|
رد الى: عبدالله امين الحلاق - ياسين الحاج صالح
- رد الى: عبدالله امين الحلاق
|
العدد: 435230
|
ياسين الحاج صالح
|
2012 / 11 / 26 - 21:01 التحكم: الكاتب-ة
|
ليس هذا رأيي يا عزيزي عبدالله. الواقع أني أرى فضلا لأدونيس على أشباهه في أنه أكثر مواكبة لما يجري، وإن كان يقول الكلام نفسه قبل الثورة واثناءها، وإن كان عاجزا بالكلية عن التفاعل الإيجابي وإعادة النظر في شيء مما كان في عقله أو في نفسه. إيديولوجيو -البرجوازية الاجتماعية- الآخرون ساكتون، أو قالوا كلاما قليلا متشككا ومتعاليا، ثم اعتصموا بحبل الصمت. وهو ما أفسره بأن ما يمكن أن يقولونه هو تكرار لقديمهم، وأنه لن يكون لهم صوت مميز في التحليل والموقف. الصمت هو الحل. ويبدو لي هذا موقفا حكيما، فالقليل الذي قالوه مبتذل معرفيا فعلا، أما سياسيا فهو في أحسن الأحوال متشكك في الثورة، ويشبه موقف تلك التنويعة من المعارضين الأقرب إلى النظام. وهم في هذا لن يقولوا كلاما أفضل مما يقوله معارضون أقرب إلى أرض الواقع. الصمت أفضل. وليس سبب صمتهم أو تشككهم أن الثورة صارت عنيفة وظهر فيها إسلاميون... فما أعرفه من كتاباتهم المتشككة، وأظنني أعرفها كلها، يعود إلى بداية الثورة يوم لم يكن هناك لا عنف ولا إسلاميون. بل إن التشكك سابق للبداية ذاتها. للثلاثة المذكورين مواقف عدائية من المعارضة السورية من أمثالنا حين لم نكن شيا مذكورا، وقد بدا لأحدهم عام 2001 أننا نهدد -الدولة- (الدولة، وليس النظام)، وأن -الدولة- توشك على الانهيار، حين كنا عشرات الأنفار، تستطيع دورية مخابرات واحدة لمّنا جميعا. وبدا لآخر أننا أننا والنظام -وجهان لورقة واحدة-، وأننا لا نعادي الإسلاميين بالقدر الذي يبدو أنه صحيح في نظره، وأننا نكتفي بمخاصمة النظام الذي يحكم البلد منذ عقود، واعتقلنا وعذبنا دون أن يقول هو شيئا عن ذلك، والذي سبق أن قتل عشرات ألوف السوريين، دون أن يقول شيئا أيضا. علما أن سجله النضالي لا يتجاوز التوقيع على بيان ال99! ولثالث أن أمثالنا شعبويون، وأن الشيء الصحيح هو منع الأميين من التصويت في أية انتخابات حرة لأن الأميين طائفيون، وخوفا من طغيان الأكثرية الذي يبدو أنه لا يهددنا إلا إذا جرت انتخابات حرة في بلداننا.
وليس المطلوب منهم، يا صديقي، ولا من المثقفين عموما، -الانخراط الفعلي- في الثورة، كما تقول. أفترض أن المطلوب هو التفاعل مع الأوضاع الناشئة في البلد بأدواتهم كمثقفين، وليس بأية أدوات أخرى. كرامة الثقافة وكرامتهم الشخصية تقتضي ذلك. وتعريف المثقفين يقتضي ذلك. وهم ليسوا ملزمين بتأييد الثورة، بل لعلهم مطالبين بنقدها، لكن أرني أين النقد؟ أكثر من عشرين شهرا انقضت دون بحث واحد من أي من المعنيين؟ ورأيي أيضا أنهم مطالبون قبل النقد ذاته بالمساهمة في شرح ما يجري، والقول بكلام واضح أين نحن كبلد، وأين هم من حالنا كبلد، ومع من هم في هذا البلد المنكود. قل لي: أين الشرح؟ وأين الموقف؟ كمثقف، أنت تعمل على إظهار معنى ما يجري وتغطيته بأدواتك، وتستخدم -رأسمالك الرمزي- لتزكية موقف ما. أين قام المعنيون بذلك؟ أنت مثقف سوري، وفي بلدك تحدث أشياء لم يحدث ما يشبهها خلال نصف قرن، أو منذ استقلال البلد في رأيي، فهل يعقل أن تسدد قسطك للعلا بكتابة مقالة رأي واحدة، أو مقالة وربع (تكتشف في الربع أن هناك -مخططا خارجيا-)، أو مقالتين؟ وخلال هذه الأشياء التي تحدث في بلدك (دعنا من النقاش فيما إذا كانت ثورة أو غير ذلك)، أو في ذاك البلد الأجنبي الذي اسمه سورية، قتل ألوف ثم عشرات الألوف، ودمرت أحياء وبلدات ومدن، واعتقل أو قتل تحت التعذيب أو تحت القصف أو على يد القناصين... زملاء لك، كتاب أو فنانون، وأنت لم تكلف خاطرك أن تكتب مقالا عنهم، أو حتى توقع على بيان تضامن، أو تبادر مع أشباهك إلى قول أي شيء في أي من هذه الشؤون! أنا أفترض انه يكفي أن يكون المرء إنسانا حتى يقول شيئا، فكيف إذا كان مثقفا سوريا، و-علمانيا- و-ديمقراطيا- و-تنويريا- و-حداثيا-... وما شئت! رأيي ان هذه مشين، ويجب القول إنه مشين. أليس كذلك؟ أما أن ما قالوه في شأن -الديمقراطية والحداثة والعلمنة- هو -عمل مهم-، كما تقول، فهذا خارج الموضوع، سواء كان صحيحا أم لا. وأنا لم أتطرق إليه في المقال موضوع النقش. وما فائدة أن تكتب عن -الاستبداد- عموما كما يبدو أنك تقول (أين كتبوا عن الاستبداد بالمناسبة؟)، بينما تسكت عن الاستبداد، بل الطغيان، العياني المحسوس الملموس، في بلدك؟
وعلى كل حال، ربما تعلم أني أرى أن منهج المعنيين، طرابيشي وأدونيس بخاصة، ثقافوي اختزالي، يفسر المجتمع والسياسي بالثقافة، بعد اختزال الثقافة إلى مكونها الموروث وإغفال المكتسب (حتى ثمانينات القرن العشرين كانت الثقافة لدينا بالذات تحيل على الاكتساب وليس على الموروث)، واختزال الموروث ذاته إلى الدين، والدين ذاته إلى الإسلام، والإسلام ذاته إلى الإسلام السني، والإسلام السني ذاته إلى ما يقرأونه عنه في الكتب، وليس إلى الدين المعاش في المجتمع الحي الذي هم منه، والذي في الواقع لا يعرفونه، والأرجح أنهم يعرفون أشياء عن باريس ولندن أكثر منه. هذا المنهج محافظ سياسيا، ومعاد للعامة والديمقراطية، وترجمته السياسية تتراوح بين الاستبداد المستنير في أحسن الأحوال، والفاشية في أسوئها (الفتوى بمنع العامة من التصويت أقرب إلى الفاشية من أية ثقافة للديمقراطية) . وبينما قد يبدو لك أنهم منشغولون بقضايا الفكر والمعرفة فإن في فكر المعنيين الثقافوي الكثير من السياسة، ورأيي القاسي أنه ليس فيه شيء غير السياسة، مع تغليف فكري ركيك. أدونيس وجورج طرابيشي وعزيز العظمة سياسيون أكثر منك ومني. وأكثر من صادق جلال العظم وبرهان غليون. ختاما، ربما تعلم أني قلت كل ذلك قبل الثورة، وأنه مع ذلك ليس حكما مبرما على أعمالهم التي أقر أني استفدت من بعضها، وأحلت إلى بعضها في بعض شغلي. لكن اختبار أفكارنا هو الممارسة العملية، التاريخ، وأخشى أن هذا الاختبار قاس جدا بحق أعمالهم خلال العقدين الماضيين.
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
ياسين الحاج صالح - كاتب سوري - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: قضايا في شأن الثورة السورية واليسار / ياسين الحاج صالح
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
المقامرة *
/ إشبيليا الجبوري
-
علوم العاطلين عن العمل
/ كاظم فنجان الحمامي
-
العقدة الوجودية 🪢 منعت لوعي المواطنة الإنتشار ورسخت
...
/ مروان صباح
-
خيمة وما ادراكَ ايّ خيمة .!؟
/ رائد عمر
-
الغزالى حُجّة الشيطان ( 6 )
/ أحمد صبحى منصور
-
طوفان الأقصى 415 – نتنياهو خلف القضبان؟!
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
محمد صلاح يعلق على سوء نتائج مانشستر سيتي خلال الفترة الأخير
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
المزيد.....
|