|
المؤرخ يفغيني سبيتسين - وفقًا ل-خطة أندروبوف-، كان من المفترض أن يصبح الإتحاد السوفياتي جزءًا من الغرب
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8301 - 2025 / 4 / 3 - 14:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
يفغيني سبيتسين باحث أكاديمي ومؤرخ روسي مرموق، كاتب وناشر وناشط إجتماعي مؤلف موسوعة تاريخ روسيا نائب رئيس معهد الحضارات العالمية
ألكسندر غريشين صحفي ومدير إعلامي روسي صحيفة كومسومولسكايا برافدا
27 فبراير 2018
ماذا كان يمكن أن يحدث للبلاد لو لم تكن هناك وفاة مبكرة لأكثر أمين عام للجنة المركزية غموضًا؟
*حكم قصير لكنه غامض*
حُكْمُ يوري أندروبوف (من نوفمبر 1982 إلى فبراير 1984)، الذي يُعتبر ربما أكثر قادة الاتحاد السوفياتي ثقافة وقسوة في نفس الوقت، لا يزال محاطًا بالأسرار ويُثير الجدل. كان واضحًا للجميع أنه يريد تغيير البلاد. لكن كيف؟ وهل صحيح أن هناك "خطة أندروبوف" السرية؟ وماذا لو نجح في تنفيذها؟ ناقشنا هذا الموضوع على إذاعة "كومسومولسكايا برافدا" مع المؤرخ يفغيني سبيتسين.
*غورباتشوف كان قد تعاطى الكحول عندما نُقل لمقابلة بريجنيف* سؤال – أحد أكثر الأسئلة غموضًا المتعلقة بفترة وجود يوري أندروبوف على رأس الاتحاد السوفياتي هو ما يُعرف بـ"خطة أندروبوف"، برنامج إصلاحاته. لا توجد وثائق تثبت وجودها، فقط إشارات في المذكرات. فهل كانت موجودة حقًا؟
جواب – أعتقد أن الإجابة نعم. لكن معالم هذه الخطة كانت غامضة جدًا. لم يكن هناك برنامج مُعد بخطوات محددة وجداول زمنية واضحة، لكن الفكرة العامة كانت موجودة.
سيكون من التبسيط القول إن أندروبوف تولى المنصب الرئيسي في البلاد بسبب وفاة بريجنيف. فقد سبق ذلك مسيرته المهنية الطويلة وسلسلة من الصدف والتغييرات في الكوادر. إذا نظرنا إلى المرحلة الأخيرة من صعوده، فقد بدأت في عام 1978، بعد وفاة سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي المختص بالزراعة، كولاكوف، وتولي ميخائيل غورباتشوف، الذي كان غير معروف آنذاك، للمنصب. ثم بدأت "خمس سنوات من الجنازات الفخمة".
سؤال – لكن أندروبوف كان يجب أن يعرف غورباتشوف، فكلاهما من ستافروبول.
جواب – تعيين غورباتشوف كسكرتير للجنة المركزية كان إلى حد كبير صدفة. نعم، كان أندروبوف على معرفة به، لكن بعد وفاة كولاكوف، كان بريجنيف هو من إختار المرشحين لشغل المنصب الشاغر. وقد قُدمت إلى بريجنيف ملفات مرشحين اثنين، أحدهما فيدور مورغون، السكرتير الأول للجنة الإقليمية للحزب الشيوعي الأوكراني في بولتافا، الذي عرفه بريجنيف جيدًا من فترة استصلاح الأراضي في كازاخستان. كان من المقرر نقل غورباتشوف لمقابلة بريجنيف، لكنه كان في موسكو يحتفل بالذكرى السنوية لأحد زملائه من ستافروبول. ولم يتمكن فريق تشيرنينكو من العثور عليه (تذكروا أن كونستانتين تشيرنينكو، بالإضافة إلى كونه سكرتيرًا للجنة المركزية وعضوًا في المكتب السياسي، كان أيضًا رئيسًا للقسم العام المركزي الحاسم الذي كان يحدد فعليًا كل العمل الحقيقي للحزب، ولم يكن أي مستند يمكن أن ينتقل إلى أي مكان دون توقيع تشيرنينكو). في ذلك الوقت، لم يكن تشيرنينكو مريضًا جدًا وكان معروفًا بكفاءته واجتهاده. في اللحظة الأخيرة، عُثر على غورباتشوف وقد تعاطى الكحول أثناء الاحتفال، ونُقل إلى المقر الرئيسي للحزب في الساحة القديمة staraya ploshad أمام تشيرنينكو، الذي سأله سؤالًا حاسمًا: "هل أنت في حالة تسمح لك بمقابلة الأمين العام؟" فأجاب غورباتشوف: "نعم، أنا في حالة جيدة". فذهبا لمقابلة بريجنيف، الذي وافق على تعيينه سكرتيرًا للجنة المركزية.
