أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عباس بوصفوان - التولية نص رئيسي.. والتنحية حاشية















المزيد.....

التولية نص رئيسي.. والتنحية حاشية


عباس بوصفوان
(Abbas Busafwan)


الحوار المتمدن-العدد: 7916 - 2024 / 3 / 14 - 20:47
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


الفصل الخامس من كتاب: "البحرين 1923: نقدٌ منهجيٌ للسّرديّة السّائدة عن عِشرينيّات القرْن العِشرين" لـ عباس بوصفوان.

الفصل الخامس:
التولية نص رئيسي.. والتنحية حاشية


أوّلاً: بين مركز الحدث وهامشه

ما يجدر التركيز عليه من الإجراءات التي أعلنها المُقيم السّياسي س. ج. نوكس، ليس القرار بخلع او نزع الصلاحيات من الحاكم عيسى بن علي وحسب، بل الفرمان بتنصيب نجله حَمَد حاكما فعليا، وما عناه ذلك من تثبيت قواعد اللعبة السّياسيّة كما سادت منذ استيلاء آل خليفة على الجُزُر، عُنْوةً، في 1783م، قادمين من الزبارة، ثم تلقيهم دعمًا هائلاً إثر التغلغل البريطاني في البحرين بداية من 1820م.

إطاحة عيسى بن علي تدبير قد يُحاكم بعض الماضي في أحسن تفسير له، وفي جوهره محاولة من المُستعمرين لغسل أيديهم من الموبقات التي طالت عصره: عصرهم، فهو عصر واحد، أما تنصيب حاكم جديد فهو من القرارات الحاسمة والاستثنائيّة والمؤثرة في مستقبل الجُزُر، وهو ترجيحٌ لكفة طرف ضد المكونات السّياسيّة والشعبيّة الأخرى، لمئة سنة تالية، وما زالت مفاعيل التّنصيب سارية المفعول، نظراً لما عناه من استمراريّة المَلكيّة الوراثيّة، بكل دلالاتها القاطعة من أحاديّة واستئثار.

لم تُجْرِ بريطانيا بإجراءاتها في العِشرينيّات تغييراً في النظام، فقد حافظت على الحكم الوراثي الذي دشنته في 1869م، ثم أكّدته في 1923م بتنصيب حَمَد نجل عيسى، في انقلاب أبيض في القصر، بدل التحوّل نحو المشاركة الشعبيّة، الأمر غير المُفكّر فيه، شعبيًّا، حينها، بالقدر الذي نضج في السّنوات التالية، بيد أنه واضح لدى البريطانيين بوصفهم أصحاب تجربة عريقة في بناء دولة تقوم على أسس عَقديّة واضحة، وتغييبهم للمسائل المتعلقة لما يعرف بالحكم الرشيد، في البحرين والمنطقة، كان قراراً واعياً وممنهجا.

الكتابات غزيرة عن تلك المجريات، وبعضها مهم، وتجِبُ الاشادة بنشر ملابسات احالة ابن علي للتقاعد والتعقيدات التي رافقتها، بيْد أنّ هناك أمراً يبعث على التساؤل والدهشة، وهو إهمال الترقية الاستعماريّة لحَمَد في النّقاشات العامّة والكتابات الوافرة، ولعل جُل المقاربات التي أرّخت لتلك المرحلة، همّشت، بوعي أو من دونه، ما عناه تنصيب حاكم جديد من تثبيت عرش آل خليفة وتهميش المواطنين، ويندر أن تجد عنوانًا لكتاب أو بحث أو مقال عن تولي حَمَد للمشيخة، ونتجَ عن ذلك ملأ الفضاء العام بكتابات تدّعي أن أحداث 1923م أدّت الى قيام "دولة حديثة"، قضت على نظام القبيلة أو قلّصت منه.

يفترض بتلك "الرغبوياّت" ان تقوض نهائيًا، لا أن يعاد تكرارها بغزارة، بعد اتضاح ما خلفته قرارات الإنجليز البائسة من سيادة القبيلة، وتأصيل الأحاديّة، وديمومة عدم الاستقرار.

