/يوليو 2022) وفرار الرئيس غوتابايا راجاباكسا، الذي حكمت عائلته البلاد بشكل مستمر تقريبًا منذ سنة 2005، لكن – كما حصل في تونس أو مصر – تغيّر الشخص وبقي النّظام الحاكم، فقد تولّى رانيل ويكريميسينغه، رئيس الوزراء السابق للرئيس راجاباكسا، منصب الرئيس (تموز/يوليو 2022) وتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بشأن قرض بقيمة 2,9 مليار دولار، بشروط، من بينها: زيادة ضريبة القيمة المضافة (التالي تؤثر على أفقر الناس ) وخصخصة مؤسسات القطاع العام وتجميد التوظيف، وخفض دعم السلع والخدمات الأساسية، فتضاعفت أسعار الوقود والكهرباء ثلاث مرات، ولذا فإن اتفاق بين رئيس الوزراء السابق وصندوق النقد الدّولي كان في غير صالح أغلبية شعب سريلانكا الذي ازدادت ظروف معيشته سُوءًا، وكان ذلك أحد أسباب انتقام الشعب من تلك "النُّخْبَة" الفاسدة وانتخاب الرئيس الجديد أنورا كومارا ديساناياكي، والأغلبية النيابية المساندة له المحسوبة على اليسار والتّقدُّمِيّة ( أيلول/سبتمبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2024) من حزب السلطة الشعبية الوطنية، وينحدر الرئيس من عائلة ريفية فقيرة، وهو من خارج المجموعات السياسية التقليدية، غير إنه هادَنَ الدّائنين وعلى ٍاسهم صندوق النقد الدولي ولم تتضمن الحملة الإنتخابية شعارات أو مخططات بديلة للشروط السياسية التي يفرضها الصندوق، ولذا بقي شعب سريلانكا في قبضة صندوق النقد الدولي، وتُظْهِر ميزانية سنة 2025 ضيق الهامش لإاعدة التفاوض على شروط صندوق النقد الدّولي، لحماية الفُقراء أو تطوير بدائل أخرى لإجراءات التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي والتي دفعت 5,5 مليون سريلانكي إلى الفقر ( من إجمالي 11 مليون نسمة) وتضاعف معدّل الفقر ليصل إلى 25% خلال السنوات 2022/2024، فيما يتهدّد الفقر نصف السكان ويواجه ثُلُثُ الأُسَر انعدام الأمن الغذائي، وارتفعت معدلات نقص الوزن بين الأطفال والنساء الحوامل، ولم تُقدّم ميزانية 2025 خططا لمعالجة قضايا الأمن الغذائي والحماية الاجتماعية وضمان الحقوق الإقتصادية، ويبلغ المبلغ المخصص للتحويلات النقدية للأسر ذات الدخل المنخفض ( في إطار برنامج أسويسوما ) ما يعادل 0,5% من الناتج المحلي الإجمالي. وتبلغ قيمة مساعدات الأسر ذات الدخل المنخفض وكبار السن والمُعاقين ومساعدات برنامج شراء اللوازم المدرسية نحو 0,7% من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يزال نصف الإيرادات الحكومية يأتي من الضرائب غير المباشرة التي تضُرّ بميزانية العُمال والكادحين والفقراء الذين يُعانون من شح الغذاء والدواء وارتفاع نفقات الوقود والنقل والتعليم...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