|
رد الى: يامنة كريمي - برهان غليون
- رد الى: يامنة كريمي
|
العدد: 170546
|
برهان غليون
|
2010 / 10 / 8 - 14:12 التحكم: الحوار المتمدن
|
مفهوم الاتنية مفهوم متغير ومتحول تختلف فيه التعريفات، مثله مثل معظم المفاهيم الاجتماعية. بالنسبة لي هو رطيف للوعي الاتني، وهو مستوى من الوعي الذاتي والجماعي الذي يقترب من معنى العصبية القبلية التي تقوم على القاعدة التي حددتها الأدبيات العربية القديمة بعبارة : انصر أخلاك ظالما أم مظلوما. وهذا يتناقض تماما مع مبدأ السياسة والقومية والدولة الذي يقوم على قاعدة المسؤولية الفردية والقانون والمساواة في تطبيق القانون، حتى عندما يخضع المجتمع لقوانين متعددة. على أن هذا الوعي ليس ثابتا ودائما يلتصق بالجماعة، مهما كانت، من الأبد إلى ألازل. فهو قابل للتحول والتغير والتبدل. لأنه مفهوم علائقي، أي مرتبط بنوعية العلاقات التي تحيط بالجماعة. فمن الممكن للجماعة ذاتها أن تتصرف كإتنية في ظرف معين عندما لا تشكل إلا أقلية بسيطة في دولة ما، وأن تنزع بالعكس إلى تطوير وعي وطني وتتصرف كشعب عندما تجد نفسها في ظروف تسمح لها بتكوين دولة أو سلطة سياسية مركزية. وهذا أحد آثار الحداثة السياسية في عصرنا. وفي هذه الحالة يتراجع الوعي الاتني عند الجماعة ويتراجع حس العصبية ليحل محله مفهوم الخضوع الفردي والجمعي للقانون، مهما كان هذا القانون، وبالتالي الاعتراف بسلطة مركزية والولاء لها والتعاون معها، بصرف النظر عن طبيعة المؤسسة التي تديرها. ويقدم الأكراد في العصر الراهن مثالا واضحا على ذلك. وبالنسبة للعرب لا شك أن تعاون القبائل العربية في حروبها ضد حملات الدول القوية المحيطة بالجزيرة، وكذلك تأثرها بهذا المحيط وتقاليد الدول المجاورة، ثم ظهور الاسلام الذي حارب العصبية القبلية، كل ذلك ساهم مساهمة كبيرة في الارتقاء بوعي العرب الجمعي هذا ونقله إلى مستوى الوعي شبه القومي الذي يقبل باستقلال الفرد وبالعلاقة القانونية بديلا للعلاقة العصبية. ولم تتكون الدول العربية الحديثة كتجسيد لعصبية عربية وإنما جاءت في إطار انهيار الامبرطورية ونشوء شعور متزايد عند العرب بهويتهم الوطنية، وكذلك بالتقاطع مع إرادة الدول الاستعمارية التي كانت إلى حد كبير وراء رسم الحدود وبناء الإدارات الحكومية والمدنية كإدارات حديثة. وفي فترة لا حقة بعد الاستقلال نزع العرب أو حلموا بتكوين أمة حديثة موحدة على مثال ما حصل في ايطاليا وألمانيا وغيرها من الدول القومية الحديثة وليس بالعودة إلى قانون العصبية القبلية. يمكن للوعي الجمعي العربي الراهن أن ينكص إلى مستوى الوعي القبلي أي تصور الانتماء للجماعة كما لو كانت قبيلة واحدة، ينبغي التضامن معها والولاء لها على السراء والضراء، والتخلي عن مفاهيم الدولة والقانون والسياسة والايديولوجيات الحديثة التي ارتبطت بها. وفي هذه الحالة يمكن للدولة نفسها أن تنهار ويصبح من الصعب إعادة تثبيت سلطة مركزية قانونية. وهذا ما نشهده اليوم في العراق الذي تراجع فيه الشعور بقوة من الوعي الوطني إلى الوعي الطائفي الذي هو نوع من الوعي