أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر ابو رغيف - الوطنية والقومية بين الأصالة والأداء















المزيد.....

الوطنية والقومية بين الأصالة والأداء


ثائر ابو رغيف
كاتب مهتم بالأوضاع ألسياسية

(Arthur Burgif)


الحوار المتمدن-العدد: 8301 - 2025 / 4 / 3 - 20:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1
قبل الدخول في موضوع ألوطنية والتي تشكل ألقومية عمودها ألفقري سأتناول موضوع ألقومية أولاً,
القومية (أو الهوية القومية) هي مفهوم معقد يرتبط بانتماء الأفراد إلى جماعة مُتخيَّلة تشترك في خصائص تاريخية وثقافية وسياسية، وتُعرِّف نفسها كأمة متميزة عن غيرها. تختلف مقومات القومية باختلاف السياقات التاريخية والجغرافية، لكنها عادةً ما تشمل العناصر التالية

التاريخ المشترك والسرديات الجماعية
تُعتبر الذاكرة التاريخية المُشتركة من أهم ركائز القومية، سواء كانت حقيقية أو مُنشأة. فالأمة تُبنى على سرديات عن ماضي مجيد، نضالات التحرير، أو معاناة مشتركة. على سبيل المثال:
الأساطير التأسيسية: مثل قصة رومولوس وريموس في روما القديمة، أو حرب الاستقلال الأمريكية
الأحداث التاريخية الرمزية: كالثورات (الثورة الفرنسية)، أو الهزائم التي تحولت إلى مصدر للهوية (هزيمة الأندلس في الذاكرة الإسبانية)

الثقافة المشتركة (اللغة، الدين، العادات)
تتجلى القومية في عناصر ثقافية توحد الأفراد، مثل
اللغة: تُعد أداة رئيسية لبناء الهوية (مثل دور اللغة العربية في القومية العربية، أو الفرنسية في فرنسا)
الدين: قد يكون عاملاً مُحدداً للهوية، كما في حالة الهندوسية في الهند أو اليهودية في ألكيان ألصهيوني
الفنون والتراث: كالأدب، الموسيقى، والاحتفالات التي تُعزز الانتماء (مثل عيد الشكر في الولايات المتحدة)

الأرض والحدود الجغرافية
ترتبط القومية ارتباطاً وثيقاً بفكرة "الوطن" كمساحة مادية تمنح الشعور بالانتماء. وهذا يشمل:
الحدود السياسية: التي تُعرّف الأمة جغرافيا (مثل حدود مصر الطبيعية حول نهر النيل)
الرمزية المكانية: كالجبال، الأنهار، أو المدن التاريخية (مثال: القدس في الهوية الفلسطينية وأورشليم الصهيونية)

المشروع السياسي المشترك
لا تكتفي القومية بالانتماء الثقافي، بل تتطلب غالباً سعياً نحو تحقيق كيان سياسي مستقل أو الحفاظ عليه. وهذا يشمل
الدولة القومية: كتجسيد سياسي للأمة (كألمانيا الموحدة في القرن التاسع عشر)
الحق في تقرير المصير: كما في حركات التحرر من الاستعمار (كجزائر ما قبل 1962)

الرموز والطقوس الجماعية
تعتمد القومية على رموز مادية ومعنوية لتجسيد الوحدة، مثل
العلم والنشيد الوطني: كتعبير مرئي وسمعي عن الهوية
المناسبات القومية: كيوم الاستقلال أو ذكرى المعارك التاريخية
الأبطال الوطنيين: شخصيات تاريخية أو أسطورية خيالية تُجسد قيم الأمة (مثل ألزير سالم في الفلكلور ألعربي)

الإرادة الجماعية والوعي بالذات
أكد الفيلسوف إرنست رينان أن الأمة ليست مجرد تاريخ أو أرض، بل "استفتاء يومي" يعبر عن رغبة الأفراد في العيش معاً. وهذا يشمل
الانتماء الطوعي: حتى في الدول متعددة الثقافات، ككندا أو سويسرا
التمييز بين "نحن" و"هم": حيث تُعرف الأمة نفسها في مقابل الآخرين (كالفروق بين القومية الفرنسية والألمانية)

العرق والإثنية (في بعض النماذج)
في بعض الحالات، ترتبط القومية بفكرة العرق المشترك، كما في القومية الإثنية: كالقومية اليابانية التي تربط الهوية بالانحدار من سلالة واحدة. لكن هذا النموذج يُنتقد لاستبعاده الأقليات، على عكس القومية المدنية التي تقوم على المواطنة لا الدم (كما في الولايات المتحدة)

التحديات المعاصرة للقومية
في عصر العولمة والهجرة، تواجه المقومات التقليدية للقومية تحديات، مثل تعدد الهويات: انتماء الفرد لأكثر من ثقافة (كالمهاجرين في أوروبا).