سؤال – إذن، مورغون كان صاحيًا ولم يصبح سكرتيرًا للجنة المركزية لهذا السبب؟
جواب – كما قلت، سلسلة من الصدف حددت الكثير. لكن لا يمكن الاستهانة بالعمل المنهجي الذي قام به أندروبوف. في عام 1967، أصبح رئيسًا للـ"KGB"، وفي نفس العام، دخل أندروبوف لأول مرة منذ بيريا، كرئيس لأهم جهاز أمني في البلاد، في عضوية المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي كعضو مرشح. وهذا رفع مكانته فورًا فوق رؤساء الأجهزة الأمنية الأخرى. في عام 1973، أصبح يوري أندروبوف عضوًا كامل العضوية في المكتب السياسي، لينتقل نهائيًا إلى النخبة العليا للإتحاد السوفياتي، إلى دائرة "الآلهة". ثم بعد خمس سنوات، في 5 يوليو 1978، تم تحويل الKGB التابعة لمجلس الوزراء إلى لجنة دولة مستقلة، مما زاد من نفوذ الـ"KGB" بشكل هائل. وكل هذا أدى إلى أنه في ذلك النظام من السلطة أصبح الأمين العام. بريجنيف ورئيس الKGB لا "ينفصمان". وكانا على اتصال تقريبا كل يوم بشأن قضية أو أخرى. وفي الوعي العام، وليس فقط فيه، أصبح رئيس الKGB الشخص الثاني بعد الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي.
أنا، مثل العديد من المؤرخين، أعتقد أن أندروبوف بدأ يفكر في كيفية الوصول إلى السلطة العليا منذ عام 1973. لأنه كان أصغر من بريجنيف بثماني سنوات، وكان يدرك أن جيله هو الجيل التالي من قادة الحزب والدولة الذين سيحلون محل بودغورني، وكيريلينكو، وبريجنيف، وكوسيغين، وغيرهم.
*الخطة بدأت بالاقتصاد* سؤال – من عدد اجتماعات اللجنة المركزية وقرارات الحزب والحكومة التي صدرت بعد انتخاب أندروبوف أمينًا عامًا، يتضح أن الرجل كان ينفذ برنامجًا محددًا، ولا يتخبط.
جواب – كان أندروبوف يدرك جيدًا أن السنوات الأخيرة من حكم بريجنيف شهدت ركودًا حقيقيًا. لكنه هو نفسه أقنع بريجنيف بسحب طلبي الاستقالة اللذين قدمهما الأخير في عامي 1975 و1978، لأنه في ذلك الوقت لم تكن الظروف مناسبة لوصول أندروبوف إلى السلطة. كان عليه كسب دعم الجهاز الحزبي وتمهيد الطريق لنفسه. في عام 1975، لم يكن ليصبح أمينًا عامًا بأي حال من الأحوال. وحتى في عام 1978، لم يكن الوقت مناسبًا. لكن في عام 1982، نعم. لماذا؟ لأن كوسيغين وسوسلوف كانا قد توفيا، وماشيروف قُتل، وشيليبن ومازوروف وبودغورني وبوليانسكي وغيرهم أُبعدوا عن المشهد السياسي. لقد تم بالفعل تطهير الطريق أمامه بشكل كامل. في هذه المجموعة من كبار السن، بدا أندروبوف وكأنه الزعيم الأكثر ملاءمة للبلاد.
بالنسبة للبرنامج، يجب النظر إليه من جانبين: الأول هو الاقتصاد، والثاني هو إعادة الهيكلة الإقليمية للاتحاد السوفياتي.
