|
ستار خضير قمة المجد والشرف الشيوعي الأصيل
محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 2506 - 2008 / 12 / 25 - 10:04
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
لم يتسنى لي اللقاء بالشهيد ستار خضير أو الالتقاء به أو معرفته عن قرب ،ولكني سمعت باسمه عند استشهاده وهو يؤدي واجبه الوطني عندما قام الجبناء باغتياله بطريقة بشعة وحينها نشرت صحافة الحزب نعيه وطالبت بالاقتصاص من قتلته والكشف عنهم ،ولكنه نداء لم يجد استجابة فعصابات صدام ويده اليمنى ناظم كزار كانت ماضية في اغتيال القيادات الحزبية الرصينة التي رأت أنها تشكل خطورة على مشاريعها المستقبلية وخططها الساعية لإنهاء الحزب الشيوعي والقضاء عليه وهو الواجب الذي كلفت به القيادة البعثية لقاء تسليمها الحكم في تموز 1968،وكان هذا واجبها الأول وهدفها الأساسي رغم ما طرحت من شعارات تمويهية لخداع القوى الوطنية بأن أبن أوى قد ترك أكل الدجاج وأصبح عابدا ناسكا تقيا ورعا ،و(أبو عادة اسأل عن سلامته) لذلك ما كانت المشاريع البعثية ولن تكون ذات هدف وطني ،وهذه الجرثومة التي زرعتها الإمبريالية العالمية في المنطقة لن تغير تفكيرها أو تلغي أجندتها ولا زالت رغم ما حدث من تطورات مطية الإمبريالية التي يراهنون عليها ويحاولون أبقائها لتنفيذ مشاريعهم التصفوية لكل ما هو شريف،واليوم بعد الهزيمة التي لحقت بالبعث ،ورغم تاريخه الأسود لا يزال فرس الرهان الذي يراهنون عليه ولابد له أن يلج الساحة من جديد لإكمال مشاريعه التي لم تكتمل بعد وليذهب دعاة الاجتثاث إلى الجحيم إذا كانوا قادرين على اجتثاث هذه الجرثومة وإنهائها فقد أخذت بالتمدد وأصبح لها وجودها الفاعل ولابد لها من أن تعود ذات يوم لتكيل الصاع صاعين لمن حاولوا الإساءة إليها وعندها سيهرب الأجتثاثيون إلى دول اللجوء السياسي،ويبقى (أبناء الخايبات) عرضة للإبادة والقتل ليناضل المناضلون من خارج الحدود ويحاربون بسيوف الأثير بانتظار المنقذ الجديد ليعيدوا الكرة ثانية ويتصدروا الساحة وهكذا هي دورة البعث في الطبيعة ،كر وفر والتحام وانهزام،والضحية هم المغلوبين على أمرهم الراقصين على أنغام الديسكو والجوبي والمولية والهالي كالي ،فالعراقيون أساتذة في الرقص على جميع الأنغام ويجيدون هز الأرداف لكل من يقرع لهم الطبول ،و(على هالرنة أطحينج ناعم). أعود إلى سياق الحديث فقد ألهاني الرفاق البعثيين عن صلب مقالي لأنهم (حمص بكلشي ينبص) أقول سمعت باسمه بعد استشهاده ،والذي يموت عندنا نحن العراقيين يكون (عزيز محروق....) لذلك كانت برقيات الاستنكار من الأحزاب الشقيقة والصديقة والعراقية،وتداولت أسمه وكالات الأنباء وعرفنا أنه عضوا في اللجنة المركزية وأنه كذا وكذا...