|
العولمة المتوحشة
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 8301 - 2025 / 4 / 3 - 18:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التمهيد لقد تنبأ كارل ماركس قبل (150 عاماً) منذ صدور البيان الشيوعي عام/ 1848 بطبيعة الاقتصاد الرأسمالي وسيكون ذلك في مطلع القرن الواحد والعشرين بتطوره في مرحلته العولمة وذلك من خلال استناده على تحليل تطور المجتمع البورجوازي وأكد على ولادة الاقتصاد الدولي المعولم كأمر لازم لتطوره وامتداد الإنتاج الرأسمالي كما تنبأ كارل ماركس على حدوث الأزمات بالنظام الاقتصادي الرأسمالي وسوف تؤدي هذه الظاهرة إلى تولد النزاعات العنيفة والحروب والأزمات الاقتصادية وامتداداته على طول المرحلة الرأسمالية كما يولد هذا النظام المظالم الاجتماعية في الجوع والفقر والبطالة على نطاق العالم بأسره ... وقد صدقت تنبؤات كارل ماركس حيث حدثت الحروب العالمية الأولى والثانية وحروب أخرى صغيرة في العالم ... كما حدثت الأزمات الاقتصادية الملازمة للنظام الرأسمالي المختلفة وكان من أهمها الأزمة الكبيرة التي شملت العالم بأسره وهي الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا عام/ 1999 حيث كانت بداية الأزمة في دولة الأرجنتين وامتدت إلى دول كثيرة وأخيراً حدثت أزمة الرهن العقاري التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية عام/ 2006 وانتشرت في أكثر دول العالم المشمولة بالعولمة المتوحشة ولا زالت مستمرة حتى عام/ 2009 وانتشرت آثارها المدمرة في جميع أنحاء العالم كما أن في عصر العولمة المتوحشة يكون الإنسان مشغولاً بالأمور والمفاهيم الاقتصادية والسياسية مما يؤدي ويصبح رب العائلة إلى التراجع وعدم الاهتمام بشؤون عائلته وتربيتهم ورعايتهم بسبب انشغاله بالأمور الاقتصادية المضطربة والأمور السياسية وبعيداً عن الثقافة والقيم الروحية الأمر الذي يؤدي نفسياً إلى شيوع الحقد والأنانية والكره بين أفراد المجتمع وحتى الأسرة الواحدة وإلى حصر الصراع والعلاقات بين الدول في دائرة المصالح الاقتصادية التي من طبيعتها لا تعير الاهتمام للقيم الأخلاقية والسياسية والاجتماعية. والعولمة تعتبر امتداد للنظام الرأسمالي الذي من صفاته الأساسية إشعال نار الحروب والاضطرابات وعدم الاستقرار في العالم بسبب تأثره بسياسات النظام الرأسمالي المضطربة التي تعتبر ملازمة للنظام الرأسمالي التي تعتبر من صفاته الأساسية وإشعال نار الحروب وعدم الاستقرار في العالم وهذه العوالم والصفات شاهدناها ولا زالت تعتبر من العوائق وعدم الاستقرار في العالم بسبب تأثره بسياسات النظام الرأسمالي التي تعتبر ملازمة له ومن صفاته وطبائعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... وفي عصر مرحلة العولمة التي تعتبر النظام الأخير للنظام الرأسمالي وانتصار إرادة الشعوب في الحرية والديمقراطية والمدنية والأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية والعامل الأساسي في ذلك الوعي الفكري والمعرفي وقوة الإرادة للشعوب. إن النظام الرأسمالي ليس غبياً حتى يسير على وتيرة واحدة وإنما له امتدادات اقتصادية وسياسية عندما تصبح قاعدته متهالكة وآيلة إلى السقوط والانهيار وإنما يعتمد على عدة مراحل اقتصادية وسياسية فتحول إلى الليبرالية ثم إلى الليبرالية الجديدة ثم إلى الخصخصة ومن ثم المرحلة الأخيرة في عمره المدمر للإنسان والطبيعة العولمة المتوحشة حيث في كل مرحلة يغير ملابسه ورتوشه ويصبغ وجهه وشعره ويظهر كأنه في مرحلة الشباب إلا أنه منهار ومتهالك في عمله ونشاطه المدمر والمخرب من الداخل. فلاح أمين الرهيمي
مرحلة النظام الرأسمالي النظام الرأسمالي نظام اقتصادي يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وخلق السلع والخدمات لأجل الربح وتراكم رأس المال وتشمل الخصائص الرئيسية للرأسمالية الملكية الخاصة وتراكم رأس المال وفائض القيمة (الربح) والعمل المأجور والأسواق التنافسية والنظام الرأسمالي يمتاز بتعدد مراحله فشكلت تنظيمات من تطوره ومن تنوعاته : (الليبرالية والليبرالية الجديدة والخصخصة والعولمة المتوحشة التي تعتبر المرحلة الأخيرة لهذا النظام المتعفن). وتطور النظام الرأسمالي عبر ثلاث مراحل كبرى هي :- 1) المرحلة الأولى / الرأسمالية التجارية : وقد ارتبط ظهوره بحركة الاكتشافات الجغرافية في القرن السادس عشر الميلادي التي فتحت طرقاً تجارية جديدة أمام التجار الأوربيين وفرصاً لتحقيق الأرباح من خلال استقدام السلع المتنوعة وتراكم الثروات كما كان عليه في القرون الوسطى في تحفيز الناس على التجارة وجمع الأموال. 2) المرحلة الثانية : إن في هذه المرحلة من تطور رأس المال أدت إلى ظهور الرأسمالية الصناعية في القرن الثامن عشر الميلادي التي بدأت في انكلترا عندما اكتشفت تقنيات جديدة للإنتاج (كالمحرك البخاري وآلة الغزل) وانتقلت هذه التقنيات في بقية أنحاء أوربا وأدى ذلك إلى ظهور المصانع في أوربا مما أدى إلى بروز وظهور طبقة جديدة في المجتمع هي الطبقة (البورجوازية) التي لعبت دوراً هاماً في تطور الإنتاج الصناعي والترويج للأفكار الرأسمالية وأحداث قطيعة في النظام الإقطاعي. 3) المرحلة الثالثة / مرحلة الرأسمالية الامبريالية الاحتكارية : كان يسود فيها قاعدة الصناعة ذات الطابع الاجتماعي الكبير الذي يشترك فيه آلاف العمال والفنيين والمهندسين وأدخلت فيه المكننة الواسعة المتطورة كما امتازت هذه المرحلة بالرابطة الوثيقة بين رأس المال التجاري ورأس المال المصرفي فظهر رأس المال المالي كما أصبحت في هذه المرحلة تقوم المصارف والبنوك في المؤسسات الدولية مثل (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعملية الإقراض للدول وفي هذه المرحلة كان رأس المال يستحوذ على فائض القيمة (الربح) من الطبيعة الاحتكارية التي سادت في تلك المرحلة. إن النظام الرأسمالي عندما قارب مرحلته الأخيرة (المرحلة الامبريالية الاحتكارية) التي اعتبرها القائد العظيم (لينين) نهاية عمر وفناء النظام الرأسمالي إلا أن هذا النظام استعان بامتدادات لعمره العفن المنتهي ... إلا أنها لم تغيّر من طبيعته في الاستغلال والنهب واستعباد الشعوب في الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وفائق القيمة (الربح) وتراكم رأس المال من أجل (الثراء الفاحش) وهذه الامتدادات التي اعتمدها (الليبرالية والليبرالية الجديدة والخصخصة والعولمة المتوحشة التي تعتبر هي النهاية على أيدي الجماهير المناضلة للشعوب للنظام الرأسمالي العفن بالرغم من ادخالها وسائل تجميل وإنعاش وملابس مزركشة وإعلام ودعايات من دول السبع الكبار الرأسمالية من أجل تحسين سمعته وتغيير طبيعته وتمديد عمره أمام الشعوب التي حسمت أمرها مع هذا النظام البائد. مراحل نشوء وتطور أسلوب الإنتاج الرأسمالي والملكية الخاصة إن مفهوم النظام الرأسمالي يقوم على علم الاقتصاد السياسي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتنظيمه في هذا المفهوم مستند إلى كارل ماركس لأن الملكية الخاصة تعتبر جزء من العلاقات الاجتماعية للإنتاج عند ماركس وعلى التميز الطبقي والعلاقات الطبقية ما بين مالكي وسائل الإنتاج والمحرومين منه والإنتاج عند ماركس يلعب دوراً أساسياً في التميز التاريخي وفي التحليل الاقتصادي ولا يقتصر معنى الإنتاج على التكنولوجيا للإنتاج التي تعبر قوى الإنتاج تكويناً من عناصره فحسب بل يتوسع ليضم الإنتاج الاجتماعي برمته كما ينصب الإنتاج في جوهره على عملية العمل وما يميز العامل في عملية العمل في ظل النظام الرأسمالي وهذا المفهوم ينسحب على أن أصولها ونموها يقوم على العملية التاريخية لتراكم رأس المال ولا يقتصر هو في تراكم رأس المال على عملية إغناء الرأسماليين الأفراد والجماعات بل ينصب على تركيز الملكية في كل الصناعة وهي ما تزال على نظامها الفردي الصغير الذي يؤول إلى إثراء الأقلية من المالكين وإفقار الأغلبية من المعدمين وإنما تعقبهما على عملية نشوء رأس المال الاحتكاري ثم يتوسع رأس المال الاحتكاري في الدول الرأسمالية المتقدمة فيسيطر على المناطق المتخلفة من العالم مما يؤدي إلى التركيز والاحتكار إلى قيام ظاهرة الامبريالية التي هي بتحليل لينين ... حيث نشأت الرأسمالية من الناحية التاريخية في أوربا الغربية وهي تمثل تشكيل اقتصادي .. اجتماعي الذي حل محل النظام الإقطاعي ثم نشأت الرأسمالية في أوربا الغربية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر ويقوم النظام الرأسمالي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج باستغلال العمل المأجور واستخلاص فائض القيمة وتراكم رأس المال وهو القانون الأساسي للإنتاج الرأسمالي وينعكس التناقض الأساسي في النظام الرأسمالي بين الطبيعة والمجتمع للعمل والتشكيل الرأسمالي الخاص للتملك في التناقض والتطاحن بين الطبقتين الأساسيتين في المجتمع الطبقة العاملة وطبقة الرأسماليين حيث يؤول إلى إثراء الأقلية من الرأسماليين وإفقار الأغلبية من أبناء الشعب المنعدمين ... إن مراحل عملية تطور الرأسمالية قام على أساس ثلاثة محاور من الناحية التقنية : 1) التجمع البسيط للعمل الذي يقوم به الصناع الحرفيين. 2) مرحلة المانيفكتوريا : وهي تعتبر الخطوة الثانية والخطوة التالية التي تمثل مرحلة على الأدوات اليدوية إلا أنها تتميز بتقسيم العمل في عملية الإنتاج والاستغلال الرأسمالي إذ أصبح كل عامل يتخصص في زيادة إنتاج العمل وأصبح خضوعه إلى الرأسمالي ويكتسب طبيعة جديدة نوعياً وأكثر رسوخاً. 3) مرحلة الإنتاج المالي : وهي المرحلة التي تم الانتقال إليها في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر حيث تم الانتقال إلى المصنع الآلي الذي كان أكثر تشديداً حاداً في الاستغلال الرأسمالي للعمل مما أدى ذلك إلى تدهور وضع الطبقة العاملة عندما تم استبدال اليدوي بالعمل الآلي إلى تكوين ما سماه ماركس (الجيش الاحتياطي للعمل) أي جيش العاطلين وفي هذه المرحلة من تطور النظام الرأسمالي فتكونت (طبقة البروليتاريا) وهي التي تدرك الوعي لمصالحها الشخصية الجذرية التي تمثل ضد مصالح الرأسماليين وحتمية وضرورة الصراع الطبقي كوسيلة لحل قضاياها الحيوية. وكانت هذه المرحلة في نهاية القرن الثامن عشر وقد أطلق عليها اسم الثورة الصناعية حيث تمخضت هذه الثورة عن تبديل العمل الآلي من التكنيك اليدوي إلى الأتمتة الآلية الذي تم فيها استبدال وسائل العمل الحرفي بالأيدي إلى المحركات الكهربائية التي اعتبرت مرحلة ثورة علمية للتكنولوجيا المعاصرة وتعتبر مرحلة جديدة وأرقى في تطور القوى المنتجة وفي مقدمتها التكنيك الآلي التي تمثل الاتجاهات الأساسية لهذه الثورة في السيطرة على الطاقة الذرية واستغلال الفضاء الكوني وتطوير الكيمياء واستخدامها في أوسع نطاق في مجالات المنافسة والإنتاج وأتمتته وغيرها من المنجزات الضخمة في العلم والتكنيك وفي هذه المرحلة مرحلة المنافسة الحرة للمرحلة الاحتكارية الرأسمالية هي الامبريالية حيث تركز الإنتاج الرأسمالي إلى درجة عالية أدت إلى نشوء الاحتكارات محل المنافسة الرأسمالية الحرة وتركز الإنتاج الرأسمالي إلى درجة عالية أدت إلى نشوء الاحتكارات التي تقوم بدور حاسم في الحياة الرأسمالية الاحتكارية الاقتصادية والاندماج بالرأسمال الصناعي برأس المال المصرفي ونشوء الطغمة المالية وتلوين رأس المال المالي إلى جانب تصدير المنتجات وإقامة الاتحادات الرأسمالية الاحتكارية الدولية واقتسام العالم اقتصادياً فيما بينها وأصبحت هذه المرحلة تضم رأسمالية الدولة الاحتكارية الخاصة ورأسمالية الاحتكارات الدولية ... إن التناقض الأساسي في النظام الرأسمالي يبدأ مع تطور الإنتاج وتعزيز طابعه الاجتماعي الذي يكمن السبب في ذلك في حقيقة أن الأنظمة الرأسمالية جعلت عملية العمل عملية اجتماعية حقاً بفضل التقسيم الاجتماعي للعمل وتركز وتجمع العمال في مؤسسات كبرى حيث أصبحت ملايين البشر تشارك في عملية الإنتاج وازدادت حدة تناقضاتها مع علاقات الإنتاج الرأسمالية وعلى ذلك فالتناقض الأساسي في النظام الرأسمالي يكمن في التناقض بين الإنتاج المستهلك والتناقض بين الطبقة العاملة وطبقة الرأسماليين والتناقض بين تنظيم الإنتاج في كل مؤسسة على حده وبين فوضى الإنتاج على صعيد المجتمع بأسره مما جعل النظام الرأسمالي يحفر قبره بيده ويؤدي إلى ثورة الطبقة العاملة ضد النظام الرأسمالي والقضاء عليه. إن النظام الرأسمالي يمتاز بامتدادات في الحركة السياسية فامتد إلى نظام الليبرالية ومن ثم إلى الليبرالية الجديدة ثم إلى الخصخصة ودولة الرفاه الاجتماعي والحداثة وما بعد الحداثة والآن ينتقل إلى مرحلته الأخيرة العولمة المتوحشة وأصبح خصمها الآن الأحزاب الشيوعية واليسارية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والبيئة والرفق بالحيوان والعمال وجميع الكادحين والمحرومين.
الليبرالية والليبرالية الجديدة يعتبر التيار الليبرالي تيار فلسفي اقتصادي سياسي يعود جذوره الفلسفية إلى مذهب (جون لوك) (1632 – 1704) وحركة التنوير الفرنسية وقد تبلور هذا المفهوم كبرنامج أيديولوجي لنشوء النظام البورجوازي الصاعد على مرحلة النظام الإقطاعي المندحر كتعبير ثوري عن حاجة جديدة لنظم اقتصادية وسياسية من أجل القضاء وتحطيم كل معوقات النظام الإقطاعي المسنود من الكنيسة لأن هذه العراقيل لا تتناسب مع نشوء وتطلعات النظام البورجوازي في حرية وحركة السلع وفي اختيار المهن وانتقال الأيدي العاملة وانتقال رأس المال وخروج الفلاحين من خدمة الإقطاع وهذه التطورات والإنجازات حدثت في البنية التحتية للمجتمع الأوربي من التطور من النظام الإقطاعي إلى مرحلة النظام البورجوازي الرأسمالي الذي حدثت فيه أيضاً تطورات في البنية الفوقية حيث قام المفكرون الليبراليون في المرحلة الجديدة في إنشاء حركات اجتماعية كحركة الإصلاح الديني التي جاءت رداً والتصدي للحروب الطائفية بين الطائفة البروتستاتن وطائفة الكاثوليك خاصة في دولة هولندا التي كانت أكثر شدة بما حدث في دولة انكلترا لأن في هولندا في حربها المريرة ضد إسبانيا الكاثوليكية حتى استطاعت إسبانيا الحصول على استقلالها من انكلترا عام (1648) وقد أطلق على هذا الموقف من الأحداث والتطورات الفكرية الجديدة السياسية والاجتماعية والثقافية وطرق حلها (بالليبرالية) وهو لفظ لاتيني (ليبراليس) أي الحر المنشق من كلمة الحرية ولقرب هذا الاسم والتصور من الفكرة الليبرالية القائلة (إن على الفرد أن يسوي أموره مع الله بطريقته الخاصة) أي بدون تدخل الكنيسة وفرض شروطها وتعاليمها عليه لأن التزمت والتعصب يضران بالأعمال الاقتصادية باعتباره الليبرالية نتاج المرحلة والطبقة البورجوازية التي تمثل الطبقة الوسطى في المجتمع وتعتبر أيضاً جزء وبداية لتطور النظام الرأسمالي التي تعتبر الصاعدة والمتطورة من التقدم التجاري والصناعي واستمر ذلك حتى اندلاع الثورة الفرنسية (عام 1789) التي دمرت وقضت على قلاع النظام الإقطاعي القديم وأحدثت تغييرات سياسية واجتماعية في فرنسا وعمت وانتشرت في جميع أنحاء أوربا (فألغت وقضت على النظام الملكي الدكتاتوري المطلق والامتيازات للنظام الإقطاعي والنفوذ الديني الكاثوليكي) وقد بشر وشجع الليبراليون بالرأسمال القائم على الملكية الخاصة وحرية السوق والمنافسة الحرة وتعتبر الليبرالية نطفة خلقت في رحم النظام الرأسمالية التي تعتبر البداية ونتاج مرحلة السوق الرأسمالي وقد بررت حقوق الطبقة البورجوازية الصاعدة مستندة على الحقوق للحريات الطبيعية ونظرية العقد الاجتماعي ومبدأ المنفعة مما أدى إلى ارتقاء الليبرالية بالتدريج من مستوى الحريات الاقتصادية إلى الحريات السياسية لضرورة تماشي وانسجام الأولى مع الثانية. من رواد الليبرالية الاقتصادية (آدم سمث 1723 – 1790) القائل أن النظام الرأسمالي يمتلك الآليات التي يستطيع بواسطتها تنظيم عمله ذاتياً كما لو كانت هناك (يد خفية) كما ذكر (أن الأفراد وهم يفكرون بمصلحتهم الذاتية يحققون وبدون قصد المصلحة العامة بشرط ابتعاد الدولة عن (الاقتصاد) وقوله المشهور عن الليبرالية (دعه يعمل ودعه يمر) وهذه الأفكار ذكرها في كتابه [بحث في أسباب ثروة الأمم] سنة 1776م وقال أن العمل البشري يزيد من قيمة المنتجات وإن إنتاج السلع وتبادلها يقود آلياً إلى (التوازن) فتدخل الدولة يعيق ويضر ويعرقل التطور وهذه الأطروحات البورجوازية غير مقيدة للنشاط الاقتصادي ثم جاء بعده (ديفيد ريكاردو) حيث لم يبتعد كثيراً عن أفكاره في الأفكار الاقتصادية التي طرحها في كتابه عام/ 1817 والموسوم (مبادئ الاقتصاد والغرائب) ومن ثم جاء (اللورد كينز) الاقتصادي الانكليزي الثالث ليقف ضد الكثير مما قاله (آدم سمث) وكان معيار التمايز بينهما هو الدور الذي تلعبه الدولة في الحقل الاقتصادي ومدى تدخلها فيه بشكل خاص. إن آدم سمث ألغى نظرياً تدخل الدولة في الأمور الاقتصادية واعتمد الضبط الذاتي باعتبار تدخل الدولة تعرقل ظروف المنافسة وميكانزم السوق والذي سماه (اقتصاد السوق المدار ذاتياً) أي اقتصاد السوق الحرة ... أما كينز يعتبر السوق موجهة ومنضبطة عندما تتدخل الدولة فيه ويصبح الاقتصاد مسير بواسطة التوجيه من الدولة غير المباشر وقد جاءت الكينزية بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى أو ما عرف (بالكساء العظيم) الذي بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية عام/ 1929 ليمتد إلى دول أوربا حتى عام/ 1932 وكان وقتها وقت التهيؤ للحرب العالمية الثانية وكان الاقتصاد آنذاك اقتصاد حرب. لقد طرح (كينز) أفكاره الاقتصادية في كتابه (النظرية العامة للعمالة والفائدة والنقد) عام/ 1936 والذي يعتبر ثورة في علم الاقتصاد البورجوازي حيث رأى أن سبب الأزمات الاقتصادية في انخفاض معدل الربح المتوقع والناجم عن الإنتاجية المتناقصة للاستثمارات مع تزايد كتلة رأس المال الموظف كما تؤكد الكينزية أن التطور لا يمكن أن يكون مرهون بالقوى العفوية للسوق وإن مهمة الدولة ترقية ودفع هذا التطور ... وقد كان هناك اتجاهان في هدفه الأول أراد تعزيز دور البلد وضمان تقوية موقفه الدولي وهذا ما عملت به اليابان بينما الهدف الثاني فهو نموذج البلدان الإسكندنافية والتي تزيد من تدخل الدولة للحفاظ على التفاوتات الاجتماعية عند مستوى مقبول وضرورة تأمين الرعاية والدعم للفئات الاجتماعية ذات الدخول القليلة وشمول العاطلين عن العمل بالمظلة الاجتماعية واستمر تأثير الأفكار الكنزية في السياسات المالية والاجتماعية في البلدان المتطورة الرأسمالية من أواسط الثلاثينات إلى سبعينات القرن العشرين حتى دخل النسق الرأسمالي في أزمة طاحنة جديدة أزمة من الفوضى وانهيار في الاقتصاد الرأسمالي العالمي والنقد الدولي وارتفاع في أسعار النفط وتزايد في المديونية الخارجية للبلدان النامية وظهور أزمة (الركود التضخمي) والتي عجزت الكنزية أن تجد حل لها ... وبعد ذلك نشب صراع بين الأفكار الكنزية والليبرالية الجديدة وانتصرت فيها الليبرالية الجديدة باعتبارها محدثة جديدة وتشكل أساس لها في الأكاديميات الاقتصادية الأمريكية أو ما يسمى (مدرسة شيكاغو) وهم مجموعة من الدارسين الاقتصاديين ومنظرهم الرئيسي (ميلتون فريدمان) وبسبب من علاقته بالأكاديميات الأوربية من الاقتصاديين من انكلترا والنمسا أمثال (هايك النمساوي) المتطرف وخلصت هذه المدرسة إلى أن نظام السوق (العرض والطلب) هو الأفضل للنظام الاقتصادي الرأسمالي لتحقيق الكفاءة في الإنتاج وعدالة في التوزيع على حد زعمهم وإن أي حل خارج السوق أمر سيء لأن السوق كفيل بحل المشكلات وإن جميع التدخلات الحكومية هي لا محال بالمرة لذا طالبت الليبرالية الجديدة ومدرستها بـ (تحرير السوق عموماً وإلغاء الضوابط التي تنظم نشاطه وتحرير المال كاملاً وخصخصة المرافق الاقتصادية العامة وتحويل السلع الخاصة إلى سلع عامة وتقزيم دور الدولة والتخلي عن أهداف التوظيف الكامل كما التخلي عن دولة الرفاه وتخفيض الضرائب عن الأغنياء وزيادتها على الفقراء ثم الانطلاق نحو العولمة، كما قالت المدرسة في نيوكلاسك أن أزمة الركود الاقتصادي كان بسبب تدخل الدولة وعلى الدولة ترك النشاط الاقتصادي بالكامل وتسليمه للعرض والطلب فهو الأكفأ بحلها وبعد انتشار أفكار فريدمان وهايك طبقت رئيسة وزراء بريطانيا تاتشر نظريتها بعد وصولها للسلطة البريطانية عام/ 1987 وقد طالبها هايك بضرورة إصلاح حال الدولة وينحو حذري بإلغاء الدعم المالي وتقليص مدفوعات الرعاية الاجتماعية وحفظ معدلات الفائدة والقضاء على التضخم وتجريد