|
رد الى: مقداد مسعود - عصام الخفاجي
- رد الى: مقداد مسعود
|
العدد: 363008
|
عصام الخفاجي
|
2012 / 5 / 1 - 04:03 التحكم: الكاتب-ة
|
تثير مساهمتك أسئلة كثيرة وعميقة لا استطيع التطرق لها كلها. لذا أرجو أن تسمح لي بانتقاء بعضها من دون أن يعني ذلك قط أن الأسئلة الأخرى أقل عمقا أو أهمية. أبدأ أولا بسؤالك عن الشخصيات اليسارية الكاريزمية في العراق والعالم العربي ودخولنا في عصر الأسماء الخافتة وعما إذا كان ثمة قطع بين الأجيال. إذ لم يثره أحد من الأخوات والأخوة المساهمون في هذا النقاش الحيوي. وإجابتي هي نعم ولا في آن. فسيرورات الحياة والتاريخ معقدة لاتسمح بإعطاء إجابات مبسطة وقاطعة. ورأيي أن ثلج المنافي، حسب تعبيرك لعب دورا في تراجع/ بل لنكن أكثر صراحة، في اختفاء تلك الأسماء الكاريزمية إلا في أذهان مناصري الحركات الشيوعية مع الأسف. ولعب القمع الوحشي دورا مهما في ذلك أيضا. ولنضف إلى ذلك عاملا آخر يعرفه الجميع يتمثل في الدعم الإعلامي والسياسي والمالي الذي حصلت عليه حركات أخرى وحرم منه اليسار. لكنني أشرت في مساهمتي في الملف الذي أطلقه موقع اليسار المتمدن قبل أشهر إلى أسباب، أظنها أكثر عمقا، علينا أن نواجهها بشجاعة لا لكي نندب حظنا أو لنشتم اليسار، بل لكي نشخص أمراضنا ونحاول إيجاد العلاج لها واستنهاض اليسار من جديد، وتلك مهمة اؤمن أنها ستتحقق بأشكال تتناسب مع عصرنا وتتخذ أشكالا تتناسب مع الأوضاع الملموسة لكل بلد. ليس بالإمكان تقديم عرض شامل، لما أراه مشاكل جدية واجهتها الحركة الشيوعية منذ عقود. كما أن بعضها لم تكن أمراضا بل تحديات عجزت عن تجاوزها. فقد كانت الأخيرة سباقة في طرح المطالب الوطنية التي التفت حولها الغالبية من أبناء الشعب أو قطاعات كبيرة منه على الأقل. وكانت تلك الجماهير ترى أن هذه المطالب لن تلبى من دون مجئ الشيوعيين إلى الحكم أو المشاركة فيه على الأقل. ثم جاءت ثورات التحرر الوطني لتؤمم النفط وقناة السويس وتصدر قوانين الإصلاح الزراعي وتقدم الخدمات الصحية والتعليمية لجمهرة واسعة من السكان، بل وترفع شعارات الإشتراكية. وهنا لم تطور الحركات الشيوعية مطالبها للإرتقاء بالثورات إلى مستوى أعلى يتجاوز ما تحقق، بأن تطرح ضرورة الإنتقال إلى التعددية السياسية وإطلاق الحريات العامة والتداول السلمي للسلطة عبر الإنتخابات الحرة. نعم طالب بعضها بإطلاق الحريات، لكنها رفعت الشعار القاتل -لاحرية لأعداء الشعب- الذي يطلق يد الدكتاتوريات في تحديد -أعداء- الشعب و-أصدقائه-، ولم يتبن أي منها (بحدود معرفتي) المطالب الأخرى. ودخلت حركات مهمة في جبهات مع تلك النظم قيدت استقلاليتها بشكل شبه تام (بل أن الشيوعيين المصريين حلوا حزبهم ودخلوا في اتحاد ناصر الإشتراكي) بحيث لم تعد الجماهير تفرق بينهم وبين تلك الأنظمة بعد أن وافقوا على وصف الأحزاب الحاكمة أحزابا قائدة للمجتمع (سوريا) أو للسلطة (العراق). وكان نقدهم الخجول يدور حول زيادة دورهم في اتخاذ القرارات السياسية. وحين انتقل الحزب الشيوعي إلى المطالبة بالديمقراطية عام 1978، وتجنبت تلك المطالبة الإشارة إلى الإنتقال إلى الإنتخابات العامة وغير ذلك، وبدأ النظام ببطشه، كان الوقت قد فات لإعادة الصلة بالقاعدة الجماهيرية غير الحزبية. لماذا أقول أن الوقت قد فات؟ لأن السلطة كانت قد استغلت الفترت السابقة لتثبيت ركائز حكمها. وكان في مقدمة تلك الركائز إحكام قبضتها الآيديولوجية باحتكارها منظومات التعليم والإعلام والإتصالات التي تلعب دورا حاسما في تشكيل وعي الشباب من خلال طمس وتشويه صورة معارضيهل وإبراز دور الأحزاب الحاكمة وتمجيدها وتصوير كل التاريخ السابق عفنا كان ينتظر مجئ القادة الجدد لتصحيحه. كل هذا في زمن لم تكن فيه وسائل الإتصال التي تتيح للناس الإطلاع على مايدور حولهم باستقلال عن الدولة قد معدومة (باستثناء الإذاعات الموجهة من الخارج). بهذا المعنى كان ثمة قطع بين الأجيال نشأ من جهة بسبب قصور الأحزاب الشيوعية عن الإرتقاء بتطلعاتها من جهة وعن استغلال الأنظمة الحاكمة لذلك القصور من جهة أخرى. فلو لم تفشل الأحزاب الشيوعية في مواجهة هذا التحدي، لظلت محافظة على قاعدتها الجماهيرية ولواجهت النظم الحاكمة حركات شعبية تقاومها وتقاوم قمعها الآيديولوجي. أما وقد غاب التمايز النوعي بين الخطابين الرسمي والشيوعي فقد انطلقت أيدي الحكام في ممارسة سياساتهم من دون خوف من ردات الفعل. بل لقد كانت هناك ممارسات مؤلمة للأحزاب الشيوعية عمّقت إحساس الجماهير بانعدام الفرق بين الإثنين: استخدام هواري بومدين الشيوعيين كمخلب قط في مواجهة الحركة الإسلامية الناشئة آنذاك في الجزائر، انضمام الحزب الشيوعي العراقي مع البعث الحاكم في مواجهة الإنتفاضة الإسلامية في أوائل 1977، بل وصل الحال بالأول إلى تشكيل قوى مشتركة مع الحزب الحاكم وإصدار بيانات -تفسّر- أسباب الإنتفاضة إلى التآمر على النظام الذي -لم يعد قبلة للقوى الثورية في العالم العربي فحسب، بل في كل العالم الثالث-. وفي سوريا سارع الحزب الشيوعي إلى تأييد قانون خطير يحكم بالإعدام على كل من ينتمي إلى حركة الأخوان المسلمين، بدل المطالبة بأن يحاكم كل من ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون أمام القضاء، مما شرّع الأبواب أمام تقنين قتل المعارضين حتى ولو لم يرتكبوا جرائما. لكن التاريخ لايعرف التوقف. والسخط الشعبي الذي كانت الحركات الشيوعية توجهه وتبلوره في شكل فعاليات جماهيرية منظّمة كان لابد وأن يجد منافذ أخرى. وهنا تكمن مفارقة لابد من التوقف عندها تتمثل في أن شبح اليسار ظل قائما في أذهان من سيصعدون ليشكلوا عصب الحركات المعارضة فيما بعد. فقد كان الأساس النظري الذي تبلورت عبره الحركة السياسية الدينية في العالم الشيعي كتابي محمد باقر الصدر: -اقتصادنا- و-فلسفتنا- وكلاهما كان محاولة لنقض المنهج الماركسي. أما الحركة الإسلامية في مصر فلم يكن عدوها الشيوعيين المصريين المتمزقين