سؤال – ومكافحة الفساد؟
جواب – هذا جزء من المشاكل الاقتصادية. لأنه رأى أن النموذج الاقتصادي الذي يعاني من مشاكل، وغياب الرقابة الكافية على الجهاز الحزبي من قبل الأجهزة الأمنية، أفسد هذا الجهاز.
سؤال – ماذا عن الاقتصاد؟ جواب – تم إنشاء مجموعة عمل تحت قيادة أندروبوف، والتي ضمت ثلاثة أشخاص: غورباتشوف، أمين اللجنة المركزية للزراعة، وأمين اللجنة المركزية للصناعة الثقيلة، فلاديمير دولغيخ، الذي لا يزال على قيد الحياة وبصحة جيدة وهو عضو في مجلس الشيوخ عن موسكو، ونيكولاي ريجكوف، الذي كان النائب الأول لنيكولاي بايباكوف، رئيس لجنة التخطيط الحكومية في الاتحاد السوفياتي. كان ريجكوف يعرف الاقتصاد جيدًا، وقد ضمه أندروبوف خصيصًا إلى اللجنة المركزية. تم إنشاء منصب أمين اللجنة المركزية للاقتصاد له من أجل إعطائه الصلاحيات المقابلة. عندما أخبر ريجكوف أندروبوف أنه لم يعمل في جهاز الحزب ولو ليوم واحد، رد أندروبوف: "هذا رائع، أنا لا أحتاج إلى عامل في الحزب هنا، بل إلى تكنوقراطي". وكان دولغيخ، باعتراف الجميع، "حصان عمل"، وكان يعرف الصناعة الثقيلة، وعلم المعادن، والكيمياء جيدًا.
ولكنهم، في رأيي، ارتكبوا خطأً فادحاً عندما اتخذوا عمل "لجنة كيريلين" أساساً. كان كيريلين نائبًا لكوسيغين، ورئيسًا للجنة الدولة للعلوم والتكنولوجيا، وقد عمل على مشروع إصلاحي جديد بطلب من كوسيغين. لقد أثار هذا الإصلاح خوف حاشية بريجنيف إلى درجة أنه تم طرد كيريلين. وأصيب كوسيغين بنوبة قلبية. وفي نهاية المطاف، تمت إقالته من منصبه كرئيس للحكومة، والذي شغله لمدة 14 عاماً بالضبط، وبعد شهرين، في ديسمبر/كانون الأول 1980، توفي كوسيغين. وقد اتخذت مجموعة العمل هذه من أفكار كيريلين-كوسيغين أساساً لهذا الإصلاح الاقتصادي. وعندما أصبح غورباتشوف زعيما للبلاد، وبدأت هناك فترة ما يسمى بـ"التسارع"، 1985-1987، فإن هذه الأهداف سوف تتحقق إلى حد كبير. ثم سوف يرى غورباتشوف أنها لا تعطي التأثير المتوقع. وسوف يقفز على الفور إلى الإصلاح السياسي، معلنًا الشعار الشهير "دعونا نضرب مقرات قيادة الحزب!" يقولون إن لدينا برنامجًا جيدًا، لكن كل هذا يحبط على مستوى اللجان الحزبية الجمهورية والإقليمية والمحلية للحزب.
*فكرة قديمة لكنها لم تُنسَ* سؤال – ماذا اقترح هذا الثلاثي؟
جواب – اقترحوا عناصر من اقتصاد "النيب" NEP (السياسة الاقتصادية الجديدة في عهد لينين). لقد أحببنا دائمًا العودة إلى تجربة لينين. ودائما ما نكرس بعض الابتكارات باسم لينين.. لقد كان تكريمًا للتقاليد. قال ستالين ذات مرة أن مهمتنا الرئيسية هي تطوير نظرية لتنمية البلاد: "بدون نظرية، نحن أموات". لم أستطع فهم ما كان يتحدث عنه لفترة طويلة. وبعدها فهمت. ماركس، إنغلز، لينين – وضعوا برنامجًا لكيفية الاستيلاء على السلطة وماذا يجب القيام به في السنوات الأولى. وبعد ذلك لم يطوروا أي شيء، ولم يكن لديهم الوقت، وكانت لديهم خبرة قليلة جدًا في العمل الحقيقي. لقد كان من الضروري تطوير نظرية الاشتراكية بشكل أكبر. وبدأنا ننخرط في التعصب والاقتباس. ولم يكن هناك أي تطور نظري حقيقي للماركسية اللينينية. وهذا، في جوهره، حوّل الماركسية اللينينية في "تغليف سوسلوف" إلى عقيدة ميتة. وكل هؤلاء الدعاة والمعلمين لتاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي – مثل عشاق الكتب. كان الأمر مملًا بشكل لا يمكن تصوره.