إن الخطأ الذي ساد تمثّلَ في اعتبار الخلع نصاً رئيسياً والتعيين الجديد حاشية. نعم، البعدُ الهامشيُ قد يكون محورياً إزاء حدث آخر أقل منه شأنا، ثم من قال إن الوقائع الجانبيّة أو غير المركزية لا تستحق دراسةً وتأمّلًا؟

ثانياً: مجلس التّنصيب

الوثائق تفيد ان ولي العهد، حَمَد، تولّى مسؤوليّة إدارة الجُزُر، في 26 مايو (أيار) 1923م، "بصفته الوكيل المفوض بالكامل من أبيه" ، ابن علي، المحال للتقاعد، ولم يُعلن الإنجليز تنصيب حَمَد حاكما بشكل رسمي، وإنما عيّنوه في منصب نائب الحاكم .

كما لم يعلنوا خلع ابن علي عن الحكم بشكل رسمي، فقد احتفظ بـ "لقب شيخ الجُزُر"، على الورق، ومن دون صلاحيات.

لدى حكومة البحرين بعض الحق حين تعتبر في أدبياتها بأن حكم ابن علي امتد بين 1869م إلى لحظة وفاته في 1932م، وأنّ حكم حَمَد بدأ من 1932، وليس في 1923م، وليس لدي تفسير عن تغييب مسمى حَمَد نائباً للحاكم في الرّواية السّائدة.

جاء تسلم حَمَد لمسؤوليّات الحاكم بعد أن "حاول بكل جرأة إبقاء والده على سدة المَشْيَخة"، لكنه لم يستطع إقناع الإنجليز الذين كانوا قد قرّروا "إدخال دم (خليفي) جديد، وتدعيم الإدارة" بالمسؤولين البريطانيين المباشرين .

وجد حَمَد والعائلة الحاكمة أنفسهم في وضع معقد، وأنّهم على وشك إغضاب الإنجليز، وخسارة الأموال التي قد تنتج من بيع النّفط الذي تدّفق في العراق وإيران ومن المحتمل اكتشافه في البحرين، كما أنّ ثروة العائلة الحاكمة تنامت بسبب تحسين نظام الضّرائب، الذي بدأ الإنجليز بالعمل عليه في العشرين سنة الأخيرة من حكم ابن علي، بل من المحتمل ان يخسر حَمَد الحكم لصالح أي طرف خليفي آخر؛ كأخيه الأصغر عبدالله الأكثر قرباً لوالده ويتحدث باعتباره الوريث، ويجد مناصرة من بعض رموز الأسرة الحاكمة والدّواسر، الذين يُجمعون على الحفاظ على الوضع الراهن، والمكاسب المتأتية من إيرادات تطبيقات نظام السّخرة على البحارنة.

أبلغ الإنجليز، في 20 مايو (أيار) 1923م، ابن علي بالإجراءات التي يعتزمون اتخاذها، وأبوا منحه وثيقة مكتوبة تطلب منه التنحي، يبرر بها قبوله النزول عن العرش أمام عائلته ومناصريه، باعتبار ذلك قراراً بريطانيًّا، كما رفضوا طلبه باستشارة النّخبة السّنيّة في قرارهم تبديل رأس السّلطة، وسبق لهم أن توعدوه باللجوء إلى القوة لعزله، ونفي نجله عبدالله إلى الهند إذا عارض الإجراءات السّياسيّة والإداريّة التي يقررونها .

مثل أي تغيير في قمة الهرم، لم يكن الأمر سهلًا، واحتاج إلى كثير من الجهد والحجاج والضغوط والمناورات والتمهل والتدرج وتهيئة الأرضيّة، وابن علي تحدى طويلاً، وفي نهاية المطاف جرى التفاهم داخل العائلة الحاكمة بقبول المرسوم الإنجليزي، واشترك نجلا الحاكم: ولي العهد حَمَد، والنجل المقرب عبدالله، بإقناع والدهما بقبول الصفقة التي تبقي ابن علي في منصبه الشكلي، وتعيين نجله نائباً له وتسليمه مقاليد المَشْيَخة، فما كان من ابن علي إلّا النزول على حكم القوي، والأخذ بما انتهى إليه التوافق بين أقطاب الأسرة الحاكمة، ثم حثّ عياله ورموز عائلته والقبائل المناصرين له بالطاعة للولد الذي "ربّيته" والذي أصبح حاكمًا . وفي الملكيات، أهم دور لرأس الدّولة ضمان نقل الحكم لولي العهد، كما استلمه ممن سبقه.

