|
محاولة فلسفية عدد 26: ما بال نصف قرن من التعليم ال - محمد كشكار
- محاولة فلسفية عدد 26: ما بال نصف قرن من التعليم ال
|
العدد: 557566
|
محمد كشكار
|
2014 / 7 / 2 - 07:38 التحكم: الكاتب-ة
|
محاولة فلسفية عدد 26: ما بال نصف قرن من التعليم الغربي الحديث لم يطوّر العالم العربي الإسلامي كما طوّر الصين و الهند و سنغافورة و كوريا الجنوبية و ماليزيا؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
و الله، قريبا أكفر ببلادي و لكنني لن أكفر ما حييت بالتعليم الغربي الحديث رغم تعدد سلبياته (محدوديته و انحيازه مثلا) كما كفرَت به جماعة -بوكو حرام- السلفية الإسلاموية الإرهابية النيجيرية!
حدث في مسقط رأسي -جمنة-: سنة 1986، جاء مهندسون من بلاد -المجر-، حفروا بئرا إرتوازيا بعمق 2600 متر، تدفق ماءً غزيرا، ماءً حاميا زلالا، تحممنا به و روينا الآلاف من نخيل الفقراء و أقمنا حوله عشرات البيوت المكيفة و أنتجنا الباكورات في غير موسمها، طماطم و فلفل و فقوس و غيرها من نعم الكَدّ و الجَدّ. اليوم، زادت نسبة الملوحة في ماء البئر العميقة إلى درجة استحالة استعمالها للري. انقرضت الزراعة المكيفة و النخيل مهددا، ضِمن المتضررين توجد ابنة أختي، العزيزة على قلبي، إيمان. بعد مضيّ 26 عام، لم تكوّن جامعاتنا -الموقرة- مهندسين حفر قادرين على محاولة إصلاح العطب إن كان في الأمر عطب! في معتمدية -دوز- المجاورة، حدث نفس المشكل في بئر مماثلة من إبداع المهندسين المجر أيضا، فاستعانت الدولة التونسية بدولة المجر مقابل 200 ألف دينار لدراسة العطب فقط قبل الشروع في إصلاحه و قبل تقدير كلفة إصلاح العطب إن كان قابلا للإصلاح.
منذ عهد الاستعمار الفرنسي صمم المهندسون المعماريون الفرنسيون و بَنَى العمال التونسيون المحليون أول و أقدم مدرسة غربية حديثة في قريتنا، قاعتين فوقهما منزلين وظيفيين مريحين جميلين، و صمم الفرنسيون أيضا قنطرة على طريق قبلي-الحامة. بعد الاستقلال و بعد جلاء المستعمر من أرض الإسلام بفضل دماء الشهداء (على سبيل التذكير بالتضحيات التي ذهبت هباءً مغدورا: مليون و نصف شهيد في الجزائر الشقيقة فقط)، و بعد نصف قرن من التعليم الغربي المكثف في مدارس و جامعات تونس و الشرق العربي و الغرب الغربي (يبدو أن المشكلة إذن لا تنحصر في المعلم فقط بل تكمن في المتعلم أيضا، خاصة إن عمل في بلاده بعد التخرج، حتى و إن تعلم في أرقى الجامعات الغربية، يبدو أن المسألة معقدة و من البؤس العلمي حصرها في عامل أو اثنين حتى و لو كانا هامّين) صمم المهندسون المعماريون التونسيون أربعة قاعات بمعهد جمنة، و أربعة قناطر على طريق قبلي-الحامة. انهارت قناطر الاستقلال الأربعة دفعة واحدة عند أول نزول أمطار غزيرة في جوان الفارط و صمدت وحدها قنطرة الاستعمار، أما قاعات الاستقلال الأربعة، فلم يكن حظها أوفر من شقيقاتها التونسيات، المآل واحد، اختلاف في توقيت الدفن فقط!