ولكن كان من الضروري مواجهة العالم الغربي المتطور بشكل ديناميكي بنظرية جديدة ديناميكية بنفس القدر من شأنها أن توفر المبادئ التوجيهية للمضي قدمًا. ولم يحدث هذا لا في عهد خروشوف – فقد أصدروا نسخة بديلة في شكل برنامج "بناء الشيوعية"، ولا في عهد بريجنيف - فقد استبدلوه بـ "الاشتراكية المتطورة". وفي عهد غورباتشوف، حدث الشيء نفسه - فقد استبدلوه بـ "الاشتراكية الديمقراطية". ولكن لم تكن هناك نظرية حقيقية حول كيفية التحرك وأين. وكانت النتيجة إنهيار الإتحاد السوفياتي والنظام الاجتماعي السوفياتي. بالمناسبة، نشر أندروبوف في بداية مايو 1983 في مجلة "كومونيست" المقال الشهير بعنوان "كارل ماركس وبعض قضايا البناء الإشتراكي في الإتحاد السوفياتي". كانت مقالة نظرية، حيث ظهر فيها كأحد المنظرين للحزب. وهناك صرّح بوضوح: "نحن لا نعرف المجتمع الذي نعيش فيه. لقد بنينا لمدة 70 عامًا، لكن ما الذي بنيناه حقًا، من وجهة نظر الكلاسيكيين الماركسيين؟ هذا غير واضح. علينا أن نفهم ذلك."
سؤال – ثم كرر نفس الكلمات في اجتماع يونيو للجنة المركزية للحزب عام 1983. هل كان يدعو إلى نقاش داخل الحزب؟
جواب – نعم، لكن النقاش لم يحدث. أولاً لأنه توفي بعد ذلك بوقت قصير. وثانياً، لأن الجهاز الحزبي كان قد فسد من الداخل إلى حد أنه لم يعد يكترث بأي من هذه النقاشات. هم أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بأي شيء. عندما يقولون إن الجهاز الحزبي وهذه طبقة الموظفين الحزبيين كانت إلى حد كبير مسؤولة عن إنهيار الإتحاد السوفياتي، فأنا أتفق مع ذلك. في الواقع، بدأ الأمر في عهد خروتشوف، ثم ترسخ في عهد بريجنيف، حيث أصبح الجهاز الحزبي يعيد إنتاج نفسه من الداخل، من خلال مؤسسات تعليمية مغلقة مثل المدرسة العليا للحزب، والمدرسة العليا للشبيبة الشيوعية، وأكاديمية العلوم الاجتماعية التابعة للجنة المركزية، وما إلى ذلك. وكان أولئك الذين يدخلون هذه المؤسسات عادةً أشخاصاً رماديين، موافقين على كل شيء، يصفقون ويؤيدون دون تفكير. لقد تحولت قيادة الحزب إلى طبقة برجوازية. ووصول غورباتشوف إلى السلطة كان استجابة لرغبة هذه النخبة الحزبية. هل كانوا حقاً بحاجة إلى ستاليني جديد مثل رومانوف (الأمين الأول للجنة الحزب في لينينغراد – ملاحظة المحرر)، الذي كان سيشدد الخناق ويبدأ بإعدامهم؟ حاشا لله!
*مكافحة الفساد أم الصراع على السلطة؟*
سؤال – هل كان رومانوف ستالينياً؟ جواب – كان رومانوف يُعتبر في الجهاز الحزبي قائداً صارماً جداً من النوع الستاليني. وكان زاهداً بطبيعته.
سؤال – وهل كانت الشائعات عن فسقه وفساده تُنشر عمداً عبر أوساط المثقفين من قبل النخبة الحزبية لحماية نفسها منه؟ جواب – بالطبع.
