أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - من اغتال الشهيد المهدي بن بركة















المزيد.....


من اغتال الشهيد المهدي بن بركة


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4961 - 2015 / 10 / 20 - 19:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



" ولست أخاف العواقب فيما اقول ، فإن الشهادة من أجل قول جريء ومعتقد ، قبة وضريح . إذا كان البعض يفكر في النيل منّي فهذا أنا . لست املك إلاّ القميص الذي فوق جلدي ، وقلبي وراء القميص يلوح عاش الوطن " مظفر النواب .
بحلول يوم 29 اكتوبر 2015 تكون قد مرت على عملية اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة بباريس ، خمسون سنة بالتمام والكمال ، و دون التوصل الى كشف اللغز الجريمة التي القت بظلالها على اكثر من مصدر وجهة ، ولا تزال الى يومنا هذا تحاط بالضبابية والابتذال . وتشاء صدفة المكر ان يكون يوم 29 اكتوبر 1972 كذلك ، هو يوم اختطاف المعارض النقابي حسين المانوزي من مطار تونس الدولي ، بمشاركة الاجهزة الامنية التونسية ، وبأوامر من غير المأسوف عن ذهابه الرئيس لحبيب بورقيبة الذي سلمه الى اجهزة الكلونيل الذي اضحى جنرالا احمد الدليمي ، كما تشاء الصدفة ان يكون شهر اكتوبر الشهر الذي توفي فيه الفقيه محمد البصري قائد المقاومة ، ورفيق المهدي بن بركة وحسين المانوزي . فمن قتل وقاتِلْ المهدي بن بركة ؟
-- هل الملك الحسن الثاني ؟
-- هل الجنرال حفيظ العلوي ؟
-- هل الجنرالان محمد افقير واحمد الدليمي الذي كان برتبة كلونيل ؟
-- هل المجرمون من محمد العشعاشي وصاكا والشتوكي الملقب بالتونسي ... الخ ؟
-- هل وكالة المخابرات الامريكية ؟
-- هل الموساد الاسرائيلي الذي كان ولا يزال ينشط كثيرا في المغرب ؟
-- هل فرنسا من خلال المجرمين الفرنسيين الذي نظموا عملية الاختطاف والاغتيال ؟
-- هل الفقيه محمد البصري الذي ما ان خرج من السجن بعد العفو على اثر محاولة 16 يوليوز ،1963 حتى سلمه افقير شخصيا جواز سفر ، وسمح له بالخروج من مطار محمد الخامس ، وتحت حراسة بوليسه ومخبريه الى فرنسا ، حيث كان في استقباله المجرم ( انطوان لوبيز ) ضابط الامن بالمطار ، واصطحبه الى شارع شان ايليزي حيث كانت هناك شقة فاخرة تنتظره ؟
-- هل غُرمائه في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين كانوا يتنافسون معه في الوصول الى الحكم وليس الى الحكومة ؟
انها اسئلة كثيرة تطرح ، والجواب عنها ليس بالسهولة اذا نحن اردنا الوصول الى قول الحقيقة وغير الحقيقة .
ان اهول سؤال يطرح اليوم هو لماذا قتلوا المهدي بن بركة ؟
لمعرفة السبب يجب الرجوع الى معرفة المشروع الذي كان يعمل عليه ، وهو المشروع المدون باسم " الاختيار الثوري " . وللوصول الى معرفة قوة هذا المشروع ، يجب القيام بدراسة تحليلية لنوع وطبيعة التنظيم السياسي الذي كان ينتمي اليه المهدي بن بركة ، والفقيه محمد البصري ، وحسين المانوزي ، ومحمد بوكرين ، وكل مناضلي الصف الاول من استقلال ايكس ليبان الخياني . ولا يمكن الالمام بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، إذا نحن لم نبحث في الفكر السياسي للمهدي دينامو الحزب المذكور .