النقابات من عملها بإصدار قوانين تحرمها من الاضطراب والدفاع عن العمال ... وقد كان وصول تاتشر إلى السلطة في بريطانيا بعد أزمة خانقة (بطالة عالية وفقر متزايد وأسعار مرتفعة وشتاء بارد وقمامة تملأ الشوارع وغيرها) فعالجت اقتصاد بريطانيا بالصدمة وباعت مصانع الغاز والخطوط الجوية البريطانية ومؤسسة السكك الحديدية ومصانع السيارات وخصخصت ملايين الشقق السكنية واتهمت عمال المناجم المضربين بالشيوعية وبالعدو الداخلي ومثلها فعل (ريكان) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعد أعوام من حكم تاتشر في بريطانيا سنة 1981 فخفض الضرائب عن الأغنياء من الرأسماليين بمقدار 25% وخفض العجز في الموازنة وتوقفت الدولة عن إقراض المواطنين وحرر الاقتصاد من كل القيود كالحد من التدخل للدولة في الاقتصاد وألغى الكثير من القوانين المقيدة للحرية الاقتصادية ورفع البنك المركزي الفائدة وقد دفع الشعب الأمريكي ثمن تلك الإجراءات ما بذتهم من قروض وفوائد وكانت معدلاتها كبيرة جداً وبعد ذلك وصلت نسبة الفوائد 19% على ما اقترضه المواطن الأمريكي لبناء داره وبالتالي أدى ذلك لأن الفائدة عالية جداً إلى فشل وشل النشاط الاستثماري وخيم الركود على الاقتصاد وقد كلفت (إصلاحات) ريكان خزينة الدولة (700) مليار دولار في حين زاد ريكان من الإنفاق الحربي والتسليم وفي عام/ 2007 انفجرت الفقاعة التي قادت البلاد إلى الركود الاقتصادي وتركته يترنج بعد استحالة اصلاحه وتحمل المديونية العالية وقد تبددت ثقة المستثمرين الأجانب وزادت البطالة وتجمدت الأجور وتفاقمت معدلات التضخم وظهر التفاوت الدائم بين القدرة على زيادة الإنتاج والقدرة المحدودة لتصريف المنتجات ثم جاءت أزمة عام/ 2008 المالية الخانقة والتي تحولت إلى أزمة اقتصادية شاملة عمت البلدان الرأسمالية جميعها وامتدت إلى الدول النامية فساءت أحوالها واوتهنت مواردها ومستقبل تنميتها لصالح دفع الديون الخارجية وكل هذا حدث جراء السياسة الاقتصادية المتطرفة التي لا تعرف الرحمة. لقد أصبحت الليبرالية الجديدة مفهوماً مهيمناً بسرعة على الكتابات الأكاديمية في العقود الأخيرة وخلال فترة زمنية تعد قليلة نسبياً وبغض النظر عن تسييدها للمشهد الأكاديمي فإن استخدامها يمثل معضلة وذلك نسبة إلى الحكم الهائل من المساهمات النظرية والسياسية فإن قليلاً ما كتب عنها بصورة متعاطفة أو إيجابية ... كما أن التحول الرئيسي في استخدامها وانفتاحه على تعديلات كثيرة مع الوقت فهي تعتبر من المفاهيم المتنازع عليها بسبب خصائصها المعيارية والقياسية المختلف عليها وكذلك بسبب طبيعتها المتعددة الاتجاهات والأبعاد. يظن البعض أن مصطلح الليبرالية الجديدة يقترح بديهياً تعريفاً للظاهرة : الليبرالية الجديدة هي انبعاث حديث لليبرالية أي أن الليبرالية كنظرية كانت غائبة وبعيدة عن التأثير على نقاشات صانعي السياسة لفترة من الزمن أو أنها كانت كأيديولوجية كانت مفقودة في الخطاب السياسي للمنظرين في الفترة السابقة لكنها انبعثت الآن وبشكل متجدد ولكن على مستوى أعمق من التحليل ويعتقد الكثيرون أن الليبرالية الجديدة يجب أن تفهم على أنها نظرية / أيديولوجيا مستقلة ومتميزة وإن كانت متجددة عن الليبرالية وهذا التفسير يؤكد أنها وإن تشاركت بعض المفردات مع الليبرالية فإنها يجب أن تفسر ضمن سياق آخر ... لقد اقترن ظهور الليبرالية اقتراناً وثيقاً بنشوء الرأسمالية وبزوغ البورجوازية كطبقة تتصارع لانتزاع السيادة الطبقية وقد سميت الرأسمالية في القرن التاسع عشر بالرأسمالية الليبرالية لاتخاذها من الليبرالية أيديولوجية رسمية سياسياً واقتصادياً على وجه التحديد لأنها أخذت كلمة (ليبرالي) عندما كان هذا اللفظ قبل القرن التاسع عشر يعكس لفظة الليبرالية بمعنى سياسياً قبل القرن التاسع عشر بعدما تم تداوله من قبل أجنة الأحزاب السياسية وذلك في الفترة التي توطد فيها نشاط الكتل البرلمانية الليبرالية وكان ذلك أولاً في السويد وإسبانيا ومن ثم في جميع الدول الأوربية وهذه الأحزاب أرادت أن ترسل إشارة أنها تفضل النظم الديمقراطية الناشئة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإنها تعارض مناوئيها المحافظين من أراد العودة للأشكال القديمة للحكومات ولكن مفهوم الليبرالية غالباً ما يستخدم للتعبير عن أفكار ونظريات سياسية أقدم عهداً للمفكرين (لوك وهوبز وجان جاك روسو ومونتسكيو وجون ستيوارت مل وآدم سمث وريكاردو) وبسبب تاريخها الطويل أصبحت الليبرالية مصطلحاً ضبابياً لحد ما وهناك اختلاف كبير بين الفلاسفة والمفكرين والسياسيين على المعنى والأصل الحقيقي لليبرالية لأن هنالك أكبر من ليبرالية ولذلك فإن رسم أي دلالة كلية لليبرالية يجب أن يضع في الحسبان وجود اختلافات نظرية ومعرفية بين منظريها تصل إلى درجة التناقض في بعض الأحيان وعموماً نستطيع التمييز بين وجهتين لليبرالية ... ليبرالية سياسية وليبرالية اقتصادية ولكن هناك بعض المفكرين والفلاسفة تستند على وجهة نظر فلسفية تشدد على الليبرالية السياسية التي تستند على القيمة العليا للفرد وحريته الذي هو الواقع الاجتماعي الأخير التي تعتبر غاية نفسه والمصدر الوحيد للقيمة الأخلاقية بعيداً عن الفرد وعدم وجود مستقبل للمجتمع والدولة والأمة ولا قيمة لها بذاتها لأنهم نتاج يسفر عنه وجود للأفراد المرتبطين ببعضهم بطرق معينة وإنما هي توجد للارتقاء بسعادة الأفراد كما للإنسان كفرد له ملكات طبيعية وحقوق يتساوى بها مع باقي البشر كالحرية والملكية والحق في الملكية يختزل في ذاته كل الحقوق ويترادف مع الكرامة الإنسانية الذي يمثل أعلى قيمة أخلاقية وسياسية ومقوماً أساسياً للسعادة كما أن الفرد حر ويقرر مهنته ومعتقده ويتحمل مسؤولية معتقداته وآرائه ... والدولة مهمتها تكمن في تفسير الحرية للفرد باستقرار وحرية الآخرين وبإقامة قانون لاسيما حق الحرية وحق الملكية وحق المساواة الذي يعتبر مساواة أمام القانون ومساواة التملك والفرص ... وسلطة الدولة مقيدة بالدستور في ظل نظام للفصل بين السلطات ... أن الليبرالية ترتبط بالاعتقاد أن عمل الدولة يقتصر على احتكار القوة العسكرية وفرض القانون وتبتعد عن أي شكل من أشكال التدخل في النشاط الاقتصادي للأفراد وإن أي تدخل في الاقتصاد أو في منطق عمل السوق سواء كان ذلك للدولة أو لغيرها هو فعل غير مقبول لأنه يقلل من كفاءة الاقتصاد لأن للسوق آليته الداخلية في تصميم الاختلالات والاضطرابات وهي تعمل بكفاءة أكثر حيث يترك الأفراد أحراراً لكي يقرروا بأنفسهم ما يجب أن يعملوه لأن أي تدخل يشوش هذه الآليات وهذه هي الليبرالية الاقتصادية وفكرة السوق النقية التي تعمل مثل المحرك ذاتي الحركة وهي النقطة الجوهرية في فهم الليبرالية الجديدة ... إن الليبرالية الجديدة مصطلح قديم نسبياً ويعتقد أن أول استخدامه كسجل لمصطلح الليبرالية الجديدة كان في مقال كتب عام 1898 للاقتصاد الفرنسي (شارلس جيد) وقد أطلقه بصورة ازدرائية على أفكار الاقتصادي الإيطالي (مافيو ما تتليوني) عام/ 1857 – 1924 ... ولكن من صاغ مصطلح الليبرالية الجديدة هو الاقتصادي الألماني (ألكسندر روستو) 885 – 1963 وذلك عام 1938 وكان روستو أحد أعضاء المدرسة الاقتصادية ذاع صيتها في فترة ما بين الحربين عرفت باسم مدرسة (فرايبوغ) نسبة إلى مدينة (فرايبوغ) في ألمانيا وقد لعب اقتصاديوها دوراً كبيراً في حكومات ما بعد الحرب وكانت أفكارها انتقائية : اقتصاد السوق مع تدخلات للدولة في مجالات محددة ومعها بعض عناصر التعاليم الاجتماعية الكاثوليكية والتأكيد على القيم الإنسانية ... وقد اعتبرت الليبرالية طريقاً وتمدد للنظام الرأسمالي بين الفاشية والشيوعية وبقيت بعيدة عن السياسات الكنزية وعن دولة الرفاه وبهذا المعنى فإن الليبرالية روستو الجديدة متناقضة مع راديكالية السوق الحرة وعن ما عنته الليبرالية الجديدة فيما بعد. إن سنوات الثلاثينات وما تبعها حتى نهاية الستينات كانت صعبة على المفكرين الليبراليين في أوربا والمزاج العام كان مناهضاً لليبرالية والأفكار الليبرالية الاقتصادية وكانت غريبة عن روح العصر بل إن المؤمنين بها كانوا يترددون في عرضها علناً وكان من الصعوبة عليهم أن يجدوا مستمعين ولكن بقيت مجموعة من المفكرين الليبراليين تحاول الإبقاء على أفكارها حية وفي سنة 1938 أقيمت في باريس عدد من اللقاءات حيث دعا الفيلسوف الفرنسي (لويس روجيه) 1889 – 1982 مجموعة من المفكرين الليبراليين ليناقشوا أفكار الصحفي الأمريكي (ولتر بيمان) 1889 – 1974 والتي نشرها في كتاب (المجتمع الخير) منتقداً فيها الاشتراكية والاشتراكية الوطنية والفاشية وحتى لروزفلت ... وهذه اللقاءات ركزت على مسألة : كيف يتم تجديد الليبرالية في ظل الظروف السائدة في تلك المرحلة وكان من ضمن الحاضرين الفيلسوف الفرنسي (رايموندارون) 1905 – 1983 والاقتصاديان النمساويان (فريدريك فون هايك) 1899 – 1992 و (لودفيغ فون ميزس) 1891 – 1976 والاقتصاديان الألمانيان (وليم روبك) 1899 – 1966 وأيضاً روستو ومساهمون مثل روستو وليمان وروجيه فأقروا بأن الليبرالية القديمة فشلت وإن الليبرالية الجديدة عليها وأخذ مكانها بينما مساهمون آخرون في هذه اللقاءات مثل (هايك ميزس) لم يقتنعوا بهذه الفقرة وحاول (ليبمان) أن يوحد أفكارهم بمشروع واحد واحتاج المشروع إلى اسم وبحسب توصية من (روستفر) وافق المشاركون على تسمية بالليبرالية الجديدة في نهاية الندوة كانت الليبرالية الجديدة متماشية مع أفكار ونظريات (روستو) ومدرسته (فرايبورغ) وكان الفرق واضحاً بين مجموعة (روستو وليمان) والمجموعة الثانية مجموعة (هايك وميزس) وقال (روستو) : ما أريده أن يكون مركز أبحاث دائم يؤدي إلى الخلاف فيه مبكراً ... وقد أطلق (روستو) على ليبرالية (هايك وميزس) وغيرهم والتي انتهى وقتها حسب رأيه مصطلح الليبرالية الجديدة وكأنها نوع من الديناصورات التي محلها المتحف التاريخي ... في شهر نيسان اجتمع (36) ستة وثلاثين أكاديمياً جلهم من الاقتصاديين وبعض المؤرخين والصحفيين وكذلك من المؤيدين لدعوة الاقتصادي النمساوي (فرديريك هايك) في إحدى فنادق المنتجع السويسري (مونت بيليري) وكان من بين الحاضرين (ميزس فريدمان) 1912 – 2006 (جورج سنغلر) (1911 – 1991) ورولان كووس 1960 – 2013 والفيلسوف (كارل بوبل) 1902 – 1994 وقد أطلق المجتمعون على أنفسهم بعد ذلك تسمية مجتمع (مونت بيليران) وقد أكمل مجتمع (مونت بيلريان) النقاشات التي بدأتها ندوة (ليبمان) وفي النهاية سيطرت أفكار (هايك وميزس) وانكفأت إلى حد ما أفكار (روستو) وتأثير مدرسة فرايبورغ وتم التأكيد على الحفاظ على الأفكار الليبرالية بشكلها الاقتصادي الكلاسيكي حية والسعي إلى نشرها حول العالم ... إعلان مجتمع (مونت بيليران) والذي أطلق عليه (بيان الأهداف) أكد على أن قيم الحضارة في خطر لأن الحرية والكرامة غائبة أو مهددة بسبب الصراعات والنزاعات الراهنة الفرد والجماعة الطوعية وضعهما مفوض للسلطة بل إن حرية التفكير والتعبير (أثمن ما يمتلك الإنسان الغربي بحسب البيان) مهددة ومقموعة بالعقائد المسيطرة على السلطة والخطر الذي يهدد شروط الحياة الجوهرية هذه سببه بحسب رأي المجموعة هو تنامي فهم للتاريخ ينكر بمعايير الأخلاقية المطلقة في ظل انحطاط الإيمان بالملكية الفردية والسوق التنافسية فبدونهما لا يمكن صون الحرية والحفاظ عليها ... إن مضمون (بيان الأهداف) يمثل نواة بل جوهر الأفكار المؤمنة براديكالية السوق الحرة والتي سادت منذ نهاية السبعينات والتي أطلق عليها أيضاً من قبل ناقدوها (الليبرالية الجديدة) من فترة نشوء المصطلح ونحته يستخدم في التعبير عن أفكار مدرسة (فرايبورغ) ونظريات عدد من المفكرين تعرض المصطلح إلى تحول ملحوظ ففي ظل الجدل الواسع الذي دار منذ الثلاثينات من أجل تجديد معنى الليبرالية وأخذ المصطلح معنى جديداً وبعيداً عن معناه القديم وانتشر معبراً عن أصولية جديدة للسوق الحرة من أي قيود مع ملاحظة أن رجالات هذه الأصولية نفسها لم يطلقوه للتعبير عن رؤاهم حيث كل من (هايك وميز وفريدمان) وآخرون لم يستخدموا هذا المصطلح من أجل الإشارة إلى فكرهم ففي مقالة صحفية أجراها في تشيلي (هايك) سنة 1981 ذكر واضح أنه لم يكن ليبرالياً جديداً بالمعنى المؤكد الذي قصده روستو وأنه لم يبعد يوماً عن أسس الليبرالية الكلاسيكية بينما (فريدمان) استخدم المصطلح في كتاباته السياسية الأولى ولكنه بعد ذلك ابتعد عنه شيئاً فشيئاً مستخدماً ما سماها ليبرالية الطراز القديم ويظن البعض أن التحول في استخدام المصطلح حدث في أمريكا اللاتينية وبالتحديد في تشيلي مرتبطاً بالاصطلاحات الاقتصادية التي اتبعت بعد انقلاب القائد العسكري بعد انقلاب بوتشيه ففي سنة/ 1955 اختير عدد من التشيليين لإكمال الدراسات العليا في جامعة شيكاغو فأطلق عليهم أولاد شيكاغو فيما بعد وعمل هؤلاء مع (افريدمان) مباشرة وتأثروا (بهايك) الذي كان استاذاً في الجامعة في هذه الفترة وعندما عاد هؤلاء (أولاد شيكاغو) إلى تشيلي في الستينات حاولوا نشر فلسفة وأفكار وتوصيات مدرسة شيكاغو والمدرسة النمساوية وأقاموا مراكز بحث وطبعوا العديد من المواد المتعاطفة وخلال نفس الفترة الزمنية تقريباً تبنت مجموعة من المفكرين وبالنصوص بعض التشيليين المؤيدين للسوق أفكار المدرسة فرايبغ خصوصاً والإنجازات التي تحققت في ألمانيا ما بعد الحرب وتحت تأثير أفكارها إلى حد كبير وقد عمل هؤلاء على نشر هذه الأفكار لهذه المدرسة في أمريكا الجنوبية وخلال عقدين أصبح هذا المصطلح واسع الانتشار في أمريكا اللاتينية بعد الانقلاب ساهم من يسمون أولاد شيكاغو في صياغة عملية الاصلاح الاقتصادي التشيلي وأصبحت أفكارهم واسعة الانتشار ويبدو أنهم في هذه الفترة وبتأثير كلا المجموعتين أخذ مصطلح الليبرالية الجديدة المعنى الجديد عندما بدأت مجموعة من الأكاديميين يستخدمونه للتعريف وشرح السياسات الاقتصادية التي انتهت في هذه الفترة وجرى ربطه بالنقد الموجه للإصلاحات الاقتصادية التي تؤيد السوق والابتعاد عن تدخلات الدولة وما إن أخذ مصطلح الليبرالية الجديدة معناه الجديد السلبي بين الأكاديميين المتكلمين بالإسبانية حتى انتشرت في الدراسات الناطقة بالإنكليزية وبذلك فإن ما درج على تسميته منذ مطلع الثمانينات بالليبرالية الجديدة أصبحت يعني : النظريات والممارسات السياسية والاقتصادية والمؤسسات التي تعطي الأولوية المطلقة للفرد ولحق الملكية الخاصة وتؤمن بأن الطريقة الأمثل لتحسين الوضع الإنساني يكمن في إطلاق الحريات الاقتصادية للأفراد ضمن إطار مؤسسي يتصف بالحماية الشديدة لحقوق الملكية الخاصة وحرية التجارة وحرية السوق ... إن آلية السوق المفهوم كآلة تشتغل ذاتياً ومنفصلة عن المجتمع ولا علاقة لها بالسياسة وهي الأسلوب الأمثل لتنظيم وتوزيع الدخل والخدمات والبضائع وهي تؤمن أيضاً بأن دور الدولة يقتصر على صيانة الإطار المؤسسي الملائم لتلك المؤسسات : آلية وحقوقية وقانونية لضمان قيمة وسلامة النقود وإن هياكل الأمن والدفاع والقضاء لحماية حقوق الملكية الفردية ... الخ وفي ظل اقتصاد يتعولم باضطراد تعمل على تجاوز الحدود الوطنية أمام حرية رأس المال وأن تفرض هذه النظرية والممارسة حتى في تلك البيئات التي لا توفر لظروفها امكانية إقامة السوق الحرة وباستخدام القوة إذا لزم الأمر والليبرالية الجديدة ترفض فكرة العدالة الاجتماعية وتعتبر برامج إعادة توزيع الثروة تدخلاً أرعن في حريات الأفراد والحق في الملكية الخاصة ... إن مفهوم المنافسة هو النقطة الجوهرية في الليبرالية الجديدة والتنافس بين الدول وبين المناطق وبين الشركات وبالتأكيد بين الأفراد أن التنافس يفصل بين الذئب والخروف والرجل عن الصبي والكفاءة من عديم الكفاءة ولأن المنافسة فضيلة في الجوهر فإن نتائجها ليست سيئة وعلينا تقبلها بكل رحابة صدر لأن السوق هي حلبة الصراع والمنافسة حكيمة جداً وقادرة جداً وإنها الحق المطلق وإنها يد الغدر الخفية التي تستخرج الخير والشر ويجب أن لا نعبر اهتماماً لمن يتركون في الخلف صرعى في حلبة التنافس لأن الناس غير متساويين بطبيعتهم نفسها الضعفاء والمفتقرون للتعليم والكفاءة ولا يستحقون شيئاً أو ما يحدث لهم ويحدث بسببهم لا بسبب الآخرين وعلى الأفراد تقبل مخاطر السوق وعليهم التكييف مع المخاطر الناشئة عنه وهم المسؤولون لوحدهم عن نتائج قراراتهم في هذا السوق فاللامساواة واللاعدالة الاجتماعية مقبولة أخلاقياً ... إننا يجب أن نتألق ونعتز باللامساواة واللاعدالة اجتماعية وإننا يجب أن نعتز بلا مساواتنا حسب رئيسة وزراء بريطانيا (تاتشر) ... إن سياسات الليبرالية الجديدة تزيل القداسة وتنتهك حرمة كل الأشكال والتنظيمات الجماعية والمؤسسات الاجتماعية التي كانت في الماضي مصونة من قوى السوق التنافسية مثل العائلة في التعليم والصحة والفن وغيرها وعموماً إن الليبرالية الجديدة ليست فلسفة واحدة ولا هي متبلورة بالكامل أو حتى غير متجانسة وربما من الأفضل وسمها بأنها معتقدات فضفاضة تؤمن أن وظيفة الدولة هي حماية الحرية الاقتصادية للأفراد والشركات بعيداً عن مفهوم الدولة الحاضنة ونجد هنا ليبرالية جديدة علمانية وأخرى متدينة ليبرالية جديدة في ظل الدكتاتورية والليبرالية جديدة لأحزاب عمالية وأخرى لأحزاب في أقصى اليمين وأخرى برلمانية والليبرالية الجديدة المعدة المحيط غير تلك التي تخص دول المركز الرأسمالي وإذا ما تعارضت العملية الديمقراطية مع الممارسات الليبرالية الجديدة أو إذا ما قيدت الحرية الاقتصادية للفرد أو الشركة وهذا ما يحدث كثيراً فعلى هذه الديمقراطية أن تزاح وتستبدل ... إن أي تعريف يدعي الشمولية الليبرالية الجديدة يجب أن يعبر عن تاريخيتها وأن يحدد أصولها وتاريخها ويسلط الضوء على ما يجعلها مختلفة عن أسلافها وأن يفسر أسباب نشوئها وأن يجيب عن أسئلة من قبيل: كيف أمكن إلغاء أقلية فائقة الصغر من المفكرين أن يصبح المذهب السائد في العالم؟ وكيف أمكن لأجنة فكرية نشأت في بعض الجامعات أو لتجمعات صغيرة من الأكاديميين عقدوا عدداً من اللقاءات والندوات أن تخلق هذه الشبكة الدولية المهولة من المؤسسات ومراكز البحث والنشر وأن تفرغ هذا الكم الهائل من الأكاديميين والكتاب وأن تنتشر في العالم بهذا الشكل ؟ وما هي الظروف التي حولت طائفة صغيرة غير شعبية وبدون تأثير كي تصبح بكل ما في الكلمة من معنى تجعل العالم الجديد بعقائده المطلقة والغير قابلة للدحض أو النقد بكهنوته وبملائكته وشياطينه بحجمه التي أعدها للخطاة والوثنيين وكل من يجرؤ على منازعة الحقيقة ؟ إن الإجابة من قبيل أن هذه الأفكار انتقلت من الهامش إلى المركز عندما تم تبنيه من قبل (ريغان) أو (تاتشر) وغيرهم كأجندة جديدة للجناح اليميني وكمنهج لسياستهم الاقتصادية وعملوا على نشرها كنموذج على نطاق عالمي بواسطة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبرنامج التكييف والتثبيت الهيكلي الخاصة بهم ومنظمة التجارة العالمية وغيرها لا تمثل إجابة وافية عن كل التساؤلات وتحولات بمثل هذا المدى العميق ولا تحدث مصادفة أو وفق أهواء بعض القادة والمؤسسات. إن نقطة الانطلاق لتفسير سيادة وانتشار الليبرالية الجديدة كأيديولوجيا وممارسة هي أزمة التراكم الرأسمالي والركود التضخمي التي شهدها النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن العشرين والتي تركت أثراً غائراً في مختلف نواحي الاقتصاد والمجتمع وما الليبرالية الجديدة إلا أحد أهم المحاولات لمعالجة هذه الأزمة وآثارها عندما عجزت الكنزية ودولة الرفاه الاجتماعي واقتصاد السوق الاجتماعي عن تقديم حلول لمعالجة الأزمة اندفعت أصولية تقدس السوق الحرة بقوة ووجهت الاتهام إلى الدولة وتدخلها في الحياة الاقتصادية ... والسماح لما يسمى السوق الحرة لتسيطر أو تسود وللوصول كذلك إلى حركة حرة للرأسمال فقد أخذت رأسمالية الليبرالية الجديدة عدداً من الاجراءات : رفع القيود عن الأعمال الاقتصادية والمالية محلياً وعالمياً وتحرير حركة رأس المال في إطار عولمة اقتصادية ومالية خصخصت مؤسساتها الدولة وقطاعاتها الخدمية وتخفيضات حادة في الإنفاق الاجتماعي الحكومي والتخلي عن التزامات الدولة السابقة في الرعاية الاجتماعية وإعانة البطالة وتخفيضات حادة أيضاً في الضرائب المفروضة على الأعمال والثروات وتنازل الدولة عن السلطة وعدم التصرف بالسياسات المالية من قبل الدولة وهجوم واسع على النقابات والاتحادات العمالية وانزياح واضح في عملية العمل من العاملين على مدى طويل نحو عمالة مؤقتة أو نحو العاملين بدوام جزئي وتفضيل التحكم بالتضخم بأي وسيلة حتى لو كانت على حساب العمالة.