ومرت الأعوام،وذات يوم وفد إلى مدينتنا الباسلة طبيب جديد أسمه (باسم الحيدر) يومها كان الناس لا يسألون عن دين فلان أو طائفته ،وعن أهله وعشيرته فالجميع سواسية ولا فرق بين المختلفين كما هو الحال هذه الأيام،وسمعت همسات من هذا وذاك من الرفاق أنه شقيق ستار خضير،وتقرب منه الرفاق الشيوعيين على خيفة عليه،وقد جاءت معه بنت في سن المتوسطة ،سجلت في متوسطة البنات كنا نعتقد أنها أبنته ولكنها كانت ابنة أخيه الشهيد ستار خضير،وكانت زميلة لشقيقتي الوسطى وفي ذات الصف فتكونت بينهم علاقة بحكم الروابط التي تجمعنا والطريق المشترك الذي يربطنا ،وكانت تأتي مع شقيقتي ليقرأن سوية،حينها لم أعرف أنا من هي البنت وأنها مجرد زميلة لشقيقتي ولطبيعتنا المنغلقة كنا لا نرتضي لأنفسنا مكالمة فتاة لا تمت لنا بقرابة لذلك كانت تلتقي بأخواتي ووالدتي ،وذات يوم سألت والدتي عن الفتاة من تكون فأنها تبدوا غريبة لأننا نعرف بنات الحي ونعرف أهلهن وأخوتهن بحكم الطبيعة الاجتماعية للمدن الصغيرة ،فأخبرتني والدتي ودموعها جارية أنها ابنة الشهيد،ولكن أي شهيد هذا ما لم أتأكد منه في حينها ،ولأن والدتي بطبيعتها ذات نظرة إنسانية تأسوا لليتامى وتحاول مساعدتهم،ولكن اهتمامها بهذه الفتاة كان يأخذ أبعادا أخرى فهي تذكرها دائما ولا تنعتها إلا بنت الشهيد ،سألتها ابنة من هذه ،قالت (ابنة ستار) ولكن أي ستار هذا فالمدينة فيها أكثر من ستار،فقالت (ولك يمه بت ستار شجاك ما تعرف ستار) ولكن يا أمي يوجد أكثر من ستار فهل ستار آل فلان أو آل فلان،فقالت (ولك يمه هذا الكتلوا البعثيين،وعمها دكتور باسم) عرفت حينها من تكون ولكن والدتي لا تنشف لها دمعة كلما جاء ذكرها سالت دموعها لأنها ابنة الشهيد،والسر في انجذاب والدتي للأيتام كما تقول أنها ولدت يتيمة فاحتضنتها جدتها. ستار خضير من مواليد الكحلاء أو مسيعيدة أو ما يطلق عليها بلغة الناس (الجحلة) ولد فيها لعائلة مندائية عام 1930، كان والده يمتهن الصياغة ولم تكن هذه الحرفة كما هو الحال عليه هذه الأيام ،فهي تتطلب جهدا ويعاني العامل فيها من لذع النار ووهجها ،وكانت حالتهم المادية شبه ميسورة ولوالده مكانته في وسطه الاجتماعي لما يتحلى به من صفات جعلته محبوبا من أهله وجيرانه ،فكانت داره مثابة للآخرين يقضون فيها أوقاتهم ويتداولون أسمارهم،في هذه العائلة نشأ ستار نشأة جعلته ينظر إلى الحياة نظرة أخرى فقد أرسله والده إلى المدرسة في وقت كانت الكثير من الأسر تحاول تعليم أبنائها صنعتهم ،أو يقومون بمساعدتهم في أعمالهم إلا أن والده الكريم أراد لأبنائه أن يكونوا شيئا فكان يرسلهم إلى المدارس ليكونا شيئا في المستقبل ولأبعادهم عن تعب هذه المهنة ومعاناتها،وفي المدرسة بدء ينظر إلى الحياة نظرة أخرى فالكثير من زملائه من أسر فقيرة لا تحصل على قوتها بسهولة فكانت الفوارق الطبقية واضحة في المدرسة وأبناء الشيوخ والملاكين وأصحاب العقارات والتجار متميزين بملبسهم ومصروفهم وتعامل الأسرة التعليمية معهم ،من هنا نشأ في نفسه الكبيرة الميل للطبقة الفقيرة ومحاولة تقديم العون لها وانتشالها من واقعها المؤلم فبدأت تتفتح بواكير وعيه وهو في الابتدائية،وانتقل للدراسة في متوسطة العمارة،فكانت البداية للارتباط بالحركة الشيوعية والتأثر بمبادئها،ولمواقفه الراسخة في الدفاع عن الطلبة نسب للعمل في اتحاد الطلبة العام فكان أن قاد إضرابا لتخصيص قسم