|
حوال غياب المعتزلة - عبد القادر أنيس
- حوال غياب المعتزلة
|
العدد: 175891
|
عبد القادر أنيس
|
2010 / 10 / 24 - 17:39 التحكم: الكاتب-ة
|
في إجابتكم عن السؤال الأخير قلتم، دكتور كامل: -فالدولة لم تقف بكل ثقلها مع المعتزلة إلى جانب الفكر إلا في فترة قصيرة جداً من عام 813 هجرية إلى عام 847، أي مدة 34 سنة فقط. والسبب في وقوف الدولة مع العقل هنا كان بسبب أن المأمون كان يعتنق الفكر المعتزلي فأوصى أخاه المعتصم الذي أوصى ابنه الواثق بتلك السياسة-. مع ذلك ورغم الدور الكبير الذي كان يلعبه رعاة الأدب والعلم والفلسفة في جميع الحضارات القديمة عبر رعاية المفكرين والمبدعين وحمايتهم وتوجيه هؤلاء الأخيرين إنتاجهم إليهم طلبا للمال والحظوة، قلت مع ذلك هناك من المفكرين المعاصرين من لا يكتفي بهذا العامل الذاتي، أي دور المأمون الشخصي ثم دور المعتصم والواثق، في تشجيع الفكر العقلاني المعتزلي. لماذا شجع هؤلاء الخلفاء وحدهم هذا الفكر، ولماذا تنكر له من جاء بعدهم؟ الواقع أن العداء للمعتزلة لم يقتصر فقط على مسألة خلق القرآن. لقد طرح المعتزلة قضايا أخرى أهمها مسألة الجبر والاختيار والعدل الإلهي. فالإنسان عندهم -حر مُختار في أفعاله ومسؤول عنها، والله عندهم منزه لا يفعل الشر ولا يختاره ولا يريده، فأفعاله كلها حسنة وخيرّة، والعدل بكل أشكاله واجب فالله عادل بإطلاق، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف، والعقل والفطرة السليمة قادران على تمييز الحلال من الحرام بشكل تلقائي-. وهو بالتالي ليس في حاجة إلى وسطاء وهذا مصدر عداء رجال الدين لهذا الفكر وحامليه. هذه القضايا لم تكن تزعج الدولة وهي في أوج قوتها ومنفتحة على كل الأفكار، ولكنها ما أن بدأ الضعف يدب فيها حتى راحت تنكمش على نفسها وأصبحت هذه القضايا مزعجة فعلا ولعل تدني ثقافة القائمين عليها قد زاد الطين بلة. وفهم الحكام أن الجبر يلائمهم تماما لأنه يبرئهم من المسؤولية عن تردي أحوال الرعية مادام الخير والشر من عند الله، ومادامت أفعال الإنسان مقدرة سلفا. بينما إثارة المعتزلة لمسألة العدل الإلهي أكثر إزعاجا فعلا لأن الظلم والفقر والتوزيع غير العادل للثروات وما يصاحبه من ترف من جهة ومجاعات من جهة لم يعد مقدرا في نظر هذه الفكر بل صار علامة على سياسة دولة. كذلك مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لا ترى الدولة أن من حق أي مسلم العمل بهما لأنها وحدها المحتكر للقوة والقمع وتقدير ما هو منكر وما هو معروف. كذلك كان لمسألة خلق القرآن علاقة بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وتاريخية النص القرآني الذي كان التشريع فيه يتغير حسب تغير الظروف زمان مؤسس الإسلام. ولو استمر النفوذ المعتزلي طويلا لأمكن تجاوز النص الديني استجابة لتغير الظروف ولحاجات الناس كما كان الأمر يحدث والقرآن (ينزل)، بينما عارض ذلك رجال الدين الذين كانوا ومازالوا يستمدون نفوذهم وهيمنتهم على الناس من بقاء النص هو هو وبقاؤهم حراسه والمؤتمنين عليه وهذا أيضا خدم الدولة الاستبدادية التي فضلت تقاسم نفوذها مع رجال الدين على حساب الشعب بدل ترك هذه الأفكار تتطور إلى حد قد ينشأ معه ما يمكن أن نشبهه بالسلطة المضادة التي أبدعتها أوربا في شكل المجتمع المدني والتي صارت اليوم تخضع الحكام للمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة. تحياتي
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
كامل النجار في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول التشكيك والإلحاد في الأديان / كامل النجار
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي
...
/ هاني الروسان
-
رسالة إلى برجوازية فتية .
/ علاء عدنان عاشور
-
حوار سياسي صريح
/ وليد عبدالحسين جبر
-
شهيدات الفقر... من أطفيح إلى المنوفية: القهر لا يزال مستمرًا
...
/ حسن مدبولى
-
لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد
...
/ بوتان زيباري
-
الشعر الفلسطيني ضيف شرف لسوق الشعر في باريس La poésie palest
...
/ رابحة مجيد الناشئ
المزيد.....
-
أول تفسير من الجيش الأمريكي لاستثناء موقع إيراني نووي من الق
...
-
تراشق بين الأمم المتحدة و مؤسسة -غزة الإنسانية- وإسرائيل بسب
...
-
ماذا رصدت الأقمار الصناعية في أهم منشأة إيرانية لتخصيب اليور
...
-
كيفية استخدام ماء الورد لعلاج الحكة واحمرار العينين
-
تأويلات العدالة: قراءة في مآلات التقاضي في قضايا العنف ضد ال
...
-
الرئيس الأمريكي يوقع على اتفاق سلام لإنهاء أحد أقدم الصراعات
...
المزيد.....
|