أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ساطع راجي - عقيدة القسوة














المزيد.....

عقيدة القسوة


ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 6643 - 2020 / 8 / 11 - 00:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من وقت لآخر تظهر للعلن تجاوزات واعتداءات يقوم بها عناصر اجهزة امنية وعسكرية ضد مواطنين مدنيين، كل مرة يحدث ذلك يشعر المجتمع بالصدمة او يفتعل الشعور بالصدمة لأنه يعرف ان هذه التجاوزات تحدث يوميا منذ مايزيد على القرن، هي تحدث منذ ايام الدولة العثمانية ولا تقوم بها اجهزة الدولة الامنية والعسكرية فقط بل يقوم بها كل من توكل اليه الدولة مهمة حماية امنها سواء كان شيخ عشيرة او شقي احدى المحلات او رجل ميليشيا، وهذا التاريخ المؤلم ننسفه دائما بسبب الانحيازات والولاءات السياسية فنتعامل مع كل حالة تجاوز او اعتداء وكأنها حالة فريدة وليست جزءا من تراثنا الوطني والاجتماعي وتقاليدنا العريقة!!، حتى ان احد كبار شيوخ الجنوب مثلا كان يربط بعض ابناء قبيلته بدل الدواب ليدوسوا الاشواك وكأنهم يدوسون (احدى مراحل تنقية الحبوب) قمحا او شعيرا.
لقد سجل كثيرون حالات شخصية عديدة للتعذيب والقسوة تعرض لها مواطنون عراقيون وغير عراقيين في دهاليز الاجهزة الامنية العراقية خلال حكم صدام الذي امتد مايزيد على الثلاثين عاما، وقام مسجلو الحالات غالبا بالقاء اللوم على نظام الحكم فقط، طبعا النظام مسؤول فعلا عن التوجيه بالتعذيب والاهانة وادارة هذه الجرائم لكن المجتمع هو الآخر شريك في الجريمة للاسف حيث استمر الازدحام لعقود على ابواب المؤسسات الامنية القمعية للتطوع فيها مع الاستعانة بالوساطات والرشاوى لتحقيق هدف الانتساب ومن ثم النجاح في تسلق هرمها الوظيفي عبر التفنن في ايذاء المواطنين واستخدام اشد الاساليب قسوة ودناءة من اجل تنفيذ مهمات كلفوا بها او تطوعوا هم لتنفيذها، وكان عناصر هذه الاجهزة من كل مكونات المجتمع وطبقاته وبمختلف مستوياتهم الاقتصادية والعلمية، ولم يفتقر اي قطاع من قطاعات الحياة الى وشاة وقساة دمويين.
إن تغيير الانظمة يحدث في كل الاحوال لكن تغيير الشعوب صعب، او ان تغير الشعوب من قيمها الحقيقية صعب جدا، في حمى الانفعال والقشعريرة والقرف من مشاهد التجاوزات والاعتداءات تتصاعد أصوات تطالب بنصب مشانق سريعة في الساحات لدق اعناق المعتدين، هذا المطلب بذاته تجسيد لقسوة المجتمع الكامنة الذي يستحضر بوعي او من دونه تقاليد نصب المشانق التي لطخت حياتنا بالدم بذريعة الاقتصاص من "الخونة او العملاء او الجواسيس او اليهود او التجار"، مشانق علنية دربت الوحش في جوف المواطن الذي يريد ادعاء اللهفة على العدالة بينما هو لا يمتلك اي معلومة فيطلق دعوته لشنق اي شخص يعرض في التلفزيون على انه مجرم بينما عملية العرض التلفزيوني نفسها جريمة.
هذا المواطن الملهوف على العدالة العلنية الدموية السريعة يمكن ان يصير منتسبا في جهاز أمني او عسكري او ان احد ابنائه يصير هذا المنتسب وسيقوم هو بتنفيذ "العدالة" او ما يظنه العدالة بنفس طريقة المنتسبين المتجاوزين والمعتدين الذين يعتقدون انهم القانون نفسه، هم الشرطة والقضاء والسجان والجلاد، وبهذه الدورة يتحول المطالب بالعدالة الى مجرم فعلا بينما ضحيته مجرد متهم.
النفس البشرية مليئة بالقسوة والشر، التجاوز الامني هو احدى حالات التعبير الحادة عن ظلام هذه النفس التي تنطلق حالما تشعر بالقوة سواء في امريكا او العراق او اي بلد اوربي او عربي، هناك اختلاف في النسبة بحسب الظروف لكن في النهاية كلنا نحمل ذات الظلام مالم تهذبنا الحياة بالتعليم والقراءة والتربية والوعي، والمؤسسات الامنية والعسكرية في كل العالم مصانع للقسوة ولذلك اتجهت المجتمعات الحديثة لتقليص دور هذه المؤسسات في ادارة الحياة.
ليس من السهل على مجتمع تغيير قيمه الدموية طالما هو يتجاهلها وينساها معظم الوقت واذا ما حدث ان عكرت نسيانه حادثة ما انتفض لإيام يستنكرها لينساها لاحقا بسرعة مكتفيا بإجراءات روتينية بسيطة وفردية، وليس من السهل على مجتمع تغيير قيم العنف ونخبه تتجاهل العنف الذي مارسته وتمارسه قوى سياسية ويتم تبييض صفحاتها الدموية لأسباب وقتية فيصير القاتل التاريخي صانعا للسلام رغم ان العنف عقيدته الحقيقية التي يواريها ويعلنها حسب حاجته، ليس من السهل على مجتمع ان يغير معتقداته العنيفة وفيه جماعات تطالب بحاكم عسكري من وقت لآخر وهي ترقض الاقتناع بإن هؤلاء المتجاوزين والمعتدين سيشاركون في الحكم ايضا ولن تنفع كلمة "عادل" التي يضيفونها الى مطلبهم، الحكم العسكري المعلن او غير المعلن (في حال هيمنة الجماعات المسلحة) يشبه الحكم الديني المطلق لا يقبل الاعتراض او النقد او الشكوى، وفي معظم الحالات فإن الحاكم العسكري لا ينهي الظلم انما يقطع ألسنة المظلومين.