داخلي للطلبة فتكللت مطالبهم بالنجاح ،وحاز على ثقة الطلبة فكان لولب الحركة الطلابية وأبنها الأمين ،وهناك تعرف بالشخصية الوطنية المعروفة الشيخ حسين ألساعدي والد الدكتور الرفيق علي ألساعدي،الذي زرع في نفوس الشبيبة المبادئ الوطنية الأصيلة،وأرشدهم إلى الطريق المفضي إلى خير الإنسانية،فكانت وثبة كانون 1948 الميدان العملي للتجربة الثورية ،فشارك فيها مع الشباب الثوري الذي رفض المعاهدة وأسهم بشكل فاعل في قيادة المظاهرات التي عمت المدينة وواجهتها السلطة بالحديد والنار مما أدى إلى استشهاد أحدهم وإصابة آخرين،وقد أغلقت السلطة المدارس والقسم الداخلي فعاد إلى بلدته الكحلاء،ليستأنف دراسته بعد عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي. بعد أكمال دراسته الإعدادية شارك في دورة أعداد المعلمين،وعين معلما في ضواحي بغداد،ولكنه فصل قبل أن ينهي السنة الأولى لانتمائه السياسي فعاد إلى مدينته ليعمل أعمالا حرة وأنصرف للعمل في التنظيم ألفلاحي،وقد وزع مناشير شيوعية في مدينته ونتيجة وشاية أحد المواطنين أعتقل مع جميع أفراد عائلته وتعرضوا لتعذيب بشع جعله يقر بتوزيعه للمنشورات لإطلاق سراح أسرته،وحكمت عليه المحكمة بالسجن ستة أشهر خرج بعدها أكثر تصميما على النضال والمواجهة،ومارس عمله النضالي غير هياب ولا وجل حتى القي القبض عليه مرة ثانية سنة 1954 وحكم عليه بالسجن سنتين أرسل على أثرها إلى سجن بعقوبة،ولمضايقات الشرطة لهذه العائلة المناضلة اضطروا للانتقال إلى بغداد،وبعد خروجه من السجن أبعد إلى بدرة لمدة سنة واحدة،التحق بعدها بعائلته في بغداد قبل ثورة تموز بشهور وواصل عمله التنظيمي في أماكن متعددة وبعد ثورة تموز 1958 عمل في التنظيم العسكري حيث أثبت جدارة وأهلية لما أتـصف به من ضبط صارم وتفان وجرأة واستعداد للتضحية،وعمل في وظيفة ثم استقال بناء على طلب الحزب ليتفرغ للعمل الحزبي،وبعد مؤامرة الشواف الخائبة وقيام القوى الرجعية بحملة تصفيات للقادة الشيوعيين نسب للعمل في مدينة الموصل لما هو عليه من روح كفاحية هازئة بالصعاب وقادرة على المواجهة فأدى عمله على أحسن ما يكون ألداء ،وعندما شاءت الحاجة الحزبية إلى الكوادر المؤهلة نسب للعمل في مدينة كركوك،ومارس عمله بما عرف عنه من بسالة وتضحية ونكران ذات حتى انقلاب 8شباط الأسود،حيث مارس العمل السري المكثف في ظل أعتا نظام بوليسي شهده العراق ورقابة باحثة مشددة عن الرؤوس الشيوعية الكبيرة لإنهائها والقضاء عليها ،وعندما نسب للعمل في كردستان الحبيبة أضطر لإعادة عائلته إلى بغداد أواسط الستينيات ومارس العمل المسلح في ربى كردستان مع أبطال الحركة الكردية وفصائل الأنصار الباسلة ،وقد نسب للعمل في بغداد عام 1966 ليعمل في التنظيم الحزبي في قيادة منطقة بغداد ثم أنتخب عضوا في الجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ومارس مسئولياته الجسيمة بما عرف عنه من قابلية واقتدار ،وبعد انقلاب البعث الساقط كانت أنظار جلاوزة الأمن ألصدامي تتابع خطواته ونشاطه وفي 23/6/1969 كانت بداية