الخصخصة إن الخصخصة فكرة قديمة ونشأت في الفكر الاقتصادي الليبرالي (المدرسة الكلاسيكية) التي جاءت على يد (آدم سمث) في كتابه ثروة الأمم الذي نشر في عام (1776م) بالاعتماد على قوى السوق والمبادرات الفردية من أجل زيادة التخصص وتقسيم العمل وبالتالي تحقيق الكفاءة الاقتصادية سواء على المستوى الجزئي أو المستوى الكلي حسب المرحلة التاريخية وبعدها جاءت مرحلة رأسمالية الدولة الاحتكارية التي وضع أصولها الاقتصادي الانكليزي (كينز) والتي دعت إلى تدخل الدولة في كافة القطاعات والمؤسسات الاقتصادية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الدمار الذي لحق ببلدانها جراء الحرب ومن أجل تسريع عملية البناء الاقتصادي لمؤسساتها وفي عقد الثمانينات ظهرت فكرة الخصخصة تحت هذا المسمى (الخصخصة) في عام/ 1979م وبعد الأزمة الاقتصادية التي عاشتها الدول الرأسمالية بعد أن أصبحت الكنزية بائدة ولا تستطيع حل المشاكل التي تواجه النظام الرأسمالي وظهور الجناح اليمني الذي ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية الجديدة والعودة بالرأسمالية إلى جذورها الأولى (الحرية الاقتصادية والسوق الطليقة) والذي نادى بتخلي الدولة عن دعم القطاع العام والاتجاه نحو القطاع الخاص وتطبيق فكرة الخصخصة حيث قامت (مرجريت تاتشر) رئيسة وزراء بريطانيا بتطبيق الخصخصة إذ تم تحويل كثير من المشاريع التي تملكها الدولة إلى ملكية القطاع الخاص بسبب انخفاض الكفاءة الإنتاجية في وحدات القطاع العام وتضخمه وعجزه عن تحقيق ما كان مخطط له وبالتالي أصبح عالة على التنمية الاقتصادية فكان الاتجاه إلى رفع يد الدولة وعدم تدخلها في المؤسسات الاقتصادية وبيعها للقطاع الخاص ونتيجة لارتباط العديد من الدول النامية بالاقتصاد العالمي من خلال (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) في تقديم القروض لها من أجل ربطها ودمجها بالاقتصاد العالمي وإعادة هيكلة اقتصادها لتتماشى مع نمط وآليات السوق الحرة ... ونظراً لتعثر وفشل النظام الاشتراكي المتمثلة بالاتحاد السوفيتي والنجاحات التي حققتها الرأسمالية وانتشارها على حساب المذهب الاشتراكي فقد اعتمدت سياسة الخصخصة في أغلب دول العالم ... والخصخصة هي عملية تحويل القطاعات الاقتصادية والخدمية من القطاع العام إلى القطاع الخاص وحصر دور الدولة بالأمور السياسية والإدارية والأمن والدفاع والخصخصة متطورين(اقتصادي – سياسي) فالمنظور الاقتصادي تهدف فيه الخصخصة إلى استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى من خلال تحرير السوق وعدم تدخل الدولة إلا في حالات الضرورة من أجل ضمان استقرار السوق والحد من تقلباته ... أما المنظور السياسي فالخصخصة تدعو إلى اختزال لدور الدولة ليقتصر دورها على مجال الدفاع والقضاء والأمن والخدمات وليس فقط عملية بيع ونقل الملكية. والخصخصة أنواع :- 1) الخصخصة الكلية : وتعني البيع الكلي للمؤسسة المطلوب تخصيصها. 2) الخصخصة الجزئية : وتعني بيع جزء من المؤسسة وتحتفظ الدولة بجزء منها من أجل أغراض أخرى. 3) الخصخصة المشروطة : وتعني وضع شروط معينة من قبل الدولة للمؤسسة التي يتم تخصيصها. إن جوهر مفهوم الخصخصة هي عملية تحويل الملكية العامة (أي ملكية الدولة والقطاع العام) إلى القطاع الخاص عن طريق الإيجار أو المشاركة أو البيع القطعي وغيرها من الأساليب المتبعة في عملية الخصخصة وينطوي مفهوم الخصخصة على فكرة واحدة هي بيع المشروعات المملوكة للدولة ونقل ملكيتها إلى القطاع الخاص أو منح القطاع الخاص حق إدارتها وتشغيلها وتأتي هذه العملية ضمن برنامج الانتقال إلى اقتصاد السوق الحرة ويرى منظرو الخصخصة والاصلاح الاقتصادي بأن الخصخصة ستؤدي إلى رفع معدل النمو الاقتصادي وتحسين مستوى جودة السلعة أو الخدمة التي تقدم للسوق وأيضاً ستعمل على تعزيز الاتفاق العام وبحجز الوازنة وإعادة توزيع الدخل لصالح القطاع الخاص وتدعم قدرته على الادخار والإنتاج من جانب وزيادة موارد الخزانة للدولة وخفض حجم الدعم الذي كان يمنح للمشروعات العامة والتخلص من بيروقراطية الجهاز الحكومي من جانب آخر ... وقد ارتبط النزوع العالمي لتبني عملية الخصخصة بمجموعة من الأسباب والمبررات تضافرت فيما بينها لانتشار هذه الظاهرة وإقدام الدول عليها على الرغم من تباين مناهجها الاقتصادية وأيديولوجيتها السياسية والفكرية ودرجات نموها الاقتصادي ويمكن القول أن هناك العديد من المبررات لعملية الخصخصة منها ذاتية تتعلق بضعف أداء القطاع العام الذي يسهم في انخفاض الكفاءة على مستوى المؤسسات وارتفاع خسائرها غير المبرر مثل كثرة الموظفين وانعدام المنافسة وقلة رؤوس الأموال لاسيما أن المؤسسات العامة تهيمن على قطاعات البنية التحتية والمعتمدة على كثافة رأس المال غير أن العجز السائد في الميزانية الحكومية أعاق عملية رفع مستوى هذه المرافق العامة وأدى إلى انخفاض الكفاءة في توفير الخدمات فضلاً عن أن الإدارة الروتينية للمشروعات العامة قد تؤثر على أداء الأسواق التنافسية واضع عوائق تنظيمية أمام دخول مشروعات منافسة جديدة ... أما المبررات الموضوعية للخصخصة فإنها تعبر عن متغيرات أيديولوجية واقتصادية وسياسية خاصة في الدول الغربية الرأسمالية المتقدمة التي كانت لها الأثر المباشر في اقتصاديات الدول النامية وقد لعبت الظروف الدولية دوراً مهما في ذلك وخاصة بعد انهيار التجربة في الاتحاد السوفيتي السابق إذ بدأت عملية التحول في البلدان ذات التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق وتغيرت الاتجاهات في إدارة الاقتصاد مبتعدة عن الفكر الاشتراكي والتقرب من الفكر الغربي وبمساهمة ومساندة أهم المؤسسات الدولية الاقتصادية ... وهكذا امتدت آثار الأفكار الجديدة إلى البلدان النامية الأخرى التي كانت تطبق سياسات اقتصادية مماثلة إذ أنها آمنت بأن هناك دولة عظمى وحيدة في العالم وأمامها نمط اقتصادي واحد وهو اقتصاد السوق والاندفاع نحو تبني سياسات الخصخصة في السنوات الأخيرة الذي جاء بهدف تحقيق عدد من الأهداف يمكن أن نقسمها إلى نوعين :- الأول : هي الأهداف الاقتصادية التي تتمثل من خلال :- 1) رفع كفاءة الأداء الاقتصادي وزيادة الإنتاجية. 2) تحسين النتائج الاقتصادية والمالية للمشروعات العامة التي يتم خصخصتها بما يتلاءم مع الظروف الاقتصادية وحركة المنافسة عن طريق تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار والمشاركة الفاعلة في عملية التنمية. 3) الحد من احتكار القطاع العام للخدمات والسلع وتوفيرها بنوعية أفضل وكفاءة أعلى في ظل آلية السوق وأجواء المنافسة الاقتصادية. 4) تخفيض حجم الديون الخارجية من زيادة الصادرات وتخفيض الواردات. 5) تقليص العجز في ميزانية الدولة للمدفوعات أو من خلال زيادة الصادرات أو من خلال مبادلتها للديون الخارجية بأسهم الشركات المرشحة للخصخصة فضلاً عن خفض جماح التضخم من خلال زيادة الإنتاج كماً ونوعاً لغرض إعادة التوازن للعلاقة بين العرض والطلب والإنتاج والاستهلاك. 6) معالجة العجز في ميزانية الدولة والتوقف عن دعمها للمنشآت الخاسرة. 7) تنشيط الأسواق المالية وتطويرها. 8) تشجيع الاستثمار المحلي وأجندات الاستثمار الأجنبي. 9) تطوير كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية النادرة عن طريق وضع التسعيرة المناسبة لتلك الموارد ولعناصر الإنتاج وخاصة النقد الأجنبي ومصادر الطاقة ورأس المال. 10) زيادة إيرادات الدولة عن طريق عائد المساهمة في النشاط المراد تحويله للقطاع الخاص عن طريق ما تحصل عليه من مقابل مالي مثلما تحصل عليه عند منح الامتيازات وكذلك عن طريق الإيرادات المحصلة من بيع الدولة لجزء من حصتها. الثاني : هي الأهداف الاجتماعية التي تتمثل من خلال :- 1) إعادة توزيع الدخل والثروة المتجسدة بنقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص مما يؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 2) رفع مستوى المعيشة وصولاً إلى مستوى مناسب من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية. 3) توفير فرص عمل جديدة والتخلص من العمالة الزائدة من خلال تطبيق نظام التدريب التمويلي وتأهيل العمالة الزائدة واستغلالها في إقامة مشروعات إنتاجية أخرى. 4) تحقيق الكفاءة في فرص العمل والمساهمة في توجيه السياسة التعليمية ومخرجاتها لتتوافق مع الطلب المحلي عليها في سوق العمل. ثالثاً : مبررات التحول نحو اقتصاد السوق. لقد شهد الاقتصاد العالمي خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي عدد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي زرعت الشك في جدوى استمرارها في العمل بملكية الدولة لوسائل الإنتاج والتخطيط كمنج لإدارة الاقتصاد وفي مقدمة تلك المتغيرات انهيار منظومة الدول الاشتراكية والفشل الذريع لتجارب التنمية في عدد كبير من الدول النامية التي تتبنى سياسة التدخل الحكومي ... في مقابل النجاح المنقطع النظير الذي شهدته مجموعة الدول النامية التي تتبنى السوق وفي مقدمتها مجموعة النمور الآسيوية الذي فسر نجاحه من خلال اعتماده على السوق التي اقترنت هذه التطورات بضغوط كبيرة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الدول النامية ذات المديونية العالية لإجبارها على الإسراع بالتحول نحو نظام السوق وفي مقدمتها النمور الآسيوية الذي جاء نجاحه على نظام السوق والانفتاح على الاقتصاد العالمي بالرغم من أن الواقع يشير إلى أن التنمية التي حدثت في هذه المجموعة من الأقطار تمت بقيادة الدولة وإن الأسواق التي سمح لها بالعمل كانت أسواقاً محكومة وموجهة من قبل الدولة وخضعت لتوجيهاتها المباشرة وغير المباشرة ... وهذا يعني أن التنمية تمت عن طريق قيادة الدولة للسوق وليس عن طريق السوق لعملية التنمية. رابعاً : فلسفة اقتصاد السوق التي تستند فلسفتها على اقتصاد السوق وعلى عدد من الفرضيات أهمها :- وجود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ووجود التشريعات والقوانين والمؤسسات والتنظيمات التي تكفل حرية التملك والعمل والإنتاج والتحول والتنقل والتبادل التي تتيح حرية اتخاذ القرارات والتوسع من نطاق وحرية الاختيار لكل من المستهلك والمنتج ووجود مبدأ كمال السوق الذي يشترط المنافسة الكاملة كأساس لعمل آلياته بكفاءة ... كما تهدف فلسفة اقتصاد السوق إلى تفعيل دور الأسعار بوصفها أداة رئيسية في عملية الإصلاح الاقتصادي باستخدام مجموعة من الإجراءات والقوانين التي تدعم القدرة التنافسية ومن أبرزها : 1) إصلاح السياسة التجارية عبر التخفيف من قيود نظام الحصص والتعريفات الجمركية. 2) إصلاح الجانب المالي وتوسيع دور الأسواق المالية والسماح بممارسة العمل المصرفي للقطاع الخاص والمصارف الأجنبية. 3) إصلاح آلية الأسعار عبر إزالة جميع الأسعار الإدارية والتقليل من حجم الدعم من قبل الدولة. 4) التقليل من دور القطاع العام مقابل توسيع دور القطاع الخاص المحلي والأجنبي وإصلاح سوق العمل. 5) مراحل التحول نحو اقتصاد السوق في العراق :- يوضح التطور التاريخي لسياسات التحول نحو اقتصاد السوق إنها تمر بمرحلتين : الأولى : يتم فيها تهيئة أرضية التحول لآليات السوق بإزالة القيود الإدارية التي كانت تحكم السياسات المالية والنقدية وقد اهتمت سياسات التصحيح الهيكلي في هذه المرحلة بإلغاء نظام الدعم والعمل على تعويم أسعار صرف العملات الوطنية تجاه العملات الأجنبية ... الثانية : يتم فيها إحداث تغييرات جوهرية في هيكل وسائل الإنتاج وأسلوب إدارة الاقتصاد الوطني والعمل على توفير شروط آلية السوق. بعد الاحتلال للعراق في عام/ 2003 أصدرت سلطة الائتلاف المؤقت بقيادة الحاكم المدني (بريمر) قراراً بضرورة التحول السريع (علاج الصدمة) نحو اقتصاد السوق وتعزيز دور القطاع الخاص بناءً على دراسات أعدتها المراكز البحثية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية ومنها مؤسسة هيرتاج فاونديشن والتي أوصت بخصخصة القطاع العام وتحويل (192 شركة حكومية) إلى القطاع الخاص بإشراف من قبل (Tpwoods corporation) المخصصة في تنمية القطاع الخاص وكذلك بالسماح للاستثمار الأجنبي دون أن يهيئ المناخ الملائم ولا التوقيت المناسب لذلك ... وبعد التغيير عام / 2003 ازداد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وارتفعت النفقات العامة بعد عام/ 2004 بسبب إجراءات الحماية ضد الإرهاب ولم تشكل المساعدات الدولية المقدمة للعراق إلا جزءاً محدوداً كنفقات حكومية مع محدودية الناتج المحلي الإجمالي الذي ظل أسيراً للعوائد النفطية التي لا تتناسب مع إمكانيات العراق كاحتياط ثاني في العالم. 6) معالم وخصائص التجربة العراقية في الخصخصة خلال فترة النظام الدكتاتوري المقبور :- عمل النظام الدكتاتوري المقبور على توظيف الاقتصاد العراقي لسياسته الرعناء والتي كانت غير ثابتة ومتغيرة باستمرار وبدون مبررات موضوعية على عكس الأطروحة المشهورة (السياسة هي التعبير المكثف للاقتصاد) وكما هو معروف بدأ النظام الدكتاتوري الصدامي الذي وصل إلى السلطة عام/ 1968م بأوضاع اقتصادية محلية وإقليمية مؤاتيه تمثلت بالدرجة الأولى في تعاظم إيرادات العراق النفطية منذ أواسط السبعينات بوتيرة متصاعدة مع إهمال من قبل الدولة للقطاعات الإنتاجية على افتراض استمرار صعود أسعار النفط وإقامة صناعة نفطية كي تقود العملية التنموية ... واعتبرت الدولة حينها أن تأميم النفط عام/ 1972م تحرير للاقتصاد العراقي وبالرغم من إثارة الإيجابية المتمثلة في الاستحواذ على كل الريع النفطي إلا أن ذلك عمق على اعتماد الاقتصاد العراقي على الخارج في غياب تنويع القاعدة الاقتصادية فزاد الإنفاق الاستثماري الذي أدى إلى نمو بسيط في المؤشرات الاقتصادية عدا الإنتاج الزراعي. وكان من أبرز معالم الحقبة الدكتاتورية في السياسة الاقتصادية أن التراكم الهائل للعوائد النفطية والمعدلات المرتفعة للاستثمار لم يواكبه تغيير إيجابي يعتد به في هيكل الاقتصاد بل بقي يتسم بذات السمة التقليدية هيمنة القطاع الاستخراجي وضعف الصناعات التحويلية كما أن تنفيذ تلك الاستثمارات العملاقة قد ارتبط بتزايد نشاط الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات ونشوء اصطفاف طبقي جديد في المجتمع العراقي صعدت الطبقة البورجوازية الطفيلية البيروقراطية وزاد الاستهلاك وصعدت زعامات إقليمية من أمثال الطاغية صدام حسين في العراق والمنطقة كبديل لشاه إيران وضد الثورة الإيرانية الخمينية عام/ 1978م وكذلك ضد مواقف منظمة أوبك النفطية التساومية اتجاه الدول الرأسمالية وحدوث تغييرات أساسية في أنماط الاستهلاك الذي زاد ميله الاستهلاكي الترفي وامتد ليشمل عموم الفئات والطبقات الاجتماعية للعراق مع ملاحظة التفاوت الطبقي للمجتمع العراقي وخاض الحرب مع إيران عام/ 1980 التي أدت إلى تدمير البنية التحتية للعراق وفرض حصار اقتصادي على العراق عانى منه الشعب وكبد الشعب العراقي الجوع والفقر مما أدى ذلك إلى تعميق الأزمة الاقتصادية واتخاذها طابعاً بنيوياً وهبوط معدل دخل المواطن الواحد إلى مستويات متدنية كما أفضى إلى انهيار الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي التي هي العامل الرئيسي للتحولات الكبرى في العراق. الخصخصة في العراق بعد عام / 2003 أما في العراق المستباح وشعبه المذبوح فقد قام نظام صدام الدكتاتوري الدموي عام / 1988 بتطبيق سياسة الخصخصة وذلك عن طريق بيع منشآته ومؤسساته الاقتصادية والتجارية في عملية التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص نتيجة لسياسته الخاطئة وحروبه المدمرة والحصار الاقتصادي المشؤوم وتفشي الفساد المالي والإداري والبيروقراطية في مؤسسات القطاع العام والتوجه نحو الصناعة الحربية التي استنزفت أموال العراق وإنهاء دور الهيئات النقابية من خلال وضع قانون تحويل العمال إلى موظفين بسبب انهيار المصانع ... أما بعد سقوط النظام في عام/ 2003 وخضوع العراق لشروط نادي باريس وصندوق النقد الدولي الذي فرضه الحاكم العام للاحتلال الأمريكي (بول بريمر) والعمل بنظام الاقتصاد الحر وتحرير التجارة والأسعار ورفع الدعم الحكومي على الخدمات والبطاقة التموينية ورفع الدعم عن المشتقات النفطية وفتح الأسواق العراقية على مصراعيها ورفع الضرائب عن البضائع والسلع الأجنبية المستوردة بحجة تشجيع المنافسة حسب مشروع الحاكم المدني العام للاحتلال (بول بريمر) ومن هنا كان على الحكومة العراقية الاهتمام بموضوع الخصخصة من أجل تنفيذ برنامج إصلاحي اقتصادي لإعادة بناء القطاعات الاقتصادية والزراعية والالتزام بالشروط الدولية مقابل شطب جزء من الديون الخارجية على العراق ... ولكن عملية الخصخصة في العراق تحتاج إلى دراسة مستفيضة وواقعية للقطاع العام من أجل النهوض بالقطاعات الصناعية والزراعية والتجارية ولما تعانيه هذه القطاعات من ترهل وبطالة مقنعة بسبب الفائض الوظيفي الموجود فيها حيث يوجد في العراق أكثر من أربعة ملايين موظف في القطاع العام ممكن أن يفقدوا أرزاقهم في حال خصخصة المؤسسات العاملين فيها ويجب أن يكون لدينا قطاع خاص قادر على استيعاب التوجه الاقتصادي نحو الخصخصة وكلنا يعرف عدم إمكانية القطاع الخاص بالوقت الحاضر تطبيق نظام الخصخصة في العراق بسبب وجود حالياً وهم يمثلون طبقة طفيلية كومبرادورية ومن بقايا النظام السابق بالإضافة إلى السياسيين الحاكمين حالياً والمرتبطين بهم بالإضافة إلى عدم وجود قوانين تراقب القطاع وتحميه من المنافسة الغير عادلة للمنتوج المستورد من الخارج كما أن الاقتصاد العراقي الأحادي الجانب وبالتحديد يعتمد على مورد واحد وهو النفط حيث يتم بيعه في الأسواق العالمية ويخضع لأسعارها العالمية المتنقلة وممكن أن تنخفض وبالتالية يكون الاقتصاد العراقي معرض للأزمات وبعد فشلها في العراق تدور الأحاديث في أروقة الدوائر الحكومية عن نية الحكومة في وضع نظام الخصخصة في المستشفيات الحكومية والكهرباء في العراق بالرغم من فشلها بالماضي. التكيف الهيكلي وارتباطه بصندوق النقد والنقد الدوليين إن سياسة الإصلاح الاقتصادي تشمل تغييرات جذرية في منهج الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي شرطاً لتقديمها القروض (إبداء المساعدة) بل من الشروط دخول هذه البلدان إلى السوق الحرة العالمية وبالتالي عدم تدخل الدولة في اقتصاد بلدانها بمعنى آخر يتم خصخصة القطاع العام في كل بلد يخضع لسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين من خلال التكيف الهيكلي وهذه العملية تؤدي إلى جيوش من البطالة وهذه الإصلاحات المزعومة تنقسم إلى قسمين الأولى سياسات اقتصادية قصيرة الأمد وتسمى سياسات التثبيت الاقتصادي والثانية متوسطة وطويلة الأمد وتسمى بسياسات التصحيح الهيكلي أو التكيف الهيكلي الذي في جوهره احتكار قديم بكل ضروبه لكنه بثوب جديد إذ يرى (لينين) في كتابه الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية : إن الحروب الامبريالية هي أمر محتوم اطلاقاً على هذا الأساس الاقتصادي طالما بقيت وسائل الإنتاج ملكاً خاصاً وهذا الكلام عندما كان لينين يتكلم عن تطور سكك الحديد وكيف تتصل بالإنتاج الكبير والبنوك والطغمة المالية وكارتيلات والسنديكات والتروستات مع استخدامات الرأسمالية ذات الخدعة الكبيرة الديمقراطية والتقدم ... فكيف اليوم بهذا التطور في التقدم التكنيكي والثورة المعلوماتية المهول وربط الخصخصة والسوق الحرة والتكييف الهيكلي بالديمقراطية وحرية الفرد ...!! بالرغم من أنهما لا علاقة لهما بالخصخصة والعولمة وهو إحدى الشعارات التي رفعها منظرو النيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) منهم الأمريكي (ميلتم فريدمان) والياباني (فوكوياما) وغيرهما ولكن الواقع كان كفيلاً بأنها مزاعمهم الأيديولوجية وسقوط مساحيق التجميل بعد الأزمات الاقتصادية والمالية التي أسقطت تجربة النمور الآسيوية عام/ 1998 وسقوط دكتاتورية الفاشستي (سوهارتو) في أندونيسيا بتظاهرات الطلبة والعمال والكادحين من أبناء الشعب الأندنوسي من ذات السنة / 1998 والأزمة المالية العالمية التي عصفت بقوى الرأسمال العالمي عام / 2008 والذي ما زالت تداعياتها مستمرة إلى الآن كاشفة عن أزمة بنيوية عيقة في النظام الامبريالي المسمى اليوم بالعولمة المتوحشة ومحاولات تلك القوى الامبريالية أن ترفع أزمتها من خلال الحروب المباشرة وغير المباشرة أو أذرعها الاقتصادية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي للتنمية) وسياسة نهب البلدان النامية بذريعة (التكيف الهيكلي) وجعل تلك البلدان سوقاً لاستثماراتها ما دامت قوى رأس المال تملك وسائل الإنتاج وتصدر رأس المال مع الترويج الإعلامي لمفاهيم العولمة وأيديولوجيتها في الصحف وكتب الأدب والأفلام السينمائية والمسلسلات والإذاعات والانترنيت وكل ما يتصل بمفاهيم الترويج لكل العالم بمختلف اللغات. أولاً : الامبريالية الاحتكارية : يقول كارل ماركس : (إذا كان ما يميز العصر البورجوازي عن جميع العصور السابقة هو التثوير الدائم للإنتاج والإخلال المتواصل بجميع الشروط الاجتماعية) ويقول لينين : (إن الامبريالية هي عهد الرأسمال المالي الاحتكاري التي تحمل في كل مكان النزعة إلى السيطرة لا إلى الحرية). وهذا التعريف ذو صلة بعمل البنوك الرأسمالية إذ يقوم البنك بالحسابات الجارية لعدد من الرأسماليين يبدو وكأنه يقوم بعملية تكتيكية بحتة أي بعملية مساعدة لا غير ولكن عندما تبلغ هذه العملية مقاييس هائلة تكون النتيجة أن قبضة من الاحتكاريين تخضع بنفسها للعمليات التجارية والصناعية في المجتمع الرأسمالي برمته، وهذا الكلام عن عملية البنوك الرأسمالية في ظل الدول الرأسمالية ... فهذا البنوك في ظاهرها كأنما تعمل للمساعدة ولكن في باطنها الاحتكار ... وانطلاقاً من هذه الأقوال فإن سياسة الهيكلية الاقتصادية التي تصدر عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ظاهر ربحي نهاب على حساب الشعوب لصالح قوى الرأسمال العالمية ضمن يوميات حياتنا الآن في مرحلة الامبريالية وهذه العملية لم تأتي اعتباطاً لأن جميع المنظمات الاقتصادية والمالية الامبريالية اليوم تعبر عن سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي للتنمية التي تمثل تطور الحركة الاقتصادية والمالية لرأس المال في دولها عندما كان سائداً مفهوم الدولة الرأسمالية أو الدولة صاحبة الرأسمال حيث نجد الظاهر لهذه المنظمات في الاقتصاد الرأسمالي الانكليزي والألماني والأمريكي وهذه الظاهرة نجدها عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ولكن يأخذني الظاهر شكل كارتيلات والسينديكات والتروستات وهي في المظاهر واحدة تصب في مصالح رأس المال واحتكاراته وحروبه لذا إن هذا التطور من حيث الظاهر رأسمالي وهو في الباطن عملية نهب ثروات الشعوب (البلدان النامية) التي تدخل حيز سياسة (التكييف الهيكلي) دون شرط أو قيد من حكومات تلك الشعوب (الدول النامية) على صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. ثانياً :- وبما أن الجوهر فيما تقدم يتصل بالنظرية الاقتصادية القديمة الجديدة (نظرية آدم سمث) أو الكلاسيكية الجديدة أو الليبرالية الجديدة فإن الخصائص ستكون متصلة بتمركز الإنتاج والاحتكارات وحروبها من أجل مصالح الامبريالية وحدها وبما أن المرحلة اليوم امبريالية بمعنى أن قوى رأس المال – المالي ترفض عودة المنافسة أو المزاحمة الحرة بين قوى رأس المال لأن المنافسة الحرة كانت في المرحلة الرأسمالية الأولى مرحلة التنافس البضائعي قبل تطورها إلى مرحلة هيمنة رأس المال وهي الامبريالية ترفضها ولو تَطَلّبَ الأمر حروب الاحتكارات من مثل ما حدث في أوكرانيا عام/ 2013 بالضد من روسيا الاتحادية ذات الاقتصاد الرأسمالي وتقترض من صندوق النقد الدولي ... روسيا التي بدت منافساً سياسياً وعسكرياً في المياه الدافئة وتحالفها مع إيران وسوريا والهند ومصر كما ينقل الإعلام المرئي ولكنها أي روسيا عوقبت بحروب الاحتكارات بسبب سياستها الخارجية وطبعاً كل السياسات تمثل وجه اقتصادية حيث روسيا تحاول جاهدة عودة المزاحمة الحرة لكن المرحلة الامبريالية بكل قواها تكبح هذا الاتجاه علناً من خلال التلويح بفرض عقوبات عبر قوى امبريالية في الاتحاد الأوربي لصالح أمريكا التي تقود المرحلة الحالية لصالح رأس المال – المالي وهذا بالضبط ما أشار له لينين في المرحلة الامبريالية تلغى المزاحمة الحرة ويتنفذ رأس المال – المالي باقتصاد الكرة الأرضية ضمن موضوع الامبريالية مرحلة خاصة بالرأسمالية وستكون الصورة جلية وواضحة جداً إذا أبدلنا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومركز التجارة العالمية وغيرها بدل الكارتيلات وغيرها ... إذا فالخصائص هنا (التكيف الهيكلي) ستكون ضمن هذه المرحلة كما يلي :- 1) إن تفاصيل الاتفاق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مع الحكومات يتم بشكل سري بعيداً عن الإعلام لأن الغرض منه الابتعاد عن الشعب وقواه الوطنية. 