سؤال – وهل أقام حفل زفاف ابنته في الإرميتاج؟ جواب – لا، بالطبع لا. هذه كانت معلومات مضللة نشرت عمداً، وشارك فيها حتى جهاز الKGB السوفياتي. كما قال خروتشوف: "الاشتراكية لا تلغي الصراع على السلطة."
سؤال – كيف تندرج مكافحة الفساد في هذا المفهوم الإقتصادي عندما بدؤوا بتطهير المافيا؟ قضية أوزبكستان، وميدونوف من إقليم كراسنودار أُطيح به، وشيلوكوف انتحر. حتى لو قالوا إنهم طهروا القاع أيضاً، واقتحموا دور السينما والمتاجر، فأنا لم أواجه ذلك في موسكو أبداً.
سؤال – أنا مرّة واحدة وقعت في مداهمة في سينما "أورال". لكن الشائعات بالغت في ذلك، أوافقك الرأي.
جواب – لكنهم نظفوا القمة بشكل مذهل. رؤساء المناطق سقطوا بسرعة وبأعداد كبيرة.
سؤال – هنا يجب أن نفهم أن هذه الحرب على الفساد، وكما نتذكر مقولة خروتشوف، كانت أشبه بصراع على السلطة. تم إستخدام حملة مكافحة الفساد كذريعة للتخلص من النخبة القديمة الموالية لبريجنيف وتطهير مراكز القوة، لكن قد يكون الهدف الحقيقي هو إعادة ترتيب السلطة وليس الإصلاح الحقيقي. ضربوا ميدونوف وشيلوكوف وغيرهم، مع أنهم كانوا فعلاً متهمين. لكن تذكر، في عهد غورباتشوف وبيريسترويكا، ضُربت ضربة قوية للطبقة الإدارية المتوسطة، وأعني بذلك قادة اللجان المركزية للأحزاب الشيوعية في الجمهوريات، وأمناء اللجان الإقليمية والحزبية، والتي لم يجرؤ حتى خروتشوف أو حتى ستالين على تنفيذها. غورباتشوف هز الجهاز الحزبي المركزي بأكمله، وجميع الأجهزة الحزبية في الجمهوريات والمناطق، والسكرتاريات الإدارية لهذه الأجهزة المحلية. وكان ذلك أيضاً تحت ذريعة مكافحة الفساد. والعديد من القضايا إنتهت بلا شيء. سواء في عهد غورباتشوف أو قبله، حتى في عهد أندروبوف.
*من جمهوريات إلى ولايات* سؤال – ماذا عن الإصلاح الإداري-الإقليمي؟ سمعت أنه أراد إلغاء الجمهوريات؟
جواب – المصدر الوحيد لهذه المعلومات هو أركادي فولسكي، الذي توفي بسبب سرطان الدم في عام 2006. كان شخصية معروفة جدًا في فترة حكم غورباتشوف وفي فترة حكم يلتسين. وكان أحد المؤسسين لاتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الروس. كما كان مساعدًا لأندروبوف في الشؤون الاقتصادية.
وبحسب قوله، فإن مشروع الإصلاح الإداري-الإقليمي كان مبنيًا في الأصل على منصة اقتصادية. ففي سبعينيات القرن الماضي، بدأ إنشاء مجمعات صناعية إقليمية بشكل نشط، مثل مجمع كانسك-أتشينسك ومجمع إكيباستوز وغيرها. وعلى أساس هذه المجمعات الاقتصادية المكتفية ذاتيًا، نشأت فكرة إعادة تشكيل الإتحاد السوفياتي. كما قال فولسكي، بناءً على تكليف من أندروبوف، قام هو وعدد من موظفي الجهاز الحزبي المركزي (لم يذكر أسماءهم) بإعداد مشروع لإلغاء الإتحاد السوفياتي كإتحاد فيدرالي مبني على أساس القوميات والمناطق.
كان المقصود هو أن "تسقط" جميع الجمهوريات الـ15 المكونة للإتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، ويتم تقسيم أراضي البلاد إلى وحدات إدارية-إقليمية. وكان أساس هذا التقسيم هو مبدأ الاكتفاء الإقتصادي الذاتي والتوازن في عدد السكان. في الواقع، لقد اعتمدوا على إصلاحات المقاطعات (الغوبرنيات governorates) التي أجرتها يكاترينا الثانية. فبعد قمع تمرد بوغاتشيف في عام 1775، قامت بإصلاح المقاطعات الشهير، الذي لم يتم التشكيك في جوهره أو مضمونه حتى عام 1917.