ولنا ان نتساءل هل كان المشروع الايديولوجي الذي حمل همّه الشهيد المهدي بن بركة " الاختيار الثوري " ، والحزب الذي اسسه بعد الانقلاب على البرجوازية الفاسية الميركانتيلية في حزب الاستقلال ، المتواطئة مع الكمبرادور ، والمُهجّنة للشعب المغربي ، والفكر السياسي الذي آمن به ، يشكلون تهديدا لنظام المخزن كنظام قروسطوي عشائري معاد للديمقراطية وفريد لوحده في العالم ؟
وإذا نحن قمنا بمقارنة بسيطة بين الفترة الزمنية التي ظهر فيها هذا الانتاج الفكري والسياسي والتنظيمي ، وبطبيعة النظام الذي استولى على الحكم بعد ايكس ليبان ، وغبن احزاب الحركة الوطنية ، ومنظمات المقاومة وجيش ألتحرير ، الذين لوحدهم يعود الفضل في دفع فرنسا الى الانسحاب من المغرب من الباب ، والعودة اليه من النافدة ، فان تلك المشاريع كانت فعلا تخيف النظام المخزني المتمسك بالحكم ، و الذي باع المغرب بمقتضى اتفاقية الخيانة ( الحماية ) في سنة 1912 . فلا يعقل ان المقاومين وأعضاء جيش التحرير الذين ابلوا البلاء الحسن في اخراج فرنسا الشكل ، وبقاء فرنسا المضمون والجوهر ، يصبحون خارج الحكم ، في حين يستولي عليه من تحالف مع الامبريالية الفرنسية والفاشية الاسبانية ( السلطان يوسف ) ضد ثوار الريف بزعامة المجاهد عبدالكريم الخطابي ، ومن ابرق للماريشال اليوطي الاستعماري ( نفس السلطان ) يهنئه بانتصار جيوش الحلفاء على حركة الريف الثورية ، ثم حضور نفس السلطان بفرساي بفرنسا للمشاركة في احتفالات النصر على الجمهورية الريفية . بل ان من السلاطين من باع المغرب الى الفرنسيين كما فعل السلطان عبدالحفيظ بمقتضى اتفاقية الخيانة ( الحماية ) ، وتحالف النظام المخزني مع الفاشية الفرونكوية والامبريالية الفرنسية في ضرب جيش التحرير المغربي بعد استقلال ايكس ليبان ، فيما يعرف بواقعة او عملية ( ايكوفيون ) او ( المكنسة ) . فالمشروع في تلك الفترة التي كان ابرز محطاتها ، الانتفاضة المسلحة في 16 يوليوز 1963 ، كان بحق يشكل خطرا على نظام المخزن . لكن لو طرحت اليوم ، نفس المشاريع ، ونفس التنظيمات ، والأفكار والآراء السياسية ، لما كان لها مكانة في التربة ، ولما خلقت نفس التهديد الذي شكلته في خمسينات وستينات القرن الماضي . بطبيعة الحال وتزامنا مع ذكرى اختطاف واستشهاد المهدي بن بركة سنعمل على نشر دراسة مطولة قريبا حول حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والفكر السياسي للمهدي بن بركة ، حتى يكون القراء على بينة ومعرفة من تاريخ المعارضة السياسية المغربية منذ ستينات القرن الماضي والى وقتنا الحاضر .
لقد مرت الى الآن خمسون سنة على اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة ، والى الآن ، لا يزال الجميع يطرح نفس السؤال الذي تم طرحه ولا يزال يطرح منذ 29 اكتوبر 1965 . وحتى نكون جد مختصرين نقول انه هناك جهتين تضافرتا في اغتيال المهدي بن بركة . الجهة الاولى هي رفاقه الذين تآمروا عليه وانقلبوا عليه ، سواء اثناء فترة النضال الوطني ، حيث انهم كانوا يرتبطون بالمخزن ، او عندما قطعوا مع فكر المهدي الذي بلوره في مشروع " الاختيار الثوري " . وهذا نسميه بالاغتيال الروحي والمبدئي والمعنوي لتاريخ ومرحلة سجلت تمايزا فريدا في النضال الوطني ضد المخزن . اما الجهة الثانية التي اغتالت المهدي جسديا لتغتاله فكريا وإيديولوجيا وتغتال فكره الذي وجد تربة للانتشار والترعرع ، وخاصة ان الفترة التي ظهر فيها المشروع الايديولوجي للمهدي " الاختيار الثوري " ، كانت مرحلة حاسة للحركات الثورية من اجل التحرر من الاستعمار بشقيه الداخلي والخارجي ، كما كانت متناغمة مع الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم والتي ستصل اوجها في انتفاضة مايو 1968 . ان هذا الاغتيال الثاني للنظام المخزني للمهدي بن بركة نسميه بالاغتيال الجسدي .