2) من أول شروط الاتفاق ضمان حقوق الشركات المستثمرة في نقل سيولتها المالية من داخل أي بلد إلى أي بلد آخر تراه أمناً لسيولتها المالية من الناحية الاقتصادية وبذلك بسبب سحب السيولة المالية من هذه البلدان بسهولة حال تعرض مصالح القوى الرأسمالية للضرر. 3) أول شرط لحصول الاتفاقيات هو دخول البلدان إلى السوق الحرة المحتكرة أصلاً من قبل قوى رأس المال بسبب تمركز الإنتاج من خلال المشاريع العملاقة في العالم (الدول الثمانية الكبرى) وسيطرتها على حركة رأس المال. 4) يرسم صندوق النقد الدولي الخطط الاقتصادية على وفق مصالح الاحتكارات ومنها السوق الحرة ضارباً عرض الحائط الحاجة الاقتصادية الاجتماعية للشعوب في هذه البلدان. 5) وعلى أساس ما تقدم أعلاه سيكون من أهم الخصائص في (التكيف الهيكلي) خصخصة اقتصاد القطاع العام ومؤسساته دون قيد أو شرط وإلحاق الاقتصاد (التكيف الهيكلي) بعجلة رأس المال وسوقه من خلال فرض سعر صرف العملات و (الخصخصة) كما تظهر البورجوازية الطفيلية المرتبطة برأس المال المالي مباشرة وتعمل لصالحه على حساب المشاريع الوطنية في القطاع الخاص الوطني في أغلب دول (العالم الثالث) كذلك تظهر المافيات بكل أنواعها والفساد الإداري والمحاصصة في البلد. 6) إن بناء وتشييد سياسات (التكيف الهيكلي) تعتمد على دراسة التحليل النقدي لميزان المدفوعات وذلك لأن الفكر لليبرالية الجديدة لا يشتغل أساساً بقضية النمو أو التنمية الاقتصادية في هذه البلدان بل ينشغل بشرح أوضاع التوازن الاستاتيكي للمنتج والمستهلك. 7) بسبب سياسات الإصلاح المزعومة ونتيجة لما تقدم أعلاه ستكون أهم خصائص (التكيف الهيكلي) هي إنهاء العمل بالصناعة المحلية عموماً سواء القطاع العام الذي يخضع (للخصخصة) أو صناعة القطاع الخاص المتمثل بالبورجوازية الوطنية من أجل أن تحل محلها الاستثمارات من جهة ودخول المنتج الامبريالي لأن هذه البلدان أصبحت أصلاً ضمن السوق العالمية الخاضعة لقوى رأس المال – المالي مما يعني حدوث جيوش من البطالة في هذه البلدان وتردي كبير في مؤسسات التعليم والصحة والخدمات وانتشار السكن العشوائي ومن خلال هذا كله بدوره ينتج عنه إزاحة مفاهيم اجتماعية بالكامل من أجل مسخ الشعوب عن إنسانيتها ووطنيتها وتشويه الصراع الطبقي في المجتمع ونشره في جميع أنحاء العالم برمته. 8) تكون سمة الفساد الإداري والمالي والمحاصصة والخصخصة صفة ملازمة لعملية (التكيف الهيكلي) كما تظهر المافيات مثل المتاجرة بالبشر وأعضائه والخطف والدكات العشائرية من أجل ابتزاز الآخرين وغيرها وهذه العمليات تظهر في أي بلد يتبع (الإصلاحات المزعومة) بمعنى التمايز الحاد في الطبقات الاقتصادية الاجتماعية مثلما حدث في مصر (حكم أنور السادات) وروسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ماذا سوف يؤدي تطبيق الخصخصة والسوق الحرة الذي يعمل ويريد صندوق النقد الدولي تطبيقها في العراق المستباح وشعبه المذبوح : 1) بيع القطاع العام إلى شركات القطاع الخاص. 2) منع تدخل الدولة باقتصاد البلد. 3) تسريح الآلاف من العمال والموظفين من أعمالهم مما يسبب جيوش البطالة بسبب ملكيتها للقطاع الخاص. 4) ازدياد أعداد البطالة في العراق. 5) تدهور التعليم والصحة. 6) تطال أزمة السكن أغلبية الشعب العراقي. 7) إهمال الزراعة وتحويل الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية. 8) إلغاء دور القطاع الخاص الوطني العراقي بسبب دخول العراق إلى السوق الحرة وعدم قدرته على المنافسة مع بضائع وسلع الدول الأجنبية. 9) تدمير السوق العراقية وتدمير الاقتصاد العراقي لصالح الاستثمارات الأجنبية في العراق. 10) ظهور قوى البورجوازية العراقية الطفيلية المرتبطة برأس المال – المالي القادم مع مساعدات صندوق النقد الدولي. 11) إضافة إلى سهولة حركة رأس المال المالي من الخارج إلى الداخل ومن الداخل إلى الخارج في أي بلد يخضع لسياسة (التكييف الهيكلي) وهذه الحركة لا تتدخل فيها الدولة أو الحكومة وتكون وفق مصلحة القوى الامبريالية ... كما من ضمن سياسة (التكييف الهيكلي). كما أنها تشترط أن تحدد سعر صرف العملات في أي بلد يخضع لهذه السياسة وهذه العملية لا تقل خطورة عما سبق ... كما أنها تروج إعلامي كبير لمفهوم (التكيف الهيكلي) ويعتبر من أهم المحاور رغم الفشل في أكثر التجارب في (العالم الثالث وما سببه من كوارث على الشعوب إلا أنه ما زال يتم تناوله وكأنه لا حل سواه. وإضافة إلى الترويج الإعلامي التقليدي يقوم بنشر ثقافته الأيديولوجية الاقتصادية بين الكثيرين من أبناء الشعب وخصوصاً أوساط المثقفين والأكاديميين مستغلين بذلك عملية حرية الرأي والديمقراطية في أغلب البلدان في المنطقة العربية والشرق أوسطية وإن تكن في بعض الأحيان هذه الأيديولوجية الاقتصادية مغطاة بطابع الدين أو القومية بما يناسب أي بلد والغرض والمراد منه تشويه الصراع الطبقي في العالم وأحيانا بحجة الدفاع عن الأقليات في البلد كما حدث في السودان حيث تم منح جنوب السودان الحق في تكوين دولته الغني بالثروات المعدنية حق تقرير المصير على أساس ديني مسيحي وبعد ذلك بأقل من سنة أصبحت دولة جنوب السودان ونالت تأييد وقبول مطران الكنيسة الكلدو آشورية في بغداد وقال المطران : (عندما كنت عضواً في مؤسسة الاتحاد الأوربي أطلب من الأعضاء الأوربيين والأمريكان مساعدة المسيحيين في العراق وفي جنوب السودان فقالوا أن الصراع الآن في العراق من أجل السيطرة والحصول على ما هو تحت الأرض من النفط وليس على ما فوقها الإنسان) ... وهذا يدل على أن الهدف والغاية من (التكيف الهيكلي) هو الجانب الربحي والاستغلال هو الجوهر ... وهذا يبين بشكل واضح زيف وخداع كل ما تطرحه أيديولوجيات ومرجعيات النظرية (التكيف الهيكلي) التي يكشف واقعها الملموس تجارب البلدان التي خضعت له ... فإن الأزمات والخلل في منظومة الاقتصاد النيولبرالي أو رأس المال المالي موجود حتى في بلدان تلك القوى الامبريالية لأن هذه الظاهرة من التناقضات والحالات هي من الدلالات التي تدخل في غزو نهاية النظام الامبريالي ومنها أن الأزمات الامبريالية العالمية التي تسببت بأزمة عالمية اقتصادية كانت تأثيراتها على البلدان المتقدمة والمتأخرة على حد سواء مما يؤكد أن الصراع الطبقي في العالم وهذه الظاهرة من الأزمات العالمية تصب وتؤدي إلى الجوع والحرمان والفقر والبطالة والتخلف على رأس الشعوب المتخلفة اقتصادياً في البلدان النامية بينما نسمع ما تذيعه وتنشره الأيديولوجيا النيولبرالية على عكس ذلك تماماً حين كان الرئيس الأمريكي (بوش) قد قال في اجتماع السبعة والثمانية الكبار (دول العولمة) : (إن رخاء البلدان الغنية هو الذي يتيح للبلدان الفقيرة الفرصة لخلق الثروة وتنميتها ... كما دعا إلى المزيد من الانفتاح للأسواق والمنافسة الحرة من أجل التصدير والتنمية). فانبرى له (جوزي بوفيه) رئيس الكونفدرالية الفلاحية الفرنسية وأحد أبرز قادة الحركة المعادية للعولمة ومعه ممثل شباب الفلاحين في فرنسا فقدما الأرقام التي تخص كلامه المزيف والمخادع حيث يوجد في قطاع الزراعة وحده على نطاق العالم عدد الناشطين (3001 مليار مزارع) مليار منهم يعمل الواحد فقط منهم على ما لا يزيد عن الهكتار الواحد وبأدوات بدائية كالفأس في الحراثة أو المجرافة أما الباقون وعددهم 300 مليار فهم يملكون بهيمة أو بهيمتين على الأكثر ويحرثون أرضهم بمحراث بدائي وينتج الفرد الواحد منهم عشرة قناطر من الحبوب أو ما يعادلها وهذه الكمية تكون بالكاد تكفي لإطعام عائلته بالإضافة إلى مصاريف المسكن والملبس وغيرها ... وعلى الضفة الأخرى من العالم المتقدم يعمل فلاحون على (28 مليون جرار) تراكتور والناشط عليها ينتج ما يعادل (10000) عشرة آلاف قنطار من الحبوب ... والرئيس الأمريكي (بوش) يدعو أولئك المحرومون والجياع للدخول في منافسة حرة مع هؤلاء من أجل الحصول على الرخاء والثروة الكبيرة ..!! أزمة النمور الآسيوية تحدث الكثيرون عن تجربة النمور الآسيوية ونجاحها ونمو اقتصادها وتطوره من خلال اعتماده على الليبرالية الاقتصادية وآليات السوق كإطار عام وموقع القطاع الخاص الفاعل واستغفلوا دور الدولة الذي يعتبر دور استراتيجي لا يستهان به وكانت القوة الدافعة الرئيسية للنمو الاقتصادي الآسيوي من الستينات إلى التسعينات من القرن الماضي وخاصة كوريا الجنوبية وتايوان حيث تبنت هذه الدول سياسة صناعية ناجحة اتسمت بالمرونة والانتقائية والتناسق بالإضافة إلى الضبط والتوجيه بعد تحالف هذه الدول القطاع الخاص حيث كانت للدولة الدور الأكبر بهذا الشأن حيث كان لها دور إشرافي مبني على استبداد سلطتها السياسية كما أكدت على تراكم رأس المال أولاً ثم الوصول إلى التقدم التكنولوجي ليحل محله باعتباره مصدر للنمو ثانياً ... وقد كان لنجاح هذه الدول بداية هو (انفكاك) من شراك ومتاعب أزمة الديون الخارجية وتوابعها وبفعل الاستقطاب الدولي واستقرار نظام النقد الدولي الذي قرب هذه الدول من الصين المنازع الوحيد لها في المنطقة ... وكانت هناك ظروفاً داخلية ودولية مؤاتيه لذلك التقدم والنمو قد لا يتكرر خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. إن هذا النمو كان في ظل الصراع بين القطبين (أمريكا والاتحاد السوفيتي) فاحتضنت أمريكا الدول الآسيوية (عدا الصين) وفتحت لها أسواقها كما زودتها بالتمويل والتكنولوجيا وكانت السوق الأمريكية من أهم تلك الأسواق للبضاعات الآسيوية مقابل فتح دول النمور الآسيوية أسواقها أمام الهيمنة الأمريكية وبعد انتهاء القطبية الثنائية غلبت أمريكا الجانب الاقتصادي في علاقاتها مع تلك الدول على الجانب السياسي فقيدت انتقال التكنولوجيا كما وضعت قيوداً للوصول للأسواق الأمريكية من خلال اتفاقية (الأرغواي) عام/ 1994م عبر منظمة التجارة العالمية. وبعد عامين من أزمة دول أمريكا اللاتينية (المكسيك خاصة) اندلعت أزمة خطيرة جديدة في دول النمور الآسيوية (كوريا الجنوبية .. ماليزيا .. تايلند .. الفلبين .. أندونيسيا) وبالتحديد في منتصف عام/ 1997م في شهر تموز وكانت الخسائر قد بلغت (3,1) تريليون دولار وسعر الديون (3,1) تريليون دولار وانخفاض الناتج القومي لهذه الدول ما يقارب من (1,2) تريليون دولار خسائر في البورصات ... وقد قدم الكثير من الخبراء والاقتصاديين أسباب عدة لتلك الأزمة هي أولاً محورية ومركزية الدول في السيطرة على اقتصادها وأسقط آخرون من الخبراء السبب على الدول الأوربية التي وجهت صفعة لهذه الدول بعد أن تعاظم دورها وتقدم نموها وخوفها من أن تكون بديلاً عنها ... ثم هناك أسباب أخرى كهشاشة النظام المصرفي والفساد الإداري والنمو المفرط في الاستثمار وعدم انسجام وتماشي التطور الرأسمالي مع القيم الاجتماعية للمجتمعات الآسيوية والحقيقة أن كل هذه الأسباب مجتمعة كانت وراء تدهور اقتصاديات تلك الدول والعاصفة التي ألمت بها وقد أثرت الأزمة على غيرها من الدول كروسيا وأوكرانيا كما أن العرب وأمريكا خاصة خشيت من أن تمتد إليها الأزمة ... ولكن السبب الأكثر قناعة لهذه الأزمة هو (تكون رأس مالي بالغ القوة انتشر بفعل سياسة الليبرالية الجديدة دون حواجز أو قيود على النطاق العالمي) وهذا الرأس مال الذي يفتش عن أي مكان خصب متاح له في (الدول النامية أو الصاعدة) من أجل جني أكبر كمية من الأرباح وبأسرع وقت فوجد في هذه الدول الآسيوية خير مكان وخير مرتع وهذه الدول كانت ملتزمة بالانخراط في موجة (التحرير) الكامل لأسواقها نتيجة ظروف داخلية (بقصد التنمية السريعة) وخارجية هي انهيار التجربة الاشتراكية وتخطيطها المفرط بالإضافة إلى ضغوط الدول الأوربية والأمريكية على هذه الدول الآسيوية مما دفع الدول الآسيوية إلى إزالة الحواجز والعراقيل أمام حركة رؤوس الأموال القادمة إليها من الخارج وكذلك الخارجية منها بعد أن عاشت المنطقة زمناً من الانغلاق من أجل الانتعاش الاقتصادي الواسع لهذه الدول. وقد قدمت هذ الرأسمال الغزير (القروض من الخارج) وبآجال قصيرة الأمد وعلى شكل استثمارات وفي منتصف عام/ 1997 حدث الانفجار المالي والاقتصادي بادئ الأمر في (تايلند) وامتدت إلى كل جاراتها الآسيويين ما عدا الصين لقد كانت نسبة ديون هذه الدول (62%) منها على شكل سندات وأسهم وأوراق مالية قريبة الأجل ولأقل من سنة فسارعت رؤوس الأموال إلى سحب ودائعها وتركت (تايلند) بسرعة أسرع من دخولها لها فانهار سعر صرف عملتها الوطنية بسبب عدم الرغبة بالتعامل بها لضعف أداء القطاع المالي الذي امتص رؤوس أموال كثيرة ثم امتدت الأزمة إلى كوريا الجنوبية ضحية الإقراض المالي المفرط والكثيف تبعتها إندونيسيا وهكذا باقي دول المنطقة ... لقد توقعت ما يسمى (ببيوت الخبرة) وهي الأشد ضرراً من بنوك وشركات مال بآفاق التطور الاقتصادي لهذه الدول والشركات العاملة فيها وكذلك ما فعلته (شركات السمسرة المالية) في نشاطها في التداول للأسهم والسندات التي بشرتها بالربح السريع والوفير فتدفقت الأموال الطائلة إلى دول النمور الآسيوية وبسبب من الأوضاع السياسية (المأمونة) لتسلط حكومتها التي قمعت الحركات الجماهيرية المطلبية وأهدرت حقوق الإنسان ثم (شدة مركزيتها العالية التي سهلت التعامل معها في الخارج بالإضافة إلى قرب هذه الدول للصين العدو الاقتصادي السياسي لها. وبعد أن أقرضت البنوك الناس في الداخل وبآجال مريحة كانت هي قد حصلت على القروض بآجال قريبة فتحقق النمو السريع في هذه الدول عبر التحول الصناعي الهيكلي والتعميق التكنولوجي وأنشطة كثيفة العمالة واستخدام للعلم ... ولكن عندما تباطأت عملية التحول وتناقصت الصادرات وتزايد الاستهلاك المحلي والواردات واستمر الاعتماد على استيراد التكنولوجيا المتطورة عند ذلك نقصت مرونة الجهاز الإنتاجي. لقد كانت القروض سهلة والمستفيدين منها محدودين (بسبب المحسوبية) والفساد الإداري أثر على وضع مالي (هش) لانعدام الشفافية والضوابط والمساءلة الضرورية ثم لأن عدم قدرة الاقتصاد الداخلي على المضاربات الخارجية القوية فانتكست مؤسسات الداخل المالية وأدى بالمستثمرين لسحب أموالهم بعد تزعزع الثقة باقتصاد تلك الدول وباتت أسواقها المالية ومؤسساتها غير قادرة على تسديد ما بذمتها من ديون للمودعين المحليين والأجانب فكانت (الصدمة قوية الشدة) لدرجة أن القيمة السوقية للأسهم المالية فيها هبطت من شهر حزيران إلى شهر كانون أول من عام / 1997 بمقدار (1,2) مليار دولار وارتفعت مديونيتها إلى (400) مليار دولار للمصارف اليابانية والأوربية والأمريكية وخشى الغرب وأمريكا من أن تصلهم الأزمة بعد أن وصلت إلى روسيا وأوكرانيا والبرازيل عام / 1999 ... لقد كانت جذور الأزمة في الثمانينات قد صعدت من صعود مرحلة العولمة وبؤرة التلوث بها بعقل سياسة الليبرالية الجديدة بنشر رأس المال الحالي وبالغ بالقوة دون حواجز ... أما معالجة الأزمة فتبنتها مؤسستا (صندوق النقد والبنك الدوليان) وليس الشركات العاملة في هذه الدول والتي تهدف إلى تخصيص المنافع والأرباح وتعميم الخسائر على كل الناس بينما هي أساس المشكلة ... وقدمت المؤسستان (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) قروضاً وبشروط جديدة قاسية ومجحفة (كما هو معهود منهما) لهذه الدول لحل أزمتها فكانت بداية قروض تثبت الاستقرار في الأسواق المالية ثم قروض مع (تكثيف هيكلة الاقتصاد لهذه الدول) بفتح أسواقها أمام شركات الاستثمار الأجنبي المباشر وطالبتها بخفض الإنفاق الحكومي والذي عطل حركة التنمية ورفع معدلات الفائدة فخنق الشركات المحلية المثقلة بالديون وتقييد دور الدولة وتشجيع القطاع الخاص ورفع الدعم الحكومي عن التعليم والصحة وغيرها من شروطها المذلة ويمكننا أن نستخلص من هذه التجربة (للنمور الآسيويين) الدروس التالية من خطر الخصخصة لتلك الدول : إن تعاظم الديون الخارجية رأس البلاء في اندلاع الأزمات المالية والنقدية كما أنها الطريق إلى جحيم المؤسسات المالية والنقدية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) وإن التسرع بإلغاء القيود والحواجز أمام رؤوس الأموال وانفتاح الاقتصاد أمامها مصيره الوقوع في قبضة المضاربين كما بينت أوهام ما روج للعولمة ومزاياها للدول النامية وإن ما يشاع من أن الأزمات هي من صنع تضخم الحكومات ودورها في النشاط الاقتصادي ومن القطاع العام أمر خاطئ وخطير ... فإن أزمة (النمور الآسيويين) من صنع القطاع الخاص وميله المفرط في الاستدانة من الخارج وفي حل الأزمة فإن صندوق النقد الدولي يحمل المجتمع كله دفع ثمن الأزمة والفقراء خاصة من خلال سياسة التقشف ويترك المضاربين وهم أساس المشكلة وإن تغليب النوع المفرط في النمو الاقتصادي المالي (أسواق عملات ومضاربات في الأسهم وصكوك) على جودة أداء الاقتصاد الصيني في الإنتاج والتصدير هو جوهر المشكلة ومن هنا فلا الليبرالية الجديدة ولا الأسواق المالية بريئة في خلق تلك الأزمات كما أن حركة هروب واسعة لرؤوس الأموال إلى الخارج بعد تدني سعر الصرف للعملة الوطنية والتدهور في النمو الاقتصادي جراء سياسة الانكماش التي طبقتها الدول نزولاً عند رغبة الصندوق الدولي وزيادة في عدد البطالة بعد إفلاس وغلق الكثير من المصانع والشركات والمتأتية من سياسة قبض الائتمان وزيادة سعر الفائدة وارتفاع أسعار المواد الخام ثم الخصخصة وتسريح آلاف العمال والموظفين وإلغاء دعم الدولة للمواد الضرورية ثم خسارة المدخرين لجزء كبير من القيمة الحقيقة لمدخراتهم جراء هبوط الأسعار والأسهم والوصول العينية (أراضي وعقارات) وارتفاع الأسعار لارتفاع أثمان الواردات وضعف سعر العملة المحلية وزحف ملكية الأجانب على ثروات وأصول هذه الدول الوطنية (شرائها) وتعاظم العجز في الموازنات العامة مع العلم أنها كانت تسجل فائض ثم أن الأزمة فجرت صراعات وتوترات طبقية واثنية وسياسية وأخيراً وضعت اقتصاد البلدان تحت رحمة ووصاية (صندوق النقد الدولي) سيء الصيت إلا دولة ماليزيا (زمن رئيس وزرائها مهاتير محمد) الذي رفض الانصياع لشروط صندوق النقد الدولي. نموذج الخصخصة في مصر إن تنفيذ مشروع التكيف الهيكلي والإصلاحات الاقتصادية في نهاية ثمانينات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي هي نتاج لمجموعة اتفاقيات حيث عقد الاتفاق الأول في التثبيت بين مصر والصندوق الدولي عام/ 1962 وقد ترتب على ذلك تخفيض قيمة الجنيه المصري بنسبة 25% آنذاك في حين عقد الاتفاق الثاني عام 1977 الذي توقف العمل به نتيجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة بسبب رفع الدعم والإعانات الحكومية ولكن البداية الحقيقية لتطبيق سياسات التكيف في مصر كانت بعد منتصف الثمانينات إذ توصلت إلى عقد سبب اتفاق مع الصندوق الدولي عام/ 1987 وذلك في إطار المفاوضات المستمرة بين مصر وصندوق النقد الدولي لعلاج الاختلالات الهيكلية وإصلاح المسار الاقتصادي وتم بعدها اتفاق ثم بين السلطات المصرية وصندوق النقد الدولي في شهر مايس عام/ 1991 ينصب على الإصلاحات النقدية والمالية وتصحيح نظام سعر الصرف بقصد إعادة الاستقرار والتوازن إلى الأوضاع الاقتصادية الكلية أعقبه اتفاق مع البنك الدولي في حزيران عام/ 1991 يتضمن برنامج إصلاح شامل يكمل البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي يتمحور حول مجالات الإصلاح الأساسي للاقتصاد المصري المتمثلة في الاستثمار وإلغاء الرقابة على الأسعار وإصلاح القطاع العام بتحويله للقطاع الخاص وتحرير التجارة الخارجية. ولعل أهم ما جاء به برنامج الإصلاح الاقتصادي الموقع مع صندوق النقد الدولي ما يلي :- 1) العمل على خفض عجز الميزانية ليصل إلى 6% من اجمالي الناتج المحلي خلال سنتين وما يتطلبه هذا من إحداث إجراءات جذرية في أسواق رأس المال والنظام الضريبي. 2) الاتجاه نحو العمل بآليات السوق والاهتمام بتعظيم دور القطاع الخاص ليقتصر دور الدولة أو القطاع العام على القطاعات الاستراتيجية. 3) تحرير نظام أسعار الصرف والفائدة ومعالجة الاختلالات الهيكلية في أسعار السلع والخدمات كي تعكس الكلفة الحقيقية وذلك من خلال تخفيض الدعم الحكومي. 