تذكر فولسكي أنهم قدموا لأندروبوف 15 خيارًا مختلفًا، ورفضها جميعًا. أما الخيار الأخير فقد تضمن إنشاء 41 ولاية على أراضي الإتحاد السوفياتي.
سؤال – ماذا؟ ليس أوبلاستي (مقاطعات)، بل ولايات؟
جواب – بالضبط، ولايات. هناك رواية مرتبطة بخطة أندروبوف، والتي تقول إنه عبر غفيشياني (واسمحوا لي أن أذكركم بأن جيرمين غفيشياني هو صهر كوسيغين، وعضو في أكاديمية العلوم السوفياتية، وكان رئيسًا للمعهد البحثي لتحليل النظم التابع للجنة الدولة للعلوم والتكنولوجيا وأكاديمية العلوم السوفياتية، والذي كان له أهمية دولية) تمت محاولة للتفاوض مع ممثلي النخب الغربية - المالية والسياسية – على أننا سنزيل كل نقاط الخلاف في العلاقات بين الغرب والشرق. نسير، كما يقال، نحو "التسوية". وأن الإتحاد السوفياتي سيندمج في هذه النموذج العولمي لبناء "البيت الأوروبي المشترك" بمكانة محددة مخصصة له.
*خيانة الاشتراكية؟*
سؤال – من كان صاحب المبادرة؟
جواب – من جانب أندروبوف تجاه الأوساط الغربية. وفي سياق هذه المقترحات، ظهرت فجأة قصة "الطائرة الكورية". هناك رواية تقول أن العسكريين الذين كانوا على علم بوجود مثل هذه المفاوضات، وأدركوا أن "الشركاء" من وراء المحيط والأوروبيين سوف يخدعون سياسيينا والدبلوماسيين، وحتى أندروبوف نفسه، قاموا باستفزاز مقصود بإسقاط هذه الطائرة لإفساد العلاقات السوفياتية الأمريكية . سؤال – هل كنا سنحافظ على الاشتراكية في حالة التقارب مع الغرب؟
جواب – في الواقع، الأمر ليس كذلك. هذه فكرة التقارب. وفكرة التقارب بين الاشتراكية والرأسمالية كانت وهما. الهدف الحقيقي كان استيعاب المعسكر الإشتراكي في النظام الرأسمالي. عندما يبدأون الجمع بين أفضل ما في الاشتراكية والرأسمالية، فإنها مجرد "قصص عن الثور الأبيض".
سؤال – لتسهيل قيادتنا إلى المسلخ.
جواب – في الحقيقة، كان الهدف هو ابتلاع المعسكر الإشتراكي تحت نظام العلاقات الاجتماعية البرجوازية، أولاً بلطف، ثم بشكل أكثر قسوة. وتحت هذا الغطاء الجميل، بدأوا بمعالجة جزء معين من النخبة السياسية بالطريقة المناسبة. خروتشوف قدم ورقة رابحة لها من خلال فضح ما يسمى عبادة ستالين. وهنا جاءت أفكار الشيوعية الأوروبية في الوقت المناسب.
سؤال – أليس تحت هذا الغطاء بدأوا بتشكيل مجموعات من الشباب المتخصصين والعلماء؟ تشوبايس، غايدار...
*و مجموعة الخونة*
جواب – كان أفين هناك، وغيرهم. هذه مجموعات من موسكو، وسانت بطرسبرغ، ونوفوسيبيرسك. هناك كتاب مشهور للمؤرخ البارع ألكسندر أوستروفسكي من سانت بطرسبرغ، الذي يكشف كل خفايا الإعداد الأيديولوجي والبرمجي لما حدث لبلدنا. وكان من بين المشاركين في هذه العملية غايدار، وتشوبايس، وأفين.