ثالثاً: مات الملك.. عاش الملك

في مجلس تنصيب حَمَد (26 مايو 1923م)، وبّخ الإنجليز ابن علي، كي يسوّغوا سحب الصلاحيات منه، لكونه غير قادر على مجاراة متطلبات "الإصلاح الإداري"، لكنهم أشادوا به ليبرّروا استمراره في منصبه الاسمي، والأهم مُضيّهم في التحالف الإنجليزي – الخليفي.

لاحظ الإنجليز أنّه على الرغم من الظروف المعقدة التي أحاطت بحكم عيسى بن علي الطويل، و"أطماع" كل من إيران والسّعوديّة وعُمان في الجُزُر، فقد تمكّن من تحقيق "إنجاز لا يستهان به"، بيد أنه "صار شيخاً كبيرًا"، وبلغ الخامسة والسّبعين من عمره، وعليه "قضاء سنوات تقاعده بسعادة، بعد العمل والتعب لأعوامٍ طويلة من الحُكم الشاقّ"، وذلك بعد أن ثمّنوا جهوده "صديقاً مخلصاً للحكومة البريطانيّة"، وقدّروا ما "تنعّمت" به البحرين، في ظل إدارته لمدة خمس وخمسين عاما، من "السّلام والأمن والثروة، والتجارة، والزراعة"، وقرروا ان على "جميع" ممثلي البحرين شكره على "ما فعله من أجل هذه الجُزُر، فلم يخلّف وراءه عدواً أو حاقداً" .

وتُروّج سيناريوهات مستندة إلى صراع الأجنحة في الأسر الحاكمة على أمل البناء عليها للوصول إلى صِيَغ إصلاحية في الملكيات الخليجية، وفي حالات كثيرة تحدث مغالاة في مآلات هذه الصراعات، ويُفترض البعض أنّ أجنحة الأسر الحاكمة، وهي تخوض معاركها الدّاخلية، ستكون معنيّة بتقديم تنازلات لصالح دولة المؤسسات والقانون والشراكة السّياسيّة، بيد أنّه لا سند واقعي لأغلب هذه الفرضيّات، وإذا حدث واشتد الصراع حول السّلطة في داخل القصور، فإنه عادة ما يحسم لصالح طرف، ثم يرفع بقية افراد العائلة الحاكمة ومواليها شعار: "مات الملك.. عاش الملك"، وينقلون ولاءهم للحاكم المُتغلّب، وهذا ما شاهدناه فعلياً في الملكيات الخليجية وفي البحرين، مع وجود إرباكات وتفلتات هنا وهناك.

لقد أعتلى الشيخ حَمَد مركب الإنجليز، ليس فقط لأنه قارب النجاة الوحيد المتاح، بل لأنه القارب الذي تحالفت معه العائلة الحاكمة منذ قرن، ثم انه لم يعتلِ المركب وحيداً، فقد ركب معه أخوه عبدالله ورموز العائلة الحاكمة والموالين، الذين خضعوا للإرادة البريطانيّة، وبايعوا حَمَد حاكمًا فعليّاً.

وحين وصل بلجريف بصفته مُستشاراً، في 1926م، تعامل مع حَمَد وليس والده، وهكذا فعل كل المسؤولين الإنجليز.