4) وضع برنامج شامل لتحرير التجارة الخارجية تحريراً كاملاً مع الاعتماد على التعريفة الكمركية كأداة اقتصادية بدلاً من الاعتماد على القيود الكمية ... وتعد الخصخصة للقطاع العام إحدى برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه بين البنك الدولي والحكومة المصرية. ومنذ بداية الحكومة في مطلع التسعينات بخصخصة القطاع العام إثارة الشكوك حول طبيعة هذا التحويل حيث أعلنت أن سياسة الحكومة في برنامج الخصخصة هي فقط بيع الشركات الخاسرة والمشروعات المحليات. ووقتها لقي هذا الطرح قبولاً شبه عام حيث أن الاحتفاظ بشركات خاسرة لا يرجى إصلاحها هو بلا ريب عمل غير اقتصادي وخاصة أن هذه الشركات لم تكن تنتج سلعاً استراتيجية وكذلك فإن مشروعات المحليات كانت مرتعاً للفساد وضياع أموال الموازنة العامة وبالفعل تم بيع جميع المشروعات المحليات ولكن الذي حدث هو أن الشركات الخاسرة لم يتم بيع شركة واحدة منها بل بدأ البيع منذ منتصف التسعينات للقرن الماضي بالشركات الرابحة مما أثار ذلك العمل الرأي العام خاصة لأن كل صفقة في مشروع الخصخصة كانت محل انتقاد سواء من حيث القيمة التي بيعت بها أو الشروط التي حصل عليها المشتري أو سيطرة شركات أجنبية على أسواق تلك الشركات لتحقيق احتكاراً لبعض السلع في الأسواق المصرية أو للجوء المشتري للبيع فيما بعد لشركات عالمية بأضعاف أسعارها الذي اشترى بها كما أن أغلب حصيلة الخصخصة تم استخدامها في ثلاثة مجالات ... الأول برنامج المعاش المبكر للتخلص من العمالة الزائدة في شركات القطاع العام ... والجزء الثاني للتخلص من بعض مديونيات شركات القطاع العام ... أما الجزء الثالث فكان يضخ في الموازنة العامة للدولة التي أصبحت منذ بداية تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الاستهلاكية ولا تخطى فيها الاستثمارات سوى بنحو 5,9% من حجم الإنفاق العام حتى نهاية التسعينات كانت الحكومة تعلن أن الخصخصة سوف تتوقف عند حدود المشروعات الاستراتيجية دون تحديد لمسميات أو قطاعات هذه المشروعات الاستراتيجية وفي الفترة 1996 / 1998 تم إصدار مجموعة من التشريعات التي تنظم الخصخصة للمرافق العامة ولم يكن المصريون يتصورون خصخصتها نظراً لاعتبارات الأمن العام القومي مثل الموانئ والمطارات والطرق وهو الذي حدث بالفعل ثم كان القانون الخاص بالبنوك العامة الذي سمح القطاع الخاص بالمساهمة في رؤوس أموال البنوك العامة وكذلك القانون المنظم للخصخصة للهيئة العامة للاتصالات وتحويلها إلى شركة مساهمة وتم بالفعل طرح نسبة 20% من رأس مالها للخصخصة كما تمت خصخصة شركة التلفونات المحمول ثم توالت عمليات الخصخصة لبنك الإسكندرية ثم الإعلان عن خصخصة بنك القاهرة في نهاية عام / 2007 كما تمت خصخصة بعض الخدمات في قطاع المواصلات مثل التصريح بعمل شركات النقل الجماعي. ولم يسلم القطاع الزراعي من الخصخصة مع أن هناك دول متقدمة وأكثر رأسمالية من مصر مثل أمريكا ودول الاتحاد الأوربي لا زال يدعم القطاع الزراعي وكان ملف دعم القطاع الزراعي في هذين الكيانين من أهم الموضوعات المعوقة لجولة مفاوضات جديدة في منظمة التجارة العالمية ... ورشحت للخصخصة مرافق البنى الأساسية للأراضي الصحراوية المستصلحة والقطاع الزراعي كان يعاني على مدى سنوات من رفع الدعم عنه وبالتالي عرضت الخدمات المقدمة إليه للخصخصة وبالطبع لم يغب عن تأثير ذلك على المنتوج الزراعي الوطني من ارتفاع أسعار وضعف قدرته التنافسية ولعل مثال الخصخصة للبنى الأساسية للري غرب دلتا يحتاج إلى وقفة حيث عرض للمشاركة ولم يكن محصوراً للقطاع الخاص وإنما مفتوح للأجانب أيضاً في ظل قوانين منح الالتزام (وهو ما يعرف بمنح ملكية وإدارة المرافق لفترات طويلة لصالح من يفوز بالمناقصة وفي مشروع الري يصل إلى 30 عام وبعض القوانين صدرت بالفعل لإدارة مرافق أخرى تصل إلى 99 عام). ومن المفارقة ففي انجلترا عام/ 1986 اعترض مجلس العموم البريطاني على زيادة حصة الحكومة الكويتية في ملكية شركات البترول البريطانية (بترتيش بترليوم) على الرغم من أن الحكومة الكويتية في ذلك الوقت اشترت الزيادة في حصتها من خلال البورصة ولا من خلال صفقة بعينها ومع ذلك أجبرت الحكومة الكويتية على بيع هذه الزيادة في حصتها مرة أخرى ... والمعروف أن برنامج الخصخصة في مصر أتى ضمن حزمة من الإجراءات التزمت بها مصر للوصول إلى اتفاق مع البنك والصندوق الدوليين للتخلص من نصف ديونها الخارجية مطلع تسعينيات القرن الماضي وكان آخر هذه الاتفاقيات توقيع مصر على اتفاقية عضوية لجنة الاستثمار بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهي اتفاقية سوف تفتح العديد من الأبواب على الخدمات لصناعات قائمة قد تتلاشى فيما بعد إذا ما أتيح للاستثمارات الأجنبية الوجود فيها وتشترط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مصر إلغاء الاحتكارات للقطاع العام وبعض الأنشطة مثل الاتصالات وتوليد الكهرباء وإلغاء شروط التمثيل المحلي بنسب معينة في مجالس إدارات الشركات. من أبرز سلبيات الخصخصة في مصر لم تتم عملية تهيئة القطاع الخاص المصري بشكل مناسب لتكوين رؤوس الأموال ذاتية من خلال ثقة المدخرين في إمكانيات القطاع الخاص لاستثمار أموالهم وكان لو تم ذلك فإنه سيؤدي إلى وجود القطاع الخاص في ملكية إدارة المشروعات المطروحة للخصخصة بشكل يحفظ التوازن العام للوجود الأجنبي في الاقتصاد المصري بحيث يكون دور الاستثمارات الأجنبية مساعداً وليس أساساً في قيام الاستثمارات في مصر. لو أديرت البنوك العامة بمصر خلال المرحلة السابقة بشكل صحيح وفي ظل أداء مشابهة في شركات التأمين المملوكة للدولة لأمكنها الدخول بقوة لشراء الشركات المطروحة في برنامج الخصخصة وكذلك المرافق العامة كما حدث في دولة (ماليزيا) في بداية تطبيقها لبرنامج الخصخصة ثم تقوم بعد ذلك كل من البنوك وشركات التأمين يطرح ملكية هذه المشروعات والمرافق في البورصة لتوسيع قاعدة الملكية وزيادة مساهمة المدخرات المحلية. إن الحكومة لم تنجح طوال السنوات الماضية في معالجة المشكلات القائمة لهذه الشركات ولا في استخدام الطريقة الوحيدة للتخلص من هذه المشكلات وهي إخضاعها للبيع حيث كان الإصلاح مستحيل في ظل هذا الاتجاه نحو الخصخصة فغاب دور الدولة الرقابي في تقديم الخدمات المقدمة ومدى جودتها ومواءمتها للسعر لأن الرقابة لها دور أصيل للدولة في ظل اقتصاد السوق كما أن مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال لا تزال ضعيفة إن كانت موجودة في مصر. أبرز الآثار الاجتماعية للخصخصة في مصر 1) البطالة : أعلنت الحكومة المصرية في شهر فبراير/ 1996 عن الدوافع وراء بيع القطاع العام بأنها قضية لتصحيح المسار الاقتصادي وحماية المال العام نتيجة تراكم الخسائر وتخفيف أعباء الديون على القطاع العام وهذا البرنامج أدى إلى إعادة هيكلة العمالة في شركات القطاع العام وتم تنفيذ برنامج الاستغناء عن العاملين وبرنامج المعاش المبكر الذي تم تمويله من حصيلة البيع وبذلك تعتبر الخصخصة رافداً جديداً للبطالة حيث تؤكد البيانات أن عدد من جرى تسريحهم من الشركات للقطاع العام منذ عام/ 1991 حتى عام/ 2005 سواء بسبب بلوغ السن القانونية للتقاعد أو بسبب نظام المعاش المبكر قد بلغ حوالي (150 ألف عامل وموظف) كما أن استخدام 3,19% من حصيلة الخصخصة طبقاً لبيانات توظيف عائد الخصخصة في تمويل المعاش المبكر يعتبر خطيئة اقتصادية حقيقية لأن هذا الأمر يعني بالضبط أنه تم بيع خمس الأصول التي تمت خصخصتها من أجل دفع عدد من العاملي إلى صفوف العاطلين عن العمل ..!! ونظراً لمصاعب الحياة وانخفاض مستوى الدخل لمن أخرجوا للمعاش المبكر استخدموا ما حصلوا عليه في تمويل الإنفاق الجاري وبالذات النفقات الاستثنائية مما حال دون تحول هذا المعاش المبكر إلى مشروعات صغيرة خاصة أن موظفي القطاع العام الذين أخرجوا للمعاش المبكر لم تكن لديهم أي خبرة سابقة بالمشروعات الصغيرة ولم يتم تأهيلهم لذلك أو متابعتهم وربطهم بمشروعات كبيرة قد قامت جامعة المنصورة بأعداد دراسة ميدانية حول (الخصخصة والعمالة) أشارت فيها إلى أن حجم العمالة كان يبلغ مليوناً و 13 ألف عامل في القطاع العام وإن الخصخصة أدت إلى خفض هذا العدد إلى (625355) بفارق (347640) عاملاً وكما هو متوقع فقد تعمد الملاك الجديد إلى تسريح شطر كبير من العمالة المصرية الموظفة بشركات القطاع العام وزيادة درجة استغلال عنصر العمل المصري. 2) الفقر : تعد مصر من الدول الأكثر معاناة من الفقر ورغم تباين التقديرات الرسمية والغير رسمية إلا أنها تبقى مرتفعة بشكل ملحوظ وتكون بنسب أعلى في البلدان الريفية عن البلدان الحضرية وتفيد التقديرات المنشورة عام/ 2004 إلى أن 35% من النساء و 53% من الأطفال لا يحصلون على طعام كافي مما يشكل خطورة كون هاتين الفئتين الأكثر هشاشة كما تشير المجالس القومية المتخصصة في مصر إلى أن 46% من المصريين خاصة منهم نساء وأطفال لا يحصلون على الطعام بشكل كافي ويبين أحدث تقدير صادر عن التنمية البشرية في الوطن العربي لعام/ 2010 أن نسبة الفقر في مصر تبلغ 41% وتتفاوت النسبة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية ويتبين ذلك من خلال خريطة الفقر أن مليون إنسان فقير يعيشون في الألف قرية الأكثر فقراً. 3) آفات وأمراض اجتماعية أخرى : إن برنامج الخصخصة الذي طبق في مصر أضاف إلى تبديد المال العام وسلب دور الدولة في توفير مستلزمات العيش للمواطنين وجعلها بأيادي أجنبية إضافة إلى الطفيليين المحليين فقد فاقم هذا البرنامج أمراض اجتماعية عديدة ولم ينتج مجتمع سليم بل على العكس إنما خلق مجتمع مفتت تتغلب عليه أمراض جعلته خامل وواهن حيث يصرح الدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب الذي يرى أن الخصخصة تمتاز بأربعة وجوه قبيحة : - الوجه الأول : تشربه العمال وتحولهم من عناصر منتجة إلى عاطلين عن العمل فليس صدفة انتشار المقاهي مع الخصخصة مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تخلت عن عمالها بأرخص الأثمان ومن ثم تعمل على تبديد الثروة البشرية. - أما الوجه الثاني : فهو عمليات السمسرة والعمولات. - والثالث : بيع القطاع العام بأرخص من ثمن الأرض مشيراً إلى أن القطاع العام قبل تنفيذ برنامج الخصخصة في مصر قدر بحوالي (320 مليار جنيه) كحصيلة لبيع (314 شركة) واليوم نجد أن حصيلة الخصخصة (32 مليار جنيه مصري فقط) إجمالي قيمة (314 شركة) فأين ذهب هذا الفرق الكبير وأين هي الـ (32 مليار جنيه) والدين العام على مصر يزيد بصورة مرعبة والفقر في تزايد. - والرابع : تحول ثروة البلاد من الأيدي العامة إلى أيدي القلة لكي يتحكموا في مصائر الشعب المصري. وتقول الدكتورة كاميليا سعد استاذة علم الاجتماع بإحدى الجامعات الخاصة حيث ترى أن من نتائج تأثير الخصخصة على الحياة الاجتماعية في مصر في منتهى الخطورة مشيرة إلى أن من نتائج الخصخصة تشريد أكثر من (750 ألف عامل) مما يعني ذلك أن تشريد (750 ألف أسرة مصرية) فمن الطبيعي أصبحنا أن نجد عمليات الانتحار لدى أبناء الشعب المصري ففي عام/ 2006 وحده شهد أكثر من 2335 حالة انتحار بين المصريين معظمها بسبب الجانب المادي وزيادة حدة الصراع بين العمال وأصحاب الأعمال والتي تؤدي بالنهاية لفصل العامل من العمل بسبب سياسات الحكومة المناصرة لأصحاب الأعمال وتضيف أيضاً أن هناك 8 حالات انتحار في مصر يومياً ... هذا بجانب التفكك الأسري موضحة أن 35% من حالات الطلاق في مصر بسبب النواحي المادية وعدم قدرة الزوج المالية وعدم قدرته على توفير حياة مستقرة ومرفهة للزوجة والأطفال مشيرة إلى أن الطلاق في مصر له مواسم وهي مواسم الأعياد ودخول المدارس مع زيادة المتطلبات الأسرية وكل هذه المشاكل تنتج بسبب حالة التشريد وطرد العمال من شركاتهم وطالبت الحكومة بوضع الشروط التي تحافظ على وظائف هؤلاء العمال حفاظاً على المجتمع لأن خروج هؤلاء معناه التزايد في عدد العاطلين عن العمل وانتشار ظاهرة البطالة في أي مجتمع تصبح فيه بسبب الخصخصة أن تحدث المآسي والجريمة في كل زمان ومكان. نسوق ونذكر الحكومة العراقية التي تريد وتعمل على تطبيق نظام الخصخصة على الاقتصاد العراقي من تجربة ومشاكل وأضرار الخصخصة من خلال تجربة (النمور الآسيوية) و (الخصخصة في مصر) لأن حكومة الإطار التنسيقي التي يرأسها السوداني لا زالت تطرح ومن خلال صقورها نموذج الخصخصة كحل للمشاكل الاقتصادية في البلد الذي اتخذ منذ عام/ 2003 نموذج الاقتصاد الريعي الذي يمتاز بالاستهلاك وليس بالإنتاج وتعتمد على مورد واحد وهو (النفط) ... والآن نجد المعنيين في حكومة الإطار التنسيقي بدلاً من تحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي صناعي وزراعي من خلال إمكانيات العراق المتوفرة فيه جميع الإمكانيات من مواد أولية وأيدي فنية وإمكانيات مادية يستطيع فيها العراق من قيام صناعة وزراعة وسياحة يكتفي منها الشعب العراقي ذاتياً ويحافظ على أمنه الغذائي ويوفر المليارات من الدولارات ويقضي على البطالة الكبيرة والفقر والجوع للشعب العراقي إلا أن حكومة الإطار التنسيقي التي يرأسها السوداني واقعة تحت تأثيرات أجنبية وحتى لم تتحرك بالشكل الواجب واللازم بالحزم والقوة وإنما سياسياً وبالمفاوضات عندما ذبحت تركيا نهري دجلة والفرات وكذلك ضد الحكومة الإيرانية عندما ذبحت الأنهار التي تنبع منها ... والآن نلاحظ أن حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السوداني تحاول أن طرح مشروع الخصخصة الفاشل كبديل عليهم والمفروض بهم أن يستلهموا من عموم التجارب وإيجاد الحلول وأفضلها سبيلاً بدلاً من الخصخصة في تجربة مصر ومعاناة شعبها بدون قيد أو شرط وهي إحدى أبشع برامج الخصخصة حيث لم يجني البلد سوى مزيداً من البطالة والانتحار والتفاوت الاجتماعي من البطالة والفقر والجوع والتسول والانتحار والأمية والجهل وغيرها إضافة إلى تنامي حالات الاحتجاج من الشعب وخاصة الطبقة العاملة كونهم أكثر تأثراً وقد أكد تقرير لمركز الأرض لحقوق الإنسان أن النصف الأول من عام/ 2010 قد شهد احتجاج عمالي بلغ 300 احتجاج بمختلف القطاعات احتجاجاً على سياسة الخصخصة في مصر. مرحلة العولمة المتوحشة يمتاز النظام الرأسمالي بالتمدد بعد أن وصل إلى مرحلة الامبريالية الاحتكارية بدأت مراحل التمدد فأخذ يحمل بصورته بالتجميل والأزياء الجميلة ويظهر بمظهر جديد فأدخل الليبرالية ثم الليبرالية الجديدة والحداثة وما بعد الحداثة ودولة الرفاه الاجتماعي ثم الخصخصة ومن ثم مرحلته الأخيرة العولمة المتوحشة التي تمتاز هذه المرحلة بظاهرة سياسية واقتصادية واجتماعية وقد برزت بشكل واضح بعد مؤامرة تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار أنظمة البلدان الاشتراكية مما فسح المجال للولايات المتحدة الأمريكية أن تنفرد بالعالم وتصبح القطب الأوحد عالمياً وتجعل من المنظمات الدولية مؤسسات تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية ... إن الولايات المتحدة امتازت بالقوة العسكرية وحافظت على قوتها الاقتصادية والسياسية لأنها لم تتعرض للتدمير خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وأصبحت تحتفظ بقوتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً مما فسحت لها الظروف الانفراد بالعالم وبفضل الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي الهائل الذي أصبح العالم من خلاله يشبه القرية الصغيرة تتحكم به الولايات المتحدة الأمريكية وبما أن التاريخ والتطور يسير بشكل ديناميكي خارج إرادة الإنسان فأصبح النظام الرأسمالي في مراحله المتطورة الأخيرة ومن خلال امتداداته أصبح الآن في مرحلة العولمة المتوحشة وقد وصف أهل العلم والفكر والمعرفة مرحلة العولمة بالمتوحشة لأنها تدمر الإنسان والطبيعة فمن تدميرها للإنسان لأنها تجعل منه كالسلعة في السوق يتم التعامل معه حسب العرض والطلب أما من ناحية الطبيعة مدمرة لها لأنها في مرحلتها الأخيرة ونتيجة المنافسة بين الدول الرأسمالية السبعة الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وانكلترا وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا) فإن هذه الدول تستغل الأراضي في البحث عن المواد الأولية بسبب شحته بشكل مخرب ومدمر وكان في هذه المرحلة الذي يكون فيه الاستعمار بالرغم من أنه يستعمل القوة العسكرية في تحقيق مصالحه الاقتصادية إلا أنه في الغالب يكون استعماراً اقتصادياً يستعين بأخطبوط من المؤسسات الاقتصادية مثل (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس ...) وعلى ضوء ذلك وباعتبارها مرحلة مهمة في تاريخ النظام الرأسمالي العالمي اتخذت فلسفة لها وما يناسب سلطتها الجديدة فاتخذت من الديمقراطية مفهوم الحق في الانتخابات والمساواة ومرجعية الشعب ومن الليبرالية الاقتصادية أخذت الفردانية الاقتصادية بعد تحولها ونقلها من الحقل الاقتصادي الاستهلاكي إلى المجتمع لتأخذ طابع ذات فردانية اجتماعية ... ومفهوم التعددية السلعية إلى تعددية سياسية ومن خلال هذا الدمج تحولت العولمة إلى عقيدة سياسية فلسفية من خلال دمج الديمقراطية التي تعود إلى سياق تاريخي مختلف بصفتها عقيدة سياسية بالليبرالية بصفتها عقيدة اقتصادية فأصبح لدى الرأسمالية المعولمة أطروحة عقيدة سياسية فلسفية اجتماعية اقتصادية شاملة تعرف بـ (الديمقراطية – الليبرالية) تصبح هي السلطة لمرحلة العولمة. عصر العولمة يعتبر عصر العولمة امتداد لمراحل النظام الرأسمالي من حيث الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وفائض القيمة وتراكم رأس المال واحتكار السلع وتجويع الشعب واستغلال واضطهاد الطبقة العاملة واستعمار الأوطان ونهب خيراتها ويمثل عصر العولمة امتداد للمرحلة الرأسمالية الامبريالية الاحتكارية كما تمثل مرحلة العولمة المرحلة الأخيرة للعصر الرأسمالي كما أن عصر العولمة ومرحلتها تحمل جميع مساوئ وسلبيات الرأسمالية المتعفنة وتفوقها في الظلم والاضطهاد والاستغلال فأصبحت توصف بالمتوحشة لأن استغلالها يكون مدمر للإنسان ومخرب للطبيعة من حيث البيئة وتخريب الطبيعة وتصحر الأرض وتمزق طبقة الأوزون والانبعاث الحراري لجو الأرض وغيرها وقد ظهرت بعد أواخر النظام الرأسمالي الهرم العولمة المتوحشة بوجهها الكالح المشؤوم المصبوغ بالألوان المبهرجة وباروكة الشعر والملابس المزركشة شمطاء تستمد قوتها وحركتها من المنشطات تجلس على عرش العالم الذي نخرت أرجله وأصبح آيل للسقوط تزقها الرأسمالية المتعفنة بالحقن المنشطة والمقويات تنتظر نهايتها وضربتها بقبضة فولاذية من الشعوب وجماهير الشعب المظلومة والمضطهدة. لقد تزامن ظهور العولمة مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الأنظمة الاشتراكية في دول أوربا الشرقية وتعتبر امتداد لليبرالية والليبرالية الجديدة والخصخصة وقد ظهرت متزامنة مع الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي الهائل والإنسان الآلي فتشكلت من سبع دول رأسمالية كبرى ومتقدمة معتمده على اخطبوط من المؤسسات المالية الاقتصادية لها مشاريعها وأسلوبها في ظلم الشعوب وقهرها واستعبادها عن طريق المساعدات والقروض المجحفة كما لها فلسفة خاصة وأيديولوجية فكرية مغرية ومتطورة وحديثة جذابة في سياستها السياسية والاقتصادية فهي تعتبر نتاج متراكم من التجارب والأفكار المادية والذهنية من النظام الرأسمالي المنهار وهي إضافة لذلك تعتبر خلاصة سلوك وعمل لرأي واحد وفكر واحد ومصلحة واحدة لسبع دول رأسمالية متقدمة مادياً وتمتلك السلاح والقوة والسلطة الدولية وتعني بذلك مصنع عالمي واحد وسوق عالمي واحد تهيمن عليه تلك الشركات العملاقة العابرة للقارات ... ويعتمد سلوكها وأسلوبها الخبيث على إثارة الصراعات الطائفية والقومية من أجل تفكيك الوحدة القومية وخلق الكيانات الطائفية بحيث تصبح هذه الكيانات أحادية ضعيفة من حيث الجانب الإنتاجي فتصبح محتاجة إلى مساعدات الدول السبع الكبرى ومؤسساتها المالية والاقتصادية والعسكرية ومن خلال ذلك تصبح هذه الدويلات مفككة وضعيفة أمام سلطة رأس المال المعولم كما نشاهدها الآن مع دول المعسكر الاشتراكي المفكك كيوغسلافيا وجيكسلوفاكيا وأوكرانيا وغيرها وكذلك في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية كما تستغل مرحلة العولمة العامل السيكولوجي بانتزاع إنسانية الإنسان وهويته الوطنية فتخلق من الإنسان صفات متناقضة مع طبيعته وسيكولوجيته حيث تخلق وتشتد عند الإنسان حنين إلى شخصية الإنسان القديمة الحميمة والصحيحة من حيث التقاليد والعادات والطباع بعد أن يصبح تائهاً يعيش حياة في بيئة متشابكة ومرتبطة ومضطربة تتعامل معه وتتصرف كسلعة في السوق حسب العرض والطلب وليس كإنسان ما تنذر بزوال شخصيته الإنسانية وغياب البعد الوطني وخصوصيته الإنسانية والوطنية مما يؤدي إلى تفاقم مظاهر الفوضى والضياع اليقين وتؤدي إلى استجابات انفعالية متضاربة أبرزها صرخة الألم والضياع والبحث عن حضن دافئ من الحنين ومن السكينة والاستقرار والاطمئنان يؤويه من صرير الرياح وزمهرير الشتاء ولهيب الصيف والقهر والحرمان والضياع من الذي يحيط بنا ويحاصرنا بسبب ناتج الانحسار والانكسار للذات الإنسانية والوطنية وهكذا يصبح الإنسان في عصر العولمة يعيش عن لوحة من الخشب تنقذه من الغرق. ما هي طبيعة مرحلة العولمة إن تفسير أية مرحلة من مراحل التاريخ يأتي من خلال النظام الاقتصادي السائد في تلك المرحلة من الزمن والتي تعكس طبيعة الإنتاج والتبادل التجاري الذي ينبثق عن التنظيم الاجتماعي الذي ينشأ عليه التاريخ السياسي والفكري لتلك المرحلة ... وحينما نتكلم عن العولمة فإنها تشكل امتداد لمرحلة النظام الرأسمالي بصيغة أكثر تطوراً وتقدماً ينبثق عن علاقات الإنتاج الرأسمالية ويعبر عن جوهرها فالعلم والتكتيك والمعرفة والثقافة قوى يملكها النظام الرأسمالي ولذلك فإن غاية الإنتاج الرأسمالي كانت وما تزال الربح الجشع المسعور وتكديس الرساميل على الدوام هو الحافز والدافع إلى إنماء الإنتاج والتكنيك وأساليبه ووسائله وإن أشد ما يرعبهم ويخوفهم هو الخراب والمضاربة (المنافسة) يقول كارل ماركس : (إن الرأسمالي ينفر من فقدان الربح أو من الربح الزهيد كما تنفر الطبيعة من الفراغ). إن الرأسمالي يبدي من الجرأة والإقدام حيث يتعلق الأمر بربح يوافقه فهو يرضى بكل شيء في سبيل 10% من الربح المضمون وفي سبيل 20% يصبح شديد الحيوية وفي سبيل 50% يصبح مغامراً جريئاً وفي سبيل 100% يدوس بالأقدام على جميع القوانين البشرية وفي سبيل 300% لا تبق جريمة لا يكون مستعداً للمغامرة على ارتكابها ولو كلفه ذلك مجابهة المشنقة. إن القوة المحركة لتطور الإنتاج الرأسمالي والهدف الرئيسي له هو الركض وراء الحد الأقصى من فائض القيمة من الربح من خلال استثمار الشعوب ونهبها لا فرق عندها أكان ذلك في الداخل أو في الخارج وبشكل خاص الشغيلة وحاجاتهم الذين تعتبرهم الرأسمالية وسيلة من الوسائل ومادة من المواد الأولية للاستثمار لبلوغ الغاية الأساسية من أجل الحصول على الحد الأقصى من الأرباح الذي هو القانون الاقتصادي الأساسي للنظام الرأسمالي الذي ينبثق من علاقات الإنتاج ويعبر عن جوهرها. سلبيات عصر العولمة كتب المفكر (دريدا) في كتابه (بيان الأطياف) عن سلبيات العولمة فقال : يمتاز عصر العولمة في التجليات العامة حتى تتحسس نزف الجروح الدامية المتعشعشة تحت المظاهر اللماعة في جلده وغطاءاته حيث يختزل هذه الجروح في عشرة نقاط نجد صداها فيما يلي : 1) البطالة عن العمل. 2) الإقصاء الجمعي لمواطنين بلا مأوى. 3) الحروب الاقتصادية. 4) عجز السيطرة على التناقضات في السوق الليبرالية. 5) تفاقم الديون الخارجية. 6) صناعة الأسلحة والإتجار بها. 7) التوسع في نشر الأسلحة الذرية. 8) الحروب العرقية والطائفية. 9) نمو سلطة أشباح المافيا المتخفية في الرأسمالية. 10) يكون استغلالها للإنسان مدمر وللطبيعة مخرب. يقول الفيلسوف الألماني (بيتر لوندريدك) في كتابه : (مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة). إن نظام العولمة في الدول الديمقراطية – الليبرالية المعنية ليس غبياً حتى يكون أحادي التوجه ليسود نمط واحد في الفساد والارتشاء ... إنه يمتلك مقابل احتكاره للسلطة والمعرفة وصهرها في بوتقة واحدة مبدأً ثانياً يتمثل في تجديد نفسه وتفتيت سلطته وتنويع معرفته عن طريق سعيه الحثيث الدائم إلى اكتساح لسوق الاحتكارات حتى يصير بالإمكان التآمر ضد لعبة الاحتكار وتحويرها بأساليب وأنماط فساد ضد أخرى ... وهذه لعبة تعددية لا أخلاقية ... وتهدف العولمة إلى اندماج السوق العالمية في حقول التجارة والاستثمار المباشر وانتقال رؤوس الأموال والقوى العاملة والثقافة في إطار رأس المال العالمي وحرية التجارة عبر حدود الدولة الوطنية بدون رقيب أو حسيب ... كما تهدف العولمة إلى خضوع العالم لقوى السوق العالمية مما يؤدي إلى اختراق الحدود الوطنية القومية ... كما تمتاز العولمة بحرية الفرد التي لا تخضع إلى سلطة أو قانون حسب قاعدة (دعه يدخل ودعه يخرج) ... وفي عصر العولمة سيكون الإنسان منشغلاً بالأمور والمفاهيم الاقتصادية ويتراجع لديه الاهتمام بالأمور السياسية والثقافية والروحية ويصبح فيها الإنسان (فقط يركض وراء لقمة العيش له ولعائلته) الأمر الذي يؤدي إلى أمراض نفسية وإلى إشاعة الروح الأنانية بين أفراد المجتمع وحتى داخل الأسرة الواحدة، وإلى حصر الصراع بين الدول في دائرة المصالح الاقتصادية التي من طبيعتها لا تعير اهتماماً للقيم الأخلاقية ... وفي عصر العولمة تعمل على إشاعة أنماط حياة وسلوكيات غريبة وفاضحة من الأخلاقيات تتعارض مع أنماط الحياة والسلوكيات التقليدية الشائعة في المجتمعات الأخرى التي تتجاوز القيم القابلة للتغيير فتستهدف الثوابت من القيم الاجتماعية للشعوب الأخرى لاسيما العربية والإسلامية ومن خلالها سيطرتها على وسائل الإعلام التي تعتمد على أسلوب الإبهار والإغراء والتشويق لاسيما الموجه للشباب بهدف فرض ثقافة عالمية تقضي في النتيجة إلى تراجع وانحسار الثقافة الوطنية والقومية ... كما أن العولمة ستتبع مستقبلاً (الآلة الذكية) و (الإنسان الآلي) اللذين يفوقان الإنسان ذكاءً وعملاً لتؤدي عملها في المصانع والمعامل عوضاً عن الإنسان كما تقوم في معالجة المعلومات ... وفي عصر العولمة ستتحكم باقتصاد العالم الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وانكلترا وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا) عن طريق مؤسسات اقتصادية عملاقة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس والمنتدى الاقتصادي العالمي وغيرها من التشكيلات التي تزيد من استغلال وثراء هذه الدول حينما تتعامل مع الدول الفقيرة الأخرى وهذا يعني أن هذه الدول هي المهيمنة على اقتصاد العالم وهي التي تتحكم فيه عن طريق إصدار مشاريع وقوانين استثمار وفق شروطها ... وفي عصر العولمة تعتبر المصالح الاقتصادية للدول الكبرى هي الأساس في تعاملها مع الدول الأخرى وفي حالة تعرض هذه المصالح للخطر ستضطر تلك الدول التدخل عسكرياً ضد أي مصدر للتهديد أو يعارض تلك المصالح فتتبدل بتلك (الدكتاتورية الوطنية) بـ (الدكتاتورية العالمية) تحت مسميات تبدو مشروعة مثل (إدارة المجتمع الدولي) وهذا ما نشاهده في دول العالم من أحداث وكوارث وفق خطط مدروسة من قبل عقول كبيرة من أجل ترويض شعوب العالم وتغيير خرائط المنطقة أيضاً والسبب الأول والأخير نهب ما تخزنه وتكتنزه المنطقة من معادن وبترول وخيرات وغيرها ... كما تؤدي مرحلة العولمة إلى إفراز الشوفينية العنصرية وستلجأ المجتمعات الأوربية الغربية والأمريكية إلى الاستعلاء والغطرسة والهيمنة على الآخرين من الشعوب العربية والإسلامية مما ولد لدى تلك الشعوب بالضعة