القومية المتطرفة: تحول القومية إلى عنصرية أو شوفينية (كما في الحركات اليمينية في الغرب)
التكامل الإقليمي: كالاتحاد الأوروبي الذي يضعف مفهوم الدولة القومية الكلاسيكية

إذا القومية بالمعنى الجديد ليست كياناً ثابتاً، بل عملية ديناميكية تُعاد صياغتها باستمرار عبر التاريخ. فمقوماتها قد تتغير بتغير الظروف السياسية والاجتماعية، لكنها تبقى قوة محركة للشعوب، سواء نحو التحرر أو نحو الصراع. فهم هذه المقومات يساعد على تحليل ظواهر مثل الاستقلال، الانقسامات الداخلية، أو حتى صعود الشعبوية في القرن الحادي والعشرين

الوطنية بين الأصالة والأداء 2
تُثير ظاهرة التباين في تعبير الشعوب عن الوطنية تساؤلات عميقة حول طبيعة الهوية القومية وتاريخها. ففي حين يبدو سكان الدول العريقة، مثل فرنسا أو الصين، أقل اندفاعاً في التعبير عن الوطنية، نجد في دول الهجرة مثل الولايات المتحدة مظاهر حماسية تُوصف أحياناً بـ"الوطنية الزائفة". هذا الاختلاف ليس محض صدفة، بل هو نتاج سياقات تاريخية واجتماعية وسياسية متشعبة

الدول العريقة: الوطنية كنسيج تاريخي متراكم
في الدول ذات الجذور الضاربة في التاريخ، تتشكل الهوية الوطنية عبر قرون من التطور الثقافي والسياسي. ففي أوروبا، مثلاً، خاضت الشعوب حروباً دينية وإمبراطوريات متصارعة، مما أرسى مفاهيم الوطن على أسس إثنية أو ثقافية متجذرة. هنا، تكون الوطنية أشبه بـ"الهواء الذي يُستنشق" دون حاجة إلى تأكيده بصور صارخة. فالشعب الفرنسي، على سبيل المثال، يرى في قيمه الجمهورية (كالعلمانية والحرية) امتداداً طبيعياً لتاريخه، مما يجعله يرفض التعبيرات الفارغة لانتمائه
أضف إلى ذلك أن تجارب القرن العشرين، كالحربين العالميتين والفاشية، جعلت العديد من الدول الأوروبية حذرة من الوطنية المتطرفة. ففي ألمانيا، مثلاً، تحولت الوطنية إلى مفهوم "دستوري" يركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان كرد فعل على جرائم النازية. هذا التحول يفسر لماذا قد يبدو الانتماء في هذه الدول أكثر هدوءاً، لكنه ليس أقل عمقاً.
دول الهجرة: الوطنية كـ"غراء" اجتماعي
على النقيض، تعتمد الدول التي تأسست على الهجرة، مثل الولايات المتحدة وكندا، على الوطنية كأداة لخلق هوية مشتركة بين سكان متنوعي الأصول. ففي غياب تاريخ مشترك يمتد لآلاف السنين، تُبنى الهوية على رموز مُنشأة: العلم، النشيد الوطني، "الحلم الأمريكي". هذه الرموز لا تعكس بالضرورة واقعاً تاريخياً، بل تُستخدم كسردية توحيدية. هنا، تتحول الوطنية إلى أداء يومي—مثل ترديد "الولاء للعلم" لتعويض غياب الإرث الثقافي الموحد ورغم ذلك ورغم إسم إرتباط إسم ألولايات ألمتحدة بإسم بحار أورݒي نجد سكان هذا البلد بمناسبة او غير مناسبة يهتفون كالببغاوات: يو أس أيه, يو أس أيه

