عساسي عبدالحميد
الحوار المتمدن-العدد: 2231 - 2008 / 3 / 25 - 06:14
المحور:
الادب والفن
كانت الشمس محتجبة وراء غيم داكن أسود، وكانت عاصفة هوجاء تقتلع الدوح من جذوره و تهز الجلمود عن مقلعه، في ذلك المساء لم يرسم طائر السنونو دوائره المعتادة كما ألفناه يفعل، وحتى هديل الحمام فوق قرميد بيتنا الكبير كان كئيبا، وكنا نسمع عن بعد عواء الذئاب وبنات آوى ينسل من وراء تلال أورشليم الناحبة مسترسلا عميقا وكأن الطبيعة بكاملها وكلكلها حزينة على موت يسوع الناصري، ولطالما حذرت زوجي من مجاراة الكتبة ورؤساء الكهنة، ولطالما قلت له إياك وذاك البار فإني رأيته ذات ليلة في حلم ليس كسائر الأحلام يجلس على عرش عظيم يغرق المتجبرين ببحر من دمائه ويسقي المستضعفين بمياه من ينابيعه.
إن هذا الرجل الوحيد الذي قبضوا عليه بالأمس وكللوه بالشوك وصلبوه تحت حر الشمس سيغلب روما وكل القياصرة ولن يكون لملكه نهاية، وإن المصلوب اليوم سيختار جيشا جرارا من كل الأمم سيجتاز به نهر الأردن وسيعبر سيناء وسيقطع بحار الدنيا لترسو سفنه على شواطئ قصية، وحتى الأغراب سيهتفون هوشعنا لابن داوود.
نعم، لقد بكيت بحرارة لم أعهدها من قبل حتى أحسست بطيف ذلك البار وبيده المثقوبة تمتد الي، و رأيته في أحلام أخرى حتى بعد عودتنا الى روما كطيف سرب حمام وكغيمة لطيفة فوق بستان منسي، وكانت تلك الأحلام نعم العزاء لقلب متعب كسير، إن ذكراه كالبلسم الشافي وكعبق أرز لبنان وسوسن قيصرية...
واليوم، وكلما أردت إسداء النصح لأحفادي الصغار، تحدثت لهم طويلا عن ذلك البار، وهكذا تفعل نسوة روما، لقد غدا هذا الجليلي أنشودة على شفاهنا جميعا ترددها الفصول على مسامع الأجيال، وذكرى رقيقة تسيل مع نسائم الصباح وترفرف مع أرواح المساء لتلامس جفون أطفالنا ...
لقد أمر زوجي بثتبيت لوحة أعلى الصليب مكتوب عليها هذا يسوع الناصري ملك اليهود وكان الأجدر كتابة يسوع ملك العالم...
#عساسي_عبدالحميد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