والدونية وهذا هو أحد الأسباب للعنف والإرهاب في العالم الذي ينظر تحديداً إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأنها الجبروت المساند والمؤيد للماكنة العدوانية الإسرائيلية ولا سبيل إلى إيقافها عند حدها إلا بالعنف ... وبما أن مرحلة العولمة المرحلة تعتبر الأخيرة لتطور النظام الرأسمالي فإن طبيعتها الاستغلالية للإنسان واستثمارها للطبيعة سيكون ذات طابع تدميري أما الإنسان فقد جعلت منه ما يشبه السلعة التي تعرض في السوق حسب العرض والطلب وبالنسبة للطبيعة فإن استغلالها تخريبي لها وسببت التلوث البيئي وحرارة الأرض والانحباس الحراري التي تسببها الآلات الذكية وتصحر الأرض مما أدى إلى هلاك الحيوانات في الطبيعة وتدمير الأراضي الصالحة للزراعة كما أفرزت مرحلة العولمة ظاهرة تقسيم العالم الأمريكي والغربي الغني والمرفه والأكثر ثقافة وصحة وتقدم في كافة مجالات الحياة والقسم الآخر من العالم الشعوب الشرقية الفقيرة والجائعة التي يخيم عليها كابوس الجهل والأمية والمرض. لم يجد منظرو العولمة تفاؤلاً في تحسين محتمل لشروط الحياة للطبقة العاملة نتيجة للعمل الصناعي المجحف وخاصة أولئك الكادحين في المصانع التي أنشئت من أجل الإنتاج للتصدير حيث أن مشاركة النخبة المحلية من (البورجوازية الطفيلية) وإن هذه النخبة التي أطلق عليها (البورجوازية الطفيلية) هم من أبناء الدول الفقيرة التي تشيد في دولهم الشركات العملاقة مصانعها ومعاملها فيصبحون وكلاء وعملاء لتلك الشركات العملاقة ويصبحون بوقاً وشركاء في جرائم أصحاب تلك الشركات فأصبحوا يوصفون بالطفيليين ... وإن هذه الشركات العملاقة الكبيرة تكرس الاعتماد على الأسواق العالمية والفقر الواسع الانتشار وعكس تقسيم العمل العالمي الجديد الذي يشكل خطراً وكارثة على العمال الشرقيين في العالم المتقدم وإن هؤلاء العمال يتمتعون بالحماية في بلدانهم ولكن كل شيء قد تغير حينما غزت مرحلة العولمة المتوحشة تلك البلدان مما أدى إلى تحطيم وانتهاء أمانيهم ولم يعد بالإمكان الاهتمام والعمل من قبل المنظمات الدولية التي أصبحت تحت تأثير الرأسمال العالمي للعولمة بالدول الفقيرة وإنما الاهتمام والتفكير في مصالح تلك الشركات العملاقة المرتبطة بالدول المعولمة الكبرى، ويرى بعض المفكرين والمنظرين بعدم استطاعتهم أن يصفوا مرحلة العولمة ببساطة بأنها دمج اقتصادي لأن ما يحدث الآن هو على الأغلب يشكل نقلة نوعية في شكل التنظيم الاجتماعي يمثل منعطفاً تاريخياً في نظام العالم الرأسمالي بحيث يستخدم رأس المال المضارب مؤشرات موحدة عالمياً (للتجارة الائتمانية) في تقديرات الشركات أو حتى الحكومات يمكنها الوثوق بها في عملية اقتراض الأموال وبأي شروط مما يضع هذا التوحد العالمي سلطة هائلة في أيدي (طبقة حاكمة عالمية جديدة) ويصف المفكرون والمنظرون هذه النخبة في ثلاث فئات من المديرين البيروقراطيين والسياسيين الراغبين في خفض الإنفاق الحكومي والعمل بمقتضى القواعد العالمية الجديدة التي تعتمد بلا رحمة وإنسانية على الكفاءة ومالكي الشركات متعددة القوميات والبنوك الدولية ومديريها المتنفذين وأولئك الذين يديرون منظمات متعددة الجنسيات والأطراف مثل (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس) واليوم لا تستطيع هذه الشركات أو الدول وضع سياسة تخدم مصالحهم من دون أن تأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن أن يرى الدائنون العالميون قراراتها لأمثل هذه القرارات والشروط تقرر التعاسة والبؤس من خلال وضعهم في ترتيب ائتماني منخفض أو الامتناع عن تقديم المساعدات والاستثمار لديهم أو يقبلوا بالشروط المجحفة التي تؤدي بالمضاربة الوحشية على قيمة عملاتهم الوطنية أن هذه القضية من المتناقضات والصراع الطبقي والاستغلال المجحف للشعوب تصبح قضايا أساسية بصورة متزايدة في يومنا هذا في سيادة مرحلة العولمة بقيادة الرأسمالية العالمية حيث أصبحت هذه القضايا أساسية بصورة متزايدة بعد أن اختلطت الأوراق وأصبح من الصعوبة تحديد من هو المشارك أو المسؤول بسبب التداخل والاندماج بشدة مما جعل الوضع يصبح أكثر شدة وتعقيداً بسبب الثورة المعلوماتية للاتصالات وانتشار المعلومات وسرعة نطاق تبادلها التي جعلت خطى التغيير الاقتصادي والأسواق المالية أسرع من أي وقت مضى، لقد لعبت الديون دوراً مهماً في عملية العولمة حيث تكبدت الدول الفقيرة ديوناً ثقيلة نتيجة عجز تلك الدول من تسديدها مما أدى إلى تراكمها نتيجة للأرباح التي أضيفت على تلك الديون إضافة إلى أن هذه الديون استعملت بموجب شروط صندوق النقد الدولي لبناء الطرق وتشييد المطارات والسدود ومصافي البترول وإن هذه المشاريع غير منتجة وإنما خدمية ونتيجة لعبء الديون الإجمالية لتلك الدول الفقيرة أعلنت دولة المكسيك ثم البرازيل أنهما غير قادرتين على تسديد ديونهما وسرعان ما ازدادت أعداد الدول العاجزة عن تسديد دونها وبالرغم من ذلك فإن هذه الدول بحاجة ماسة إلى الأموال والقروض وليس هنالك سوى الوكالات متعددة الجنسيات فقط مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما الممولان الوحيدان اللذان يقدمان القروض للدول الفقيرة المحتاجة مقابل شروط جديدة وكان على الدول الفقيرة والمثقلة بالديون أن تخضع لشروط برنامج كاسح ومدمر من الاقتطاع من إعانات السكن والغذاء والنقل الحكومية وخصخصة الشركات التي تديرها الدولة وتخفيض الحواجز الجمركية التي تسهل دخول السلع والبضائع المنتجة في الدول الكبرى والتي تقضي وتزيح من السوق الصناعات المحلية المنافسة للمنتجات الأجنبية التي أسمتها البنوك المعترضة (برنامج التعديل الهيكلي لمدة عقدين من الزمن). يرى عدد من المفكرين والمنظرين بأن مرحلة العولمة المتوحشة ذات طبيعة مدمرة للطبيعة والإنسان لذلك يرى المفكرين والمنظرين المطلوب هو (مادية أممية تاريخية لكل الجماعات الإنسانية المضطهدة والمتضررة من العولمة وكذلك المجموعات التي تضم أنصار الطبيعة والرفق بالحيوان والمجمعات العرقية والعنصرية وحركات أنصار السلام والبيئة وعلماء العلوم الطبيعية والاجتماعية والتطبيقية وحقوق الإنسان بالإضافة إلى البورجوازية الوطنية التي فقدت رأس مالها الوطني نتيجة إفلاسها وغلق مصانعها التي أصبحت عاجزة عن منافسة المنتجات التي تصنعها المصانع والشركات الكبرى الخاضعة للرأسمال المعولم وكذلك المهنيين والنشطاء من المفكرين والمثقفين وأعضاء وجماهير الأحزاب الوطنية). إن أية ظاهرة في الوجود تكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل بعضها إيجابي والآخر سلبي تكون على شكل روافد تصب في تلك الظاهرة والعولمة ظاهرة سلبية ومدمرة للإنسان والطبيعة والمجتمع والإنسانية ومن طبيعتها تتناقض مع إيجابيات المجتمع ومن إفرازاتها تحطيم الحدود السياسية وتقضي بذلك على سيادة الدول وخاصة الدول النامية التي لا ترغب بربط وتبعية دولها بشبكة الرأسمالية العالمية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والثقافي لأن طبيعة هذه الدول تسير في خط العولمة المتوحشة وإن هذه الطبيعة والتناقض يظهر من خلال القدرات والتفاوت والإمكانيات بين الدول الرأسمالية وبالنتيجة فإن كفة الدول الرأسمالية تكون هي الراجحة لأنها تسير وفق مصالح ضيقة وأنانية ذاتية مما يؤدي حدوث تناقض وصراع بين الدول الرأسمالية وبين الدول النامية والمتطلعة إلى خدمة شعوبها. التناقضات والصراعات داخل مرحلة العولمة إن أية ظاهرة في الوجود تحمل بذرة نهايتها وفنائها وهاتين البذرتين واحدة للأصل والأخرى للفرع واحدة إيجابية والأخرى سلبية تؤدي إلى تطور الحركة الذاتية وتحول بعضها إلى الآخر ومن خلال هذا التطور يقوم التناقض الديالكتيكي أي انشطار (الشيء أو الظاهرة) إلى ضدين متصارعين أحدهما مع الآخر يقوم التناقض الديالكتيكي على أساس الشيء المتطور أي كان ينطوي على جوانب أو نزاعات داخلية مضادة (القديم والجديد) (الاستقرار والتغيير) وهذه الجوانب المتضادة والمتصارعة تكون في وحدة أي لا يوجد أحد جانبي التناقض الديالكتيكي بدون الآخر وكل واحد منهما يفترض الآخر ويكمله ويشكلان وحدة في إطاره وهذه العلاقة بين الأضداد (وحدتها وتطابقها) من هذا القانون الديالكتيكي في وحدة وصراع الأضداد وقانون نفي النفي هو الذي يجسدان أي شيء في الوجود يولد ويترعرع ثم يصبح هرماً وشيخاً كبيراً ويفنى أي أن أي شيء في الوجود له (أكسباير) يؤدي إلى نهايته وولادة شيء جديد من خلال الحركة والتغيير الذي من خلاله يتطور المجتمع ويتقدم وينتقل من مرحلة إلى أخرى فالمراحل التي شكلت التاريخ الإنساني من خلال الأحقاب المتعاقبة فالنظام (المشاعية البدائية) حملت بذرة فنائها فولد عنها النظام الإقطاعي والنظام الإقطاعي حمل بذرة فناءه فجاء النظام البورجوازي والنظام البورجوازي تطور إلى النظام الرأسمالي التجاري ثم المالي ثم الإمبريالي الاحتكاري فلبس أزياء الليبرالية والليبرالية الجديدة والخصخصة والآن في مرحلته الأخيرة العولمة التي تحمل بذرة فنائها ونهايتها إلى مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة والمدنية والديمقراطية ... وسنستعرض في المواضيع القادمة تناقضات وصراعات العولمة باعتبارها حركة التاريخ وتطوره تقوم على صراع الطبقات الاجتماعية حينما تنشأ تناقضات بين ظاهرتين مختلفتين تقوم على الفلسفة الديالكتيكية التي تعتبر منهج فكري يقوم على مبدأ الصراع والتناقض والتفاعل بين المتضادات سواء كانت أفكار أو طبقات اجتماعية أو ظواهر طبيعية وهذا الصراع يؤدي إلى توليد حلول أو نتائج جديدة تكون مزيجاً من العناصر المتناقضة والمتضادة وهو ما يعرف في هذا السياق بالتركيب أو الحل الديالكتيكي العلمي الذي يؤكد على أن كل شيء في الوجود في حالة تغيير مستمر حيث لا يوجد شيء ثابت أو دائم بل في تغيير وهو القاعدة الأساسية. 1) في مرحلة العولمة تنشأ تناقضات مستعصية بين طبيعة العولمة ذات الاقتصاد الرأسمالي المعولم وبين السياسيات الوطنية للدولة وهذه الظاهرة تفرز ظاهرتين واحدة إيجابية وطنية وأخرى سلبية تقوم على النهب والسلب والاستغلال والاستحواذ بين الدول الوطنية والعولمة وهذا يعني التمييز بين العولمة التي تمتاز بطابع العمليات الموضوعية وبين الخصوصية الوطنية ... إن أغلب الدراسات تشير على أن العولمة هو الاصطلاح الذي يطلق على كل العمليات الاقتصادية والاجتماعية والشفافية التي تجري خارج سيطرة الدولة القومية الوطنية بوصفها وحدة التحكم والتصرف والسلوك، بعد أن كانت هذه العمليات تنطلق أساساً من الدولة القومية باعتبارها المرجع والإطار المقرر أي أداة الحكم والعقل. 2) إن قصر العولمة على الجانب الاقتصادي وحده (فتح الأسواق الخاصة بالسلع ورأس المال وتدمير الاقتصاد والإنتاج الوطني وإغلاق المصانع والمعامل الوطنية مما يحول البورجوازية الوطنية إلى طبقة مفلسة ومدمرة تضطر للعمل مع الطبقة العاملة أو كتبه لدى الشركات الرأسمالية من أجل توفير لقمة العيش ... كما تقوم على عمليات الاستثمار ونهب الثروة الوطنية أو التبادل التجاري بطريقة وعملية تتجاوز السلطة السياسية الوطنية مما أصبحت هذه الطريقة والعملية تمتاز بالقسر الفكري والاختزالي وأصبح ذا أضرار إلى أبعد الحدود. 3) إن مرحلة العولمة أفرزت نظم الاتصال عبر الأقمار الصناعية وتدفق المعلومات والتسخين الكوني وتلوث البيئة والفقر وانتشار الأمراض والأوبئة والانفجار السكاني والجريمة المنظمة والهجرة من الوطن وتنشيط في العالم حملة هائلة من المؤسسات والآليات فوق القومية من الأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولي مروراً بعشرات الآلاف من المنظمات الاجتماعية والمعاهد والجامعات كما تطرح العولمة كإطار موضوعي عام لتطور المجتمعات الحديثة بأشكالها الرأسمالية المتنوعة التي تؤدي إلى جملة تناقضات منها : أن خروج هذه العمليات عن سيطرة الدولة القومية يعطي الشركات العملاقة باعتبارها قوى اقتصادية ناشطة سلطة وسطوى تتجاوز سلطة الدولة القومية وهذا يطرح من ناحية التطور الديمقراطي في العالم المتقدم (حيث أن الديمقراطية تصبح تحصيل حاصل) لأنه في الوقت الذي يسع للتكنوقراط وهو غير منتخب من الشعب وغير مخول أن يقرر أو يحسم في حين أن الطبقة السياسية المنتخبة من الشعب بالاقتراع عن طريق الانتخابات لا تستطيع أن تقرر أو تحسم من يحكم ؟ مما جعل هذا السؤال يستثير العقول ويحفز على الآتي : 1- تشكيل حكومة عالمية. 2- تشكيل مؤسسات فوق القومية جديدة وذات طابع ديمقراطي (هذا ما طرح في بيان ستوكهولم) مما أدى ذلك إلى أن تتجه العلاقات الدولية نحو الفوضى الكاملة بموازاة سعي الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت القطب الأوحد في السياسة الدولية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلى التصرف والتفرد بموازاة ظهور كرتلات سياسية جديدة (صعود أوربا الموحدة). كما أفرزت مرحلة العولمة ظاهرة احتدام التوتر الثقافي نظراً لانحباس الثقافات في ثلاثة أطر :- 1) إطار قومي ودولة ما دون قومي جزء من البلد، أو دولة ما فوق قومي ثم يحتدم الصراع بفضل ظاهرتين متعاكستين ونشاط الثقافات المحلية في ازدياد وانتشار وسائل الاتصال الالكترونية الذي فتح له المجال الانتشار ما وراء الإطار المحلي كما أن تطور مرحلة العولمة يؤدي من ناحية إلى فوضى في الديمقراطية وانتشار العلم والثقافة وحرية المعلومات بما ينسجم ومصلحة العولمة مما يدفع بشكل أكثر باتجاه الليبرالية السياسية (الديمقراطية البرلمانية) لكن انفتاح الأسواق وانفلات التطور الرأسمالي الفوضوي ستثير حركات احتجاجات عارمة تؤدي إلى اندفاع النخب السياسية إلى ضرب الديمقراطية عرض الحائط وتشديد الاستبداد وأنماط الحكم التسلطي وبتعبير آخر إن الليبرالية الاقتصادية وإن كانت بالمعنى التاريخي العام الأساسي لموضوع الليبرالية السياسية تعمل في ظروف العالم النامي وسط ظروف مرحلة العولمة إلا أنه يسير باتجاه كبت الليبرالية السياسية ... كما أن الحركة المدومة للعولمة تخلق رغم نشرها للعلم والتكنولوجيا حالة من انعدام اليقين التي تذكي النزعات الصوفية والغيبية التي تعتبر أحد منابع أبرز الدين السياسي بقوة في حياة كثير من الناس في البلدان المتقدمة والمتوسطة والمتخلفة باستثناء أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية إلا أن الحياة التافهة المضطربة والمقلقة التي يعيشها الإنسان في دول أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية دفعت الكثير من أبنائها إلى التطرف والانضمام إلى المليشيات المتطرفة وقد أشارت الإحصائيات التي نقلتها وسائل الإعلام المنظورة والمسموعة أن حوالي ثلاثين ألف أو أكثر من الأوربيين الغربيين يحاربون في صفوف المنظمات الإرهابية في منظمة داعش بينما لا يوجد أي إنسان من أوربا الشرقية الاشتراكية في صفوف المنظمات الإرهابية مما يعني ذلك أن النظام الاشتراكي أفضل من النظام الرأسمالي في تنظيم حياة ورعاية الإنسان ورفاهيته واستقراره وسعادته واطمئنانه وضمان حياته وتقدمها وتطورها وإذا أصبحنا نسمع عن دولة الرفاه الاجتماعي في بعض الدول الرأسمالية الاسكندنافية فإن هذه الظاهرة تعتبر خديعة وتخدير وخوف من النظام الاشتراكي من ثورة الكادحين والعمال والمظلومين ضد النظام الرأسمالي ودحر وإفلاس الطبقة الرأسمالية المتعفنة ومن سلبيات ومتناقضات العولمة ما تشير إليها معظم المفاهيم الحديثة وتشكل بذرة فنائها ونهايتها القانون العلمي الماركسي الذي يقول : (إن معدل الربح يميل نحو الهبوط كلما تقدمت وسائل الإنتاج والتكنولوجيا وكلما توسع الاستثمار الرأسمالي). وهذا يعني أن في مرحلة العولمة المتوحشة أدى التطور التكنولوجي الحديث إلى إيجاد وسائل تكنولوجية متطورة من شأنها أن تسرع في عمليات الإنتاج وتقلل من أعداد الطبقة العاملة في دورها بهذه العملية الإنتاجية الذي يحتاجه المعمل لإنتاج نفس الكمية من السلع أو حتى كميات أكثر كما أن مرحلة العولمة تسود فيها طبيعة السوق العرض والطلب والمنافسة في السلع من حيث السعر والنوعية وحينما ننظر إلى هذه العملية نجدها تتركز في زيادة رأس المال الثابت الذي يشمل الآلات والمكائن التي تدخل في عمليات الإنتاج السلع والبناء والأثاث وهذا يعني أن رأس المال الثابت هو الذي يتحمل أسعار المكائن والآلات كما يعني أن هذه المبالغ تستقطع من رأس المال المتغير الذي يعتبر المصدر الوحيد للربح (فائض القيمة مما يعني ذلك أن رأس المال المتغير سوف يكون نسبته قليلة وهذا يعني أيضاً أن ذلك يؤثر على أرباح الرأسمالي ويسبب له الخسارة والإفلاس وهذا يعني أيضاً أن الرأسمالي الذي يملك المبالغ الكثيرة والكبيرة لا يتأثر بهذه العملية وإنما الرأسمالي الذي يمتلك الأموال القليلة يكون هو المتضرر من هذه العملية كما أن هنالك نتيجة أخرى وهي أن الرأسمالي صاحب الثروة الكبيرة سوف لا يتأثر إنتاجه من حيث كمية السلع المنتجة وربما يزيده من أجل عملية منافسة يطلق عليها (سياسة إغراق السوق) والإكثار من الإنتاج وتحسين نوعية السلع وانخفاض أسعارها وهذه العملية تجعل الناس يتجهون إلى اقتناء وشرائها مما يؤدي ذلك إلى عدم شراء السلع المنتجة من المصانع الأخرى وفي النهاية تكدسها وإغلاق وإفلاس مصانع الرأسماليين الآخرين وهذه العملية ظاهرة واقعية ومنتشرة في النظام الرأسمالي التي تؤدي إلى إفلاس الرأسماليين الآخرين والصراع بينهم. كما أن هذه العملية تؤدي إلى خلق الأزمات في النظام الرأسمالي كما تؤدي إلى فناء ونهاية عصر العولمة المتوحشة. إن النظام الرأسمالي ولد في القرن التاسع ومنذ ولادته كان يمارس ويعيش على استغلال ونهب المواد الأولية في ورشة الصناعية اليدوية ثم في مصانعه ومعامله المتطورة والآن في عصر العولمة في القرن الواحد والعشرين وهذا يعني أن عمر النظام الرأسمالي قد بلغ القرنين أي مائتين سنة وهذا يعني أن النظام الرأسمالي كان على امتداد مائتين سنة يقوم بنهب واستغلال المواد الأولية في الدول الأخرى مما أدى الآن إلى شحتها أو فقدانها وبما أن المصانع لا تعمل أو تنتج سلع أو حاجيات إلا بعد توفر المواد الأولية فأصبح الرأسمالي الذي يملك الثروة والأموال الكثيرة أو يعتبر من المتنفذين بالدولة يستطيع أن يؤثر على أصحاب القرار للحفاظ على نظام الحكم الذي تمسكه خفته من الرأسماليين الكبار على تسيير الجيوش الجرارة والأساطيل البحرية من أجل أن يقوم باحتلال الدول التي تمتلك الخيرات والمواد الأولية التي تحتاجها مصانع الرأسماليين في الدولة المعولمة الرخيصة الثمن كما تصبح أسواق تلك الدول لتصريف السلع والحاجيات التي تنتجها مصانع الرأسماليين وتصبح تلك مستعبدة ومستعرة ومرتبطة بالدول المعولمة بواسطة القروض المجحفة من قبل الأخطبوط التابع للرأسماليين الكبار (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومركز التجارة العالمية وصندوق باريس) وكان يطلق على مرحلة العولمة صفة (المتوحشة) لأن أسلوب استغلالها للإنسان والطبيعة مدمر وكارثي ومخرب من تعاملها مع الإنسان الذي نستغله بشكل وحشي ودونية واحتقار إضافة إلى أنها تسبب الفقر والجوع والبطالة وتستغله كالسلعة في السوق حسب قاعدة العرض والطلب ... أما الطبيعة في الدول التي تعتبر مصدر للمواد الأولية التي تحتاجها مصانع ومعامل الدول الصناعية الكبرى ومنذ نشوء وولادة النظام الرأسمالي في القرن التاسع عشر ميلادي والآن نحن في القرن الواحد والعشرين ميلادي تكاد وتصبح نافذة وغير موجودة لاستهلاكها من قبل مصانع ومعامل الرأسماليين الكبار يكون التفتيش والبحث عنها لوسائل الحفر الحديثة مدمرة ومخربة للأرض وما احتوتها من أشجار ومزروعات ... ومع مرور الوقت يقل عدد الرأسماليين الكبار بسبب عجز وإفلاس الرأسماليين المعولمين الآخرين بسبب عجزهم عن منافسة الرأسماليين الكبار جداً من حيث موقعهم بالدولة ونفوذهم المؤثر مما يشتد الصراع والتناقض واشتداد الأزمات المالية التي تسبب الفوضى في الأسواق التجارية والصناعة الدولية مما تزيد الفقر والجوع والبطالة وهذه الظاهرة تؤدي إلى توسيع الشقة بين طبقات الشعب المختلفة مثل الطبقة العاملة بسبب تسريحهم من العمل ورميهم في مستنقع البطالة وأصحاب الأراضي الذين تدمر وتخرب أراضيهم ومزارعهم والشيوعيين والديمقراطيين والإسلاميين والقوميين والبورجوازيين المتوسطين والصغار الذين أفلسوا بسبب المنافسة وغلق مصانعهم وورشاتهم والمثقفين والأدباء ومنظمات وجمعيات حقوق الإنسان والرفق بالحيوان والبيئة بسبب التلوث وحرارة المناخ وغيرهم وبين الرأسمالية المعولمة مما يؤدي ذلك إلى ثورة عارمة تطيح بالعولمة المتوحشة ونظامها. ظهور الأفكار الاشتراكية كانت الأفكار الاشتراكية تعبر عن اتجاهاً إنسانياً في الفكر الاجتماعي يضم بعض الأشخاص أو المذاهب التي تطرح مثل نظام اجتماعي إنساني تتحقق فيه المساواة الاجتماعية والأخوة الإنسانية بين أفراد المجتمع كافة ينعدم فيه استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ولكنها لا تزود بمعرفة عن السبل الواقعة للوصول إلى هذا المجتمع إذ أن تاريخ الاشتراكية الطوباوية يمتد إلى ماضي البشرية البعيد أي منذ انحلال المشاعية البدائية وحلول نظام الرق والعبودية الذي جعل من الإنسان عبداً يباع ويشرى في سوق النخاسة يرتبط عمله في الأرض والزراعة يباع ويشترى مع الأرض ... فظهرت أفكار المفكرين والفلاسفة تدعو إلى احترام الإنسان والمساواة في الملكية والعدالة الاجتماعية والحلم بمجتمع خال من الظلم والاستعباد والعمل القسري والبؤس والفقر وأصبحت سمة مميزة لأيديولوجية بعض الحركات الشعبية وفي ظروف المرحلة الإقطاعية بلغت الأيديولوجية الشعبية الطوباوية ذروة تطورها في مذهب القس ميونزر زعيم الحرب الفلاحية في ألمانيا الذي أدان الملكية الخاصة ودعا إلى مشاعية الأملاك وإلزامية العمل للجميع كما كان الانكليزي توماس مور في القرن السادس عشر الميلادي صاحب أول عمل أدبي اشتراكي طوباوي يصور فيه مجتمع لم يوجد من قبل ولا وجود له الآن ... فكانت جميع هذه الأفكار التي تدعو إلى المساواة وإلى الاشتراكية أفكاراً مثالية قليلة الوضوح إلا بمقدار ما وضحها اشتراكيون مثاليون إنسانيون من طراز سان سيمون وبرودون وآوين الذين كانوا يبشرون بنظام اشتراكي مستوحى من مبدأ الأخوة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات وكانت هذه الاشتراكية اشتراكية إنسانية طوباوية ليس فيها إلا القليل من مرتكزات العملية المادية فكان قصورها في تفهم وتفهيم الحقيقة الاشتراكية سبباً لقيام اشتراكيات متعددة متباينة في وجهات النظر منها الاشتراكية الديمقراطية والاشتراكية النقابية والاشتراكية التعاونية والاشتراكية التبادلية والإصلاحية والاشتراكية المسيحية ومن هذه الفوضى في مفهوم الاشتراكية انبثقت الأحزاب الاشتراكية في الدول ذات الأنظمة الدستورية وخيل لبعض الناس أن الاشتراكية يمكن تطبيقها ضمن نطاق هذه الأنظمة دونما الرجوع إلى المبدأ العلمي المادي التاريخي أو دون المساس بنظام الإبقاء على وسائل الإنتاج والملكية الخاصة في حيازة الرأسمال وحده وعلى الرغم من تكون الفكرة الاشتراكية فقد بقيت فكرة الاشتراكية في الضمير الإنساني تتجاذبها تيارات سياسية واتجاهات يتزعمها زعماء أحزاب سياسية أو زعماء منظمات شعبية أمثال لاسال وبيبل وليبخنت بغية الوقوف ضد الدكتاتورية والطغيان ومع أن اشتراكية هؤلاء كانت أكثر عملية من اشتراكية سان سيمون وفورتيه وبرودون ولكنها لم تكن عملية إلا بمقدار ما توصي به السياسة في هذ البلد أو ذاك إذ أن العنصر السياسي كان غالباً على العنصر الاقتصادي والمعيشي. إن التيار التحرري الذي انبثق من الثورة الفرنسية كان بمثابة السماد المغذي لنمو بذرة الاشتراكية العلمية المادية لكارل ماركس وإخراج فكرتها من طيات الضمير إلى نور الوجود ... فالحركات الشعبية التحررية التي أخذت في الاتساع أحدثت تأثيراً فعالاً في نظم الدولة القائمة على الرغم من مقاومة السلطات الحكومية لها وبذلها أقصى الجهود الترقيدية أحياناً لخداع الشعب أو اتخاذ أساليب زجرية ضد الشعب أحياناً أخرى لوقف إرادة الشعب والحد من فعاليتها على الأقل ... وما كاد القرن التاسع عشر ينتصف حتى أجبرت كثير من الدول على سن قوانين القضاء على العبودية وتحرير العبيد والأقنان تحريراً قانونياً وكان أكثر أبطال