هذه المظاهر قد تُنتقد لكونها "زائفة"، خاصة عندما تُستخدم لتهميش أصوات معارضة أو لإخفاء تناقضات اجتماعية. ففي الولايات المتحدة مرة أخرى، مثلاً، يُستدعى الخطاب الوطني غالباً في سياقات سياسية استقطابية، كالاحتجاج ضد حركة "حياة السود مهمة"، مما يخلق انطباعاً بأن الوطنية أداة لإسكات النقد بدلاً من كونها تعبيراً أصيلاً

الوطنية المدنية مقابل الوطنية الإثنية: إطار لفهم الاختلاف
وفقاً للنظرية السياسية، يمكن التمييز بين نوعين من الوطنية: الوطنية الإثنية (القائمة على الانتماء العرقي أو الثقافي الطويل) والوطنية المدنية (القائمة على القيم والمؤسسات المشتركة). الدول العريقة تميل إلى النموذج الأول، مما يسمح بانتماء "هادئ"، بينما تعتمد دول الهجرة على النموذج الثاني، الذي يتطلب تعزيزاً مستمراً عبر الطقوس والرموز
الاختلاف في تعبير الدول عن الوطنية لا يعكس تفوقاً ثقافياً لأحد الطرفين، بل يكشف عن تعقيدات بناء الهوية. ففي الدول العريقة، تُختزل الوطنية في الممارسة اليومية لتاريخ حي، بينما تتحول في دول الهجرة إلى لغة مشتركة لشعب لا يجمع بين أفراده سوى مستقبل مُتخيل.



#ثائر_ابو_رغيف (هاشتاغ)       Arthur_Burgif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللامنتمي والانعتاق من القطيع: بحثٌ في هُشاشة الانتماء وصراع ...
- جمهورية أفلاطون ومدينة ألفارابي الفاضلة
- إمكانية إستعادة البلدان المُسَمَّاة بأسماء رموز إمݒريال ...
- قصيدة -الرجال الجوف- لتي.أس. إليوت
- -في انتظار گودو- مرحلة مفصلية لإبداع صاموئيل بيكت
- التفكيكية تتحدى سلطة اللغة كوسيلة وحيدة أو ثابتة لفهم العالم
- صاموئيل ݒيكت طفرة لما بعد ألحداثوية
- صورة الفنان في شبابه - A Portrait of the Artist as a Young M ...
- جيمس جويس وآيرلند: ألولد ألعاق والأم الأبدية
- ألتداعيات الاستراتيجية لإصرار ترمݒ على ضم گرينلاند
- احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014
- إيلون ماسك هو روݒرت مردوك الجديد
- نصيحة لمحافظي البصرة ممن سيأتي
- ألتضرر ألروسي من حرب أوكرانيا
- الشاعر أوڤيد ومورفيوس: إله الأحلام في -ألتحولات-
- مجازية ألكهف لأفلاطون: رحلة من الوهم إلى الحقيقة
- ڤلاديمير زيلينسكي: الكوميديان الذي أصبح قائدًا، والقائ ...
- هاينريش هاينه والماركسية: رؤية لشاعر مزقه حب ألفن وحق ألمتعب ...
- دونالد ترمپ وأدولف هتلر: أوجه تشابه تاريخية وأصداء الحرب الع ...
- راعي ألغيوم


المزيد.....




- كيف تأثرت مصر برسوم ترامب الجمركية والحرب التجارية مع الصين؟ ...
- ما نتائج محادثات موسكو وواشنطن بإسطنبول؟
- شاهد.. بركة السفارة الأمريكية في لندن تتحول إلى اللون الدموي ...
- نائب أوكراني: زيلينسكي يحاول جر الولايات المتحدة إلى حرب مع ...
- الخارجية الأمريكية: طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ...
- وزير الدفاع الأمريكي: الولايات المتحدة لا تريد صراعا مع الصي ...
- زاخاروفا: سنحكم على العلاقات مع الولايات المتحدة بناء على ال ...
- الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شركة صينية و30 ناقلة نفط
- رئيس مؤسسة الحج والزيارة في إيران: رحلات الحج الجوية ستتم ع ...
- الرئيس الإماراتي يتسلم أوراق سفراء جدد بينهم الإسرائيلي يوسي ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر ابو رغيف - الوطنية والقومية بين الأصالة والأداء