|
كرم ممثلي الشعب
عزالدين ريكاني
الحوار المتمدن-العدد: 6553 - 2020 / 5 / 3 - 15:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في اكتوبر 1973 قررت الدول العربية حظر تصدير النفط الى الدول الموالية لاسرائيل و من بينها هولندا. قررت الحكومة الهولندية فرض تقنين للوقود و بادر رئيس الوزراء و أعضاء حكومته لتطبيق القرار قبل الجميع. و أتذكر ان التلفزيون العراقي عرض مقطعا يصور رئيس الوزراء الهولندي و أعضاء حكومته يذهبون الى دوائرهم بالدرجات الهوائية و كانت الحادثة محل سخرية و تندر للاعلام العراقي والعربي. هذه الحادثة تعكس مبدأ المساواة بين أفراد الشعب : حاكمين و محكومين و تشاركهم في السراء و الضراء. فحين تواجه الشعوب ضائقة أو أزمة يشارك المسؤولون أبناء شعبهم في الهموم و الضائقة ، و يصبحون قدوة لهم في إجراءات التقشف : يذهب رئيس الوزراء و الوزراء الى اعمالهم بواسطة الدرجات الهوائية و يتبعهم أبناء الشعب دون تململ أو شكوى ، ففي الديمقراطية الحقيقية الحاكم و المحكوم سواسية ، بل أعضاء الحكومة مجرد موظفين في خدمة الشعب يخضعون لحساب و رقابة ممثلي الشعب . تذكرت تلك الحادثة و أنا أشاهد نائب في البرلمان العراقي يجيب بعد مماطلة وكأنه يشعر بالخجل عن سؤال لمقدم أحد البرامج حول راتبه الشهري : 12 مليون دينارفقط مع 27 مليون دينار أخرى مخصصات حماية ، المجموع 39 مليون دينار عراقي يضاف إليها بدلات سكن و طعام .. إلخ . ما يتقاضاه النائب البرلماني يقارب ثلاثة و ثلاثون الف دولار أمريكي ، أي ما يعادل راتب رئيس الولايات المتحدة الامريكية و هي أغنى دولة في العالم حيث يتقاضى راتبا سنويا يعادل أربعمائة ألف دولار. و لك أن تتصور كرم هؤلاء المشرعين تجاه أنفسهم حين خصصوا لها أمتيازات و رواتب و مكافئات لا تتناسب و أمكانيات العراق الاقتصادية. أما رواتب و أمتيازات الوزراء و الرئاسات الثلاث فلن تجد مثيلا لها في أغنى الدول ، علماً إن العراق ليست دولة غنية كما يشاع فإجمالي الناتج القومي للعراق في عام 2018 كان 193 مليار دولار مقارنة ب 883 مليار دولار لهولندا و هي دولة أوربية صغيرة و أكثر من 200 مليار دولار لبيرو و لا أحد يعدها دولة غنية. و لم يكتف ممثلو الشعب بهذا النهب (المشروع !) ، و تحدثوا علانية في وسائل الاعلام عن تقاسمهم للكعكة و حصصهم من العقود و الاستثمارات . أما في حال حصول أي كارثة أو ضائقة فسيكون المسؤولون أول المغادرين -كما تغادر الفئران السفينة الغارقة- حيث صرح بعضهم علانية لوسائل الاعلام بقوله " كل واحد منا قد أمَّن مستقبله و مستقبل عائلته ، و إذا حصل أي طارئ فسيعاني (ولد الخايبة) " و يقصد الفقراء من عامة الشعب. أكثر من تريليون دولار سرقها الفاسدون من تحالف الثوار و أصحاب العمائم من ثروات العِراق مند عام 2003 و لحد الان. لم تقُم هذه الحُكومات الفاسدة ببناء أو إصلاح البنية التحتية المتهالكة : لا مستشفيات ، أو مدارس، أو جامعات، أو طرق و جسور، أو مصانع، و لا فرص عمل لجيش العاطلين عن العمل. و لم يكتفوا بذلك بل حاولوا حرمان المزارعين من مصدر رزقهم و فتحوا الباب لحاشيتهم لاستيراد اغلب المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية وغيرها من المواد الاستهلاكية من دول الجوار. و فيما يعيش ربع السكان تحت خط الفقر و معدل البطالة يقترب من عشرين بالمائة ، يتقلب أبناء النخبة الحاكمة في نعيم يحسدهم عليه الملوك : قصور فارهة، وسيارات فاخرة، و تعليم في أرقى الجامعات و المدارس الاجنبية ، ناهيك عن الأسثمارات والشركات و العقارات . كُل همهم النّهب وتوزيع الغنائم على الأبناء والأقارب ورَهط الحاشية و المُنافقين. أما المحظوظون من ولد الخايبة فينتظرون نصيبهم من فتات مائدة اللئام و لبقية أبناء الشعب دعوات وعاظ السلاطين بالزهد و الصبر على البلاء عسى أن ينعموا بمستقبل أفضل في الحياة الثانية .
#عزالدين_ريكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة إنتهاء ألامتحانات
-
هل کانت داعش تنوي تفجير قبر الرسول ؟
-
كلام يشبه سجع الكهان في متعصب أسمه غسان يكره الكورد و الشيعة
...
-
عن الفرس المجوس و السنة و الشيعة
-
كوباني بين مطرقة داعش و سندان تركيا
-
أين ثوار العشائر و فصائل المقاومة ؟
المزيد.....
-
جين من فرقة -BTS- شارك في حمل شعلة أولمبياد باريس 2024
-
العثور على أندر سلالات الحيتان في العالم
-
الجمهوريون يرشحون ترامب رسميا لخوض الانتخابات والأخير يختار
...
-
ليبرمان: نتنياهو يعتزم حل الكنيست في وقت مبكر من نوفمبر
-
هل تنهي أوروبا أزمة أوكرانيا دون واشنطن؟
-
موسكو: لا يوجد أي تهديد كيميائي لأوكرانيا من قبل روسيا
-
الولايات المتحدة تؤيد دعوة روسيا لحضور -قمة السلام المقبلة-
...
-
غروزني.. منتدى القوقاز الاستثماري
-
شاهد.. احتفالات زفاف العام الفاخرة لابن أغنى رجل في آسيا تتو
...
-
انتعاش الموسم السياحي في تونس
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|