الحرية والديمقراطية اخلاصاً (ابرهم لنكولن) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بما فيهم الزنوج فيها حيث أضرمها حرباً أهلية عدة سنوات حتى انتصرت قوى الحرية والديمقراطية على قوى الاستعباد والعبودية فكانت ثورة لنكولن التحررية في الولايات المتحدة الأمريكية الشرارة التي ألهبت الضمائر لإشعال ثورات أكثر حدة وجذرية في الدول الأخرى فحررت الإنسان ليس فقط من الطغيان الحكومي والعنصري بل حررت الشعوب أيضاً من العوز والفقر والجوع والحرمان فكانت هذه الشرارة والشرارات الأخرى اللهب الذي انطلقت منها الشرارة الأقوى والأعم والأعمق شرارة (كارل ماركس) الاشتراكية العلمية المادية التاريخية. إن الظروف السيئة والمأساوية للنظام الرأسمالي والظروف التعسة والمؤملة للطبقة العاملة والكادحين والمظلومين من أبناء الشعب حفزت وأيقظت الاشتراكيون المثاليون والطوباويون أن يستخرجوا حلولاً للمشكلات الاجتماعية التي ظلت كامنة في الظروف الاقتصادية بعد الثورة الصناعية وبداية المرحلة البورجوازية الرأسمالية غير المتطورة من داخل الذهن البشري فالمجتمع في نظرهم يريد حلولاً صائبة وليس أفكاراً ترقيدية في الاشتراكية المثالية والطوباوية وأحلاماً تخديرية ولكن العقل الإنساني لا يمكن أن يبقى جامداً وثابتة على تلك الأوضاع وإنما يبقى يبحث ويفكر عن حلول ونتائج جذرية وصائبة لهذه الأوضاع المأساوية ... وإن النتيجة التي يعمل بها العقل يتجاوز بها الأفكار السابقة الخاطئة التي لا تؤدي إلى النتيجة المقنعة والثابتة فهو يتكفل برسم الحلول الصحيحة والصائبة بعيداً عن الأخطاء والتجارب الماضية ولهذا كان من الضروري التوصل واكتشاف نظام اجتماعي جديد أكثر كمالاً وواقعية وفرضية على المجتمع من خارجه أو بواسطة الدعاية أو بفرض تجارب نموذجية عليه كلما أمكن ذلك لأن النظم الاجتماعية السابقة كانت تحتوي في باطنها وظاهرها مثاليات اشتراكية طوباوية تخديرية وترقيدية لم تبق ثابتة ومستقرة وإنما تتفكك وتزول لأنها ليس لها قاعدة من العلم ثابتة نستند عليها بالرغم من أن أصحابها كانوا يبذلون جهوداً ويمعنون في شرحها واستكمال تفاصيلها فكانت نتيجتها الانزلاق أكثر فأكثر في الخيال والأحلام الطوباوية التي كانت تمثل (الوعود تداف في عسل الكلام) وبالرغم من هذه الأفكار الاشتراكية كانت ذات طابع طوباوي إلا أنها خلفت وحفزت وعياً عاماً وأصبحت كلمة (الاشتراكية) تتعمق في النفوس باعتبارها تشكل الأمل الواسع والخلاص النهائي من استعباد وظلم النظام الرأسمالي واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وأصبحت التفكير العميق الذي غرز في عقل الطبقة العاملة والكادحين والمظلومين من أبناء الشعب مما دفع أهل الفكر والمعرفة بالبحث عن اشتراكية حقيقية علمية مادية والتي بها خلاص وسعادة الإنسان التي تمثل الطريق الواضح والصحيح والأمل المنشود الذي تتطلع إليه القلوب الحائرة وترنو نحوه النفوس المعذبة التي تنشد وتتشوق إلى حياة الاستقرار والاطمئنان والمستقبل الأفضل المشرق والسعيد لكل أبناء المعمورة فكان فكر وعقل المفكر الكبير (كارل ماركس) يمثل الانطلاقة الكبرى والصائبة نحو الاشتراكية الحقيقية العلمية المادية الاشتراكية حيث كان لعملية تكون النظرية الماركسية جوانب ونواحي مختلفة فقد عبر رفيقه القائد الفذ (لينين) عن تلك النظرية بالشكل التالي : (إن ماركس وأنجلز استعملا تفسيراً ونقداً أعادا من خلاله صياغة الكل الأفضل في العالم والحضارة الإنسانية) فالنظرية الماركسية لم تنشأ بعيداً عن الطريق الصائب لتطور المدنية العالمية وإنما تمت مباشرة للتعاليم الطليعية في الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية ولذلك فإن النظرية الماركسية هي الخلاصة والوريث الشرعي لأفضل ما وصلت إليه البشرية في القرن التاسع عشر من أفكار متمثلة بالفلسفة الألمانية (هيغل) والاقتصاد السياسي الانكليزي (آدم سمث) والاشتراكية الفرنسية (سان سيمون) التي اعتبرت هي المصادر للمفكر الكبير (كارل ماركس) في نظريته العلمية المادية الاشتراكية ... حيث اقتبس ماركس وأنجلز من الفلسفة الألمانية (هيغل) فكرة التطور الديالكتيكي وفضحا في نفس الوقت الجوهر المثالي للديالكتيك الهيغلي واستخدما من منظومة الفيلسوف (فورباخ) أعظم ممثل المادية من قبل النظرية الماركسية مبدأ الانفراد بأولوية المادة على الفكر ونقد الفلسفة المثالية إلا أنهما عرضا للنقد الطابع السلبي الميتافيزيقي والتأملي لفلسفة (فيورباخ). أما فكرة قيمة العمل فقد أخذت من الاقتصاد السياسي الانكليزي (آدم سمث) واستخدمت من تصورات الاشتراكيين الطوباويين تخميناتهم بصدد بعض الملامح الأساسية للنظام الاجتماعي المستقبلي إضافة إلى النقد اللاذع الشجاع للرأسمالية ... لقد صاغ (ماركس وأنجلز) استناداً إلى ما استخدماه واقتبساه في أرقى منجزات الفكر البشري وبشكل مبدئي قوانين جديدة لتطور الطبيعة والمجتمع والفكر وترافقت صياغة المقولات والقوانين الجديدة مع الجوانب الأخرى في تكوين النظرية الشيوعية العلمية مع نقد وتخطي أخطاء وثغرات وعيوب النظريات الطوباوية القديمة وأخيراً ارتبط النشاط النظري العلمي لماركس وأنجلز دائماً بشكل وثيق بجهدهما التطبيقي في قيادة الصراع الطبقي للبروليتاريا في بناء الحزب البروليتاري وبالعمل الذي قاما به في عملية النضال الدؤوب ضد مختلف أنواع النظريات والتعاليم الاشتراكية الطوباوية والمتجزئة وقد كتب لينين تعقيباً حول ذلك فقال : (لم تثبت مباشرة السيادة الكاملة للاشتراكية البروليتارية المرتكزة على التعاليم الماركسية وإنما فقط بعد نضال طويل ضد التعاليم الأخرى ضد الاشتراكية البورجوازية الصغيرة وضد الفوضوية وما شابه). النظرية الماركسية إن مرجع النظرية الماركسية إلى ماركس 1818 – 1883 مؤسس النظرية الماركسية العلمية التاريخية والاقتصاد السياسي العلمي ... فردريك أنجلز 1820 – 1895 وضع مع ماركس المذهب الماركسي ونظرية الشيوعية العلمية والفلسفة المادية الديالكتيكية التاريخية لينين 1870 – 1924 من أبرز منظري النظرية الماركسية. إن النظرية الماركسية وجدت كضد للنظام الرأسمالي وقد اعتبرت كحفارة فبر للنظام الرأسمالي ويعتبر النظام الرأسمالي نظام اقتصادي يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وخلق السلع والخدمات لأجل الربح وفائض القيمة والعمل المأجور والأسواق التنافسية كما أن النظام الرأسمالي له امتدادات متعددة ومتجددة كاللبرالية والليبرالية الجديدة ثم الخصخصة وأخيراً العولمة المتوحشة وهذه المراحل لم تغير من طبيعة جذور وقاعدة النظام الرأسمالي في الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والاستغلال وفائض القيمة وتراكم رأس المال وقد رتش وأضاف أفكار جديدة مثل (دولة الرفاه الاجتماعي) وهذه المتغيرات لم تبدل وتغير من طبيعة النظام الرأسمالي وهذه المظاهر والتبدلات قد تنبأ بها المفكر الكبير كارل ماركس قبل (150 عاماً) بالعولمة للاقتصاد الرأسمالي وقد تغيرت طبيعة النظام الرأسمالي في طريقة استغلاله وتعامله مع الدول في ناحية واحدة في الأسلوب والطريقة في التعامل واستغلال الشعوب عندما أصبح السيطرة والاستغلال ذات طبيعة من الامبريالية والاحتلال إلى القاعدة الاقتصادية أي أصبح استعمار اقتصادي معتمداً على اخطبوط مؤسسات اقتصادية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومركز التجارة العالمية واستعمال القروض والمساعدات في السيطرة على الشعوب واستغلالها. إن النظرية الماركسية لم تستغفل أو تتابع هذه التغييرات حيث أصبحت النظرية الماركسية تمتاز بالرغم من عالميتها فأصبحت النظرية الماركسية تمتاز بخصوصية وطنية حسب طبيعة وعادات وتقاليد وثقافة وجماهير الشعب لكل خصوصية للبلدان والشعوب المختلفة كما تمتاز النظرية الماركسية في طبيعتها ومسيرتها في طريقة حلزونية متعرجة وبذلك أصبحت النظرية الماركسية تنسجم لكل مكان وزمان في تقلبات وطبيعة تغييرات وتلقيحات النظام الرأسمالي والتصدي له والقضاء عليه وبناء المجتمع الاشتراكي الذي يقوم الملكية العامة للشعوب والعدالة الاجتماعية والمساواة. إن النظرية الماركسية تمتاز بمفهوم سياسي واقتصادي واجتماعي وفلسفي ... فالمفهوم السياسي يأتي من خلال دور الشعب والدولة في بناء المجتمع الأفضل المرفه والسعيد ومن الناحية الاقتصادية فهي تعتمد على التخطيط والبرمجة وتنظيم حياة الناس وسعادتهم وإلغاء فوضى الإنتاج والسوق وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستبدالها بالإنتاج الاجتماعي والعلاقات الإنتاجية الاشتراكية (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله) وهذه القاعدة تسود في النظام الاشتراكي ... والقاعدة التي تقوم (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته) تسود في المرحلة الشيوعية ... وفي الناحية الاجتماعية تعتبر النظرية الماركسية فتصبح النظرية هي التي يسترشد بها الشعب عن طريق معرفة قوانينها الاجتماعية حسب خصوصية كل بلد التحليلية والاجتماعية ومفاهيمها والتميز بين ما هو نظري وما هو واقع اجتماعي ومن ناحية اعتبارها مفهوماً فهي تمثل فكراً نقدياً ضد الانغلاق والجمود الفكري والعقائدي ومنطلقاً نحو الحرية من خلال الممارسة وتطوير الفكر الماركسي حسب جدلية الفكر الماركسي من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية فمن حيث الزمان تعتبر الأمس ليس مثل اليوم لاختلاف الموقع ومن حيث المكان إن ما في لندن ليس في بغداد لاختلاف المكان ومن الناحية الفردانية ليس هنالك إنسان يشبه إنسان آخر من حيث سواء كان عالماً أو أدبياً أو باحثاً أو عالماً وكل ذلك يكون حسب معطيات التطبيق العملي والفكري من خلال القوانين العلمية الموضوعية كما تقوم النظرية الماركسية على تحرير الأيديولوجيا من جمودها الفكري وتحريرها من الأسر التي سجنت بها بما ينسجم مع كل ما أنتجه الفكر الإنساني بروح علمية نقدية تتطلع من خلالها نحو أفق تحرري شامل بما يطوره في مجال العلم والمعرفة كما تتمحور النظرية الماركسية عن نشاط الناس كقوة منتجة من خلال كشفها عن قوانين التطور الاجتماعي كقوانين علمية مما جعل النظرية الماركسية تتطور وتتقدم بحكم متطلبات حاجات الناس من خلال الجهد البشري الذي يخلق جميع القيم والمستلزمات المادية والمعنوية للإنسان باعتبار الإنساني ضرورة حيوية لوجود واستمرارية المجتمع وتطوره وتقدمه فأصبحت تلك القوانين العلمية تشكل مضمون المادية التاريخية العلمية كعلاقة مع تطور وتقدم المجتمع الذي هو نتاج نشاط الناس وفق القوانين العلمية مما جعلها ذات علاقة بالتعامل مع الديمقراطية. إن الناس يعملون وفق قوانين علمية من خلال عملهم ونشاطهم ويكون هؤلاء الناس من طبقات متنوعة ومختلفة وهذا يعني أن الناس يعملون وفق سقف واحد تجتمع تحته مختلف أنواع الناس حسب وعيهم وإرادتهم فأصبح أولئك الناس يعملون بحرية ورغبة وأراد وفق تلك القوانين العلمية مما جعل تلك القوانين العلمية تفرض أحكام الضرورة على المجتمع وأن تجسد فيها الديمقراطية والحرية بأسمى معانيها وبما أن القوانين العلمية تشمل وتعمل ضمن مجالات علمية كالفيزياء والكيمياء والعلوم الأخرى مما يعني ذلك أن هذه القوانين العلمية ترتبط في مختلف مجالات الحياة ... كما أن النظرية الماركسية تعني بنشاط وحياة المجتمع وأفراده بمختلف طبقاته وفئاته الاجتماعية شعوباً وأفراداً لا فرق بين الجاهل والمتعلم والواعي وغير الواعي من خلال نشاطهم في حقل الإنتاج المادي والعلاقات المتبادلة بينهم ونشاطهم في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي والفكري وإلى كل ما يفرزه هذا النشاط من تغييرات ونتائج اجتماعية واقتصادية موضوعية ... وإن هذه العملية المشحونة بالنشاط البشري من تناقضات وصراع يؤدي إلى نتاج قوانين تعكس حركة وإفراز مرحلة جديدة من التطور وصياغتها نظرياً بما يتطابق ومرحلتها من خلال النشاط الفكري والعملي والبشري وفق صياغة واستنتاجات جديدة على ضوء النشاط والممارسة العملية والبشرية على أساس الدورة المتجددة للعلاقات الديالكتيكية بين النظرية الماركسية والممارسة العملية إلى ما لا نهاية وهذه العملية تقوم بدورها تجسيداً لتعميمات تستمد وقائعها من التطور التاريخي لكل مرحلة ... فكانت النظرية الماركسية تمتاز بالديمقراطية الاشتراكية التي تدعو وتمتلك بثبات إلى تطبيق مبادئ اجتماعية إنسانية عادلة في المجتمع وتدعو إلى العيش بموجب هذه المبادئ التي توحد مسؤولية الفرد بالمجتمع ومسؤولية المجتمع بالفرد باعتبار الفرد في المجتمع هو منتج الثروة المادية والمعنوية برمتها مما يؤدي بها إلى تفتح معيناً لا ينضب للطاقة والمبادرات الخلاقة للفرد في المجتمع وعززت سمعة وكرامة الإنسان وكذلك تعمل الاشتراكية في مضاعفة مسؤولية الفرد تجاه المجتمع والدولة والمؤسسات الاجتماعية ولكي يصبح الفرد منتجاً للثروة المادية والمعنوية ولكي يلعب دوراً فعالاً في الحياة للبلاد السياسية يجب عليه أن يدرك مسؤوليته الشخصية تجاه القضية المشتركة وأن يعي واجباته المدنية تجاه وطنه الاشتراكي. تعتبر النظرية الماركسية نقيضاً وخصماً ضد النظام الرأسمالي وحفارة قبره ... إن كارل ماركس استخلص من الحقائق الناصعة والواقع الموضوعي نظريته العملاقة التي سميت بالنظرية الاشتراكية العلمية المادية التاريخية من خلال تسليط الضوء على بقع مظلمة من الواقع المأساوي المؤلم المتمثل بالظلم الاجتماعي والاستغلال الطبقي والحرمان والاضطهاد من خلال استعراض التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتاريخ البشرية متجاوزاً أسلوب ومواضيع من سبقوه من الفلاسفة والمفكرين والباحثين وكان وقود تلك النظرية ضمير التاريخ ومنطق الحقيقة حيث وصف رفيق ماركس الحميم المفكر الكبير أنجلز تلك النظرية بالعلم والعلوم كما هو معروف تتصف بالموضوعية وبالحركة وبالديناميكية بما ينسجم مع حركة وتقدم وتطور الحياة الإنسانية ومسيرة التاريخ إلى أمام نافية عنها طابع الجمود والتقوقع فالذين يحاولون النيل من علمية النظرية الماركسية الخلاقة هم أدعياء ولا يستندون إلى أسس علمية واقعية (والدعي لا يوقن لأنه لا يحمل صفة موضوعية) ولولا علميتها وصواب فكرها لما أصبحت مادة تدرس في الجامعات الأمريكية والأوربية ويحسبون لها ألف حساب ...!! من يستطيع أو ينكر ماديتها الديالكتيكية والفلسفة ومن يستطيع أن ينكر أو ينفي قانونها العلمي الاقتصادي (تراكم رأس المال) وقانون (فائض القيمة) ؟ إن علمية القانون الماركسي تخيف النظام الرأسمالي ... فكيف إذا ما طبق على الواقع الموضوعي لصالح الجماهير الكادحة والمسحوقة والمضطهدة ؟. إن النظرية الماركسية تقوم على العمل والكدح والإبداع والنفع الذي يحصل من الجهد والكدح والإبداع فهي عمل وإنتاج وجهد وحركة وليس فيها جمود وخمول وحظوظ ولا ظروف خارجية عن إرادة الإنسان والعمل والجهد والكدح لا فرق أن يكون عقلياً أو يدوياً وليس للخاملين والمتوكلين على الظروف والحظ وعلى ما يهيئه له الحظ والظروف دون مشقة وتعب. كان أصدق وبحياد ومصداقية من كتب عن النظرية الماركسية من غير الشيوعيين هو رئيس الوزراء الأسبق (بانديت نهرو) عندما كان في السجن في رسالة لابنته رئيسة الوزراء الأسبق (انديرا غاندي) حيث قال : إن النظرية الماركسية العلمية طريقة لتفسير التاريخ والاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية والنزعات البشرية وهي نظرية علمية ودعوة لعمل ما وفلسفة تتناول جميع نواحي النشاط الإنساني ومحاولة لجعل التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله نطاقاً منطقياً يحمل في طياته مصائر محتومة كالقدر حيث أن الإنسان بدأ منذ وجوده يجاهد من أجل الحصول على ما يسد به رمقه ويكفل له ضروريات الحياة وكلما مر به الزمن تطورت أساليبه في الحصول على حاجاته ويعتبر أن وسائل الإنتاج مقومات الحياة كانت أهم ما يشغل بال الإنسان والمجتمع في كل زمان ومكان ويعتبر انتصار الطبقة الجديدة الناحية الاقتصادية والسياسية وهو يعبر عن انتصار وسائل الإنتاج الجديدة مما يؤدي إلى تغيير في نسيج المجتمع بأسره من الناحية الفكرية والسياسية والقانونية والعرقية وغيرها وتصبح هذه الطبقة الجديدة مستغلة لمن دونها من الطبقات حتى تقوم مكانها طبقة أخرى ويستمر الكفاح والنضال حتى يصل المجتمع إلى المرحلة التي لا تستغل فيها طبقة ما طبقة أخرى ... وهذا لا يتهيأ إلا عندما تزول الطبقات من المجتمع وتبقى طبقة واحدة لا تستغل نفسها وهذه هي الوسيلة الوحيدة لخلق التوازن في المجتمع وقيام التعاون مكان التنازح والتنافس القائمين حالياً وكذلك يزول السبب الداعي للدولة لفرض سلطتها لأن الطبقة التي كانت تحتاج إلى حماية الدولة من أجل استغلالها قد زالت ولذلك يصبح وجود الدولة غير ضروري لأن التعاون والتآلف والشعور بالمسؤولية يسود الشعب الذي انصهر في بوتقة واحدة من المحبة والإخلاص والمودة والتفاني بين أفراد الشعب. النظرية الماركسية اللينينية تناضل من أجل بناء النظام الاشتراكي والعدالة الاجتماعية والمساواة لا يزال مصطلح الاشتراكية يمثل بالنسبة للنظم الرأسمالية الحاكمة صداعاً مزمناً مؤلماً وشبحاً يؤرق مضاجعهم فهو يهدد وجودها بالكامل من خلال تراكم رأس المال وفائض القيمة (الربح) لأن الاشتراكية التي تقوم على المساواة والعدالة الاجتماعية هي مضاد للنظام الرأسمالي الذي يقوم على الاستغلال وتجويع الشعب واضطهاده والاشتراكية تمثل سلاح العدالة ضد القهر والاغتراب وتمثل الكفاية ضد الفقر والجوع وتمثل العمل ضد البطالة والحياة والسعادة والاستقرار ضد الحرمان والعوز والفوضى والاضطراب والخوف والقلق ... الاشتراكية هي الحرية تجعل جميع الناس يتمتعون بالحقوق والمميزات مثل الحق في التعليم والرعاية الصحية والغذاء والسكن والعمل والرفاهية والحياة المعنوية والأمن والاستقرار وضمان حياة الإنسان وشيخوخته فلا معنى للحرية مع الفقر والجوع والبطالة فكيف يكون الإنسان حراً في اختياراته وهو يعيش في حياة الفقر والجهل والمرض والأمية فتصبح اختياراتهم أما محدودة أو معدومة كما في النظام الرأسمالي. لقد أشار المفكر الكبير كارل ماركس أن سيطرة الرأسمالية على الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجعل أن تؤدي إلى أن يفقد الإنسان إنسانيته وقيمة الحياة التي يعيشها في ظل النظام الرأسمالي فبعد ثورات 1845 كانت تشجع البورجوازية على التطور الفكري والاجتماعي والتكنولوجي إلا أنها عادت لتنشئ سداً مملوءً بالخرافات والجهل والعنصرية والفاشية يسمح لها بعد إلغاء النظام الإقطاعي وبروز ونهوض النظام البورجوازي وخلفت نظام يسمح لها بالسيطرة على إرادة وحرية الإنسان ويصنعون للشعب وهماً كبيراً يطرح في أسواقهم لينكب أبناء الشعب من البسطاء ويدفعوا من حياتهم ثمناً له ... وأصبح النظام الرأسمالي كله يقوم على الترابية والظلم في المجتمع حيث المدير ورئيس العمل في النظام الرأسمالي يتمتع بالقوة اللازمة لاتخاذا القرارات التي تنسجم مع مصلحة النظام الرأسمالي فتصبح العلاقة بين النظام الرأسمالي والطبقة العاملة الكادحة تنحصر فيمن يملك السلطة ومن الخاضع لها ويتم تحديد الراتب لا يتم على جهد الذي يبذله العامل والفني من حيث جودة العمل الذي يقوم بإنجازه وإنما بما يقرره الرئيس حيث يقوم بالتصرف الفردي مع ما ينسجم مع الاستغلال ومصلحة النظام الرأسمالي والمعدل الذي يقدمه من الربح لأصحاب رأس المال بغض النظر عن العوامل الأخرى ويمتاز النظام الرأسمالي ويتمحور حول حاجة الإنسان الباحث عن العمل وكم عدد الأشخاص الذين قد يتقدمون للحصول على العمل فكلما ازداد الشعور باليأس بين الناس بسبب صعوبة الحصول على الوظيفة كان من السهل على صاحب المعمل الرأسمالي أن يخفض من الراتب والأجور وإذا كان الأعداد كبيرة وعدم حاجة المعمل إليهم فيكون مصيرهم التشرد والفقر والجوع والبطالة وهنا يجب أن يطرح السؤال على الليبراليين والرأسماليين ومن هم على شاكلتهم ... أين الحرية التي يتبجحون بها ويتحدثون عنها؟... وفي هذه الحالة تصبح حاجة الإنسان للعمل ضرورية من أجل توفير لقمة العيش له ولأفراد عائلته مما تدفعه الحاجة والضرورة أن يبيع طاقته وجهده وقوة عمله إلى صاحب المعمل الرأسمالي كيفما يشاء مجبراً في الغالب الأعم وألاّ يصبح مصيره التشرد والبطالة والفقر والجوع هو وعائلته ... إن النظام الرأسمالي لم تعد تمثل أي تغيير في ظروف وحياة الإنسان العادي والبسيط الباحث عن الحياة الآمنة والمستقرة حيث أصبحت من طبيعة الرأسمالي الهيمنة والإكراه والاغتراب والاستغلال والظلم ... وهنا يأتي السؤال الأهم ... ما هو مصير العمال الكادحين الصانعين لحقيقة الحياة والقوة المحركة في المجتمع ؟.. والإحصاءات الأخيرة تشير أن حوالي 40% و 50% وأكثر من خريجي المعاهد المتوسطة والثانوية والكليات والجامعات من الخريجين يعانون من البطالة أو يعملون (سواق تكسي أو عمال بناء) أو يعملون في وظائف لا علاقة بما أفنوه من حياتهم في سنوات الدراسة الطويلة وسهر الليالي ... وإذا استطاع بعضهم من الحصول على عمل أو وظيفة في الأغلب الأعم لا يكفي راتبها لمدة أسبوع واحد من تكاليف الحياة المتصاعدة والآن امتد النظام الرأسمالي إلى نظام العولمة المتوحشة الجديدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الأنظمة الاشتراكية وبدأت فترة النظام الاستعماري الكولينالي الامبريالي الذين أصبحوا الآن يمثلون الشركات الاستعمارية الاقتصادية الجديدة حيث استطاعت الثورة المعلوماتية بالاتصالات والتقدم التكنولوجي أن تلعب دوراً كبيراً في تأسيس نظام ومرحلة العولمة المتوحشة وتشكل الاستعمار الاقتصادي الجديد بعد أن تمكنت من تفكيك العملية الصناعية التقليدية وتفتيت الحركة العمالية وفرض مفاهيم السوق الاستهلاكي لينتقل الثقل الاقتصادي من التصنيع إلى الخدمات وصناعة المال (البورصات والبنوك وشركات التعامل بالدولار وشركات التأمين) ولم يعد هناك قطاع إنتاجي بالمعنى التقليدي وأصبح عالم جديد وغريب بالمعنى التقليدي. لقد أصبح الآن العمل والنضال السعي من أجل إقامة وبناء نظام يحقق الأمن والاستقرار والعيش الرغيد والرفاهية والمستقبل الأفضل للإنسان بعيداً عن الخوف والقلق من خلال المشاركة المجتمعية للشعب وبناء مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وسعادة الإنسان واستقراره واطمئنانه لغده ومستقبل الأجيال القادمة وجميع الناس من أبناء الشعب تعمل وتجاهد لكي لا تبقى بطالة ولا عاطلين عن العمل حسب قاعدة (من كل حسب عمله ولكل حسب طاقته) وحياة الإنسان مضمونة من سقوطه من رحم أمه حتى يوارى في القبر بعد أن يقضي حياة من أمن واستقرار وطمأنينته ... لأن في النظام الاشتراكي يعتبر الإنسان أثمن رأس مال لامتلاكه العقل الخالق والمدبر لجميع القيم والمستلزمات الإنسانية. وبما أن مرحلة العولمة تمتاز بأن تصبح حدود الدول مفتوحة حسب قاعدة (دعه يدخل ودعه يخرج) أي مفتوحة للأموال والأيدي العاملة والمكائن والأشخاص لأن الدول الرأسمالية تستفاد من فتح حدود الدول فتختار الدول الفقيرة والمتواجد فيها المواد الأولية فتشيد فيها المصانع المختلفة للاستفادة من توفر المواد الأولية ورخص الأيدي العاملة فتصبح منتجات المصانع العائدة للدول الرأسمالية تصبح منتجاتها ذات نوعية جيدة ورخيصة فتتنافس منتجات المصانع في الدول الوطنية الناجية وتؤدي إلى كسادها وغلقها وافلاس أصحابها من البورجوازية الوطنية ويصبحون موظفين في الشركات الرأسمالية كما يصبح أعداء وخصوم العولمة البورجوازية الوطنية والأيدي العاملة وجمعيات البيئة وحقوق الإنسان والرفق بالحيوان والمفكرون والمثقفون وكثير من جماهير الشعب وأخيراً تنتفض وتثور هذه القوى والعناصر وتؤدي إلى سقوط مرحلة العولمة ومن أجل أن يتحول النظام ومصانعه إلى القطاع العام ويصبح ذات طابع اشتراكي يستوجب على الأحزاب الشيوعية أن تمتاز بالقوة والسعة الجماهيرية الواسعة لأن يصبح النظام ديمقراطي والصعود إلى السلطة عن طريق الانتخابات والاقتراع عن طريق صناديق وورقة الانتخابات والصعود السلمي للسلطة والقوة التي تمسك السلطة هي السلطة الفائزة بالانتخابات وفقط في حالة الفوز للحزب الشيوعي عند ذلك يطبق النظام الاشتراكي حسب سياسية ويطبق نظام (وطن حر وشعب سعيد).