الاتني القائم على قانون العصبية. ومن الواضح أن مصير الدولة في العراق معلق على تفاهم الطوائف ومعطل بنزاعها. ومثل هذا الخطر لتراجع الوعي الوطني والقومي قائم أيضا في العديد من الدول العربية الأخرى، لدى بعض الشرائح الاجتماعية على الأٌقل. لكنه لا تزال تعوقه مقاومات كبرى، ثقافية وايديولوجية، وكذلك أوضاع موضوعية تتعارض مع عودة حكم العصبية. فلا يزال الحلم ببناء أمة حديثة أو على الأقل الحفاظ على الروابط السياسية التي تمثلها الدولة الوطنية هو الأكثر بروزا. ولا أعتقد أن من الممكن لجماعة كبيرة العدد وكثيرة الموارد أن تنحط جميعا على مستوى الوعي الجمعي إلى مستوى الوعي الاتني، وأن يتصرف العرب جميعا كأفراد قبيلة واحدة تعد أكثر من ثلاث مئة مليون فرد. أما في ما يتعلق بالشق الثاني من التعليق، فهناك بالتأكيد مشكلة تعبير وربما سوء فهم. عندما قلت إن الحداثة يمكن للأسف أن تتحقق من دون تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، واكلمة لكاملة هنا مهمة، فلم أكن أقصد أنه لا ينبغي أن نسعى إلى المساواة، أو أن هذه المساواة ليست ضرورية. وإنما كان المقصود أن الحداثة يمكن أن تكون ناقصة، لأن قضايا تحرير المرأة مرتبطة بخيارات قيمية وايديولوجية. وهي مرتبطة بتطور الثقافة الذي قد يتبع بسرعة تطور ديناميات الحداثة الأخرى العلمية والتقنية والمادية وقد يتخلف جزئيا أو كليا عنها. وفي ما وراء ذلك، يعني ما كتبته أن الحداثة لا تحقق قيم الحرية والعدالة والمساواة لوحدها وبصورة تلقائية، وإنما ما يحققها هم البشر ونضالهم من أجلها، وهذا هو معنى الاختيار الأخلاقي. فإذا تخلينا عن مسؤولياتنا في هذا المجال ليس هناك ما يمنع من أن تترافق الحداثة العلمية والتقنية والعقلية والصناعية والعولمية بسيطرة قيم فاشية أو ديكتاتورية أو عنصرية. وهذا ليس من باب التخمينات وإنما هو ما حصل بالفعل في الواقع. وكي ما تصبح الحداثة وقيمها عالمية وكونية كان على الشعوب المستعمرة أولا أن تكافح ضد السيطرة الاستعمارية وأن تتحررهي نفسها وتحرر المجتمعات الاستعمارية أيضا من أوهامها وقيمها العنصرية.
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
تَرْويقَة: -إذا أردتَ الاقتراب من قلبي...-* لخورخي روخاس- ت:
...
/ أكد الجبوري
-
الديالكتيك*
/ إشبيليا الجبوري
-
عرض موجز لكتاب رزكار عقراوي الذكاء الاصطناعي
/ طارق فتحي
-
صداقة مع الله (16)
/ نيل دونالد والش
-
إعادة التدوير السياسي: حين تصر الدولة على استدعاء الماضي وتج
...
/ ويصا البنا
-
الفصل الثالث : ألفاظ التشريع ( الحلال والحرام ، الاجتناب ولا
...
/ أحمد صبحى منصور
المزيد.....
-
الحكومة البريطانية تتولى إدارة آخر مصنع للصلب بسبب قرار لمال
...
-
لندن.. تحذير من تراجع مؤشر الديمقراطية
-
قطاع غزة.. رحلة البحث عن الوقود
-
إيران وأمريكا تجريان محادثات -إيجابية- في عُمان وتتفقان على
...
-
B?n c? long d??ng 789club – Cu?c phiêu l?u h?p d?n gi?a bi?n
...
-
بعد وفاة مصممة الأزياء المغربية.. مضاعفات عمليات شفط الدهون
...
المزيد.....
|