|
مصر بين تركيا وأثيوبيا والمستقبل
عبدالجواد سيد
كاتب مصرى
(Abdelgawad Sayed)
الحوار المتمدن-العدد: 6608 - 2020 / 7 / 2 - 17:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت أحداث شهر يونيو الماضى هذا شديدة التميز فى التاريخ المصرى، إذ تعلقت بصراعيين كبيرين دفعة واحدة ، صراع الحرية ، وصراع المياه ، صراع الحرية مع الخصم التركى ، وصراع المياه مع الخصم الأثيوبى، وقد زاد المشهد تميزاً بأن ذلك قد حدث فى شهر يونيو، والذى هو بدوره شهر مميز فى التاريخ المصرى ، ولنبدأ بالصراع التركى. فى يونيو الماضى إنعكست مجريات الحرب الليبية بشكل دراماتيكى غير متوقع ، ترتب عليه إندحار قوات حفتر الزاحفة على العاصمة طرابلس، وإنسحابها السريع حتى حدود سرت والجفرة ، الحدود التقريبية الفاصلة بين الشرق والغرب الليبى ، ومنابع البترول الخصبة أيضاً ، وذلك بسبب التدخل التركى الحاسم والذى أعلن عن نفسه صراحة ، فى جيوش ومرتزقة وقواعد عسكرية فى الوطية ومصراتة ، بشكل إضطر الرئيسى المصرى، البطىء بطبعه ، إلى التدخل والإعلان عن أن سرت والجفرة خط أحمر ، ليقف الزحف التركى فعلاً ، وتبدأ مشاورات ومفاوضات بين تركيا وروسيا وفرنسا والمجتمع الدولى ، فى غياب مصر وبدون علامة تعجب ، حول ضرورة إستئناف المفاوضات وتغليب الحل السلمى. لكن ذلك ليس موضوعنا ، موضوعنا هو المشهد فى الداخل المصرى، والذى إنفجر فى صراع فى العالم الإفتراضى، لايختلف كثيراً عن صراع ثورة يونيو ، إذ إنقسم المصريون ، علانية ، وبشدة ، بين الحزب الإخوانى المؤيد لأردوغان وميليشياته ، وبقايا حزب 30 يونيو المؤيد للسيسى وجيشه ، فى مشهد يذكرنا فعلاً بثورة يونيو ، مع الإختلافات شديدة الأهمية ، التى إتضحت فى كون الحزب الإخوانى ، وبرغم هزائمه ، قد إزداد شراسة وقوة ، بسبب وحدته وإيمانه بهدفه ، وإحترامه لقائدة وإمامه الجديد ، رجب طيب أردوغان ، أما حزب 30 يونيو، وبرغم كثرته العددية ، فقد إزداد ضعفا وتردد ، بسبب تفرقه وإختلافه حول قائده الديكتاتور ، المثير للجدل ، الذى لم يؤمن أبداً بشعب 30 يونيو ولا بثورته ، وألغى دستوره ، وإحتقر مدنيته، وقام بحشر كثير من أعضائه فى سجونه مع الإرهابيين والقتلة. هذه هى الصورة المؤسفة التى كشفت عنها الأحداث فى يونيو الماضى ، شهر الثورة، حين لم يكن الإخوانى اللئيم فى حاجة لأكثر من أن يصفك بالسيساوى ، ليجعلك تتراجع مدافعاً عن نفسك ، بأنك ثائر ، ولست سيساوياً ، لكن بلا جدوى ، لقد أصبحت سيساوى، إنقلابى فعلاً ، خسرت قضيتك ، قضية الحرية التى قاتلت من أجلها سبعة أشهر فى الشوارع ، ضاعت ، تبددت ، تبخرت ، أصبحت عاراً بعد أن كانت فخراً ، فقط لإنها ضلت الطريق، ولم تجد القائد المناسب ، القائد المناسب الذى كان يمكن أن يقودها إلى الحاضر والمستقبل ، لتلعب الدور الذى شاء له التاريخ أن تلعب ، مع ذلك فالدرس الهام الذى خرجنا به من ذلك الجدل ، هو أن مصر لم تمت ، ثورة يونيو لم تمت ، أيقظها التحدى التركى فخرجت من سباتها وضعفها ، مصر فقط تبحث عن قائد ، عن حزب سياسى فاعل ، عن عقد إجتماعى صادق ، عن عهد حقيقى بالديموقراطية ، وحكم القانون وتداول السلطة ، فى حماية المؤسسة العسكرية ، كأغلب تجارب التحول الديموقراطى الحديثة ، ممكن ، ولكن ليس فى حكمها أبداً ، هذا هو المستقبل. أما التحدى الإثيوبى حول مياه النيل ، والأخطر ، فإن جذوره التاريخية ، وملابساته السياسية أصبحت معروفة ومتداولة ، ولاداعى لتكرارها ، هنا فقط نكمل القصة ، والدروس المستفادة منها ، والتى وصلت إلى نهايتها ، ليس حول بناء سد من عدمه ، ولكن حول قواعد ملء وتشغيل السد ، بإتفاق يلحق أقل الأضرار بدول المنبع فى مصر والسودان ، تم توقيعه بالأحرف الأولى فى واشنطن فى نهاية فبراير الماضى هذا، لتفاجئ إثيوبيا العالم بعد ذلك ، بالإنسحاب منه ، معلنة بكل وضوح ، النيل نيلنا ، والمياه مياهنا ، ولاداعى لأى إتفاق ، كأنه بئر بترول، أو حقل غاز ، وليس ممر مائى دولى ، لتدور بعد ذلك محاولات من المفاوضات اليائسة ، إنتهت بطرح مصر الأزمة ، التى تهدد وجودها ، على مجلس الأمن ، والذى عقد لها جلسة تشاورية يوم الإثنين الماضى 29/6/2020، والتى هى لب موضوعنا ، والتى تحتاج منا كل إنتباه وتركيز ، لنخرج منها بالدروس المستفادة الكبرى، المتعلقة بموقف العالم من أزمتنا المهددة للحياة تلك ، والتى لايمكن فيها المجاملة ولا المراوغة ولا شئ سوى التأييد المطلق . أمريكا وبريطانيا وفرنسا تدعم موقف مصر فى رفض التصرف الأحادى من أى جانب ، لابد من إتفاق الدول الثلاث قبل ملء وتشغيل السد، روسيا والصين، تدعم إستمرار المفاوضات حتى الوصول إلى حل مناسب ، دون ذكر شرط عدم التصرف الأحادى، أما جنوب إفريقيا، فتريد نقل الملف إلى البيت الإفريقى والسلام. أمريكا وبريطانيا وفرنسا المؤيدين لموقف مصر فى هذا الظرف الصعب ، هى الدول الإستعمارية التى تمتلئ بها ثقافتنا السياسية سباباً ليل نهار، أما الصين المراوغة، الممول الأول لسد النهضة ، فهى الدولة الصديقة التى قامت وزيرة الصحة المصرية بزيارة هزلية تضامنية اليها مع بدء جائحة كورونا ، أما روسيا بوتين ، المراوغة الكبرى ، المدمر لإقتصادنا بإيقاف السياحة ورحلات الطيران إلى سيناء، فهى صاحبة النصيب الأكبر فى مشتريات سلاحنا، و القواعد على أرض بلادنا ، أما جنوب إفريقيا، فليست معنية فى الواقع سوى بإنقاذ شقيقتها الإفريقية من براثن مجلس الأمن ، ونقل القضية إلى الحضن الإفريقى الحنون. أخى المصرى، كل ثقافتنا السياسية فى حاجة إلى مراجعة شاملة ، ففى أزمات السياسة الكبرى، هناك دائما بعد حضارى خفى ، تماما مثل حنو جنوب إفريقيا على إثيوبيا ، وتردد السودان ، بين الشمال والجنوب ، ففى السياسة كما فى الحياة ، تظهر العائلات وقت الشدة تدافع عن أبنائها ، عائلتك اليوم ، وبصرف النظر عن أى خلافات ، هى الدول الإستعمارية الثلاث ، أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، فكيف يمكن تفسير ذلك، يمكن تفسير ذلك بأنك كنت يوماً قاعدة وإمتداد للعالم الغربى فى إفريقية والشرق الأوسط، الدول الكبرى لاتنسى ، بينما أنت قد نسيت، إقرأ كتاب طه حسين ، مستقبل الثقافة فى مصر ، لعلك تتذكر!!!
#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)
Abdelgawad_Sayed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نتنياهو وضم الضفة والخطيئة الكبرى
-
كورونا والإشتراكية الديموقراطية
-
كتاب أساطير الدين والسياسة-تأليف عبدالجواد سيد
-
رسالة شادى حبش إلى الأجيال
-
كورونا وصراع الحضارات
-
حرروا وزارة الخارجية الإسرائيلية من الحجر الصحى- نمرود جورن
...
-
خطة ترامب ليست الطريق لدفع السلام الفلسطينى الإسرائيلى-معهد
...
-
كورونا ونهاية التاريخ
-
الجذور التاريخية والسياسية للصراع المصرى الإثيوبى
-
حسنى مبارك بين السياسى والديكتاتور
-
حسنى مبارك فى ميزان التاريخ
-
الدور المصرى الغائب وتأجيج الصراع الإقليمى فى الشرق الأوسط و
...
-
الحرية للمعتقلين
-
مقتطفات من كتابى قصة مصر فى العصر الإسلامى/ العصر العثمانى
-
كل عام وأنتم بخير
-
ثورة العراق ولبنان، وداعش الكبرى إيران
-
المصادر الأصلية للقرآن -كلير تيسدال - الفصل الثالث - مؤثرات
...
-
الحرب الأهلية اللبنانية - ذكريات ومؤشرات
-
جامعة دمنهو ومقالى المغدور
-
حراك مصر والسودان وحزب فرعون
المزيد.....
-
جين من فرقة -BTS- شارك في حمل شعلة أولمبياد باريس 2024
-
العثور على أندر سلالات الحيتان في العالم
-
الجمهوريون يرشحون ترامب رسميا لخوض الانتخابات والأخير يختار
...
-
ليبرمان: نتنياهو يعتزم حل الكنيست في وقت مبكر من نوفمبر
-
هل تنهي أوروبا أزمة أوكرانيا دون واشنطن؟
-
موسكو: لا يوجد أي تهديد كيميائي لأوكرانيا من قبل روسيا
-
الولايات المتحدة تؤيد دعوة روسيا لحضور -قمة السلام المقبلة-
...
-
غروزني.. منتدى القوقاز الاستثماري
-
شاهد.. احتفالات زفاف العام الفاخرة لابن أغنى رجل في آسيا تتو
...
-
انتعاش الموسم السياحي في تونس
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|