عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث
(Aqeel Al Fatlawy)
الحوار المتمدن-العدد: 8302 - 2025 / 4 / 4 - 06:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أكثر من عقدين على تطبيق نظرية (الفوضى الخلاقة) في العراق، يبدو المشهد في العام 2025 وكأنه استنساخ مأساوي للماضي، لكن بوجوه جديدة وتعقيدات أكثر خطورة. فما كان يُفترض أن يكون (ولادة جديدة) للعراق تحول إلى واقع مرير من التبعية الخارجية والانهيار الداخلي، واليوم تطفو على السطح تداعيات تلك النظرية بأشكال أكثر حدّة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتراجع الاهتمام الدولي بالملف العراقي.
في الربع الأول من هذا العام، لا يزال العراق يعاني من نفس الإشكاليات القديمة، لكن بطبقة إضافية من التعقيد. فالمشهد السياسي يشهد استمرار هيمنة المحاصصة الطائفية، حيث تتصارع الكتل السياسية على مقاعد السلطة بينما المواطن يئن تحت وطأة انقطاع الكهرباء ونقص المياه وارتفاع الأسعار. الانتخابات الأخيرة لم تُنتج حكومة قوية، بل كرّست نفس التحالفات الهشة التي تعتمد على الدعم الخارجي، خاصة من إيران والولايات المتحدة، اللتين ما زالتا تتصارعان على النفوذ في العراق، وإن بشكل غير مباشر.
أمنيًا، لم تختفِ الميليشيات المسلحة، بل تحول بعضها إلى قوى سياسية وعسكرية مؤثرة، تُحكم سيطرتها على مفاصل الدولة عبر شبكات الفساد. وفي الأشهر الماضية، تصاعدت الهجمات على القوات الأمريكية المتبقية في العراق، بينما تتهم فصائل مسلحة بالإيحاء الإيراني واشنطن بـ (إطالة أمد الاحتلال). المشهد يذكرنا بحلقة مفرغة من العنف، حيث كل طرف يستخدم العراق ساحة لتصفية حسابات إقليمية، تمامًا كما حدث في أعقاب الغزو الأمريكي.
اقتصاديًا، يعتمد العراق بشكل شبه كامل على إيرادات النفط، التي تتأثر بتقلبات الأسعار العالمية والصراعات الجيوسياسية. وفي هذا العام أيضاً، ومع انخفاض الطلب العالمي على النفط بسبب التحول نحو الطاقة المتجددة، بدأ العراق يعاني من أزمة مالية خانقة، مما دفع الحكومة إلى تقليص الدعم وزيادة الضرائب، الأمر الذي أثار موجة جديدة من الاحتجاجات الشبابية. هذه الاحتجاجات، التي تشبه انتفاضة تشرين 2019، تواجهها السلطات بقمع أحيانًا، وبوعود إصلاحية غير مُنفذة أحيانًا أخرى.
أما إقليميًا، فالعراق ما زال ساحة لصراع خفي بين إيران والسعودية وتركيا، حيث تُستخدم الطائفية والحدود كأوراق ضغط. المفارقة أن بغداد، رغم كل محاولاتها لإظهار الحياد، تبقى رهينة لهذه الصراعات، خاصة مع تصاعد التوتر في المنطقة بسبب الأزمة السورية واليمنية والنووية الإيرانية.
اليوم، السؤال الأكبر هو: هل يمكن للعراق أن يخرج من هذا المتاهة؟ الجواب ربما يكمن في جيل الشباب الذي يرفض الانتماءات الطائفية ويسعى لتغيير جذري. لكن مع استمرار الفساد والنفوذ الخارجي، يبقى الأمل ضعيفًا في ظل غياب رؤية واضحة للإصلاح. الفوضى الخلاقة التي لم تخلق سوى دمارًا طويل الأمد، والعراق في 2025 هو الشاهد الأبرز على أن بعض النظريات السياسية لا تُنتج سوى كوارث إنسانية.
#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)
Aqeel_Al_Fatlawy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