يحق للقارئ أن يسأل السؤال الوجيه التالي: و ما علاقة هذه الأخبار المحلية الضيقة بالفلسفة؟
محاولة فلسفية للإجابة الجزئية على سؤال القارئ المحتمل: أين تعليمنا؟ أين جامعاتنا التي تُعدّ بالمئات؟ أين مهندسينا؟ لن أقول أين علماؤنا؟ لأنني واثق أن ليس لدينا علماء بالمعنى الحرفي للكلمة، فالعلماء ينتجون العلم و المعرفة، أما نخبتنا العلمية (أساتذة جامعاتنا، أطباؤنا، مفكرونا، فلاسفتنا إن كان لدينا عينة واحدة - الفيلسوف هو مَن يخلق نسقا فلسفيا متميزا- مثل كانْتْ و هيغل و ماركس و نيتشه و فوكو و غيرهم في الغرب كثيرون) فيبدو أنها اكتفت أو أُجبِرت على نقل المعرفة دون المساهمة في إنتاجها. ما هذا الفشل؟ مؤامرة أم انغلاق و صمود ضد العقلانية؟ عائق حضاري أو معرفي إبستمولوجي أو أساسي أنتولوجي؟ موروث أو مكتسب؟ داخلي أو خارجي؟ العبرة بالنتيجة! لن أجترّ الأسباب العنصرية السطحية السخيفة الممجوجة، كالأسباب الدينية أو العرقية أو القومية أو المناخية أو الجينية أو الحضارية أو البيئية أو السياسية أو الاجتماعية أو النفسية. تبدو المسألة معقدة جدا، و مَن أنا حتى أكتشف أسباب أزمتنا المعرفية؟ قد أكون جزءًا من المشكلة و ليس جزءًا من الحل! أو لعل إذا اجتمعت كل هذه الأسباب آنفة الذكر في شعب واحد منغلق لاهوتيا و إيديولوجيا، داخل وطن واحد، أخصَتْه و عقرته معرفيا! مع الإشارة الهامة أنه يوجد مئات الآلاف من العلماء العرب المسلمين يشاركون في إنتاج العلم الغربي، لكن في غير بلدانهم و في غير بيئتهم الأصلية، ينتجون المعرفة الغربية الحديثة في بلدان غربية تنعم بالحرية و الرخاء و الديمقراطية.
رجاءً احترموا الذكاء الحديث المكتسب و المراكَم حضاريا و عالميا، و ابتعدوا أرجوكم عن الأجوبة الجاهزة الغبية - فالفلسفة خُلِقت لمنع و مقاومة الغباء - كالانحطاط الأخلاقي و انعدام الضمير المهني و فقدان الحس الوطني و الابتعاد عن الدين الحنيف و الانحلال الأسري و المثلية الجنسية و الانبتات أو الأصالة!
العقلانية و الديمقرطية، أبدعهما الإغريق منذ حوالي 26 قرن (5 قبل المسيح و 11 قبل محمد، صلعم) و يبدو لي أن العالَم العربي الإسلامي لم يتبناهما بعدُ! الجرح عميق و الدم ينزف منذ عشرة قرون على الأقل، منذ أن أحرِقت كتب ابن رشد من قبل المسلمين العرب في الأندلس عند نهاية القرن الثاني عشر ميلادي، و لا يوجد حتى الآن طبيب مداويا! يبدو أننا شعب قد فقد الإحساس بالألم أو أننا شعب -سادي- مازوشي- يتلذذ بإيذاء نفسه و إيذاء الغير!
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 1 جويلية 2014.
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
خالد سالم - كاتب وباحث أكاديمي - في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: هل تطاردنا لعنة الأندلس؟ / خالد سالم
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
/ محمد علي محيي الدين
-
وفاة الأمم المتحدة؟
/ الطاهر المعز
-
فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمات المباشرة لإسناد فلسط
...
/ علي الجلولي
-
بعض مني
/ مصطفى حسين السنجاري
-
كيف لكوخٍ صغير ,أن يحوي شمساً
/ شيرزاد همزاني
-
يا طفلَ قلبي
/ محمد وجدي
المزيد.....
-
ما هي أعراض الإصابة الإشعاعية؟ وكيف تحمي نفسك منها؟
-
بعد إعلان ترامب -وقف إطلاق نار شامل-.. فريد زكريا يوضح ما ست
...
-
شكر لترامب وتحذير لطهران.. أول بيان من حكومة نتنياهو بعد وقف
...
-
قصف مبنى سكني إسرائيلي في بئر السبع بعد إعلان ترامب عن وقف إ
...
-
أزمة رواتب الموظفين في العراق تشتعل والصرف يتوقف.. “التفاصيل
...
-
اليونان ترسل سفنًا حربية قبالة المياه الإقليمية الليبية لصدّ
...
المزيد.....
|