سؤال – هل يعني هذا أن أندروبوف قاد البلاد إلى هذا المسار؟
جواب – يبدو الأمر كذلك. والأكثر إثارة للاهتمام أن الندوات في منتجع "زمينايا غوركا" بالقرب من لينينغراد، حيث كان يزورها اقتصاديون شباب لما يسمى بـ "التدريبات الاقتصادية"، وكان غايدار وتشوبايس وأفين ونايشول وغيرهم يسيطرون عليها، كانت تحت إشراف مباشر من قبل كالوغين – الذي كان آنذاك النائب الأول لرئيس إدارة جهاز الKGB في منطقة لينينغراد.
سؤال – والذي أصبح لاحقًا خائناً. (حكم بالخيانة 2002 غيابيا. يعيش في أمريكا حاليا-ZZ)
جواب – وكل شيء هنا يرتبط ببعضه بشكل مثالي. جزء معين من موظفي الKGB وجزء من الجهاز الحزبي الذي تحوّل إلى البرجوازية، إذا جاز التعبير، اندمجوا في نشوة وساهموا في تنفيذ برنامج غورباتشوف لإعادة الهيكلة أي البيريسترويكا. على سبيل المثال، الجنرال شارابوف، الذي كان مساعدًا لأندروبوف، أصبح سفيرنا في بلغاريا تحت حكم غورباتشوف. وشارك هناك مباشرة في الإطاحة بنظام تودور جيفكوف. بناءً على تعليمات مباشرة من عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ألكسندر ياكوفليف. المؤامرة ضد جيفكوف، التي نفذها وزير الدفاع البلغاري دوبري جوروف، لم تظهر من تلقاء نفسها. قد يبدو غريبًا أن الضربة جاءت من دوبري جوروف، الذي حارب جنبا إلى جنب مع جيفكوف في سنوات الحرب، ولم يكن يتوقع الخيانة منه. لكنه تلقّاها. وكان الجنرال شارابوف يدير كل هذه العملية هناك.
سؤال – وأخيرًا. يبدو أن غورباتشوف وفريقه نفذوا جزءًا من خطة أندروبوف، وإن كان على مستوى أكثر بدائية. ولكن لو بقي أندروبوف في السلطة، هل كانت خطته ستتحقق؟ وماذا كان سينتظر البلاد؟ هل كان مخططًا أن يُفرض نظام شبه بينوشيه لفترة ما (أي حكما عسكرياً ديكتاتوريا كما حدث في تشيلي بعد الانقلاب على سلفادور أليندي 1973-ZZ)؟ وما هو الدور الذي كان من المفترض أن يلعبه جهاز الKGB في هذه الحالة؟
جواب – غورباتشوف حاول لكنه فشل في التنفيذ، لقد مني بإخفاق هائل، انه أحد أكبر الإخفاقات في التاريخ المعاصر. لو بقي أندروبوف على قيد الحياة - فقد قال طبيبه الاكاديمي تشازوف إنه بمرضه الكلوي كان من الممكن أن يعيش خمس أو عشر سنوات إضافية – لما استطاع أحد إزاحته من السلطة. عندها، لكانت ذروة مسيرة غورباتشوف هي عضويته في المكتب السياسي.
في هذه الحالة، كان أندروبوف سيكمل برنامجه حتى النهاية. وعلى الأرجح، لكان الإتحاد السوفياتي قد حافظ على حدوده الإقليمية كما كانت. ربما كان سيتم إعادة تشكيله على مبادئ جديدة من حيث الهيكل الإداري الإقليمي، ولأُعطيت دفعة قوية للتنمية الاقتصادية للبلاد. لكني لا أعرف ما إذا كان الإتحاد السوفياتي سيظل دولة اشتراكية. ومع ذلك، بعد حادثة "الطائرة البوينغ"، أشك في أن الأجواء الدولية كانت ستتحسن. خاصة وأن رئيس الولايات المتحدة أصبح رونالد ريغان، ذلك المصاب بجنون العظمة الذي توهم نفسه مسيحًا ومنقذًا للعالم، وزعم أنه مُرسل من الرب ليخلص العالم من وباء الشيوعية، ولم يكن يعترف بأي حلول وسطى.
لكن ما الفائدة من الحديث عن هذا، عندما كانت تلك رحلة أندروبوف المشؤومة إلى شبه جزيرة القرم، حيث أصيب بالتهاب حاد في الكلى، قد لعبت دورها القاتل.