اولا : الاغتيال الروحي والمبدئي والإيديولوجي للمهدي بن بركة :
عندما انفصلت مجموعة المهدي بن بركة عن حزب الاستقلال ( الجامعات الاستقلالية ) وإنشاءها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، فان اول عمل قامت به في الساحة ، هو تجدير المواقف السياسية والتنظيمية بما كان يجيب عن سؤال المرحلة : كيف يمكن الوصول الى الحكم ؟
واذا كان الحزب عند نشأته في 6 شتنبر 1959 يضم عناصر اجتماعية متناقضة ، حيث جمع مناضلين مخلصين ( تيار المقاومة وجيش التحرير ) ، الى جانب رهط من الانتهازيين الوصوليين الذين سرعان ما انسلخوا عن الحزب وانضمامهم الى القصر بعد الانقلاب على حكومة عبدالله ابراهيم ، فان اكبر تحد واجهه فكر المهدي هو ما عقْدُ ما سيعرف بالمؤتمر الاستثنائي المنعقد في سنة 1975 (يناير ) خصيصا للقطع ، وتصفية الحسابات مع تيار المقاومة وجيش التحرير ، الذي مثله جناح الاختيار الثوري الذي يرمز الى المهدي بن بركة والفقيه محمد البصري . وهنا لابد من التذكير ، منْ ان المؤتمر الاستثنائي بعدما قرأ الرسالة التي وجهها له عبدالرحمان اليوسفي من باريس ، فانه رفض بالإجماع قراءة الرسالة التي بعث بها الى المؤتمر الفقيه محمد البصري . ويجدر بنا التذكير ان مجموعة الفقيه محمد البصري كانت لا تزال ترتبط اشد الارتباط بمشروع الاختيار الثوري لمهدي بن بركة ، في حين طلق عبدالرحمان اليوسفي هذا المشروع ، بل انه لم يكن ضمنه اطلاقا . وللتذكير فبعد المؤتمر سيؤسس الفقيه محمد البصري ، ومناضلون ظلوا اوفياء للحركة الاتحادية الاصيلة ما سيعرف بتنظيم " الاختيار الثوري " . وللأسف فحتى هذا التنظيم سيعرف ارتدادا عن الفكر السياسي للمهدي ، حين انزلق الفقيه محمد البصري ايديولوجيا وارتماءه لدا ايران التي رفضته ، وبعد طرده في سنة 1982 من قبل حركة الاختيار الثوري ، ثم قيام هذه الحركة بحل نفسها ومعاودتها الانتماء كأشخاص وليس كتنظيم الى حزب الطليعة . وبما ان حزب الطليعة قبل تأسيسه رسميا في سنة 1991 ، كان قد لعب دورا في بلورة التقرير الايديولوجي للمؤتمر الاستثنائي الذي قطع مع فكر المهدي " الاختيار الثوري " ، فان الحركة تكون كذلك قد قطعت مع فكر المهدي الثوري ، لصالح الاختيارات البرجوازية التي بدأت بالتبلور منذ 30 يوليوز 1972 . لقد اعتبر الانقلابيون على فكر المهدي بن بركة في المؤتمر ، ان الديمقراطية ليست وسيلة فقط ، ولكنها غاية في حد ذاتها ، بمعنى انها الهدف الاسمى الذي ينشده الحزب . وان النضال الديمقراطي البرلماني هو الوسيلة الكفيلة لتحقيق التغيير المنشود ، حيث يقول التقرير الايديولوجي الذي صادق عليه المؤتمر : " ... ان الديمقراطية بالنسبة للاتحاد ليست وسيلة فحسب ، وإنما هي غاية في اطار الاختيار الاشتراكي .. لخ " .
