|
رسالة إلى اخي المسلم - حميد زناز
- رسالة إلى اخي المسلم
|
العدد: 368345
|
حميد زناز
|
2012 / 5 / 16 - 13:17 التحكم: الكاتب-ة
|
جاء في حوار المتدخلين فيما بينهم أطروحات كثيرة فضلت عدم التدخل و ترك الحوار يتقدم رغم تحفظي بل و عدم اتفاقي تماما مع ما يقول البعض . في هذا النص االذي سبق و ان عنونته رسالة إلى اخي المسلم ردود غير مباشرة على أغلب ما جاء في تدخلات الإخوة:
أخي المسلم: تحبِّذ صورة الماضي الجميلة التي تنحت في خيالك على الحاضر الذي يتحدّاك بأسئلته الكبرى وتهاب أكثر من المستقبل الغامض الذي ينتظرك. أمام عجزك الفادح في ابتداع نموذج ثقافيّ آخر، طالما منّيت النفس به، لم يبق لك سوى الاحتماء وراء الذكريات والاختفاء في حنين مزمن إلى ماضيك البطوليّ التليد. مع تراكم محنك وخطوبك، ما انفكّ ماضيك المؤمثل، المتوهّم، يتحوّل إلى حاجة حيوية، بل إلى مركوب تمتطيه لتهرب من واقعك الشحيح إذ أصبح ذكرك واجترارك ذاك الماضي البعيد تنفيسا لروحك المكبّلة بقيود حرمان حاضرك. مع تعاقب السنين العجاف تلو العجاف،اشتد شعورك بالانتماء إلى إمبراطورية امبريالية هيمنت في زمن غابر وتحوّل شعورك هذا إلى تضخّم وهميّ لـ -أناك- حال دون تجاوزك لذهنية الحروب الصليبية وبسيكولوجية الثأر ومنطق- أسلم تسلم-. فكأنّك لم تدرك أو تتظاهر بعدم الإدراك أنّ النور يأتي اليوم من الغرب وأنّ شمس العرب لم تعد تسطع على الغرب. رغم أنّ التاريخ يؤكّد لك بُعد ذلك التصوّر الورديّ للتاريخ الإسلاميّ عن الحقيقة الموضوعية، فلأسباب تعويضيّة جليّة، تبقى تلك الصّور المثالية عالقة في مخيّلتك لا يهزّها منطق ولا علم، وهكذا يغدو الماضي، في وعيك ولاوعيك، وعدا. وتُمسي الأساطير لديك أهمّ من التاريخ. تجد في هذه الواحة الافتراضية مكانا هادئا تتصالح فيه مع ذاتك بعيدا عن فظاعة الراهن وأخطار الآتي. كنتُ، كائن أنا، وسأكون، يقول مقطع من النشيد القوميّ السويديّ. كذلك هو حالك، أخي المسلم، أنت لا تتغير أبدا. تبقى رازحا دوما تحت سلطة أمْسِكَ الأبديّ، فأنت من بين المخلوقات النادرة التي لا تطالها التغيرات. تبقى هويّتك دائما كما هي، رغم تعاقب الأزمان وتغير الأمكنة وتجدّد الأحوال. أضلّتك نُخبك غير المُعمّمة بأسلمة التاريخ العربيّ بدل ترخنة الإسلام. أما تلك المعمّمة فجعلتك تكره ما أسمته- آخر زمان-، فالحاضر يقول شيوخ دينك، تيه وضلال، لأنّ الذاهب أحسن من الآتي فـ-خير العصور عصري ثم الذي يليه ثم الذي يليه-، يقول لك حديث معنعن. يُرهبك الرهبان في المساجد من هذا -الآن- وذاك -المستقبل- ويُرغّبونك في العودة إلى الوراء ليسجنوا -يومك- و-غدك- في سراديب ذاكرة مؤسطرة لا تملّ ولا تكلّ من التغزّل بأمس الأجداد، فتُضخّمه تارة، وتقدّسه أخرى وتُحرّفه في كل حين. فما أحلى الرجوع إليه. أنت ترجع إلى الوراء هروبا إلى الأمام بل تَفرّ من ذاتك إلى ذاتك لتعوّض خسارتك للعالم. لا تجني من عبادة الذكريات في النهاية سوى تهييج ذاكرتك ولا يتسنى لك، بأيّ حال من الأحوال أن تحوّل تجاربك إلى وعي تاريخيّ وهكذا يصعب عليك الانتقال من الذكرى إلى المستقبل. التفافك شبه المرضيّ إلى الوراء يمنعك من القفز إلى الأمام. من شدّة حنينك إلى عصرك الذهبيّ المفترض، لم تتمكّن من تجاوز النظرة الفقهية للتاريخ. لا زلت تنتظر اليوم الذي لا ريب فيه، يوم تنتصر على العالم أجمع. إنّ الله معك وما كان سيكون، فلا بدّ أن يعيد التاريخ نفسه، إن شاء الله. قلّما قرأتَ تاريخك قراءة نقدية، فلا