والمندمجين في النظام الناصري، وكذا الحال في سوريا التي اندفع حزبها الشيوعي إلى مديات مذلّة في دعم نظام الأسد. من هنا توجه تحريض تلك الحركات ضد الفكرة القومية. وباختصار كانت تلك الحركات أكثر إدراكا لطبيعة النظم التي توجه السخط الشعبي ضدها ولكيفية توجيه هذا السخط لصالح برامجها. إذن لنتحل بالموضوعية ونشخّص وقائعا لاتتجاوب مع رغباتنا، وأهمها إن -الأسماء الخافتة- ليست كذلك في أعين قطاعات واسعة من الناس لاتقتصر على أعضاء ومؤازري الحركات الإسلامية. لا أنكر إن الفضائيات تلعب دورا خطيرا في الترويج لهذه الشخصية أو تلك، لكن الناس سينصرفون عنها لو لم تكن تلك الشخصيات ذات دور مؤثر في حياتهم وأفكارهم. إن القرضاوي وباقر الصدر وصادق الصدر وراشد الغنوشي وعشرات غيرهم هم شخصيات هذا العصر الكاريزمية سواء أحببنا ذلك أم لا. أنتقل إلى التعليق بجمل قصيرة على موضوعة طبيعة الثورات التي احتلت أكبر قدر من النقاش لأسباب مبررة ومفهومة: - لايسير التاريخ وفق مخططات مطبوخة، فلو كان الأمر كذلك لما انتهى الأمر بأمريكا التي خاضت حربها العدوانية في العراق وفقدت آلاف الجنود وأنفقت عشرات مليارات الدولارات إلى تحول الأخير إلى تابع لعدوها الأكبر، إيران. - الثورات لاتصنع. والشعوب التي نزلت بصدور عارية لتسقط أنظمة الفساد والقمع لم تتلق تعليمات من البنتاغون، حتى وإن كان بعض من ركبوا الموجة ذوي ارتباطات به. ومن يريد استعادة دور اليسار عليه ألا يستنكف عن الإنخراط في النشاطات الثورية وتوجيهها بعيدا عن النفوذ الأمريكي بدل شتم الثورات. - هل نتخلى عن تأييدنا لسقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لأن الغرب لعب دورا محوريا في فرض الحصار والعزلة عليه ودعم الثورة الشعبية ضده، ونصف تلك الثورة بأنها مطبوخة من قبل الإستعمار؟ هل أقف مع تجار المخدرات والمافيا لأن أمريكا تحاربهم دفاعا عن مصالحها من دون شك؟
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
عصام الخفاجي - مفكر أكاديمي وباحث في العلوم الاجتماعية - في حوار مفتوح حول : موضوعات للنقاش حول ثورات الربيع العربي وآفاقها. / عصام الخفاجي
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
مائة عام من النضال لقضايا شعبنا ووطننا
/ موريس نهرا
-
عبد الحميد الحاج (فتحي) يغادرنا
/ حمه الهمامي
-
الشعبوية والمرفق التربوي: الشعارات الخاوية عوض الا
...
/ علي الجلولي
-
تفكيك الجرح: سيميائية العلاقة بين الذات والقصيدة في منطق الف
...
/ كريم عبدالله
-
حصاد غوغائية العربان
/ وهيب أيوب
-
مأسآة غزة واصحاب النياشين العرب والمسلمون
/ طاهر مسلم البكاء
المزيد.....
-
نجل ولي عهد النرويج متهم بارتكاب اغتصاب ثان بعد أيام من اتها
...
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
6 عادات يومية تدمر صحة دماغك وتسبب الزهايمر.. كيف تؤثر سماعا
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
المزيد.....
|