يلاحظ هنا في هذا الارتداد والتراجع من قبل اليمينيين المخزنيين ، ان محاولة ما يسمى بالبرجوازية الوسطى والشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة القفز على الماضي الثوري للحزب ، واستعمال الاسلوب الخطابي التمويهي الديماغوجي ، لا يمكن ان يغير جوهر وحقيقة الاشياء في شيء . ذلك ان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، رغم حربائيته في الظهور المزيف ، وادعائه الخصوصي للواجهة الاشتراكية في التقرير الايديولوجي ، فان الحقيقة الواضحة للعيان ، هي قطع المؤتمر مع الفكر السياسي والتنظيمي للشهيد المهدي بن بركة ، ولماضي الاتحاد الراديكالي ، والذي نوجز منه بعض المقتطفات في انتظار دراسة تحليلية مطولة مستقبلا . " ... وإننا نقول بكل صراحة لأولئك الذين يفكرون في دعوتنا لما يسمونه وحدة وطنية ، ليست هناك وحدة وطنية ممكنة حول نظام اقطاعي في اسلوبه ، ورجعي من صميم روحه ... " . " .. ان الحزب يعتبر ان معارك البرلمان ما هي إلاّ جانبا من جوانب النضال الثوري ، إذ أن اهم اهدافنا لن يتحقق عن طريق البرلمان إن كان هناك برلمان ، ولكنه سيتم خارج البرلمان بفعل العمل المنظم الذي تقوده الطبقة العاملة والفلاحون والشباب والمثقفون الثوريون ... " .
تصريحات المهدي بن بركة : " ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لم يشارك في انتخابات 1963 بهدف تكريس مصداقيتها ، ولكن مشاركته كانت بهدف تعرية زيفها واقبارها في المهد ... ان نوابنا لن يذهبوا لركوب السيارات الفخمة والسكن في الفيلات ، ولكن عملهم سينحصر في فضح الحكم المتعفن والمساهمة في القضاء عليه .. " .
ان المؤتمر الاستثنائي بهذا النزر اليسير، كان بالفعل مؤتمر القطع مع فكر المهدي بن بركة ، ومؤتمر القطع مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي نوجزه في :
--- قرارات المؤتمر التأسيسي والمؤتمر الثاني .
--- تصريحات المهدي بن بركة وزعماء الحزب الثوريين امثال الفقيه محمد البصري وجناح المقاومة وجيش التحرير .
--- الانتفاضة المسلحة ل 16 يوليوز 1963 .
--- مشاركة التيار الجدري في الحزب برئاسة الفقيه محمد البصري في انقلاب الطائرة في 1972 .
--- الانتفاضة المسلحة في 3 مارس 1973 .
--- انتفاضة 23 مارس 1965 .
وأصبح الحزب الجديد " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، يؤمن بالتحول السلمي للمخزن ، آملا ان يغيره من داخل النظام لا من خارجه . ومع مرور اربعين سنة من الانقلاب على فكر المهدي ( المؤتمر الاستثنائي 1975 ) يكون الذي تغير جديرا ، بل اصبح في خبر كان ، هو الاتحاد وليس المخزن .
ثانيا : الاغتيال الجسدي للمهدي بن بركة :
اصبح المهدي بن بركة مزعجا لنظام الحسن الثاني منذ بداية الستينات من القرن الماضي ، بل اصبح احد المطلوبين رأسه للنظام . لقد جرت عدة محاولات لتصفيته ، كان ابرزها حادثة السير بالسيارة التي يقف وراءها مدير الامن الوطني الكلونيل احمد الدليمي . ولخلط الاوراق وتضبيب المشهد حتى تبقى جريمة الاغتيال التي كان يحضر لها بعناية نظام الحسن الثاني لغزا ودون التوصل الى نتيجة بشأنها ، اصدر هذا امره الى الجنرال محمد افقير كي يمكن الفقيه محمد البصري الذي كان محكوما بالإعدام في احداث 16 يوليوز 1963 ، وصدر في حقه عفو ، من جواز سفر ويسهل له مغادرة التراب الوطني دون ازعاج . وفي اطار الخطة المحبوكة ، وعند وصول الفقيه محمد البصري الى مطار اورلي كان في استقباله ضابط امن المطار المجرم انطوان لوبيز الذي اصطحبه الى شارع ( شون ايليزه ) ومكنه هناك من شقة في اغلى حي بباريس . كان هذا في ابريل 1965 ، اي بعد مرور شهر من انتفاضة 23 مارس من نفس السنة .