يخلو تصوّرك للتاريخ من نفحات خلاصية أسطورية رغم ثورة المعلومات وتطوّر سبل المعرفة والبحث التاريخيّ. تتمترس داخل ثكنة -أنا مسلم إذن أنا موجود-، فيسمّرك هذا الكوجيطو الإسمنتيّ في مكانك، يبعدك عن حاضرك ويضمن لك غيابا أكيدا في عالم الغد المعولم. أخي المسلم، كأني بك لا تملك وطنا واقعيّا في العالم المعاصر، فاسمح لي أن أقول لك بأنّك تائه بين -الذي لم يعد- و-الذي لم يحصُل بعد- . تبكي الأوّلَ الذي راح دون رجعة وتنتظر الثاني الذي طال انتظاره، ويبقى وطنك المثاليّ الذي تحلم به نائما في بطون كتب تراثك ومصروخا به في خطب أئمتك وترّهات دعاتك. دعني أحصّل لك في النهاية حاصلا: إنّ أزمتك تكمن في عجزك الفادح عن تشخيص مرضك وهضم فشلك. وهما أمران متلازمان لا يشفى منهما قبل الشفاء من وثنية التاريخ. أخي المسلم أنت في حاجة ملحّة لنظرية علمية صارمة في موضوع -انحطاطك الحضاريّ-، تجعلك تضع النقاط المناسبة على الحروف المناسبة، وتزرع فيك الوعي بأنّ مصائبك تعود بالأساس إلى ما أنت عليه ، لا إلى ما هو عليه الآخر. يغلب المنطوق النصّيّ على التدبير العقليّ في تفكيرك وسلوكك، ولا زلت تتشبث بما يعوقك ويفاقم مشاكل حاضرك بدعوى الأصالة والهوية. كن شجاعا واستخدم عقلك، فهل -البيعة- صالحة لكلّ زمان ومكان؟ خدعوك بقولهم ديمقراطية وما هي يا صديقي سوى عبارة عن إعلان إذعان فرديّ وجماعيّ للحاكم. إن كنت شيعيا قل لي بربّك كيف يمكن أن تنطلي عليك حيلة -ولاية الفقيه- التي تعطي لرجل واحد صلاحيات مطلقة في التحكم بمصير أمة كاملة؟ أفهم أنك تبحث عما يريح نفسك المتعبة ولكن إلى متى تبقى غارقا في لجّ الخطابات الديماغوجية الحالمة وسهل الانقياد لمن نصبوا أنفسهم عليك قادة ربانيين؟ عليك أخي أن تقطع الطريق أمام الكهنوت الإسلاميّ الذي يحترف إفناء ذاتيتك وناسوتيتك، ويعتاش من تعبئة مشاعرك الدينية تعبئة دائمة ويلهيك مسيلا لعابك بحديث عن -دولة إسلامية فاضلة-، ذلك الكائن الهلاميّ الذي لم يشهد التاريخ له وجودا قطّ. أعرف أنك تتوهّم امتلاك الحقيقة المطلقة بل تعتبر نفسك مُؤتمنا حصريّا على الحقيقة المنزّلة ولا ترى في الآخرين سوى ضالّين تائهين حمقى ومع ذلك اسمح لي أن أسألك سؤالا أخيرا أتمنى ألا تجده أحمقَ: هل النصّ هو مرجع الحياة أم إنّ الحياة هي التي ينبغي أن تكون مرجعا للنصّ؟ طال الزمن أم قصر، سيتسلّل الفعل النقديّ إلى مقولاتك المحنّطة، وعندذاك ستعود من الماضي وتكفّ عن معاداة الصيرورة وتفتح موسما للهجرة نحو المستقبل.
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
حميد زناز - باحث و مفكر جزائري مستقل - في حوار مفتوح حول : أسلاموفوبيا أم رد فعل طبيعي ضد أسلمة الغرب؟ / حميد زناز
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
مقامة السلح .
/ صباح حزمي الزهيري
-
الّستّ انت من يوقظ الحلم
/ قصي حزام عيال
-
التناص بين الجمال والقبح- قراءة سيميائية في بناء الروح البشر
...
/ كريم عبدالله
-
قالت
/ مصطفى التركي
-
سنين مبارك من الالم
/ وفاء العبد
-
_____________ أثلَجَتكَ ناري
/ سلوى فرح
المزيد.....
-
منظمة الصحة العالمية: 59% من المؤسسات الطبية في غزة دُمرت
-
نجيب ساويرس يثير تفاعلا بسؤال حول كيفية بناء قاعدة مشجعين لن
...
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
كم سعره اليوم؟.. أسعار عيارات الذهب اليوم في العراق السبت 23
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
المزيد.....
|