رابعاً: المبادئ الأربعة للحكم

على الحاكم، أوّلاً، أن يخاف الله ولا يخشى الخوف فهو عدو لصاحب السلطان. وثانياً، أن يتجنب "الكره والحب"، فهما ليستا من صفات الحاكم، بل من سمات "الرّجل الضعيف". كما على الحاكم، ثالثاً، عدم الاستعجال في اتخاذ قرارات أو السرعة في تطبيقها، بل عليه التريث لمدة يوم كامل، قبل إنفاذ أمره "بالمكافآت والعقوبات"، ليتأكد من سلامة موقفه، والقاعدة الثالثة هذه مُعتمدة في سفن البحرية البريطانية.

تلك ثلاثة مبادئ لقّنها المُقيم السياسي إلى الحاكم الجديد، وجها لوجه، وها هو يذيعها مرّة أخرى في جلسة مايو، بشكل علني، "كي يسمعني الآخرون الحاضرون"، وفي ذلك ما لا يليق، سواءً في العرف الدبلوماسي أو القبلي، أو في التراتبية السّياسيّة؛ لأن حاكم البحرين هو حَمَد وليس نوكس، ثم كيف لموظف غريب أن يسدي نصحاً لحاكم وبهذه القسوة؟ بعد ذلك، لا نحتاج إلى أدلة إضافية لمعرفة من هو الحاكم الفعلي.

المبدأ الرابع الذي أسداه نوكس للحاكم الجديد، يتعلق بالجانب المالي، وقد فصّله تفصيلاً بالأمثلة والتجارب المحلية والدولية، داعياً حَمَد أن يكون "بخيلًا" في الإنفاق الخاص، وأن يتعامل كرجل دولة فيما يتصل بالمصاريف، وألّا يتسبب في إهدار الموارد، وألّا ينفق الأموال "على نحو رديء"، وألّا يكلف المَشْيَخة أعباء باهظة "بمنح هدايا" غالية الثمن، اعتباطاً، أما في "المشاريع التي تحقق التقدم العام لشعبك (يجب أن) تنفق المال عليه بكلتا يديك".

وإضافة إلى أمور أخرى، تتمثل أولويات الحاكم الجديد، من وجهة نظر نوكس، في "احترام السُمعة الحسنة لأبيه، ومنفعة آل خليفة، ورفاهية المجتمع السنيّ".

إنها أولويات عرجاء، وقد أدخل تطبيقيها الجُزُر في متاهة عدم الاستقرار، وأخشى أن بعض تلك الأولويات لا تزال مُفعّلة، خصوصاً "منفعة" الأسرة الحاكمة، وكان حرياً بنوكس حث الحاكم على العدالة، والمساواة، والسعي للصالح العام، وعدم التفرد بالرّأي، والاستماع إلى صوت الشعب، والاهتمام بالفقراء والغاصة، وبناء المدارس والمستشفيات!

ولست بصدد محاكمة تلك المبادئ، أو مقارنتها بنصائح مكيافيلي، أو بتوصيات الإمام علي لمالك الأشتر حين ولّاه مصر، لكني أشير إلى أن نوكس كان داعماً لحَمَد وقاسياً عليه، في آن، كما كان شاكراً وموبخاً لوالده، في الوقت عينه، وهذه رسالة دعم مشروطة، وليست شيكاً على بياض ، وقد خَبِرَ رموز الحكم أن غضب الإنجليز قد يؤدي إلى عزل حكام ونفي آخرين، أو دك قصورهم، كما جرى في مناسبات سابقة.

خامساً: تعهّدات الحاكم المُعيّن

في خطاب ألقاه في المجلس المنعقد في 26 مايو (أيار) 1923 ، أوضح الحاكم المُعيّن أنه حمل على كتفيه مسؤوليّة المَشْيَخة "طاعة للأوامر" الصادرة من الحكومة البريطانيّة، متعهّداً بالسّير على خطى والده الذي "كان حريصاً دائمًا على الحفاظ على السّلام".

كما تعهد بالعمل على "نشر التعليم، والمرافق الصحية العامة"، وهي أولويات أهملها المُقيم السياسي، إضافة إلى "تعزيز ازدهار البلاد، وتشجيع التجارة والزراعة".