في 29 اكتوبر 1965 اعلن عن اختطاف المهدي بن بركة من شارع ليب بباريس . وفي نفس اليوم حل كل من الكلونيل احمد الدليمي بباريس من الجزائر ، والتحق به في نفس اليوم الجنرال محمد افقير من الدارالبيضاء . لكن حين وصلا وجدا ان المجرمين الفرنسيين قد تمكنوا من قتل المهدي بن بركة . وهنا استشعر الرجلان بمقلب الحسن الثاني الذي كان يجهد في توريطهما حتى تبعد التهمة عنه . وللتذكير فان رئيس الدولة الفرنسية الجنرال دوغول اتهم نظام الحسن مباشرة ، وطالب بتسليم فرنسا كل من الكلونيل احمد الدليمي والجنرال محمد افقير للمحاكمة . بطبيعة الحال سيمتثل احمد الدليمي وعميد الشرطة الغالي الماحي لطلب العدالة الفرنسية ، وبعد ستة اشهر من البحث تمت تبرئتهما من الجريمة . اما بالنسبة للجنرال محمد افقير فكان بدوره مستعد للمثول امام العدالة الفرنسية ، لكن الحسن رفض ذلك ، لأنه كان يعلم مسبقا انه سينال حكم البراءة التي نالها كل من احمد الدليمي والسيد الغالي الماحي . ان حصول الجنرال محمد افقير على البراءة يعني ان الحسن الثاني سيصبح لوحده المتهم الوحيد ، وبالحجة والدليل والبرهان ، وستكون سابقة في ذاك الوقت ، ان يصير ملك متابع من قبل العدالة الفرنسية . ان الحسن الثاني في رفضه تسليم افقير نفسه الى العدالة الفرنسية ، كان يتوخى ان يبقى الاتهام مقتصرا على افقير بسبب هروبه من العدالة ، ومن جهة حتى يشعر افقير ان عُرابه الذي يحميه ويشكل ظله هو الملك الحسن الثاني ، ومن جهة ثالثة حتى يتجنب انقلابه عليه . لذا بعد ان تبين المقلب الذي تم نصبه لأفقير والدليمي اللذين وصلا الى باريس يوما بعد تصفية المهدي ، وللفقيه محمد البصري حين بعثه افقير الى باريس بتعليمات من الملك فوجد في استقباله قاتل المهدي بن بركة انطوان لوبيز ، حتى بدأت الامور تأخذ منحى آخر ، وهذا تحصيل حاصل للتنسيق الذي حصل بين افقير وبين الفقيه محمد البصري عند مهاجمة الطائرة الملكية في انقلاب 1972 . فلو نجح الانقلاب لكان اللثام سيزال عن حادثة اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة . فرغم تشكيل كوماندو من المغاربة افقير ، الدليمي ، العشعاشي ، ميلود التونسي المكنى الشتوكي ، صاكا ... لخ ، فان الذي اصدر الاوامر الى المجرمين الفرنسيين بتصفية المهدي بن بركة هو الجنرال مولاهم حفيظ العلوي الذي كان هو الذراع الايمن للملك ومصدر ثقته . لذا فعندما فشل انقلاب الطائرة واغتيل افقير على يد الجنرال حفيظ العلوي ، حتى امر الحسن الثاني الجنرال احمد الدليمي بتصفية المجرمين الفرنسيين المعتقلين بالسجن السري ( النقطة الثابتة رقم 3 والنقطة الثابتة رقم 2 ، هكذا جرت تصفية كل من المجرم جوليان لوني والمجرم بيير دوباي والمجرم جون باليس بالمعتقل السري النقطة الثابتة 3 ، وجرت تصفية المجرم جورج بوشيس بالنقطة الثابتة رقم 2 ) وذلك لمحو آثار الجريمة ، جريمة اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة .
ان المسئول الرئيسي عن اصدار الامر باختطاف واغتيال الشهيد بن بركة . وان المسئول الرئيسي الذي اصدر الامر الى الجنرال احمد الدليمي بتصفية المجرمين الفرنسيين . وان الذي اصدر الامر بتصفية الجنود وضباط الصف والضباط بعد عملية الفرار الفاشلة من المعتقل السري النقطة الثابتة رقم 3 . وان الذي اعطى الامر بنقل الاخوان بوريكات من نفس المعتقل الى تزمامارت السجن الرهيب . وان الذي اصدر الامر بتصفية حسين المانوزي بعد عملية الفرار الفاشلة كذلك من نفس المعتقل . وان الذي اصدر الامر باختطاف الجنود وضباط الصف وضباط الانقلاب العسكري 1971 و 1972 من السجن المركزي بالقنيطرة ، ونقلهم الى تزمامارت ليمكثوا هناك 18 سنة في وضع لم يسبق لأحد في العالم ان عايشه . وان الذي اصدر الامر بإعدام الضباط الوطنيين الاحرار عن انقلاب الصخيرات في سنة 1971 . وان الذي كان يشرف شخصيا ويعطي الامر بإطلاق النار على المتظاهرين العزل في 23 مارس 1965 بالدارالبيضاء ، وفي يونيو 1981 بالدارالبيضاء كذلك ، وانتفاضة الشمال ومراكش في يناير 1984 ، حيث كان خط تلفونيا بين الحسن الثاني وبين احد المجرمين يدعى عبدالسلام الزيادي الذي كان رئيس كتابته المدعو الشرقي ضريس . وان الذي كان يتولى شخصيا وعبر خط هاتفي كل اطوار المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب ( محاكمة مراكش 1971 ، محاكمة البيضاء 1973 ومحاكمة البيضاء 1977 ، ومحاكمة القنيطرة ، ومحاكمة عبدالرحيم بوعبيد ، ومحاكمة نوبير الاموي .. ) . وان الذي اصدر الامر بإعدام ثوار 3 مارس 1973 ويوم عيد الاضحى . وان الذي اشرف مباشرة واصدر الامر بإطلاق النار على انتفاضة الريف في 1958 . وان الذي اصدر الامر بتسفير ونفي ابراهام السرفاتي الى فرنسا بحجة ان جنسيته برازيلية . وان الذي اصدر الامر بإيداع الشيخ عبدالسلام ياسين مستشفى الامراض العقلية ، ووضعه تحت الحراسة الاجبارية .. لخ . ان الشخص المسئول عن كل هذه الجرائم هو الحسن الثاني شخصيا . ومن قال بخلاف ذلك ، كأن يحمل مسؤولية ما حصل بشخص ادريس البصري ، او افقير ، او العشعاشي ، او صاكا ، ميلود التونزي اواو، هو منافق وجبان .
والسؤال : هل كان للجنرال مولاهم حفيظ العلوي ، ومدير الامن الوطني احمد الدليمي ، والجنرال محمد افقير ، والقبطان عبدالحق القادري الذي كان يتواجد بالسفارة بباريس ، ومكن المجرمين من سيارة المصلحة ( عبد الحق القادري اصبح جنرالا مديرا للإدارة العامة للدراسات والمستندات ) ، والكوماندو الفرنسي ان يجرؤوا على اغتيال شخص من وزن المهدي بن بركة ، لو لم تكن الاوامر صادرة عن الحسن الثاني . هل كان افقير والدليمي وادريس البصري والعشعاشي ووو يشتغلون في فراغ ام كان لهم رئيس يأتمرون بأوامره وينفذون بالحرف تعليماته ؟
ان هذه هي الحقيقة التي يجب ان يعرفها الشعب المغربي . والقول بخلاف ذلك جبن وخوف ونفاق .