سؤال – وماذا عن فرض نظام شبه بينوشيه خلال فترة الإصلاحات؟
جواب – أما بالنسبة لـ"البينوشية"، فهذا بالطبع كلام فارغ. كانت هذه الإشاعات يروجها عدد من أبرز المؤيدين لغورباتشوف، مثل أناتولي تشيرنيايف، الذي أنكر بشدة أي صلة بين إصلاحات أندروبوف والبيريسترويكا. أعتقد أن الجهاز الحزبي كان سيُخضع لرقابة صارمة من الأجهزة الأمنية مع عمليات تطهير مستمرة، وكان سيتم تشديد الانضباط الوظيفي... لكن كل ذلك كان يرتهن بالإصلاح الاقتصادي، بينما كان أندروبوف، مثله مثل غورباتشوف، يخافون من البدء بإصلاح جاد لأسعار الجملة والشراء، وهو ما كان يشكل بديلًا لبرنامج التسريع الاقتصادي "كيريلين-أغانبيغان"، الذي اقتنع به أندروبوف في البداية، ثم غورباتشوف ورفاقه لاحقًا...
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 544 – إسرائيل تعزز مواقعها في جنوب لبنان وتتقدم
...
-
طوفان الأقصى 543 – تطهير غزة -- إلى أين يُريدون تهجير الفلسط
...
-
على جثث مَنْ صعد غورباتشوف إلى السلطة
-
طوفان الأقصى 542 – كيفية حماية روسيا من تدفق الإرهابيين من س
...
-
طوفان الأقصى541 – هل الولايات المتحدة مستعدة لبدء حرب ضد إير
...
-
طوفان الأقصى 540 – الهجرة الطوعية - إسرائيل تستعد لاحتلال غز
...
-
البيريسترويكا – لغز عمره 40 عاما لم يحل بعد - الجزء الثالث 3
...
-
طوفان الأقصى 539 – وجها لوجه مع تركيا - كيف تغير نهج إسرائيل
...
-
البيريسترويكا – لغز عمره 40 عاما لم يحل بعد - الجزء الثاني 2
...
-
طوفان الأقصى 538 – الحوثيون يعتزمون مواصلة القتال حتى النهاي
...
-
البيريسترويكا – لغز عمره 40 عاما لم يحل بعد - الجزء الأول 1-
...
-
طوفان الأقصى 537 – من شرارة اشتعلت النار. لماذا استأنفت إسرا
...
-
ألكسندر دوغين – ترامب يبني نظامًا عالميًا جديدا للقوى العظمى
-
ألكسندر دوغين حول التطورات الأخيرة في تركيا
-
طوفان الأقصى 535 - الحملات الصليبية ارتكبت الإبادة الجماعية
...
-
ألكسندر دوغين – محادثات بوتين وترامب عبر الهاتف — محطة على ط
...
-
طوفان الأقصى 534 – المنفذ – ترامب، الزبون – نتنياهو. الولايا
...
-
ألكسندر دوغين يكشف أهم أدوات النفوذ – ترامب يتقدم أكثر فأكثر
-
طوفان الأقصى 533 – ماذا يحدث في اسرائيل - ملف خاص
-
ألكسندر دوغين يتحدث عن الإشارات الخفية لبوتين – 4-5 مقاطعات
...
المزيد.....
-
كيف تأثرت مصر برسوم ترامب الجمركية والحرب التجارية مع الصين؟
...
-
ما نتائج محادثات موسكو وواشنطن بإسطنبول؟
-
شاهد.. بركة السفارة الأمريكية في لندن تتحول إلى اللون الدموي
...
-
نائب أوكراني: زيلينسكي يحاول جر الولايات المتحدة إلى حرب مع
...
-
الخارجية الأمريكية: طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية
...
-
وزير الدفاع الأمريكي: الولايات المتحدة لا تريد صراعا مع الصي
...
-
زاخاروفا: سنحكم على العلاقات مع الولايات المتحدة بناء على ال
...
-
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شركة صينية و30 ناقلة نفط
-
رئيس مؤسسة الحج والزيارة في إيران: رحلات الحج الجوية ستتم ع
...
-
الرئيس الإماراتي يتسلم أوراق سفراء جدد بينهم الإسرائيلي يوسي
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|