كان الشيخ حَمَد مرتاحاً من التفاف العائلة حوله، خصوصاً الأطراف المنافسة له، "وأشكر الله بأني أستطيع الاعتماد بالكامل على أخي الشيخ عبد الله" ، في تسيير شؤون الحكومة، وقد قُرِئَ الخطاب من طرف محمد، شقيق الحاكم، باسم الحاكم المُنصّب، للدلالة على وحدة العائلة الحاكمة بشأن قبولها الانقلاب الأبيض، وقرار الإنجليز بنقل السّلطة إلى ولي العهد، الذي أصبح نائباً الحاكم رسمياً، والحاكمُ فعلياً.

وفي محاولته، إظهار أخذه التعليمات الإنجليزيّة على محمل الجد، وان الأيّام المقبلة ستشهد تغيّراً، قال، مخاطباً عائلته والقبائل المساندة له، والتي اعتادت النجاة بأفعالها الخاطئة، بأنه "لن يتدخّل في المستقبل لوساطة نيابة عن شخص مذنب، لمنع معاقبته"، وهذه وعود برّاقة اعتاد الحكّام الجدد إطلاقها، لكنها في حالة البحرين لم تجد سنداً على أرض الواقع، وظلّت العائلة الحاكمة فوق القانون، الذي يطبقه الإنجليز وفق ما يشتهون.

وفي استمرار للخطاب الدعائي، اعتبر الحاكم الجديد أنه "مسؤول أمام الجمهور عن عدم هدر المال العام"، وأنّ "أولى واجباتي حماية إيرادات الحكومة، وتخصيصها لتحسين وتعزيز وتوسيع التجارة، ولمآرب تؤدي إلى تحسين حالة بلدي وحكومتي"، بيْد أنّ موازنة العام 1927، تظهر ان "المبلغ الكلي الذي دُفع للعائلة الحاكمة من صناديق الحكومة مقداره 509,464 روبية"، أي أكثر من نصف "عائدات الحكومة الإجمالي المخصّص، البالغ 990,000 روبية"، وكتب المُعتَمَد السّياسي إنه "لا يمكن لنا أن نتغاضى عن مسؤوليتنا، ففي حال تُرك الأمر للشيخ حَمَد فإنّه سيبتلع كامل عائدات الحكومة" .

أمّا بشأن السّخرة، فقال الشيخ حَمَد "سأتخذ الترتيبات اللّازمة بحيث يمكن فرضها (الضّرائب) بالتساوي على الجميع، ويجب أن يكون مبلغ الضريبة معروفاً علنًا، حتّى لا يتمكن أي مسؤول من أخذ أكثر من المبلغ المحدد"، بيْد أنّ الشيخ حَمَد لم يؤيد هدم الإقطاعيّات عن طيب خاطر، ولم يكن غرساً استثنائيا، كما لم يكن الخلاف بين إصلاحيين يمثلهم الحاكم المُعيّن، وغير إصلاحيين يمثلهم الحاكم المعزول، فقد كان "في قلب حَمَد، مثل كل آل خليفة، أن البحارنة وُجِدوا لإهانتهم وسلبهم وظلمهم"، كما أفاد الميجر ديلي، المُعتَمَد السّياسي المكلّف بتنفيذ الإجراءات البريطانيّة، والذي شغل منصبه في البحرين بين 1921- 1926م.

ظل حَمَد مهموماً بتحجيم البحارنة الذين تحرروا من قبضة السّخرة، وباتوا قوة سياسيّة واعدة، وهم يعملون الآن للتواصل مع النخبة السّنيّة في ظل سعيهم ليكونوا جزءاً من "المعادلة الوطنيّة" قيد التشكيل، كما كان حَمَد مشغولاً بإعادة الدّواسر، أبرز العوائل الدّاعمة لوالده، الذين هاجروا إلى شرق الجزيرة، في إطار سعيه خلق توازن مع البحارنة.

والخلاصة، فليس من الغرابة أن يبدأ الحاكم الجديد بوفرة من الإعلانات الإيجابيّة، من أجل خلق أجواء طيّبة بداية حكمه، بيْد أنّ خطاب حَمَد لم يكن كله وعوداً، فقد وجّه تحذيراً شديد اللّهجة في حال "وجدت أشخاصاً يتآمرون أو ينغمسون في أي أعمال ضارة، فسوف أتخذ الإجراء اللازم لتأديبهم".