يقول المفكر غرامشي : (في مرحلة العولة المتوحشة أصبح حجم الهوة بين النظام الرأسمالي وخصومهم قد اتسعت كثيراً وأن جماهير الكادحين والمظلومين والمحرومين يحتاجون إلى قدرات وإمكانيات كبيرة لتحقيق هيمنتهم على المجتمع قبل الانقضاض على العولمة الرأسمالية العالمية ... وهنا تحاول الرأسمالية تسخير طاقات المجتمع المدني في خدمتها وبالمقابل تحاول الطبقة العاملة والكادحين تحويل المجتمع المدني إلى أداة لتغيير النظام الرأسمالي وامتداداته العولمة المتوحشة). إن العولمة المتوحشة التي أصبحت الامتداد الأخير للنظام الرأسمالي العالمي سببت الأضرار والسلبيات إلى جميع الأحزاب الشيوعية واليسارية والاشتراكية وإلى النقابات والجمعيات العمالية والفلاحية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والبيئة والرفق بالحيوان وغيرها وحركات التحرر الوطني مما يدعو ذلك منها إلى توظيف جميع طاقاتها وإمكانياتها في مهمتين متوازيتين من أجل القضاء عليها : - المهمة الأولى : أن تخلق هذه الأحزاب والتنظيمات جهازاً أيديولوجياً خاصاً بها متعدد الأوجه يقوم بعملية التعبئة والتحريض للجماهير الواسعة ورفع مستوى وعيها الفكري وإدراكها في عملية النضال والكفاح ضد العولمة المتوحشة والرأسمال العالمي ومن ثم تثقيفها بما وراء القضاء على المشروع الرأسمالي المعولم وتوضيح البدائل التي تدعو هذه الأحزاب والمنظمات مجتمعة له والعمل والنضال والتحريض ضد الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والأضرار الأخرى التي تسببها العولمة المتوحشة. - المهمة الثانية : القيام باختراق جهاز الدولة الأيديولوجي لغرض تحييد وتحديد جزء من جهاز الدولة وتحويل الأجزاء الأخرى إلى قوى حليفة ومساندة للمشروع الجماهيري المضاد للعولمة المتوحشة ورأس المال. إن أي متابع لمجريات الثورة العالمية يرى أن هذه الامكانيات قائمة الآن في المجتمعات في العالم وفيها آفاق كبيرة تشمل جميع دول العالم فيما لو خضعت لرؤيا استراتيجية عالمية مخططة عن طريق استثمار منظري ومفكري وأدباء وفناني القوى الشيوعية واليسارية والاشتراكية والحركات الأخرى بشكل منظم ومدروس ويحققوا حضوراً قوياً وثابتاً في جميع العالم ... وهذا يتم تحقيقه حينما تتوحد جميع القوى المتعددة المناوئة للعولمة المتوحشة لرأس المال العالمي وأن تخلق من أجهزتها الأيديولوجية الخاصة بها في مجال الميدان ووسائل التواصل الأخرى أو مثقفيها العضويين القادرين على اختراق الجهاز الأيديولوجي المعولم للرأسمالي عبر مقدرتهم ومواهبهم ومثلما يفعله الأدباء والفنانين من خلال برامجهم ومسرحياتهم وأفلامهم وكذلك الشعراء والأدباء والعلماء، ومن خلال رؤيا استراتيجية معتمدين على مواهبهم الفردية وهذه العملية نابعة في حالة عدم وجود نظرية سياسية موحدة للشيوعيين واليساريين والاشتراكيين ومنظمات المجتمع المدني تخص الكيفية التي تمكن هذه القوى من التصدي والقضاء على العولمة المتوحشة والرأسمال العالمي وإنشاء البديل عنها. إن هذه الصورة والأفكار والوجهة مطروحة للحوار بين كافة القوى المتضررة والمناضلة ضد العولمة المتوحشة والرأسمال والإغناء من أجل تشكيل في النهاية نظرية موحدة لجميع القوى السياسية الجديدة ... وهذه اللوحة أكدت ما ذهب إليه ماركس وأنجلز ولينين وروزا لوكسمبورغ ومفكرون وماركسيون وآخرون من أجل النضال ضد عدو موحد الذي يجب التصدي بمجتمع موحد أيضاً ويمتلك أذرعاً متعددة في المجال العسكري والفكري والإعلامي وغيرها ... لا يمكن إلحاق الهزيمة وتحقيق الانتصار لهذا العدو دون تضافر الجهود كافة وتشييد قوى مناضلة موحدة لكافة الفئات والطبقات السياسية والاجتماعية المتضررة من سطوة الرأسمال العالمي. القانون المتداول لحركة التغيير في التاريخ إن القانون المتداول لحركة التغيير في التاريخ البشري يقضي بضرورة الانسجام والتجانس في البناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري وعندما يحدث خلل داخل تلك البيئة عندئذ يحتاج البناء إلى تعديل أو تغيير حتى يحصل الانسجام المفتقد ... كما تميل الأنظمة الاجتماعية والسياسية والثقافية عموماً إلى المحافظة وإلى الاستقرار في حين تنجو المعارف والعلوم والتقنيات إلى الحركة والتطور والنمو وهي في وسعها ذاك تنتج أوضاعاً جديدة تصبح في تناقض مع الموروث فيحدث التناقض ويتفاعل الصراع ويحدث التغيير في المجتمع ... في العصر الراهن على الواقع الذي يعيشه المجتمع حيث حركة التغيير الاجتماعي وتحول المجتمع إلى مرحلة الرأسمالية المعولمة والانتقال من القيم المادية الاقتصادية إلى القيم الافتراضية الرمزية ومن اقتصاد السلع إلى اقتصاد القيم والمعلومات ومن قوة العمل البشرية إلى قوة العمل التكنولوجية ومن العمل اليدوي إلى العمل الذهني ... إن الثورة الصناعية أفرزت وطورت الطبقة العاملة وبعد ظهور نظام رأس المال أفرزته الثورة المعلوماتية والتكنولوجية من عساها تكون القوى المنتجة اليوم ؟ إن الظروف الجديدة تحتاج إلى صياغة ومفاهيم جديدة بديلة للمفاهيم القديمة أو مكملة ومطورة لها وقد رشحت الظروف الحزب الشيوعي هو الإطار التنظيمي والاجتماعي والمناسب لممارسة السياسة والقيادة لعملية التغيير حيث أن الحزب الشيوعي في شكله وقوة تنظيمية وعلاقة أطرافه بعضها مع بعض وسعة جماهيره وعلاقاته بالقوى الأخرى وفي أيديولوجيته وتحديده للمهمات واختياره أدوات وأشكال نضاله تستوجب عليه التفاعل مع المرحلة الراهنة مع المؤسسات والحركات الاجتماعية والثقافية المتضررة من العولمة المتوحشة إضافة إلى وجود النقابات ومنظمات المجتمع المدني التي تناضل الآن كما ستنشأ مؤسسات وحركات اجتماعية وفق الظروف والحاجة الموضوعية لظهورها وإنشائها كما سوف تفرز مرحلة العولمة المتوحشة منظومات اجتماعية واقتصادية وسياسية بسبب إعادة إنتاج المجتمع الرأسمالي ما بعد مرحلة الرأسمالية التي ستجعل من الدول الرأسمالية المركز الرئيسي أما الدول الأخرى التي ستظهر فيها البورجوازية الطفيلية الكومبرادورية وسوف يكون الصراع والتناقض بين المركز والأطراف وأن هذه الإفرازات الاجتماعية والظواهر سوف تقسم المجتمع إلى قوتين تكون الأكثرية منه تقدمية وأخرى أقلية مرتبطة مصالحها بالرأسمال الأجنبي المعولم وسوف تكون بيد القوى التقدمية فرصة على تجنيد وتحفيز الأكثرية من أبناء الشعب لإنجاز العمل الحاسم والفرصة التاريخية الجديدة في بناء مجتمع العدالة الاجتماعية. إن النظرية الماركسية – اللينينية تنسجم وتتطابق مع القانون المتداول لحركة التغيير في التاريخ فهي تعتبر منهجية وطريقة وهذا يعني الطريقة في التفكير والعمل الذي هو وعي الواقع وتغيره اعتماداً على الجدل المادي في التناقض والتراكم الكمي الذي يؤدي إلى تغيير نوعي في وعي الواقع وتغييره من خلال قانون نفي النفي الذي يعتبر مفهوم ملازم لتطور الطبيعة والمجتمع والفكر كما يعتبر تحوير للظاهرة بصيغتها بما هي كذلك ولكنه في الوقت نفسه وذاته يفتح الآفاق أمام تطورها إلى الأمام وهو لا يعتبر عملية تستدعيها قوى خارجية عن الظاهرة المنفية وإنما يتولد عن القانونيات الداخلية لهذه الظاهرة التي تنطوي على نفيها الذاتي ... وفي مجرى التطور يتبين أن كل درجة من الظاهرة التي جاءت نفياً لدرجة قبلها تتعرض للنفي من قبل درجة لاحقة وعلى هذا النحو يظهر النفي المزدوج لقانون (نفي النفي) والاعتماد على الصراع الذي يعتبر المحرك الأصلي للتاريخ البشري ... ومن خلال هذا الطرح والبحث العلمي فإن مرحلة العولمة المتوحشة التي تعتبر امتداد للنظام الرأسمالي الذي يمثل استعمار اقتصادي الذي يمثل أسوأ مرحلة للاستغلال. كيف يكون الحسم والنصر مع العولمة المتوحشة إن مرحلة العولمة المتوحشة أصبحت ذات معالم ورؤيا عالمية فيجب مواجهتها برؤيا واستراتيجية لجميع قوى اليسار العالمي من خلال الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والنقابات المختلفة والجمعيات العمالية والفلاحية وجميع القوى التقدمية وأنصار الجمعيات والمجتمعات المدنية في العالم مدعوة لتوحيد وتوظيف طاقاتها في مهمتين رئيسيتين متوازيتين الأولى أن تخلق هذه التنظيمات جهازاً أيديولوجياً خاصاً بها متعدد الأوجه تقوم بتعبئة جماهير الشعب والتحريض في وقت واحد لتعبئة جماهير الشعب وتنظيمها ورفع مستواها ووعيها وادراكها في عملية القضاء على العولمة والمشروع الرأسمالي المدمر وتوضيح البدائل التي تدعو لها هذه المنظمات مجتمعة والتحريض ضد الأزمات والكوارث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية التي تخلقها الرأسمالية وعولمتها كل يوم في العالم وتعتبر الدولة في المفهوم العلمي مؤسسة قمعية ضد الشعب وبوسائلها تحارب الشعب وتحمي السلطة الحاكمة ومن واجب القوى المناضلة القيام باختراق جهاز الدولة الأيديولوجية بالوسائل المختلفة لغرض تحديد أجهزتها القمعية أو تحويل أجزاء منها وجذبهم إلى صفوف القوى المناضلة وهنالك ضرورة قصوى لاستثمار المفكرين والأدباء والفنانين إلى جانب الحركة النضالية بشكل منظم ليحققوا حضوراً قوياً بين جماهير الشعب وأن كثير من هؤلاء المبدعين قد حصلوا على جوائز عالمية في الأدب والفن والثقافة والإخراج والتمثيل إلى غير ذلك من المنجزات وهذا يتم حينما تسعى القوى والأحزاب المناضلة ويمكن استغلاله وتحقيقه في النضال ضد العولمة المتوحشة كما أن لهذه العناصر ثقل ومكانة اجتماعية وثقافية في المجتمع وفي العلوم المختلفة عوضاً عن قيام هذه العناصر من الشعراء والفنانين والعلماء بشكل عشوائي غير منظم ومن دون رؤيا استراتيجية معتمدين على مواهبهم الشخصية وهذه العشوائية نابعة من عدم وجود رابطة وتواصل مع الأحزاب والقوى المناضلة أو عدم وجود نظرية سياسية ورؤية وجبهة استراتيجية تجمع قوى الشيوعيين واليساريين والنقابات العمالية والاجتماعية والجمعيات الفلاحية ومنظمات المجتمع المدني في جبهة وطنية موحدة تنظم أسلوب النضال والكفاح والعمل التي تمكن هذه القوى المناضلة من التصدي للعولمة الموحشة والنظام الرأسمالي والإطاحة بهما وإنشاء البديل عنها وتظل هذه الأفكار ووجهة النظر مطروحة للحوار والإغناء لكي تتشكل في النهاية نظرية واحدة تجمع مصالح وأهداف هذه القوى المناضلة وهذه اللوحة إلى ما أؤكد عليه وذهب إليه ماركس وأنجلز ولينين من أن النضال ضد عدو موحد عالمياً ويمتلك أذرعاً متعددة ومختلفة في المجال العسكري والسياسي والاقتصادي لا يمكن الحاق الهزيمة به دون تضافر كافة القوى المناضلة والمتضررة من العولمة المتوحشة والرأسمال العالمي في جبهة واحدة والثاني اختراق الجهاز الأيديولوجي للعولمة المتوحشة والرأسمالية ويعتبر هذا تحليله وتفسيره من خلال نظرية المفكر غرامشي السياسية التي تدعو إلى خلق هيمنة واسعة من القاعدة الجماهيرية بديلة لهيمنة الأجهزة الأيديولوجية للعولمة المتوحشة والنظام الرأسمالي التي حولت عالمنا والإنسان فيه إلى عالم ذي بعد واحد ولذلك ما طرحه المفكر (سانتيا غوكاريللو) في كتابه الموسوم (الأور وشيوعية والدولة) الذي أثار كثيراً من الجدل حوله خلال السبعينيات من القرن الماضي من أفكار الحاجة يمكن اعتبارها منطلقاً لبناء نظرية سياسية جديدة تساعد الحركة الثورية العالمية في نضالها وكفاحها ضد العولمة المتوحشة الرأسمالية وتؤدي في النهاية إلى تجاوز الرأسمالية والانتصار عليها وهو مشروع مفتوح للحوار والنقاش من أجل الخروج في النهاية برؤية استراتيجية موحدة تمثل قوى الثورة العالمية المناهضة للإمبريالية وهذا المشروع أو النظرية السياسية تستند إلى فكرة بسيطة وهي (إن الثروات اليوم تهدف إلى قلب الأجهزة الأيديولوجية للدولة الرأسمالية وتغييرها واستخدامها ولو جزئياً ضد سلطة دولة رأس المال الاحتكاري) إن المفكر كاديللو حصر مهمة تحويل الجهاز الأيديولوجي للدولة البورجوازية إلى جهاز يساعد الحركات الثورية في الدول الرأسمالية المتقدة وقد يكون هذا الحصر مرتبطاً بظروف الرأسمالية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي إلا أن الإمبريالية وعولمتها الرأسمالية دفعت بقوى اجتماعية جديدة هائلة لتكون في صف المناوئين للعولمة الرأسمالية ونتيجة لهذا التحول النوعي في الالتفاف والتحالفات الطبقية فإن مهمة تجاوز العولمة الرأسمالية لم تعد محصورة على الحركات والأحزاب المضادة للعولمة ضمن نطاق الدول الرأسمالية وإنما اتسعت لتعم العالم كله لأن الثورة الاشتراكية لم تعد تقتصر على البروليتاريا وإنما شملت الغالبية الكبرى من أبناء الشعب وطرح المفكر (انغارسوني) وهو من اليسار الألماني باحث في معهد روزا لكسمبرغ للدراسات ضرورة هيمنة وخلق ثقافة مضادة للظلم الاجتماعي والعنصرية من أجل السلام والحقوق الديمقراطية إذا أردنا تبني استراتيجية ملائمة لأسئلة عصرنا يجب وضع المسألة بأكملها في موضوع تساؤل ولتحقيق ذلك يجب أن يتوفر قدر كاف من (السلطة المضادة) وأن تكون هناك حركة منظمة في المجتمع وبناء هيمنة أيديولوجية لامتلاك مواقف قوية كافية تستطيع الخروج إلى الشارع وعلينا أن نسمع الناس ونوصل لهم صوتاً مختلفاً عن الخطابات البحتة من قبل العولمة الرأسمالية المتوحشة، وهذه العملية تتمحور وتتجمع جميع إمكانياتها وأسسها الأيديولوجية والعملية والفكرية في فكر وتنظيمات الأحزاب الشيوعية التي يجب عليها أن تتحمل المهمة والمبادرة الرئيسية وحمل راية العمل والنضال ضد العولمة المتوحشة والنظام الرأسمالي وتغييره. المصادر 1) الفعالية الفكرية المركزية السادسة، لجنة العمل الفكري، اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. 2) مواد محاضرات الدورات الفكرية، لجنة العمل الفكري المركزية، للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. 3) للعولمة وجه آخر، الأستاذ عبد الأمير الشلاه. 4) الخصخصة والهيكلية والإصلاحات الاقتصادية في العراق، لجنة العمل الفكري، اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. 5) الاقتصاد والإمبريالية، فلاديمير ايلتش لينين. 6) الليبرالية والليبرالية الجديدة، الدكتور أشرف منصور. 7) درس القرن العشرين، كارل بوبر. 8) موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة، رضا الظاهر. 9) ما هي سلبيات العولمة ؟ عبد الأمير الشلاه. 10) الأزمات في النظام الرأسمالي، بوري فزنسيف. 11) طريق التطور اللا رأسمالي، نظريته وخبرته وآفاته، قاديم برويتيكوف. 12) من الحداثة إلى العولمة، عالم المعرفة. 13) دور الأفكار التقدمية في تطور المجتمع، ف – كونتانيتوف. 14) أصل الإنسان، جورج حنا. 15) الاقتصاد السياسي (أسئلة وأجوبة)، ل – ليتوتيف. 16) الرأسمالية أم الديمقراطية خيار القرن الواحد والعشرين، فلورابيه. 17) معنى الثورة، سلامة موسى. 18) الديمقراطية ونقادها، روبرت دال. 19) كارل ماركس فكر العالم، جاك اتالي. 20) مفهوم الإنسان عند ماركس، اريك فروم. 21) الثقافة الجديدة، العدد / 328 / 2008. 22) المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية، ستالين. 23) المعجم الفلسفي المختصر (رؤية ماركسية)، دار التقدم، موسكو. 24) من هيغل إلى ماركس، سلامه كيله. 25) جريدة طريق الشعب (عبد العظيم أنيس)، كريم مروه. 26) جريدة طريق الشعب (محمود أمين عالم)، كريم مروه. 27) ماركسية القرن العشرين، روجيه غارودي. 28) الثقافة الجديدة وصحف ومجلات مختلفة.
المؤلف في سطور 1- الاسم : فلاح أمين الرهيمي. 2- مواليد : العراق – الحلة – 1937. 3- عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين. 4- عضو جمعية الرواد الثقافية. 5- عضو نقابة الصحفيين. 6- عضو مشارك في منظمات المجتمع المدني. صدر له عدة كتب منها :- 1- الدفاع عن النظرية الماركسية (جزئين). 2- دور الإنسان في التاريخ. 3- حديث الروح (سيرة ذاتية). 4- خواطر ماركسية. 5- ظاهرة ستالين بين النظرية والتطبيق. 6- دور لينين في تطور النظرية الماركسية. 7- النظرية الماركسية والعولمة (جزئين). 8- عبقرية كارل ماركس. 9- صدام الحضارات والاستراتيجية الأمريكية. 10- الفكر الماركسي بين النظرية والتطبيق. 11- أمركة العالم وليس عولمته. 12- النظرية الماركسية – اللينينية نشأتها وتطورها وانتكاستها. 13- في رحاب التاريخ. 14- على قارعة التاريخ. 15- معنى النظرية الماركسية – اللينينية. 16- من وحي التجربة. 17- الكراريس السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 18- عشرات المقالات في الصحف العراقية وغيرها. 19- موقع على الحوار المتمدن. 20- كتاب احتفالية تكريم / جمعية الرواد الثقافية. 21- لمحات مضيئة في رحاب الاشتراكية.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية ودور الأسرة والمدرسة في تنميتها وتعزيزها
-
صلاح اللبان يقضي نهاره كادحاً وفي المساء مناضلاً من أجل المع
...
-
صلاح اللبان يقضي نهاره كادحاً وفي المساء مناضلاً من أجل المع
...
-
المطلوب من رئيس الوزراء أن يجعل من الأولوية معالجة الاقتصاد
...
-
أحد أعضاء مجلس الحكم في بغداد يسرق رواتب الشهداء
-
في ذكرى أربعينية الرفيق الراحل زهير ناهي
-
المطلوب من رئيس الوزراء أن يجعل من الأولوية معالجة الاقتصاد
...
-
دور لينين في النظرية الماركسية وتطورها (2)
-
لماذا الثقة مفقودة والعلاقة ضعيفة بين الدولة والشعب العراقي
-
الخلافات السياسية تعطل التشريعات في (مجلس النواب) وتخيب آمال
...
-
من ذكريات النضال مهرجان الطلبة والشباب في موسكو عام/ 1957
-
دور لينين في النظرية الماركسية وتطورها
-
متحف الحلة المعاصر في محافظة بابل
-
تعليقاً على مبادرة حكومة السوداني باستقطاع 1% من رواتب الموظ
...
-
هل رئيس الوزراء السوداني مؤهل لمعالجة ما كشفه التعداد السكان
...
-
دور لينين في ثورة اكتوبر العظمى عام/ 1917
-
بمناسبة الذكرى المائة وسبعة أعوام على ثورة اكتوبر العظمى في
...
-
الحلم 2
-
فلاح الرهيمي مناضل من طراز خاص
-
رثاء إلى ولدنا العزيز سامر
المزيد.....
-
كيف تأثرت مصر برسوم ترامب الجمركية والحرب التجارية مع الصين؟
...
-
ما نتائج محادثات موسكو وواشنطن بإسطنبول؟
-
شاهد.. بركة السفارة الأمريكية في لندن تتحول إلى اللون الدموي
...
-
نائب أوكراني: زيلينسكي يحاول جر الولايات المتحدة إلى حرب مع
...
-
الخارجية الأمريكية: طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية
...
-
وزير الدفاع الأمريكي: الولايات المتحدة لا تريد صراعا مع الصي
...
-
زاخاروفا: سنحكم على العلاقات مع الولايات المتحدة بناء على ال
...
-
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شركة صينية و30 ناقلة نفط
-
رئيس مؤسسة الحج والزيارة في إيران: رحلات الحج الجوية ستتم ع
...
-
الرئيس الإماراتي يتسلم أوراق سفراء جدد بينهم الإسرائيلي يوسي
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|