#ساطع_راجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدالة المجنونة
- حوار حزيران
- عشرون شتاءً.. زمن الذاكرة العادية
- حكومة خير الأمور
- الركود وحياة المطار
- خلافات التحالف الوطني
- معركة الأحزاب
- فشل تشريعي
- 2532
- تسعيرة الداعية والمدرب
- نظام بطعم الفوضى
- غرور طائفي
- مذبحة مساء الاثنين
- رسالة واحدة مهمة
- هواتف بايدن والصمت الامريكي
- إنقسام المتظاهرين
- حرب الحكومة والبرلمان
- فتنة الأمن
- فعالية الخارج وعجز الداخل
- ضحايا نسياننا


المزيد.....




- ترامب يختار سناتور أوهايو جي دي فانس لمنصب نائب الرئيس في ال ...
- ترامب يحصل على أصوات كافية ليصبح مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة ...
- زفاف أمباني -الحدث الأكبر على الكوكب- ونهاية مؤثرة لمحاكمة ب ...
- كيف تفاعل السوريون مع رابع انتخابات برلمانية تشهدها البلاد م ...
- -جثث مقطعة ومحترقة ملقاة على الأرض-: نحو 80 قتيلاً فلسطينياً ...
- بطولتان مثيرتان للطائرات الورقية وركوب الأمواج في ساليناس بج ...
- جاؤوا لحضور مباراة كأس أمم أوروبا فكان الموت بانتظارهم.. مقت ...
- محاولة اغتيال ترامب.. هل بمقدور أمريكا تجنب العنف السياسي؟
- عقوبات أوروبية على -مستوطنين متطرفين- وكيانات إسرائيلية
- أرمينيا.. انطلاق مناورات -إيغل بارتنر 2024- بالشراكة مع الول ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ساطع راجي - عقيدة القسوة