النهاية إذ قامت زمرة من قوات الأمن مدججة بالأسلحة الأوتوماتيكية بمهاجمته وهو في طريقه إلى عائلته في شارع فلسطين وبالقرب من الجامعة المستنصرية وأفرغت في جسده الطاهر نيرانها الباغية وكانت مواجهة غير عادلة لكثافة الهجوم وعدد المهاجمين فتركوه يتخبط بدمائه وسط الشارع لاعتقادهم بأستشاده فهرع أبناء المنطقة لأخلائه إلى مستشفى الطوارئ للعلاج وهناك رافقه شقيقه وأشرف على علاجه خشية قيام القوى الأمنية بالإجهاز عليه ،ولكن الأطلاقات القاتلة لم تنفع فيها حكمة الطب فأسلم الروح بعد خمسة أيام وعلى شفتيه ابتسامة هازئة بوجه الطغاة وأمل واعد بأن يأخذ الحزب بزمام المبادرة لإعادة المسيرة إلى طريقها الصحيح والاقتصاص من القتلة المجرمين،وقد شيع جثمانه بموكب كبير إلى مقبرة أبي غريب وهال السلطة البعثية الساقطة ذلك الحشد الكبير فمنعت سيارات المشيعين من مرافقة الجثمان الطاهر لساعات عدة ،وهناك وري الثرى ،وكان مقتله صدمة كبيرة للحزب والشعب ومن عرف تاريخ الفقيد ونضاله من أجل الشعب والوطن،وللأسف الشديد فأن الحزب الذي فجع بالكثير من الكوادر على أيدي البعثيين سار في الطريق الخاطئ بعقد جبهة الدجل الوطنية لتذهب دماء هؤلاء هدرا ، وينفذ البعث جريمته الكبرى بإنهاء القواعد والقيادات الحزبية بعد أكمال غرضه في كشف التنظيم ،ولعل في ذلك عبرة مستقبلية عند عقد التحالفات .
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتوى انتخابية
-
الزعيم الشيوعي الخالد طه الشيخ أحمد
-
أين هي الأخلاق الانتخابية
-
مدنيون نقتحم المنون 460
-
لغة النعال
-
موقف المرأة من الزواج ألقسري
-
الحوار المتمدن ودوره في وحدة اليسار
-
ثورة 14 تموز بين الملكيين والجمهوريين
-
لو ثور لو دكتور
-
اللعب على الحبلين
-
لماذا هذا الحقد على العراق
-
الشهيد المناضل ديلي
-
وزارة العلوم والتكنولوجيا والواجب الصعب
-
ما هكذا تقلب الحقائق ويزور التاريخ
-
الحقائق الناصعة في عملية الهروب من سجن الحلة(8)
-
صفحة المجد والخلود الحاج بشير أحمد مختار الحجازي
-
التيار الديمقراطي وتأثيره في الفترة المقبلة
-
شبكة الحماية الاجتماعية بين الفوضى والقانون
-
انتخابات مجالس المحافظات بين هيمنة الأحزاب الحاكمة وما يريده
...
-
عتاب إلى محرري طريق الشعب
المزيد.....
-
الدفاع التركية: تحييد 14 عنصرا من -حزب العمال الكردستاني- شم
...
-
-حل العمال الكردستاني مقابل حرية أوجلان-.. محادثات سلام مرتق
...
-
عفو «رئاسي» عن 54 «من متظاهري حق العودة» بسيناء
-
تجديد حبس المهندس المعارض «يحيى حسين» 45 يومًا
-
«نريد حقوق المسيحيين» تظاهرات في سوريا بعد إحراق «شجرة كريسم
...
-
متضامنون مع المناضل محمد عادل
-
«الصيادون الممنوعون» في انتظار قرار مجلس الوزراء.. بشأن مخرج
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// في خدمة الرجعية يفصل التضامن م
...
-
جريدة النهج الديمقراطي العدد 585
-
أحكام ظالمة ضد مناهضي التطبيع مع الكيان الصهيوني والجبهة تند
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|