سادساً: الخلاف البريطاني الخليفي

القراءة المستعجلة لـ "إعلان نوكس" الذي تضمّن نقداً لآل خليفة، قد تأخذ المتلقي وبعض الكتابات إلى استنتاجات خاطئة، وكأن الإنجليز بصدد الاطاحة بالحكم القبلي واستبداله بنظام "ويستمنستر" آخر، أو بنظام أكثر عدالة، أو كأن الأسرة الحاكمة بصدد فك ارتباطها بالإنجليز، ولا توجد أية شواهد تدعم هذا التصور، في السابق أو اللاحق، فلم يفكّر الإنجليز في كسر هذا التحالف، ولا آل خليفة سعوا نحو ذلك.

ولاشك أن البريطانيين كانوا مهيمنين على الوضع، وقد تحدث نوكس بلغة تهكميّة إلى رموز آل خليفة الحاضرين في مجلس التّنصيب، ولفت نظرهم إلى أن "من يبذل منكم طاقاته من أجل مساعدة الشيخ حَمَد سيكافأ بسخاء، ومن يرتكب الحماقات سيُحرمَ من المال تمامًا وينال العقاب"، لكنه يتنازل عن كل ما سبق من وعيد، عندما قال بأنه "ينبغي أن يكون الشيخ حَمَد هو الشخص الذي تنتظر منه الفئات كلها المكافأة والعقاب".

ذلك يعكس بوضوح أن تركيز نوكس كان منصباً على ترسيخ حكم الشخص الذين عّينه، ثم أنّه يمكن للإنجليز لوحدهم التهكم على آل خليفة والحاكم، وقيام أي طرف شعبي آخر بذلك سيكونون له بالمرصاد، أما الحاكم الجديد الذي أحال إليه نوكس العقاب والمكافأة، فلم يكن مفاجأ أنه لم يتخل عن قيم القبيلة، ولم يعاقب أفراد أسرته، إلّا أولئك الذين يريدون الكرسي، وهذه مسألة مختلفة، ولم يواجه حَمَد تحديات تصل إلى هذا الحد.

بعد تعيينه، وجّه الحاكم الجديد، حَمَد، الشكر "للعقيد س. ج. نوكس، المُقيم السّياسي في الخليج الفارِسي على المساعدة التي يقدمها لنا"، وهذا مدعاة لوضع الخلافات البريطانيّة – الخليفيّة، ومجريات العِشرينيّات الصاخبة، في سياقها الأوْسَع، الهادف إلى تحويل الجُزُر مستعمرة بواجهة خليفية.

لقد أثبت هذا الحِلْف السياسي غير المتوازن، حيث تابع ومتبوع، متانةً في وجه التحديّات الدّاخلية والخارجية، والحقيقة الساطعة تفيد بأنّه لا دقة للافتراض بأنّ البريطانيين كانوا معنيين بحقوق المواطنين وبالإصلاح، فهذه دعاية تكذبها وقائع مئتي عام من العلاقة الوطيدة بن الحُكم ولندن، وهو أمر يعيه الشيخ المُعيّن، الذي شكر الحكومة البريطانيّة "على مساعدتها القيمة لنا في الماضي وآمل أن يساعدونا وحكومتنا في المستقبل في التقدم العام وتوسيع تجارة رعايانا وذلك سيحافظ على العلاقات الودية بيننا" .



#عباس_بوصفوان (هاشتاغ)       Abbas_Busafwan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل المُحتوى لـ “خطاب التّنصيب”
- البحرين.. الطّريق إلى نظام 1923
- البحرين: التأثيرات الجيوسياسية: المَشْيَخات وفارِس
- الغايات الكبرى للإنجليز في عشرينيّات القرن العشرين
- البحرين 1923: إجراءات استعمارية في قالب حلوى


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عباس بوصفوان - التولية نص رئيسي.. والتنحية حاشية