سأحكي شيئا على مسؤوليتي : لما كان المهدي بن بركة رئيسا للمجلس الاستشاري ( البرلمان ) ، كان يعمل بمنزله الكائن بديور الجامع بالرباط احد الاشخاص المنتمين الى اسرة المقاومة . ان هذا الشخص كانت له علاقة متينة مع احد ضباط جيش التحرير يسمى الكلونيل عبدالعزيز ، كان يشتغل بدار البارود بمدينة فاس . في احد الليالي جاء الكلونيل عبدالعزيز عند ذاك الشخص وقال له بالحرف : ان الملك يدعوك للإجهاز على المهدي بن بركة ، وسيعطيك مليونين من الفرنكات . وطالب منه ان يقدم جوابا في ظرف 24 ساعة . بعد انقضاء هذه المهلة رجع الكلونيل عبدالعزيز عند ذاك الشخص لمعرفة الجواب الذي كان طبعا الرفض . قبل ان يمر اسبوع عن الرد تم تنقيل ذاك الشخص الى منزل الجنرال محمد افقير حيث واصل نفس العمل الذي كان يقوم به بمنزل المهدي بن بركة ( مكلف بشؤون المنزل ) . لقد سئل الشخص عن عدم قبوله اقتراح الكلونيل عبد العزيز ، فرد قائلا : لا اقتل ولن اقتل ، لان الله يرفض قتل النفس بدون وجه حق . ورغم اغراء المليونين من الفرنكات قال رحمه الله : من يدري إن انا قتلته سيقتلونني وراءه ، واترك ابنائي يتامى .






#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمّا جمهورية تندوف ، وإمّا الاستفتاء وتقرير المصير
- تداعيات اعتراف مملكة السويد ب - الجمهورية الصحراوية -
- محاكمة البيضاء
- اسباب التطرف ودواعيه
- تحليل للنظام السياسي المغربي
- أي صراع نخوض ؟
- حملة تضامن دولية مع الصحفي المغربي علي لمرابط المضرب عن الطع ...
- رسالة مفتوحة الى : - جيش التحرير العربي الصحراوي -
- نشوء الطبقات الاجتماعية
- رسالة الى - الشعب الصحراوي - - الشعب العربي في الصحراء - - ا ...
- العبت
- طبخة طنجرة وزارة الداخلية والمسخ السياسوي الانتخابوي
- هل لا يزال هناك امل بالوحدة العربية ؟
- الثورة
- شروط التغيير
- على هامش - الاستحقاقات الجماعية - القادمة : المجالس - المنتخ ...
- السيد محمد عبدالعزيز رئيس - الجمهورية العربية الصحراوية الدي ...
- قراءة لقرار مجلس الامن 2218 حول نزاع الصحراء
- - ملف حقوق المرأة في العالم العربي -
- انصار واعداء الرسل : المجتمع الاشتراكي مجتمع الكفاية والعدل


المزيد.....




- رد فعل غريزي مدهش.. فيلة تشكّل -دائرة تأهب- لحظة وقوع زلزال ...
- -يشمل نزع سلاح غزة-.. مسؤول في حماس يكشف تفاصيل المقترح الإس ...
- مؤتمر دولي حول السودان في غياب طرفي الصراع، وارتفاع الانتهاك ...
- الزائر الأحمر يربك سماء العراق وأكثر من 1800 حالة اختناق
- شركة يابانية تكشف عن ذئب آلي (فيديو)
- عريضة إلى نتنياهو من وحدة السايبر الهجومي والعمليات الخاصة ب ...
- مقتل 19 مدنيا وإصابة 85 آخرين بهجمات أوكرانية على مناطق روسي ...
- غوتيريش يعرب عن قلقه البالغ إثر استهداف مستشفى الأهلي في غزة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل قصف غزة.. قتلى وجرحى وتدهور غير مسبوق ...
- الخارجية اللبنانية: المحادثات مع الرئيس السوري كانت بناءة


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - من اغتال الشهيد المهدي بن بركة